لأوّل مرّة الرهينة الأطول احتجازاً مع القاعدة، يكشف خفايا التنظيم في معكسر الإعتقال.. فماذا يقول ستيفن مكجاون لـ”أخبار الآن” عن تأثر القاعدة بالهزائم ومقتل القادة، عن أشبال القاعدة المتهوّرين، عن التواصل مع العالم الخارجي، كيف يختبئون من المسيرات في الصحراء؟
- الرهينة الأكثر بقاءً مع القاعدة ستيفن مكجاون يكشف لأخبار الآن تفاصيل الأسر وخفايا معسكر الإعتقال
- ستيفن مكجاون يكشف كيف كانت القاعدة تتجنّب ضربات المسيّرات التي لم تكن تغادر سماء الصحراء
- كيف كانت القاعدة تستقي المعلومات وما يدور في العالم الخارجي، وماذا عن أنصار التنظيم الجدد؟
- مكجاون: كانت عناصر القاعدة تعاملنا بازدراء وأمير التنظيم كان يأتي ويصطحب معه عناصر صغار
- مكجاون: الجهة الوحيدة التي التقيتها طيلة فترة احتجازي في الصحراء كان فريق عمل قناة الجزيرة
- ماذا عن عائلات عناصر القاعدة في المخيم وكيف كان التنظيم يترك الأسرى يهربون ويعثر عليهم لاحقاً؟
لم يكن ستيفن مكجاون يُدرك أنّ رحلة سياحة واستجمام على دراجته الناريّة عبر أفريقيا، ستتحوّل إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، وكابوس يمتدّ إلى 6 أعوام سرقتها القاعدة من عمره. ففي أواخر نوفمبر من العام 2011 انطلق مكجاون برحلة على دراجته النارية من لندن إلى جوهانسبرغ، وفيما كان ينزل في أحد الفنادق في تمبكتو في مالي، وقع أسيراً بيد أحد أكثر التنظيمات الإرهابية تطرفاً وعنفاً حول العالم، القاعدة. فكيف مرّت تلك الأعوام الـ6 على ستيفن وقد كان في مواجهة يومية مع الموت؟ كيف حافظ على رباطة جأشه ليمرّ كلّ ذلك الوقت؟ وأي ملاحظات سجّلها على ذلك التنظيم وتبدّل أوضاعه خلال أعوام الأسر الطويلة؟
رحلة استجمام تحوّلت إلى أطول “رحلة أسر”
وقع مكجاون في قبضة القاعدة برفقة السويدي يوهان غوستافسن والهولندي شاك ريكيه، فيما قُتل رجل ألماني الجنسية خلال عملية إطلاق النار، وقد اقتيد الأسرى إلى عمق الصحراء التي شكلت سجنهم الكبير المترامي الأطراف طوال 6 أعوام.
في حديث لـ”أخبار الآن” يستذكر مكجاون تلك اللحظات، ويقول: “أظن أنّني كنت في المكان الخطأ وفي التوقيت الخطأ، كان ذلك مضحكاً لأنّني عندما تعرّفت أكثر إلى مسلحي القاعدة وأجريت معهم بعض الأحاديث، تبيّن لي أنّه في ذلك اليوم بالتحديد، وفي ذلك الأسبوع الذي تمّ اختطافي فيه، كانوا ينوون القيام بعمليات خطف في كلّ أنحاء شمال أفريقيا. وكان بعض مسلّحي التنظيم قد انتشروا في مناطق عديدة في مالي وموريتانيا، وكانوا منشغلين في تنفيذ عمليات الخطف. قبل يوم واحد من اختطافي أو اختطافنا نحن الثلاثة بالأحرى، كانوا اختطفوا رهينتين فرنسيتين. لقد بدا لي أنّ عملية خطفي لم تكن تستهدفني شخصياً، لأنّ القاعدة كانت تنفذ أجندة معيّنة في تلك الفترة، وكانت تريد تنفيذ عمليات خطف”.
مكجاون.. ورقة المساومة الأوفر حظاً
لم يكن الرهائن الـ3 على يقين بما إذا كانوا سيبقون على قيد الحياة أم لا، فيما كان مكجاون يعتبر الحلقة الأضعف بينهم كونه جنوب أفريقي ويحمل الجنسية البريطانية، ما يجعل منه ورقة للمساومة من أجل الحصول على مبالغ مالية طائلة. فذات مرّة وبعد أيّام قليلة من اختطافه، كان يجلس على الأرض يشاهد خاطفيه وهم يذبحون الماعز، وقد فكّر في نفسه أنه قد يكون أوّل من يذهب بسبب صلاته البريطانية.
ويشرح قائلاً: “صحيح أنّني جنوب أفريقي، لكنّني أحمل جواز سفر بريطاني ما يجعلني الرهينة الأكثر كرهاً بين الرهائن الـ3، وورقة مفاوضات بالنسبة للتنظيم والأكثر حظاً للتصفية”. وأضاف: “كان الجو مريعاً، كانت تلك الأيّام طويلة للغاية وكان لديّ مليون سؤال من دون جواب. لقد استغرقت أشهراً لا بل سنوات لأفهم ما الذي يجري. أوّلاً لأنّني لم أكن أفهم اللغة العربية وحتى أبسط الأمور الأخرى، لم أكن أفهم مثلاً طريقة اللباس لدى العرب في الصحراء ولا حتى الطعام وطريقة المسكن التي كانت سواء تحت شجرة أو شجيرة. لم أعش ذلك قط من قبل، كان كلّ شيء جديداً بالنسبة لي، كان كلّ شيء قد تغيّر والأسوأ أنّني كنت أعيش خوفاً كبيراً من المجهول، واتساءل باستمرار إنْ كنت سأعود إلى منزلي أم ستتم تصفيتي؟ هل سيصار إلى تعذيبي؟ فأنا سائح ولست سجين حرب”.
قبل الإنطلاق برحلته، أجرى ستيفن بعض الأبحاث. فقد عاش في لندن لبضعة أعوام وكان يعمل في قطاع المصارف، وكان يدرك خطر القاعدة بعد تفجيرات لندن، الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي، تفجيرات مدريد وغيرها من الهجمات الأخرى التي نفّذها التنظيم حول العالم. تقول بعض المقالات التي قرأها في إطار بحثه، إنّه طالما تقدّم الهدايا والمال لمن تصادفهم في الصحراء، وطالما تبتسم لهم وتُظهر لهم الإحترام، فإنّك لن تتعرض لأيّ أذى، غير أنّ تجربته بحسب قوله علّمته أنّ ذلك الكلام مجرّد هراء.
كان الأسر للوهلة الأولى مفاجئاً ومخيفاً بالنسبة لمكجاون، لكنّه رغم خوفه تمكّن من تسجيل ملاحظات عديدة على التنظيم وعناصره: “هم يرتدون ثياباً تشبه لباس السكان المحليين، لا يرتدون ثياباً عسكرية ويحملون الكلاشينكوف على الملأ لكي يعرف المرء أنّ الإرهابيين يقتربون، بل يظهرون كأشخاص عاديين، هم إرهابيون في الحقيقة لكنّك لن تعرف ذلك، وبالتالي بسبب ذلك التصرف، يصعب كثيراً أن يعرف المرء أين يمكنه الذهاب وأين عليه الإبتعاد. من أجل ذلك لا أظن أنّني كنت قادراً على تغيير مسار الأمور لأنّني بصراحة لم أكن قادراً على ذلك. في تصوّري كان بامكاني أن أتصرف بعقلانية وأتفادى المناطق التي ينشطون فيها، لكن مع ذلك كنت أوّل سائح تعرّض للخطف في تمبكتو. كنت أظن أنّني ذهبت إلى مكان يفترض به أن يكون آمناً، لكنه كان الواقع عكس ذلك”.
كيف كانت عناصر القاعدة تعامل الأسرى؟
عاش ستيفن حالة من اللا مألوف، فبعدما كان يعيش في عالم يسير بوتيرة سريعة تحكمه المهل الزمنية وتتناقل فيه المعلومات بسرعة، إلى يومٍ من 24 ساعة لا يفعل فيها المرء شيئاً سوى الإنتظار جلوساً على الرمال، لم يكن انتظار مكجاون عادياً لأنّه كان يجهل مصيره تماماً ويفكّر بألف سؤال وسؤال من دون الحصول على جواب.
وسط ذلك الضغط النفسي والجسدي الهائل، كان ستيفن يراقب ما يجري من حولَه، وقد تحدّث كيف كانت عناصر التنظيم تتعامل معهم كأسرى بفوقية، “لم يكن بيدي حيلة فكلّ شيء كان خارج سيطرتي، لم يكونوا يتفاعلون معي. كان زعيم القاعدة يزورنا ويجلس تحت شجرة ويرافقه بعض المقاتلين الصغار من نيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا والجزائر وكلّ حدب وصوب. كانوا يأتون ويجلسون حول زعيم مجموعتنا المعروف بالأمير الذي كان يتحدث الإنكليزية لكنّه لم يكن يتحدثها أمامنا فلم يكن يوجه لنا الحديث بل كان يقول للرجل الجالس بالقرب منا “قل للسجين ما يلي”. وكان السجين الذي يتحدث الإنكليزية بشكل أسوأ منه يقول كلاماً غير مفهوم بالفرنسية أو العربية أو الإنكليزية وهو كلام لا معنى له إطلاقاً. لم نكن نفهم ذلك الكلام لأنّ الترجمة كانت رديئة”.
“لم يكن زعيم القاعدة أي الأمير يوجّه نظره إلينا”
وأضاف لـ”أخبار الآن“: “لم يكن زعيم القاعدة أي الأمير يوجّه نظره إلينا بل كان ينظر من حولنا أو مروراً بنا كما لو لم يكن لدينا أيّ قيمة ككائنات بشرية. كانت تختلجنا مشاعر متضاربة ومختلطة، كانت حالتنا الجسدية قوية أكثر لأنّه كان علينا أن نقاوم ونبقى على قيد الحياة كرهائن إلى أن يصار إلى تحريرنا أو تصفيتنا أو إلى أن نلقى مصيراً آخر لكن حالتنا النفسية كانت ضعيفة جدّاً. لذلك كان الوضع في غاية القساوة واستغرقت وقتاً طويلاً كي أتمكن من إدراك ما يجري. في بعض الأحيان كنت أظن أنّني سأصاب بالجنون، كان الضغط النفسي عالياً جدّاً وكدت أن أفقد الحس الواقعي وربّما كان عقلي لينفجر. كانت تلك العملية طويلة وعلى ما يبدو مع مرور الوقت يبدأ المرء بفهم ما يجري وبإيجاد رابط بين الأمور، تمكّنت بعد فترة من السيطرة على أعصابي، لكن في الأيّام والأشهر الأولى كنت أشعر تقريباً كل يوم بالخوف من الموت”.
القاعدة كانت تدرك أنّ خطفي كان يؤثر على عائلتي فقط.. ولكن
إنّ عمليات الخطف التي تخطط لها القاعدة أو أيّ تنظيم من التنظمات الإرهابية بالإجمال، لها هدف أو بُعد استراتيجي، فتلك الجماعات تنتظر كي تنضج الأمور رويداً رويداً حتى تحصل على ما تريد. كان ستيفن يعرف تماماً أنّ التحدي الأكبر بالنسبة له يكمن في أنّ عملية خطفه كانت أكبر منه كفرد، وأن الخطف لم يكن يؤثر به فحسب بل كان يؤثر على محيطه وعائلته وأصدقائه، وذلك ما كانت القاعدة تلعب عليه.
هنا قال ستيفن لـ”أخبار الآن“: “أحد أفراد التنظيم قال لي لقد اختطفناك لكي نؤثر على حكومتك، لكن حكومتي لم تكن تبالي. حتى أن أحد المجاهدين قد أقرّ بذلك، فنحن هنا لكي نؤثر على حكومتك ولكنّنا نعلم أن حكومتك لا تأبه، وبالتالي نحن نعرف أنّ المتأثرين الوحيدين هم أنت وعائلتك وأصدقاؤك لكنّنا نأمل أنه مع مرور الوقت ستتحرك عائلتك وأصدقاؤك وسينظمون احتجاجات ويحملون لافتات.. وعندما يحشدون حولهم جموعاً كبيرة عندها قد تأخذهم الحكومة على محمل الجد”.
“مع كل تسجيل فيديو كنت أنتظر موتي”
وأضاف: “لقد كان التحدي الأكبر بالنسبة لي في البداية يتمثل بأنّني لم أكن أعرف شيئاً، ولم يكن لدي معلومات كافية وكنت أتساءل هل سأعود يوماً ما إلى منزلي وبأيّ حال هي عائلتي، لأنّ الوضع كان أكبر منّي وكان يؤثر على عائلتي التي لم تسنح لي الفرصة للتحدث إليها. لم يكن لديّ أدنى فكرة عمّا تعيشه عائلتي”.
ولفت إلى أنّه في بداية الإعتقال “كانت القاعدة تقول لنا أحياناً إنّه لا بدّ أن يسجّل كلّ واحد منّا شريط فيديو يُظهر أنّه ما زال على قيد الحياة، ويقول لحكومته إنّه ستتمّ تصفيته ما لم تنفذ المطالب الموجّهة إليها. ثمّ كانت القاعدة تقول لنا إنّها لن تقتلنا لكنّها كانت تريد منا تسجيل الفيديو الذي يثبت أنّنا على قيد الحياة، لكنني في النهاية سجين ومكبّل اليدين ولا أعرف إذا كانوا جديين في ما يقولونه أم لا. هل كانوا يحاولون تهدئتي بالقول إنّهم لن يقتلونني لكنهم يقولون لحكومتي أنّهم سيقتلونني؟ أم أنّهم سيقتلونني فعلاً؟ هل يقولون لي إنّهم لن يقتلونني لكي أبقى هادئاً وفرحاً كي لا أفتعل المشاكل معهم؟ لم يكن لدي أدنى فكرة عن طريقة تعاملهم معي”.
أمّا عن الحياة داخل مخيم الاحتجاز أو المعسكر التابع للقاعدة وعمّا كانت العناصر تفعله طوال تلك الأيام، قال مكجاون: “من الواضح أنّ القاعدة منظمة كبيرة جدّاً كما نعلم جميعاً، وكانت تهتم بكلّ التفاصيل كما لو كانت تقوم بدور المربّية. فالأمير والجنود الفعليون كانوا منخرطين جدّاً في الحرب في البؤر الساخنة، كانوا يريدون الحرب دائماً، وينهكمون بتحضير العبوات المتفجرة اليدوية الصنع والمشاركة في الهجمات وقتل المواطنين والسيطرة على مناطق جديدة.
أمّا نحن فكنّا محتجزين في الصحراء بصحبة مقاتلين صغار بمعظمهم، وكان هناك أمير أو زعيم ثانٍ يفهم المعارك وما علينا فعله إنْ تعرض مخيمنا لهجوم ما. كما أنّنا كنّا محتجزين بصحبة مقاتلين صغار يتعلمون كيفية التعامل مع السجناء، وبالتالي كان المخيم صغيراً لكن لطالما كان هناك مقاتلون صغار يتولون عملية تكبيل أيدينا وعصم أعيننا والتأكد من أنّنا لن نخرج عن السيطرة وإنْ حصل وخرجنا عن السيطرة، عندها يتدخل الأمير ويحاول أن يجد حلاً”.
ولفت في حديثه لـ”أخبار الآن” إلى أنّ “ثمّة مقاتلين يبلغون من العمر 18 عاماً وكان هناك مقاتل في الثامنة من عمره وكان يعاملنا كما لو كنّا حثالة، وكان الفتى الذي يشدّ الرباط كثيراً على يدينا وبينما كان يبلغ 8 أعوام كنت أنا في السادسة والثلاثين. كان يأتي ويكبل يدينا في الليل وكان السجناء يطلبون منه الماء لأنّنا لم نكن قادرين على الوصول إليه فكان ينظر إلينا بكلّ كراهية ويبصق في الرمال ويتجاهلنا طيلة النهار، لكن كان أحد المقاتلين الشباب يأتي ممتعضاً ويأخذ قارورة الماء ويأتينا بها بعد نصف ساعة أو ساعة من الوقت. وعلى الرغم من أننا لم نكن نتعرض للضرب إلّا أنّنا كنا نشعر بالخوف بسبب جهلنا للمستقبل وكيفية نظر مقاتلي القاعدة إلينا وتوجيه حديثهم إلينا والضغط علينا لتصوير شرائط الفيديو التي تثبت أنّنا لا نزال على قيد الحياة”.
الهروب المسحيل!
حاول ستيفن الإبقاء على تفاؤله رغم وقوعه في الأسر بيد القاعدة، ولم يكن رغم مصيره المجهول وخوفه الكبير يخاطر بأيّ فرصة للهروب، وهكذا أمضى نحو 6 سنواتٍ في الصحراء. لم يحاول ستيفن الهروب لأنّه كان يفكّر بواقعية فهو موجود في الصحراء ولم يكن يعرف بأيّ اتجاه يذهب، وبالتالي فإنّ هروبه سيؤدّي إلى الموت.
لم يحاول مكجاون الهروب غير أنّ يوهان زميله السويدي في الأسر حاول الهروب وقد باءت محاولته بالفشل “لأنهم ألقوا القبض عليه بعدما عثروا عليه في الصحراء. لقد راودتنا بعض الأفكار للهروب لكن كان لديّ مصدر قلق، فنحن محتجزون على بعد 500 كلم داخل الصحراء أي أنّني موجود في مكان مجهول ومن المستحيل أن أكون قادراً على قطع مسافة 500 كلم سيراً على الرمال وأنا لا أحمل سوى قارورة صغيرة من المياه. كان ذلك مستحيلاً لذلك لم أهرب لأنّني فكرت بواقعية”.
هكذا حافظ ستيفن على آماله بالحربة متقدة
وأضاف “لو كان هناك فرصة للذهاب نحو الجنوب والسير لمسافة 50 كلم لكانت تلك الفرصة ممكنة لكن المشي لمسافة 500 كلم أمر مستحيل، فمقاتلي القاعدة كانوا ليتركوننا في سبيلنا ويحتسون الشاي وربّما يقولون في اليوم التالي نذهب لنجد السجين الفار. يمكنهم تتبّع آثار الأقدام في الصحراء، فإنْ لم تهب عاصفة أو عاصفة رملية كبيرة ستبقى آثار الأقدام مكانها وسيكونون قادرين على العثور عليك على بعد 20، 30، 40 أو 50 كلم بينما تكون ممداً على الرمال وتتمنى أن يجدك أحدهم قبل أن تموت من العطش، لذلك كان الفرار مستحيلاً. فكما قالت القاعدة وكما نقول نحن إن الصحراء هي أكبر سجن في العالم وهي سجن من دون سجّان”.
مع استحالة الهروب وانسداد أفق الأمل، كان على مكجاون الحفاظ على رباطة جأشه وعدم الإستسلام والإنهيار “كنت في بداية اعتقالي أرسم أهدافاً وأحدّد تواريخ وأقول إنّني في يوم معين سأعود، فأقول لنفسي إنه يصادف عيد ميلاد صديق لي بعد 3 أسابيع، ويجب أن أكون قد عدت إلى منزلي لأحضر عيد ميلاده، لكن ذلك اليوم كان يأتي وأفوّت الحفل، ثمّ كنت أختار يوماً آخر وأقول بعد 6 أسابيع أو 5 أيّام هناك عيد ميلاد آخر أو أن أحدهم سيعود إلى جنوب أفريقيا وعليّ أن أعود لرؤيته، وبالتالي كنت أختار أيّاماً كي أحافظ على حماستي، إلى أنني أدركت أخيراً أنّ الأمل يمكنه أن يقتلك، ففائض الأمل يمكنه أن يدمّرك على المستوى العاطفي”.
وتابع: “ثمّ قرّرت أن أركّز على الحاضر وأن أركّز على الأشخاص الموجودون حولي، وعلى القاعدة وعلى البقاء على قيد الحياة وعلى التخطيط، وعلى قتل الماعز وعلى حياتي اليومية”. وأضاف “كنت أحاول أن أجد هدفاً لي في الوقت الحاضر، لطالما اعتقدت أنّني قد أعود إلى منزلي في يوم من الأيّام وأنه عليّ أن أعود، فمن المؤكّد أن القاعدة ستمل منّي في وقت من الأوقات وسترسلني إلى دياري إنْ لم يتم التفاوض على إطلاق سراحي. لكنّني كنت أجهل كيف ومتى سيحصل ذلك، لكنّني كنت أكيداً أنه سيحصل حتماً، وبالتالي قرّرت التفكير بالوقت الحاضر إلى أن يأتي اليوم المنشود”.
“القاعدة تحب الفوضى”
خلال اعتقاله التقى مكجاون بزعيم تنظيم القاعدة شخصياً في شمال أفريقيا “لقد توفّي في حادث سيارة عندما كانت القاعدة تحاول السيطرة على مالي وقد التقيت به شخصياً. أتى إلى السجن الذي كنت محتجزاً فيه وتحدّث إلي، لكن الزعيم الذي كنت أراه بانتظام كان زعيم القاعدة في مالي أو الأمير. لقد قُتل العام الماضي بضربة فرنسية وكان يدعى يحيى”. وأضاف “القاعدة تحب الفوضى، وبالتالي كانوا سعداء بتحويل مالي إلى بلد لا يمكن حكمه بالقوانين الديمقراطية لأنّهم يعلمون أنّه خلافاً لذلك سيضطرون إلى إعادة بناء الدولة وإحلال السلام”.
ما يثير الإستغراب هو أنه بالكاد ما كانت تغيب المسيّرات التي كانت تهدف لرصد تحرّكات القاعدة في الصحراء بهدف استهدافِها وبالتالي كيف كان بإمكان التنظيم تجنّب الضربات؟ يجيب مكجاون على هذا الإستفسار شارحاً: “كنا ننتقل من مخيم إلى آخر بانتظام. لقد بدّلنا المخيمات كثيراً خوفاً من أن يرانا أحد. كنا نسمع أحياناً اصوات المسيّرات وطائرات الميراج وطائرات الإستطلاع وعندها كنا نضطر إلى الجلوس تحت شجرة إنْ وجدنا واحدة وإن لم نجدها نحاول الجلوس والتقوقع على أنفسنا، لكن أعتقد أنّ ما أدركناه هو أنّ المسيرات وطائرات الإستطلاع تلك غير قادرة على رؤية الكثير على الأرض. لقد أمضينا وقتاً طويلاً في الهروب منها من دون أن ترانا قط، لم تتمكن يوماً من رؤيتنا، كانت موجودة فوقنا مرّات عديدة لكنّها لم ترانا يوماً”. وأضاف “كانوا يردّدون بأنّنا لسنا بدروع بشرية ويقولون إنّه إذا أتى جندي ليغزو مخيمنا وركضنا باتجاهه بأنهم سيطلقون النار علينا، لكن إنْ انتظرنا وبقينا جانباً وتابعنا القتال وأبقينا رأسنا منخفضاً لأنّ الرصاص سيتطاير في كلّ مكان فلن يقتلنا أحد، لكن إن التجأنا إلى أيّ عسكري فرنسي أو مالي فإنّ القاعدة ستقتلنا”.
أين كانت تعيش عائلات عناصر القاعدة؟
تعيش عناصر التنظيم في المخيم نفسِه حيث كان مكجاون وزملاؤه محتجزين، فيما كانت عائلات العناصر تسكن بالقرب من المخيم بحسب قوله “لكنها لم تكن قريبة جدّاً منّا. في الحقيقة كان مقاتلو القاعدة ينصبون خيامهم، وعندما كانوا يأتون إلينا، كانوا يتركون عائلاتهم. كان مسكنهم يتألف من خيمة بيضاء كبيرة جميلة منصوبة وسط الرمال يربّون حولها بعض الجمال والماعز والخراف. كان بعض المقاتلين يأتون من الجنوب وكانت عائلاتهم تبقى هناك، لكنّني رأيت عدداً كبيراً من مقاتلي القاعدة في مالي بصحبة عائلاتهم وإخوانهم وآبائهم وأبنائهم. وبالتالي لم يكن هناك من نساء من حولنا. كان رجال القاعدة يتركون عائلاتهم بعيداً ويأتون إلينا ويهتمون بنا لبعض الوقت ثم يعودون أدراجهم إلى ديارهم. كان هناك مقاتلون كثر قد هاجروا من دول أخرى وكانوا يعيشون في الصحراء بعيداً عن البشر لأنّهم سيصبحون مكشوفين ولأنّ الجميع سيعرف أنّهم ليسوا من مالي بسبب لهجتهم ومظهرهم، وبالتالي سيصبحون مستهدفين من قبل الجيش المالي، لذلك كانوا يتخفّون داخل الصحراء لكنّهم كانوا ينعمون بالراحة في خيامهم”.
ومن القصص التي سمعها مكجاون أثناء وجوده في معسكر الإعتقال، أنّ عائلات الجهاديين تعاني أيضاً جراء التحاق أبنائها بالقاعدة أو بالتنظيمات الإرهابية الأخرى، مشيراً إلى أنّهم يتخلون عن عائلاتهم ويتوجّهون إلى الصحراء من أجل الجهاد، وبعد أشهر كانوا يتّصلون بذويهم لإبلاغهم بأنهم في الصحراء. ولفت إلى انهم “لم يكونوا يطلبون الإذن من عائلاتهم بل كانوا يتخلون عنهم ويتوجهون إلى الصحراء ويشاركون في الجهاد، وربّما بعد انقضاء 6 أشهر يجدون هاتفاً فيتصلوا بعائلاتهم ويخبرونهم أين هم. عادة ما تجهل عائلات الجهاديين أين هم وأين ذهبوا، ولا يكون لديها أدنى فكرة إذا ما قتلوا أو اختطفوا لأنّهم كانوا يختفون هكذا بكل بساطة”.
انفصل ستيفن وزملاؤه الأسرى عن العالم الخارجي تماماً، وكل ما كان يطلب منهم هو تصوير فيديو يقولون فيه إنّهم ما زالوا على قيد الحياة. لم يكن هناك أيُّ نوعٍ من التواصل مع عائلاتهم حتّى، فلم يكن مسموحاً لهم الإتصال بأحد. أما إذا كانوا قد التقوا ممثلي حكومات أو منظمات دولية أو وكالات إغاثة أو جمعيات تعمل لتأمين الإفراج عنهم قال: “لقد سمعنا أخباراً كثيرة عن وجود محتمل لمجموعات مختلفة تقوم بتحركات في الصحراء في مخيمات مجاورة، لكنّنا لم نلتق بهم يوماً. الوحيدين الذين التقيت بهم أثناء وجودي في الصحراء كانوا فريق تلفزيون الجزيرة الذي زارنا وأجرى مقابلة معنا حول أسرنا، وقد كان ذلك غريباً لأنّه جرى من دون علم الحكومة المالية. أنا أجهل تماماً كيف دخلوا إلى مالي مع فريق عملهم ووصلوا إلى تمبكتو وجاؤوا لإجراء المقابلة معنا، لكنّني أظن أنّهم اضطروا إلى أخذ إذن من يحيى كي لا يتعرضوا للأذى لأنّه دعاهم إلى داره، وبالتالي تمكّنوا من إمضاء نصف النهار معنا وسجلوا المقابلة معنا ثمّ تواروا عن الأنظار”.
“عناصر القاعدة الجدد متهوّرون وكان الهاتف يسلبهم”
أمضى مكجاون 6 أعوام في الأسر على تماسٍ مع أفراد القاعدة في معسكر الإحتجاز، وقد تغيّرت خلال تلك الفترة أمور كثيرة، كان أبرزها نمو الفتية الذين تم تجنيدهم. يقول: “صحيح أنّ اختطافي لمدة 5 سنوات و8 أشهر هو فترة طويلة جدّاً، لقد رافقت نمو المقاتلين الصغار الذين كانوا يبلغون 8 أعوام، وبعد 6 أعوام أصبحوا في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة عندما غادرت الصحراء. فمثلاً من لم يكن له لحية أصبح ملتحياً ومن كان قصير القامة أصبح أكثر طولاً منّي بكثير. لكن ما لفتني أكثر هو أنه في البداية كانت القاعدة مخلصة جدّاً للإسلام وكانت تحارب من أجل الإسلام وكانوا مجاهدين حقيقيين يدافعون من أجل قضية حقيقية، لكن قادة كبار كثر قد ماتوا مع الوقت في سيارات متفجرة أو في قصف طوافات هجومية أو في أرض المعركة. وبالتالي مع الوقت بدا أنّ نجم القاعدة قد خفت وبعد ذلك أطبقت القاعدة سيطرتها على تمبكتو وقد أصبح سهلاً عليهم البدء بتوظيف المقاتلين، فقد فعلوا ذلك مع فتيان صغار في تمبكتو، وبما أنّ العملية كانت سهلة للغاية، بدأوا بتوظيف أشخاص يموتون من الجوع أو ليس لديهم شغف معين أو توجه معين، وبالتالي لقد تورّط أطفال كثر مع القاعدة في تلك الفترة، وكانت القاعدة ترمي إلى تعليمهم القراءة بحسب الإسلام وتربيتهم على الجهاد”.
وأضاف “ما لاحظته أن قادة القاعدة كانوا يركزون على الجهاد كما كانوا يخافون من ارتكاب المحرّمات، وبالتالي الخضوع للعقاب في يوم القيامة، لذلك كانوا مذعورين. أمّا المقاتلون الجدد فقد كانوا منشغلين باللعب على هواتفهم النقالة والتقاط الصور لبعضهم البعض ما يعتبر من المحرمات. كنت أرى بوضوح أنّهم علمانيين، وبدأت القاعدة تنحرف عن قضيتها الأساسية وهي تطبيق الشرعية الإسلامية في مالي، وذلك كان هدف القادة الكبار لكن المقاتلين الصغار كانوا يتصرفون كما لو كانوا في عطلة وفي مغامرة مشوقة، وهكذا يمكنهم إخبار رفاقهم عن السفر إلى الخارج واستعمال الكلاشنيكوف وتعلم قيادة السيارات الرباعية الدفع”.
مكجاون: جيل القاعدة الجديد فقد الارتباط بالأيديولوجيا
إلى ذلك لاحظ مكجاون تأثر عناصر القاعدة الصغار بداعش إذ إن جيل القاعدة الجديد فقد الارتباط بالأيديولوجيا وأصبح مادياً يبحث عن السلطة والنهب والمجد وقد حصل ذلك بسبب الهواتف المحمولة برأيه “لا أعرف حقاً كيف حصل ذلك لكنّها حتماً لعنة الهاتف المحمول. أعتقد أنّهم تأثروا أيضاً بأعمال داعش كثيراً وقد فرحوا بالموسيقى المشوّقة التي كانت تضعها في أشرطة الفيديو الخاصة بها وأنّ داعش كانت تصول وتجول في المدن في سوريا والعراق. لذا بدا لهم جهاد داعش أكثر تشويقاً لأنّه كان يحشد الجموع، وبما أن مقاتلي القاعدة الجدد كانوا يافعين ويتأثرون بسهولة، لم يكونوا آبهين كثيراً إذا كانت الموسيقى من المحرمات بل كانوا يستمتعون بها لأنّها كانت تضفي نوعاً من الشغف على أشرطة فيديو داعش”. وأضاف “أعتقد أنّ مجرّد قيامهم بتوظيف شبان كانوا يجهلون الدين ولم يكن دافعهم القتال من أجل الدين، قد جعل القاعدة الرئيسية لمقاتلي أو مجاهدي القاعدة في مالي لا تقاتل من أجل الدين، مما كان يعني أن القادة الكبار كانوا يدركون هدف قتالهم لكن عديد القاعدة لم يكن يتصرف بأسلوب إسلامي، مما ساهم ربما ببدء تراجع نجم القاعدة وعدم تركيزها على القضية”.
خلال عملية الأسر تمّ استهدافُ وقتلُ عددٍ لا يُحصى من كبار قادة القاعدة وقد شهد التنظيم نفسُه تمزّقاً كبيراً لاسيما بين القاعدة المركزية والفروع، لاحظ مكجاون تبدلاً في ردود الفعل على تلك الأنباء مع الوقت بين عناصر التنظيم “فعندما كان أحد جنود القاعدة يموت، كانوا يتمنون صعوده إلى الجنة بإرادة الله وبالتالي يعمّ جو من الإحتفال لدى موت الجنود، لكنّهم أدركوا لاحقاً أنّ موت القادة الكبار خلّف أثراً كبيراً على قضيتهم، فأدركوا أنّ ذلك قد يتسبب بمشكلة لهم. وكما قلت لديهم استراتيجية معينة والتنظيم يشبه شركة كبيرة ولديهم خطة استراتيجية، لذلك لا يمكنهم السماح بموت القادة الكبار لأنّ هؤلاء هم الذين يضعون الخطط في مسارها”.
كيف كانت القاعدة تعرف ما يجري في العالم؟
أمّا عن كيفية حصول التنظيم على المعلومات خصوصاً وأنّ المخيم يقع في عمق الصحراء والتواصل ليس سهلاً مع العالم الخارجي، قال: “كنّا نملك مذياعاً وبالتالي كانوا قادرين على متابعة الأخبار وتصفّح الإنترنت، إذاً كانوا يحصلون أيضاً على معلومات كثيرة. أمّا بالنسبة إلى التواصل بين أفراد القاعدة، فأنا لا أعلم كيف كانوا يتحدثون إلى الشيخ أيمن في أفغانستان، لا أدري كيف كانت تصلهم المعلومات على هواتفهم المحمولة لكن أخباراً كثيرة كانت تأتينا عبر المذياع الذي يمكن أن يبتاعه أيّ كان في أيّ متجر”.
ولفت إلى أنّه “كلّما كان التنظيم يسمع في الراديو أنّ تنظيم داعش تزداد قوةً وتسيطر على قوى وبلدات جديدة في سوريا والعراق، كان يحتفل ويبتهج بها. ولكن مع سقوط داعش، عمّ بينهم شعور ثقيل بالخضوع والخسارة في المخيم، كان من الممكن أن نشعر بأنهم تأثروا على المستوى العاطفي. ففي أيّ لعبة كرة قدم أو روغبي مثلاً، يحتفل المرء إن انتصر فريقه وعلى العكس يلتزم الصمت إن خسر، والمثل صحيح. كان من الممكن أن نشعر بفقدان الطاقة في المخيم عندما تكون أشرطة الفيديو سلبية”.
وأضاف: “سمعت قصصاً كثيرة في الفترة التي شهدت طلاقاً بين داعش والقاعدة مع أبو بكر البغدادي وبداية أفول نجم داعش في العراق وسوريا وحصول معارك بين داعش والقاعدة. ما بدأت أسمعه هناك هو أنّه على القاعدة أن تحاول تعزيز قوّة كل المجموعات العسكرية الفردية وتوحيدها جميعاً تحت راية التنظيم، كانوا استراتيجيين للغاية وكانوا كلّما رأوا مشكلة يعترفون بها”.
كيف تضرّ القاعدة والتنظيمات الإرهابية بالإسلام؟
يقول مكجاون إنّ المسلمين يواجهون ظروفاً صعبة جدّاً في العالم اليوم والسبب برأيه “هو أن لا أحد يفهم الإسلام بعمقه، وبالتالي فإنّ سلوك القاعدة والتنظيمات الإرهابية يضرّ تلك الديانة إلى أبعد حدود. لقد سمعت أنّ وسائل الإعلام تعتبر أنّ تصرفات القاعدة تؤذي أحوال المسلمين في العالم بأسره، وقد شاهدت ذلك فعلاً عندما كنت أعمل في لندن. فعندما كنت أنتقل من محطة المترو إلى المصرف حيث كنت أعمل، وكنت أذهب إليه سيراً على الأقدام، رأيت زميلاً لي كان مسلماً يُعتقل على يد الشرطة ويخضع لاستجواب بينما هو في الحقيقة شاب رائع كان يعمل معي وكان صديقاً لي. لذلك لقد شهدت كيف كان تصرف القاعدة يؤثر بشكل قوي وكبير على المسلمين ككل في المجتمع”.
لم يشارك ستيفن بأيّ معركة في الصحراء، لكنّه كان يسمع أخباراً كثيرة عن جرحى وقتلى وقد شاهد ذلك أيضاً. فالقاعدة بحسب تعبيره “سرقت من حياته سنوات عديدة وانتهكت أبسط حقوقه، فكيف يمكن لشخص أن يقتل آخر ويذهب إلى الجنة؟ لا يبدو لي ذلك منطقياً، لكن بحسب تفسيراتهم للأمر إن ذلك ما يحصل. إنْ قتلت أحداً، أنت تذهب إلى الجنة بحسب التفسير الذي يقدمونه، لذلك يصعب إعطاء نصيحة لأيّ منظمة غير حكومية لأنّ أفراد القاعدة يريدون الذهاب إلى الجنة، وبالتالي يتطلب جزء من ذلك القتال والقتل لذلك لا أرى أيّ إمكانية بأن تكون منظمة غير حكومية بأمان في تلك الظروف، ليست هناك أي طريقة وإن ذلك أمر مؤسف ولكن لا أرى أي فرصة بأن يكونوا بأمان”.
التغيرات لم تطل عناصر داعش فحسب بل طالت حياة مكجاون أيضاً لأنه بعد الإعتقال وجد بأن أموراً كثيرة تغيرت “ماتت أمي العزيزة أثناء اعتقالي ومات أقرباء كثر لي وتغيّر العالم، ولم أدعم بأيّ شكل من الأشكال نشاطات القاعدة لأنّني ضحّيت بخمس سنوات وثمانية أشهر من حياتي وعانت عائلتي الأمرّين من أجلي، لكن يمكنني أن أتفهم لماذا تفعل القاعدة ما تفعله”.
حاول مكجاون جاهداً طوال فترة اعتقاله التركيز على البقاء يقظاً عقلياً وروحياً، وإن ذلك هو ما مكّنه من تحقيق هدف نموذجي في حياته الشخصية، وهو الخروج من محنته بشخص أفضل واكتسابه مهارات تمكّنه على البقاء على قيد الحياة رغم الظروف الصعبة. ظن مكجاون لحظة إبلاغه بإطلاقِ سراح أن الأمر مجرّد مزحة، كان يخاف تصديق الخبر خشية الإنهيار، لكن اغسطس 2017 كان فعلاً تاريخ انتهاء الكابوس. لكن من أكثر الأمور إثارة للدهشة في قصة مكجاون ملاحظاتُه التي سجلها في ذهنه طيلةَ ست أعوام عن القاعدة وتكتيكاتها وكيفية انعكاس هزائم التنظيمات الإرهابية على أفرادها وقادتها، ليعكس مشروعاً خاسراً من كلّ الجوانب.