لم يكن لدينا خيار.. التصفية وجريمة الحرب المتمثلة في النقل القسري للمدنيين الأوكرانيين إلى روسيا“. تحت ذلك العنوان، من المقرر أن تنشر منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرها ذات الصلة، والذي يتحدّث عن  عمليات نقل المدنيين الأوكرانيين “قسراً” إلى روسيا أو إلى مناطق خاضعة للسيطرة الروسية. وقد أخضعت السلطات الروسية آلاف الأوكرانيين لنوع من الفحص الأمني ​​الإجباري، والذي يسمى بالـ”تصفية”

  • تقرير أممي منتظر يكشف تفاصيل نقل القوات الروسية قسراً المدنيين الأوكرانيين إلى الداخل الروسي
  • أخضعت السلطات الروسية آلاف الأوكرانيين لنوع من الفحص الأمني ​​الإجباري والذي يسمى بالـ”تصفية”
  • باحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش: لمساعدة الأوكرانيين الذين نُقلوا إلى الداخل الروسي رغماً عنهم”

تعتبر عمليات النقل القسري انتهاكاً خطيراً لقوانين الحرب، وهي تصنّف على أنّها جرائم ضدّ الإنسانية. ودعت بلقيس ويلي (Belkis Wille)، وهي باحثة في مجال الأزمات والنزاعات في منظمة هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch)، وشاركت في إعداد التقرير، إلى عدم ترك المدنيين الأوكرانيين من دون خيار سوى الذهاب إلى روسيا، مشددةً على أنّه “لا ينبغي إجبار أيّ شخص على الخضوع لعملية فحص مسيئة للوصول إلى برّ الأمان”. 

وتجدر الإشارة إلى أنّ هيومن رايتس ووتش كتبت ملخصاً إلى الحكومة الروسية في 5 تموز 2022 لنتائجها وأسئلتها، لكنّها لم تتلق أيّ رد، فيما نظّم مسؤولون روس عمليات نقل للأشخاص الفارين من مدينة ماريوبول الساحلية المحاصرة جنوب شرق البلاد، وأخبر بعض المدنيين أنّ ليس لديهم خيار سوى البقاء في المناطق التي تحتلها روسيا أو الذهاب إلى روسيا، وعليهم نسيان فكرة الذهاب إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا.

وقد قابلت المنظمة 54 شخصاً ممن نقلوا إلى روسيا، نُقل معظمهم من منطقة ماريوبول وخاركيف. كما وقابلت أيضاً عشرات المدنيين في منطقة ماريوبول الذين تمكّنوا من الفرار من منطقة الحرب إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الأوكرانية. وقالت إمرأة تمّ نقلها من ماريوبول: “بالطبع ، كنّا سننتهز الفرصة للذهاب إلى أوكرانيا إذا ما كان بإمكاننا ذلك، لكن لم يكن لدينا خيار، ولا إمكانية للذهاب إلى هناك”.

عند نقاط التفتيش، قال آخرون إنّ العسكريين وغيرهم من الأفراد أمروا الأوكرانيين الهاربين بالذهاب إلى روسيا أو “جمهورية دونيتسك الشعبية” (DNR)، التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة التّابعة لروسيا. وقال لهم العسكريون الذين اعتقلوا المدنيين في الأراضي المحتلة الشيء نفسه، “يمكن للأشخاص الذين لديهم الإمكانيات المالية تنظيم النقل الخاص بهم إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة أوكرانيا”. كما ونُقل سكان بعض القرى في منطقة خاركيف قسراً إلى روسيا. وفي ذلك الصدد، يقول رجل يبلغ من العمر 70 عاماً من قرية روسكا لوزوفا، إنّ القوات الروسية أخبرته: “لقد عشت تحت حكمنا، ولذا إذا جاء الجيش الأوكراني، فسوف يعاقبونك وسيتمّ إعدامك”.

وقال بعض الأشخاص إنّهم ذهبوا إلى روسيا طواعية، بما في ذلك الرجال الذين تجنّبوا الأحكام العرفية في أوكرانيا والتي، مع استثناءات محدودة، لا تسمح للرّجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 60 عاماً بمغادرة البلاد.

روسيا تنقل آلاف المدنيين الأوكرانيين "قسراً" إلى أراضيها وأماكن سيطرتها.. جرائم حرب مستمرة

جنود روس يقومون بدوريات في آزوفستال، ماريوبول – AFP

“شعرنا وكأنّنا رهائن”

وقالت “هيومن رايتس ووتش” إنّه على الرّغم من أنّ العدد الإجمالي للمدنيين الأوكرانيين الذين نُقلوا إلى روسيا مازال غير واضح، فقد تمّ تهجير العديد منهم ونقلهم بطريقة غير قانونية. أواخر يوليو. وذكرت وكالة الأنباء الروسية (تاس) أنّ أكثر من 2.8 مليون أوكراني دخلوا الاتحاد الروسي من أوكرانيا، بما في ذلك 448000 طفل. 

أكثر من 2.8 مليون أوكراني دخلوا الاتحاد الروسي من أوكرانيا، بما في ذلك 448000 طفل. 

وتحظر قوانين الحرب على القوات الروسية أو التّابعة لروسيا، إجبار المدنيين الأوكرانيين، بشكل فردي أو جماعي، على الإجلاء إلى روسيا. ويعتبر النقل القسري جريمة ضدّ الإنسانية، فيما يتضمن النقل ظروفاً يوافق بموجبها الشخص على الانتقال فقط لأنّه يخشى عواقب مثل العنف أو الإكراه أو الاحتجاز. 

أثناء عملية “الفلترة”، التي أُجبر آلاف السكان من منطقة ماريوبول على الخضوع إليها أثناء محاولتهم الفرار، جمع المسؤولون الروس والمسؤولون التابعون لروسيا في المنطقة التي تحتلها روسيا عادةً، البيانات الحيوية للمدنيين، بما في ذلك بصمات الأصابع والوجه الأمامي والجانبي، كما خضعوا لعمليات تفتيش دقيقة، وتمّ سؤالهم عن آرائهم السياسية. يقول رجل من ماريوبول إنّه وعشرات من سكان ماريوبول بقوا لمدّة أسبوعين في مدرسة القرية في ظروف قذرة قبل نقلهم إلى “الفلترة”، وإنّ كثيرين مرضوا وخافوا ممّا ينتظرهم، “شعرنا وكأنّنا رهائن”.

وفي حين أنّ روسيا قد يكون لديها أسباب مشروعة لإجراء فحص أمني على الأشخاص الذين يسعون طواعية لدخول الأراضي الروسية، إلّا أنّ عملية الترشيح في نطاقها والطريقة المنهجية التي أجبر فيها المدنيون الأوكرانيون على الخضوع لها، هي عملية عقابية وتعسفية وليس لها أي أسس قانونية، كما تقول منظمة هيومن رايتس ووتش.

كما أنّ الأشخاص الذين أفشلوا العملية، على ما يبدو بسبب صلاتهم المشبوهة بالجيش الأوكراني أو الجماعات القومية، تمّ احتجازهم في المناطق التي تسيطر عليها روسيا، بما في ذلك في سجن أولينيفكا، حيث ورد أنّ 50 محتجزاً أوكرانياً على الأقل قتلوا خلال انفجار في 29 يوليو.

روسيا تنقل آلاف المدنيين الأوكرانيين "قسراً" إلى أراضيها وأماكن سيطرتها.. جرائم حرب مستمرة

50 محتجزاً أوكرانياً قتلوا في سجن أولينيفكا – AFP

دعوة لمساعدة الذين نُقلوا إلى روسيا رغماً عنهم

وذكرت المنطمة أنّ على القوات الروسية ضمان السماح للمدنيين بالمغادرة بأمان إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الأوكرانية إذا اختاروا ذلك ويجب عليهم التأكد من أنّ الأشخاص الذين يستقلون الحافلات على علم تام بمكان ذهاب الحافلات ولديهم خيارات إذا كانوا لا يريدون السفر إلى روسيا ويجب عليهم التوقف عن الضغط على المواطنين الأوكرانيين للذهاب إلى روسيا وتسهيل عودة أولئك الذين يسعون للقيام بذلك إلى أوكرانيا. وأيضاً يجب على السلطات الروسية وقف جميع عمليات جمع البيانات البيومترية المستمرة والاحتفاظ بها للأشخاص داخل أوكرانيا. وعليهم جمع البيانات البيومترية فقط عندما تكون قانونية مناسبة وضرورية وإبلاغ الناس عن سبب جمع بياناتهم، وكيف سيتم استخدامها، ومدّة الاحتفاظ بها.

وفي ذلك السياق تقول الباحثة ويلي: “يجب التوقف فوراً عن اقتياد الناس في المناطق التي تحتلها روسيا من دون موافقتهم، وعلى السلطات الروسية والمنظمات الدولية أن تفعل كلّ ما في وسعها لمساعدة أولئك الذين نُقلوا إلى روسيا رغماً عنهم، والذين يريدون العودة إلى ديارهم”.

روسيا تنقل آلاف المدنيين الأوكرانيين "قسراً" إلى أراضيها وأماكن سيطرتها.. جرائم حرب مستمرة

النقل القسري للمدنيين محظور بموجب القانون الدولي

ويوثّق ذلك التقرير النقل القسري للمدنيين الأوكرانيين من ماريوبول ومنطقة خاركيف إلى روسيا أو المناطق التي تحتلها روسيا في أوكرانيا. على عكس المقاتلين الذين، بمجرّد أسرهم، يتمّ احتجازهم كأسرى حرب، ويمكن نقلهم إلى أراضي العدو، فإنّ النقل القسري للمدنيين محظور بموجب القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب ويمكن مقاضاته كجريمة حرب وجريمة ضدّ الإنسانية.

ويصف التقرير أنواعاً مختلفة من الضّغط الذي استخدمه الجيش الروسي وغيره من المسؤولين الروس، لدفع المدنيين الأوكرانيين الفارين من الأعمال العدائية إلى روسيا أو ما يسمى بـ “جمهورية دونيتسك الشعبية” (DNR). كما يشير التقرير أيضاً إلى التحديات العديدة التي واجهها المدنيون الأوكرانيون والانتهاكات التي عانوا منها، أثناء محاولتهم الفرار من ماريوبول إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الأوكرانية وتجنب الذهاب إلى روسيا أو أثناء محاولتهم مغادرة روسيا إلى بلدٍ ثالث.

شاهدوا أيضاً: بوتشا تحولت إلى مقبرة كبيرة وجثث كثيرة مازالت مطمورة…