“متحف سرسق” تعرض لدمار هائل في انفجار مرفأ بيروت 2020

متحف سرسق الشهير، أحد أبرز مراكز الحركة الثقافية اللبنانية فتح أبوابه في مايو/آيار الماضي في العاصمة اللبنانية، بعد أن تضرر من انفجار مرفأ بيروت في الرابع آب/أغسطس عام 2020.

“أخبار الآن” تجولت في المتحف، والتقطت بعضًا من الصور التي تكشف تأنق هذه التحفة المعمارية بعد أن نفضت “الغبار” عن جدرانها.

استلزمت إعادة تأهيل المتحف نحو ثلاث سنوات من العمل، بحيث استعادت واجهتها البيضاء بقناطرها ونقشاتها الزخرفية، ونوافذها الزجاجية الملونة بالأصفر والبرتقالي، ومجموعتها الكبيرة من أعمال الفن الحديث والمعاصر.

متحف سرسق ينفض "غبار" انفجار مرفأ بيروت عن جدرانه (صور)

تم التقاط هذه الصورة بعد وقت قصير من انفجار مرفأ بيروت داخل المتحف المصدر: (متحف سرسق)

أدى انفجار 4 آب/أغسطس 2020 الناجم عن تخزين كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت من دون أي إجراءات احترازية إلى مقتل أكثر من 220 شخصاً  وتدمير أحياء العاصمة المجاورة للمرفأ، والتي تستعيد حياتها مجددأً ببطء.

القصر الذي شيّد في مطلع القرن العشرين والواقع على بعد 800 مترا من المرفأ، لم يسلم من تأثير الانفجار، إذ أصاب الدمار 70 في المئة من مساحته، بحسب مديرة المتحف كارينا الحلو.

كما تضررت أقسام المتحف المختلفة وسقط السقف في بعض الغرف، بالإضافة إلى الضرر الذي لحق ببعض لوحات المجموعة الدائمة والنادرة التي يمتلكها المتحف، إذ تضررت قرابة 50 من القطع الفنية المئة والثمانين التي كانت موجودة في المتحف وقت الانفجار.

متحف سرسق ينفض "غبار" انفجار مرفأ بيروت عن جدرانه (صور)

تم التقاط هذه الصورة بعد وقت قصير من انفجار مرفأ بيروت داخل المتحف المصدر: (متحف سرسق)

أدى عصف الانفجار إلى تحطيم النوافذ الزجاجية، فيما بقيت الواجهة شبه سليمة. لكنّ الأضرار في الداخل كانت كبيرة، إذ انهارت سقوف وتحطمت لوحات خشبية.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية غير المسبوقة التي يشهدها لبنان، بلغت تكلفة ترميم متحف سرسق، وهو مؤسسة خاصة، أكثر من مليونين ونصف مليون دولار.

وخضع المتحف منذ الانفجار، لعمليات ترميم وإعادة تأهيل بتمويل إيطالي وفرنسي ولبناني ومساعدات قدمتها بعض الجمعيات المعنية بحماية التراث والحفاظ عليه.

متحف سرسق ينفض "غبار" انفجار مرفأ بيروت عن جدرانه (صور)

تم التقاط هذه الصورة بعد وقت قصير من انفجار مرفأ بيروت داخل المتحف المصدر: (متحف سرسق)

وقد شمل الترميم استبدال جميع النوافذ بما في ذلك الزجاج الملون الذي يتميز به متحف سرسق، كما جرى إصلاح جميع الأبواب والمصاعد والأسقف المعلقة، إضافة إلى ترميم الزخارف التراثية الخشبية المنحوتة يدويا.

متحف سرسق" يعود إلى الحياة بعد انفجار مرفأ بيروت

لم يبق شيء من الزجاج المعشق الأصلي في المبنى، تحطم كل شيء من النوافذ، الزجاج الجديد هو نسخة مصنوعة يدويًا من النسخة الأصلية (أخبار الآن)

ومع ترميمه، استعاد المتحف مجموعته الفنية التي تعرضت للضرر جراء الانفجار، ومن بينها لوحة (مواساة) للفنان بول غيراغوسيان وبورتريه لنيكولا سرسق رسمه الفنان الهولندي الفرنسي كيس فان دونغن في العام 1939.

كما يضم المتحف أعمالا لفنانين لبنانيين بينهم الرسامان جورج داوود قرم وجان خليفة، والنحاتة سلوى روضة شقير.

متحف سرسق" يعود إلى الحياة بعد انفجار مرفأ بيروت

تم التقاط هذه الصورة بعد وقت قصير من انفجار بيروت داخل المتحف المصدر: (متحف سرسق)

 

متحف سرسق ينفض "غبار" انفجار مرفأ بيروت عن جدرانه (صور)

تم تدمير الصالون العربي (الديوان) إلى حد كبير. خاصة الزجاج والخشب عانى بشدة. لم يتم استعادتها بشكل كامل (أخبار الآن)

ويقع متحف نقولا إبراهيم سرسق، الذي شيده رجل الأعمال والتاجر المحب للفنون عام 1912، في الشارع المعروف في بيروت باسم “حي السراسقة”.

متحف سرسق ينفض "غبار" انفجار مرفأ بيروت عن جدرانه (صور)

يوجد داخل المتحف أيضًا مكتب تم تجديده لنقولا إبراهيم سرسق (1875-1952) الذي أنشأ المتحف (أخبار الآن)

إعادة إحياء التّاريخ

ونجح المتحف، في جمع ما يفوق مليوني دولار أمريكيّ لعمليات الترميم. وكانت إيطاليا أحد أكبر المتبرعين، بمبلغ قيمته 965 ألف دولار، من خلال مبادرة “لبيروت” الخاصّة باليونسكو. كما ساهم كل من وزارة الثقافة الفرنسية والتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع بمبلغ قيمته 500 ألف دولار.
ووصفت المديرة العامّة لليونسكو أودري أزولاي متحف سرسق بأنّه “جوهرة العمارة والحياة الثقافيّة اللبنانيّة، وهو رمز قويّ للفخر والصمود لدى المجتمع البيروتيّ”.

متحف سرسق ينفض "غبار" انفجار مرفأ بيروت عن جدرانه (صور)

أحد الأبواب العربية المصنوعة يدويًا في متحف سرسق. كان لابد من إعادة صنع معظمها بعد الانفجار (أخبار الآن)

كان متحف سرسق الذي دُشّن عام 1961 شاهداً على تقلّبات تاريخ لبنان، على سرّائه وضرّائه، وحلوِه ومُرّه، من الحقبة الذهبية في الستينات، إلى الحرب التي شهدها لبنان بين العامين 1975 و1990، وصولاً إلى الانفجار الضخم عام 2020.

متحف سرسق ينفض "غبار" انفجار مرفأ بيروت عن جدرانه (صور)

يعرض المعرض الدائم للمتحف صوراً ومقاطع فيديو للدمار داخل المتحف (أخبار الآن)

لكنّ المتحف لم يشأ محو آثار الكارثة كلياً، بل تعمّد إبقاءها ظاهرة على إحدى اللوحات، بحيث رُممت جزئياً، والهدف من ذلك يبقى شاهداً على المأساة.

وبناءً على توصيتها لعام 2015، بشأن حماية وتعزيز المتاحف والمجموعات وتنوعها ودورها في المجتمع، دعمت اليونسكو المتحف في استعادة دوره المحوري في المدينة مع تحفيز الإبداع وتجديد الحياة الثقافية وتوفير الفرص للصناعات الثقافية، كما المساهمة في الرفاه المادي والروحي للمواطنين والزوار.

عن التاريخ العريق
بنى نقولا إبراهيم سرسق القصر في عام 1912 في “حي السراسقة” في بيروت، الشهير بقصوره وبمبانيه الفخمة دفعه عشقه للفنون إلى أن يوصي بنقل ملكيته إلى مدينة بيروت بعد وفاته، على أن يتحول إلى متحف لنشر الثقافة ولدعم الفنانين اللبنانيين والترويج لأعمالهم، وانتقلت ملكية القصر بناء على وصية صاحبه إلى بلدية بيروت من عام 1952، إلا أنه لم يتحول إلى متحف في مرحلة أولى، بل إلى مضافة رسمية لاستقبال الملوك ورؤساء الدول في عهد الرئيس كميل شمعون.

عاد وتحول إلى متحف في عام 1961 مع افتتاح “معرض الخريف” الذي أصبح تقليداً سنوياً، ومن أبرز الأنشطة التي اشتهر بها المتحف في نشره للثقافة والفن، في الوقت نفسه، بنى المتحف مجموعاته الخاصة وأقام المعارض المحلية والعالمية، إلى أن أقفل في عام 2008 بشكل مؤقت لتجديده والتوسع فيه، فتضاعفت مساحته أكثر من خمس مرات حتى بلغت 5000 متر مربع مع خمس صالات عرض، وأضيفت أربعة طوابق تحت المبنى القائم دون المس بتصميمه الأساسي، كما أُضيفت قاعة المعارض المؤقتة وقاعة المحاضرات وصالة المجموعات الدائمة ومكتبة ومتجر ومطعم.