داعش في غيبوبة.. نزيف قيادات التنظيم يستمر في سوريا

أعلنت القيادة المركزية الأمريكية التنفيذ الناجح لقواتها الخاصة لغارةٍ بطائرة مروحية في ١٧ أبريل من العام الجاري ٢٠٢٣، استهدفت العملية قيادي رفيع المستوى في تنظيم داعش وهو عبد الهادي محمود الحاج علي في قرية السويدة المجاورة، لمدينة جرابلس شمال شرق حلب، وهي منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وبالإضافة إلى الشخص المستهدف قُتل مسلحان آخران في العملية.

وكشفت القيادة المركزية الأمريكية أن عبد الهادي محمود الحاج، أحد كبار قادة داعش ومخطط العمليات في سوريا، كان مسؤولاً عن التخطيط لهجمات إرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا. ووفقًا لمصادر محلية، يُعتقد أن الحاج قائد بارز في تنظيم داعش تمكن من الفرار من سجن غويران خلال هجوم كبير لداعش على المنشأة في يناير ٢٠٢٢.

وكان الهادي الذي أمضى وقتًا طويلاً في السجن في شمال شرق سوريا، يلعب دورًا حاسمًا في العمليات الإقليمية للتنظيم. وتشير المصادر إلى أن الهادي كان قد انتقل مؤخرًا إلى شمال حلب، حيث استمر في التآمر والتخطيط لهجمات إرهابية لصالح التنظيم. على الرغم من صعوبة تقييم تأثير الحاج وقدرته على تنفيذ العمليات في أوروبا، كما هو مزعوم، ولكن الطبيعة واسعة النطاق للعمليات توحي بأقدميته داخل التنظيم.

وتجدر الإشارة إلى أنه بينما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن زعيم داعش المقتول هو عبد الهادي محمود الحاج علي، فإن تقارير أخبار الآن تشير إلى اسم مختلف. حيث أكدت مصادر جنان موسى في سوريا أنه لم يسمع أحد من سكان قرية السويدة بهذا الاسم من قبل وعلموا به من خلال البيان الأمريكي فقط. وبحسب شهود عيان محليين، فإن الاسم الفعلي للزعيم المقتول هو إبراهيم الشيخ موسى. يثير هذا التناقض المزيد من الأسئلة حول هوية الفرد المستهدف والظروف المحيطة بالعملية.

لم تشكل العملية الأمريكية الأخيرة والتخلص من القيادي الداعشي مفاجأة بالنسبة للمحللين والمعلقين المختصين بمتابعة الجماعات الجهادية وعمليات مكافحة الإرهاب، فمنذ هزيمة داعش على الأرض في مارس 2019، فقد التنظيم ثلاثة من “خلفائه”: أبو بكر البغدادي في أكتوبر 2019، وأبو إبراهيم القرشي في فبراير 2022، وكلاهما قُتلا في إدلب، وكذلك أبو الحسن الحسن الهاشمي القرشي، والذي قُتل في درعا في نوفمبر 2022.

تسريبات ووشايات.. داعش يفقد قياداته التي حاول إخفائها في سوريا

ومع ذلك، فقد ازدادت وتيرة الهجمات الأمريكية على كبار أعضاء داعش بشكل ملحوظ خلال الشهرين الماضيين. ففي فبراير، استهدف التحالف الدولي أبو سارة العراقي، المعروف أيضًا باسم عبد الرؤوف المهاجر، في شمال سوريا باستخدام غارة بطائرة بدون طيار. وفي أبريل، قضى التحالف الدولي على إياد الجبوري، مساعد عبد الرؤوف المهاجر والمسؤول عن خلايا التنظيم في تركيا وأوروبا في شمال إدلب.

بالإضافة إلى ذلك، قبض التحالف على “حذيفة اليماني” أحد وسطاء ومنسقي هجمات داعش، إلى جانب اثنين من مساعديه في شرق سوريا.

بينما من المعروف أن قادة داعش يتبعون بروتوكولات أمنية صارمة لضمان سلامتهم، فقد فشل الكثيرون في تجنب المتابعة والرقابة للطائرات بدون طيار التابعة للتحالف الدولي. وهذا يثير عديد التساؤلات حول قدرة تنظيم داعش على حماية قادته بشكل فعال.

فقدان داعش لسيطرته المكانية منذ خسارته لأخر معاقله في الباغوز السورية في مارس 2019 قد تكون أحد التفسيرات لضعف التنظيم، ومنذ ذلك الحين، أصبح تأمين مخابئ آمنة لقادته يشكل تحديًا متزايدًا لداعش.

تسريبات ووشايات.. داعش يفقد قياداته التي حاول إخفائها في سوريا

 

ونتيجة لذلك، اضطرت الجماعة إلى إيواء قادتها في مناطق يسيطر عليها خصومها، مثل شمال حلب وغرب إدلب الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام، على التوالى. كما أدى الضغط المستمر من القوى الدولية والإقليمية، إلى جانب ضعف سيطرة التنظيم على الأرض، إلى وضع داعش في موقف محفوف بالمخاطر.

بينما تكافح المجموعة لتأمين مواقع آمنة لقيادتها، يواصل خصومها الاستفادة من نقاط الضعف هذه، واستهداف الشخصيات الرئيسية داخل المنظمة والقضاء عليها. تسلط هذه الديناميكية الضوء على البيئة الصعبة المتزايدة التي يعمل فيها داعش، حيث يسعى جاهداً للحفاظ على ما يشبه القوة والنفوذ في مواجهة العقبات المتزايدة.

في حين أن البعض قد يعزو قرار قادة داعش بالاختباء في هذه المناطق إلى الروابط الوثيقة القائمة بين داعش والسلطات المحلية.

شمال سوريا منطقة مكتظة بالسكان بها العديد من المخيمات الكبيرة للنازحين داخلياً التي تستضيف آلاف الأفراد من مناطق مختلفة، وبعضهم غير مسجل حتى، ومن خلال اختيار الاختباء في هذه المناطق، يزيد قادة داعش بشكل كبير من احتمالات بقائهم على قيد الحياة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحملة العسكرية الدولية بقيادة الولايات المتحدة أقل نشاطًا في هذه المناطق مقارنة بشمال شرق سوريا.

 

 

تسريبات ووشايات.. داعش يفقد قياداته التي حاول إخفائها في سوريا

هناك عامل آخر يساهم في الاستهداف المتكرر لقادة داعش والقضاء عليهم في شمال سوريا، وتعريض التنظيم للخطر، وهي ثغرة قد تنجم عن اختراق قنوات الاتصال أو تجنيد المخبرين من داخل التنظيم نفسه.

فمنذ مقتل أبو سارة العراقي، أفادت الأنباء أن التنظيم نفذ سلسلة من الإجراءات للتخفيف من أثر حملة الاختراق الموجهة ضده. وتشمل هذه الإجراءات حظر استخدام الهواتف المحمولة داخل التنظيم وتقييد التواصل مع المعتقلين، لا سيما المحتجزين في سجون قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، وتم اتخاذ هذا القرار بعد أن اكتشفت قوات الأمن التابعة لداعش أن العديد من السجناء قدموا معلومات أدت إلى اكتشاف قادة رفيعي المستوى والقضاء عليهم لاحقًا.

تسلط هذه الإجراءات الأمنية الضوء على محاولات التنظيم للتكيف وحماية قيادته المتبقية من المطاردة الحثيثة للقوى الدولية والإقليمية. ومع ذلك، وكما تظهر العمليات الناجحة الأخيرة ضد قادة داعش، أن التنظيم لايزال يواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على أمنه.

فانية وتتدهور.. داعش يواصل نزيف قادته

لذلك يسلط مقتل قادة التنظيم الضوء على تدهور الوضع المستمر لداعش. بينما يواجه التنظيم تحديات كبيرة بسبب هذه الخسائر الفادحة في القيادة، فلا تزال قدرة داعش على زعزعة الاستقرار الإقليمي في شمال وشمال غرب سوريا واضحة.