منذ العام 2017، احتجزت الحكومة الصينية أعداداً كبيرة من الإيغور وغيرهم من الأقليات. وقد عمل المراقبون في الخارج على فهم طبيعة وحجم حملة “الدفن” تلك، لكنّهم واجهوا عقبات بسبب صعوبة الوصول إلى منطقة شينجيانغ، وكذلك الضوابط الصارمة على الإتصالات الرقمية. ودائماً كان يبرز هذان السؤالان على وجه الخصوص: كم عدد الأشخاص الذين أرسلتهم الحكومة الصينية إلى السجون أو معسكرات إعادة التثقيف؟ وما مدى مشاركة الأمين العام تشي جين بينغ مباشرة في عمليات الإعتقال؟

  • تسريب جديد لسجلات الحكومة الصينية يكشف عن آلاف اللقطات التي لم يسبق لها مثيل للإيغور
  • ملفات شرطة شينجيانغ تعتبر التسريب الأكبر والأكثر نوعية وتكشف حقيقة ما يتعرّض له الإيغور
  • تحتوي ملفات شرطة شينجيانغ المسربة على أكثر من 5000 صورة لأفراد من أقلية الإيغور
  • تشير البيانات المسربة إلى أن أكثر من نصف الأفراد اعتقلوا أو سُجنوا بين العامين 2017-2018
  • الباحث أدريان زانز لأخبار الآن: الوثائق تكشف العلاقة المباشرة للرئيس الصيني بالجرائم بحق الإيغور
  • عبد الوالي أيوب لأخبار الآن: عثرت على شقيقي بين المعتقلين وهو لا يعلم بوفاة ابنته بالمعتقل
  • مسؤولة HRW صوفي ريتشاردسن لأخبار الآن: على باشليت أن تعيد الثقة للأمم المتحدة بنشر التقرير 

 ملفات شرطة شينجيانغ تحتوي على صور من داخل معسكرات الإعتقال بالإضافة إلى تفاصيل جديدة عن برنامج الإعتقال الجماعي

رغم الضجة التي أثارتها الوثائق المسرّبة بشأن ما يتعرض له الإيغور، فقد اختتمت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليت زيارة الصين، التي وصفتها بأنّها ليست زيارة إستقصائية، بدعوة إلى مراجعة مكافحة الإرهاب، لتدافع بالتالي عن زيارتها المثيرة للجدل. فقد راهنت باشيليت على سمعتها وسمعة المنظمة الأممية المكوّنة من 193 عضواً، وهي الرئيسة التشيلية السابقة التي لطالما اعتبرت مرشحة لتكون أوّل إمرأة تتولى رئاسة الأمم المتحدة.

“التسريب الكبير”

العديد من الوثائق التي تتحدث عن حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، تمّ تسريبها تباعاً منذ العام 2017 وحتى العام 2021، وذلك عبر منظمات حقوقية دولية ووسائل إعلامية عديدة. تلك التسريبات شملت مقابلات مع أشخاص وصحافيين كانوا مقيمين في شينجيانغ وباتوا اليوم في المنفى، إضافةً إلى تحليلات وصور تمّ التقاطها عبر الأقمار الإصطناعية، لمعسكرات الإعتقال التي كانت تتوسّع بين الحين والآخر. تلك تسريبات سابقة، لكن ما نحن بصدده اليوم هو التسريب الأكبر والأعظم، والأكثر نوعية. فماذا جاء في ملفات شرطة شينجيانغ؟

تكشف ملفات شرطة شينجيانغ، التسريب الأكبر والأكثر نوعية، حقيقة ما تتعرّض له أقلية الإيغور وأقليات أخرى في إقليم شينجيانغ. تلك الملفات التي تعدُّ كنزاً مذهلاً، سربت إلى أدريان زانز (Adrian Zenz)، الباحث والخبير الدولي، الذي سبق أن فرضت الصين عليه عقوبات بسبب أبحاثه التي تزعجها. فقد تمكّن شخص مجهول من الوصول إلى شبكات الكمبيوتر الداخلية للشرطة في مقاطعتين يغلب عليهما، الطابع الإيغوري والكازاخي في شينجيانغ، ليحصل على عشرات آلاف الملفات، وعدد كبير من المعلومات. تحتوي تلك الملفات على أكثر من 5000 صورة للإيغور تمَّ التقاطها بين يناير ويوليو العام 2018، وتمّ التثبّتُ من اعتقالِ 2884 منهم على الأقل.

وقال زانز في حديث خاص لـ “أخبار الآن“: “ملفات شرطة شينجيانغ سرّبت إليّ عن طريق شخص مجهول استطاع أن يخرق نظام كمبيوتر داخلي سري في شرطة شينجيانغ. ما احتوت عليه تلك الملفات مهم جدّاً، فهي تضمنت خطابات لكبار المسؤولين، ولدينا معلومات مفصّلة للشرطة عن كيفية حراسة المعسكرات، كم شرطي يجب أن يكون متواجداً، ونوعية الشرطة وما هي الأسلحة المستعملة وغير ذلك”.

خطة سرية تنفذ الصين بموجبها حملة الإعتقالات الجماعية

وأضاف: “على مستوى عال، لدينا بيانات تشاو كه تشي وزير الأمن العام، يقول فيها إنّ بكين لديها خطة خمسية سرية التي تنفذ بموجبها حملة الإعتقالات الجماعية، نحن لم نلاحظ من قبل، لكن تشاو كه تشي قال إنّ تشي جين بينغ طلب منه الحضور إلى المنطقة لتهدئة الأوضاع في شينجيانغ، وتلك الخطة بدأت في العام 2017، في السنة الأولى حصلت موجة الإعتقالات الجماعية، وفي السنة الثانية بدأت عملية الدمج، وكان من المقترض أن تنتهي بعد خمس سنوات، وما نراه أنّها قد انتهت بعد خمس سنوات في نهاية العام 2021، تشاو كه تشي أقيل وعيّن مكانه سكرتير الحزب الجديد، وقد مضت السنوات الخمسة قبل أن نحصل على تلك المعلومات، وقد انتهت الآن، لكن الأعمال الوحشية لم تنته بعد، فالعديد من الإيغور مازالوا في السجون، لكن حملة تجميع الإيغور ووضعهم في المعتقلات قد حصلت فعلاً في السنوات الماضية. الأمور ليست أفضل اليوم، الناس ما زالوا في السجون في المعتقلات ويعملون بالسخرة  والتنكيل بهم مازال مستمراً، والإيغور ليس لديهم حرية دينية ولا أي نوع من الحرية”.

ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة

شاب إيغوري يتم إستجوابه في مراكز الإعتقال في شينجيانغ – من ملفات شرطة شينجيانغ

وكشف زانز: “من بين الأدلّة لدينا أكثر من 2000 صورة لمحتجزين، وأصغرهم لفتاة في الخامسة عشرة، وكانت في الـ 14 عندما تمّ التقاط الصورة. ومن خلال الملف يمكننا أن نلاحظ أنّه أكثر من 12 % من إجمالي السكان في كونا شير وشوفو كانوا في المعتقلات أو في السجون في العام 2018، وذلك يظهر مدى حجم الإعتقالات، نقّدر أن تكون حملة الإعتقالات قد شملت ما بين المليون إلى المليوني شخص”.

الوثائق المسرّبة تمّت المصادقة عليها من خلالِ بحث علمي راجعه خبراء دوليون، كما قامت فرق البحث الإستقصائية من أكثر من 12 وسيلة إعلامية عالمية بالتحقّق من أجزاء من البيانات كذلك.

تلك الملفات المسربة ليست منقّحة ولم يحذف منها أيُّ شيء، وفق زانز، فهي إذاً مستقاة من المصدر، أي من حاسوب شرطة شينجيانغ، حيث تقبع تلك الوجوه البائسة أفرادٌ يعيشون حياة مزية في ظلّ ظروف صعبة للغاية، عكستها الصور المسرّبة.

أيضاً تحتوي ملفات شرطة شينجيانغ على مجموعة أخرى من الصور الفريدة من نوعها، التي تسلّط الضوء بشكل أكبر على مستويات السيطرة الجسدية التي يتعرض لها الإيغور، في محاولة لإعادة هندسة هويتِهم بالقوة. تلك الصور تظهر ما يبدو أنّها تدريبات لإخضاع المعتقلين، باستخدام القوة وأساليب التلقين والترهيب والتهديد. فعلى سبيل المثال، بعض الصور تُظهر حراساً يحملون الهراوات بينما يقفون إلى جانب المعتقلين، الذين تظهر على وجوههم علامات الخوف والقلق وعدم الراحة، ما يدحض مزاعم الصين التي لا تتوقف عن القول إنّها تلك المعسكرات هي مدارس مهنية أو مراكز لإعادة التأهيل.

أعداد الذين وضعوا في معسكرات إعادة التأهيل ربما تفوق المليونين

يوضح زانز لـ “أخبار الآن” قائلاً: “المعلومات التي وصلتنا تبيّن بشكل واضح أنّ أعداد الناس الذين وضعوا في معسكرات إعادة التأهيل كبيرة جدّاً، فنحن نتحدث عن الملايين مجدّداً، نقدّر العدد بمليون أو بمليونين، والأدلّة تدعم تقديراتنا. الآن للمرّة الأولى، يوجد في حوزتنا صور من داخل المخيمات تظهر المحتجزين يغنون يقفون يجلسون كما تظهرهم مكبلي الأيدي، وجالسين على كرسي التعذيب في إحدى تدريبات الشرطة المحتجزين، يوضعون على كراسي يقول الشهود ومنظمات حقوق الانسان إنّها تستعمل للتعذيب، وذلك أمر محزن جدّاً، وتلك هي المرة الأولى التي نشاهد فيها صورة لأحد المعتقلين وهو يوضع على كرسي التعذيب”.

ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة

خطابات “سرية للغاية”

الملفات تشمل أيضاً خطابات سرية لكبار المسؤولين، كتيبات الشرطة الداخلية ومعلومات الموظفين، تفاصيل اعتقال أكثر من 20000 من الإيغور، وصور فوتوغرافية من مواقع حساسة للغاية. فذلك التسريب الكبير هذا، يكشف كيف تقف بكين وراء كلّ الفظائع والجرائم التي ترتكب في شينجيانغ بحقّ أقليّة الإيغور.

تشاو كيه تشي، وهو وزير الأمن العام في الصين، وُجد له خطاب يحمل طابع السرية، ألقاه في زيارة إلى شينجيانغ في يونيو العام 2018، وأشار فيه إلى أنّ مليوني شخص على الأقل مصابون بالفكر المتطرف في جنوب شينجيانغ وحدها.

في خطابه، ذكر الوزير الصيني، بشكل واضح ومتكرّر، الرئيس الصيني تشي جين بينغ على أنه أصل السياسات التي يتمّ تطبيقُها على الإيغور في شينجيانغ. كما أنّه في الخطاب الذي امتد على 10 صفحات باللغة الإنجليزية، ذكر الرئيس الصيني 14 مرّة، مشيراً دائماً إلى تشي جين بينغ بلقبه في الحزب الشيوعي الصيني، أي الأمين العام.

مطلع خطاب تشاو، يقول إنّه “تمّت الموافقة على زيارة الدراسة الإستقصائية إلى شينجيانغ من قبل الأمين العام تشي جين بينغ، ورئيس الوزراء لي كه تشيانغ، ما يعكس بشكل كامل الأهمية الكبيرة والقلق والدعم من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، مع الرفيق شي جين بينغ في صميمها للعمل في شينجيانغ”، وفق ما جاء في الخطاب.

ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة

صورة لمطلع خطاب وزير الأمن العام الصيني تشاو كيه تشي آنذاك ألقاه عام 2018، وذكر فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ 14 مرّة – من ملفات شرطة شينجيانغ

ويتابع تشاو أنّ الغرض من زيارة الدراسة الإستقصائية هو تنفيذ استراتيجية الأمين العام تشي جين بينغ، لحكم شينجيانغ والتعليمات المهمّة التي صدرت في السادس من يناير، من أجل تعزيز مكافحة الإرهاب، لتنفيذ الممارسات الجيّدة لمكافحة الإرهاب والإستقرار في شينجيانغ.

في ذلك السياق، يقول زانز لـ”أخبار الآن“، إنّ “خطاب تشاو كه تشي الداخلي عليه طابع خاص يقول سري جدّاً، وليس مستغرباً أن يكون مصنّفاً بالملف السري لأنّه يقول إنّ تشي جين بينغ شخصياً كان على علم بعمليات الإعتقال الجماعية، وعندما علم أنّ المعتقلات أصبحت مكتظة لأنّه يوجد عدد كبير من الناس، قال نحتاج إلى المزيد من الحرّاس، نحتاج إلى المزيد من حراس السجن وإلى المزيد من عناصر الشرطة، والمزيد من المعتقلات، ونحتاج إلى توسيع المعسكرات الموجودة”. ويتابع: “ذلك ما رأيناه، فقد زادت عملية بناء المعسكرات بشكل كبير، وذُكر في الملف أيضاً أنّ بكين ستدعم شنجيانغ وتدفع التكاليف العالية لمعسكرات إعادة التأهيل. تلك معلومات مهمّة جدّاً لم نكن نعرفها من قبل، وتشير إلى تورّط مباشر لكبار المسؤولين الحكوميين مثل تشي جين بينغ وغيره من مسؤولي الحكومة المركزية، بعمليات الإعتقال الجماعية”.

“الإحتجاز مستمر طالما تعلّق الإيغور بهويتهم وإيمانهم مستمر”

كذلك تحتوي الملفات على خطاب سري آخر، ألقاه في العام 2017 تشين تشوانغو، الذي كان سكرتير الحزب الشيوعي آنذاك. يقول فيه لكبار الكوادر العسكرية والشرطة، إنّه قد لا تكون إعادة التثقيف لـ 5 سنوات كافية، فالإحتجاز مستمر طالما استمر أيٌّ من الإيغور في الشعور بالولاء للهوية، أو البقاء على الإيمان بالقوة نفسها.

ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة

خطاب سري آخر للمسؤول الصيني تشين تشوانغو ألقاه في العام 2017 يوفّر بعضاً من أقوى الأدلّة على استهداف هوية الإيغور وثقافتهم وديانتهم – من ملفات شرطة شينجينغ

لدينا خطابات داخلية تفيد بوضوح، باعتقال الإيغور ومعاملتهم كالمجرمين، وإطلاق النار في حال قرروا الهروب

بذلك أدريان زانز

إذاً توفّر تلك الوثائق بعضاً من أقوى الأدلّة، حتى الآن، على سياسة تستهدف أيَّ تعبير عن هوية الإيغور أو ثقافتهم أو ديانتهم، بتعليمات تمتد حتى الرئيس الصيني، وتُظهر تعليمات سياسة إطلاقِ النار على كلِّ مْنَ يحاول الهروب من المعسكر.

وهنا يقول زانز: “لدينا خطابات لتشينغ وخطابات داخلية يقول فيها بوضوح، اعتقلوا الإيغور وعاملوهم كالمجرمين، كبّلوهم بالأصفاد وأعصبوا عيونهم، وإذا حاولوا الهروب حتى ولو خطوا بضع خطوات، اطلقوا النار عليهم، لديكم تفويض من السلطة للقيام بذلك، لا تكونوا ضعفاء. وكان متفاجئاً أنّه خلال مظاهرات العام 2009 لم تقم الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين، وقال إذاً الناس تظاهرت ضدّ السلطة، فيجب أن تفتحوا النار، القتل أولاً ثمّ الإبلاغ، إذاً لا تضيّعوا وقتكم، افتحوا النار ثمّ أبلغوا عن ذلك”. ويضيف: “تعليمات الشرطة لحراس المعسكرات توضح أنّهم في أبراج المراقبة يستخدمون بنادق القناصة والهراوات، وفي الصور نرى كيف كانت تنفذ تدريبات الشرطة وفريق من خبراء الإعلام تمكّنوا من تحديد الموقع الجغرافي للمخيمات والتعرف عليها للنظر إليهم ومطابقتهم مع الأدلّة”.

ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة

كانت رحيل عمر تبلغ من العمر 15 عاماً فقط عند احتجازها – من ملفات شرطة شينجيانغ

اعتقاد بأنّ أعدد المعتقلين في شينجيانغ يصل إلى 3 ملايين إيغوري

ويتابع زانز حديثه لـ “أخبار الآن“: “أيضاً في خطاب وزير الأمن العام الصيني تشاو كه تشي ذكر أنّه يوجد أكثر من مليوني قد تأثروا بأفكار دينية متطرفة جنوب شينجيانغ فقط، لكن من المحتمل أيضاً أن يكون نحو 3 ملايين شخص أو أكثر قد تأثّروا بما أسمته الدولة نظام إعادة التأهيل ومعسكرات إعادة التأهيل، والمعلومات التي وصلتنا تبيّن بشكل واضح أنّ أعداد الناس الذين وضعوا في معسكرات إعادة التأهيل كبيرة جدّاً، فنحن نتحدث عن الملايين مجدّداً، نقدّر العدد بمليون أو بمليونين، والأدلّة تدعم تقديراتنا”. ويضيف: “الآن للمرّة الأولى، يوجد في حوزتنا صور من داخل المخيمات تظهر المحتجزين يغنون يقفون يجلسون كما تظهرهم مكبلي الأيدي، وجالسين على كرسي التعذيب في إحدى تدريبات الشرطة المحتجزين، يوضعون على كراسي يقول الشهود ومنظمات حقوق الانسان إنّها تستعمل للتعذيب، وذلك أمر محزن جدّاً، وتلك هي المرة الأولى التي نشاهد فيها صورة لأحد المعتقلين وهو يوضع على كرسي التعذيب”.

ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة

كانت أنيهان حميد أكبر المحتجزين سناً إذ كانت تبلغ من العمر الـ 73 عاماً- من ملفات شرطة شينجيانغ

لماذا يعدّ ذلك التسريب مهمّاً للغاية؟

يعتبر البحث القائم على الوثائق الحكومية الصينية المسربة، أمراً ضرورياً لأنّ بكين عملت بكلّ قوتها من أجل منعِ المراقبين الدوليين من جمعِ المعلومات المباشرة عن تلك الإنتهاكات. وذلك التسريب مهم لأنّه يكشفُ عن خطابات رفيعة المستوى، تبيّن تورّط  القيادة العليا الصينية بالجرائم، كما أنّها توفر رؤية داخلية لطبيعة وحجم حملة قمع بكين السرية بحق أقلية الإيغور. فتلك التسريبات غير مسبوقة على مستويات عديدة:

  • خطابات رفيعة المستوى تورط القيادة العليا الصينية بالجرائم بحق الأيغور وأقليات اخرى، وتحتوي على لغة فظة
  • تعليمات أمن المعسكرات، وهي أكثر تفصيلاً بكثير من التسريبات صدرت في وقت سابق
  • صورة حية لتدريبات الشرطة، وأكثر من 5000 صورة لأشخاص تم التقاطها في مراكز الاحتجاز، 2884 منهم معتقلون.
  • جداول بيانات توضح نطاقاً واسعاً من الإعتقالات: أكثر من 12٪ من السكان البالغين في مقاطعة الإيغور عام 2018 يظهرون في المعسكرات أو السجون.
ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة

هاواغول توكل البالغة من العمر 50 عاماً احتجزت في معسكر لاعادة التثقيف العام 2017 دون ذكر السبب – من ملفات شرطة شينجيانغ

كيف تلقى إيغور المنفى تلك الوثائق؟

سُئل الإيغور الذين يعيشون في المنفى عن أسماء وأرقام هويات أقاربِهم المفقودين في شينجيانغ، فتبيّن وجود تطابقات متعدّدة في البيانات، ما يوفّر دليلاً ثابتاً على أنّ المعلومات تحتوي على أشخاص حقيقيين. أحد هؤلاء، الناشط الإيغوري عبد الوالي أيوب (Abduweli Ayup) الذي عاش صدمة كبيرة مع نشر تلك الوثائق. فقال لـ”أخبار الآن“: “لقد نظرت إلى الصور المسربة وقد وجدت معلّمتي في المدرسة الإبتدائية، واسمها طاجغول عبد الرسول. وجدت أنّها بلغت سنّاً متقدّمة وكانت في مخيم الإعتقال. لقد مكثت في مخيمات الإعتقال لذلك أعرف أنّ ذلك صعب للغاية خصوصاً بالنسبة إلى الكبار في السن، إذ يصعب عليهم ذلك كثيراً لأنّه يتعيّن عليهم أن يستيقظوا باكراً جدّاً، أي عند الساعة السادسة صباحاً بتوقيت بكين والساعة الرابعة بتوقيت الإيغور. بعد ساعة ونصف، يتعين على المرء الجلوس لمدة 14 ساعة تقريباً، لأنّه يتعين عليك أن تشاهد الفيديوهات الخاصة بالبروباغندا الصينية، والتي ترغمك على التنديد بدينك وثقافتك ولغتك وتاريخك، وإنّه لأمر محزن أن يضطر المرء إلى التنديد بأفراد عائلته”.

ويتابع ايوب: “نحن نشاهد الفيديوهات والصور ونتعذب منذ 5 أعوام، نحن نجهل عدد الباقين على قيد الحياة وعدد الأموات منهم. هناك أطفال أبرياء، بعضهم في الرابعة عشرة من عمرهم، إنّهم يستحقون العيش كبشر، يستحقون العيش كأطفال، عليهم أن يلعبوا بألعابهم بدلاً من العيش أمام كاميرات التلقين العقائدي والعصي الكهربائية والبندقية، عليهم أن يعيشوا حياتهم. أنا لا أعرف لماذا العالم قاس إلى ذلك الدرجة، لما يتصرف الحزب الشيوعي الصيني بوحشية مع هؤلاء الأطفال الأبرياء ومع أمهاتهم”.

التغريدة أدناه يعلن فيها الناشط الإيغوري عبد الوالي أيوب أنه عثر على رقم شقيقه المعتقل في شينجيانغ منذ العام 2017، إركين أيوب، الذي حكم عليه 14 سنة. وقد توفيت ابنته التي كانت مدرجة على القائمة في الحجز، وهو لا يعلم بوفاتها.

 

بالكاد يمنع أيوب دموعه خلال المقابلة: “أنا عاجز عن الكلام، فأنا منهار ومنكوب لا أعرف ماذا أفعل… ليلة البارحة لم يغمض لي جفن لأنّه من بين الضحايا هناك أصدقائي من الطفولة وأساتذتي من المدرسة الإبتدائية والثانوية، وجيراني الذين ترعرعت معهم ولعبت مع أصدقائي منهم. هؤلاء الأساتذة علّموني كيف أكون كائناً بشرياً ورجلاً صالحاً ومفيداً في ذلك المجتمع، لكنّهم اعتقلوا جميعاً ولا أعرف كم يبلغ عدد الذين فارقوا الحياة من بينهم. أتمنى أن نوقف تلك العملية…

ويضيف: “أمة الإيغور مستهدفة بغض النظر إنْ كنت يافعاً أو مسناً، إنْ كنت معلّماً أو موظفاً حكومياً، وبغض النظر عن مكانتك الإجتماعية. بمجرد أن تكون من الإيغور، فإنّ إسمك يرد على اللائحة أنت في تلك الصورة… بمعنى آخر، الإيغور مستهدفون ويخضعون لمحاولة التخلّص منهم ومحوهم عن وجه الكرة الأرضية إلى الأبد”.

ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة

انطباعان لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” عن التسريبات، ما هما؟

إذاً، تلك التسريبات تشرح بالتفصيل الجهود التي يبذلها الحزب الشيوعي الصيني، للقضاء على هوية الإيغور وثقافتِهم، وقد أثارت ضجة كبيرة في الأوساط الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان. “أخبار الآن” سألت المسؤولة عن ملف الصين في منظمة “هيومن رايتس ووتش” صوفي ريتشاردسن (Sophie Richardson)، عن كيفية تلقيها تلك التسريبات، وماذا قرأت فيها، فردّت بالقول: “لديّ انطباعان حول تلك التسريبات، الأوّل هو حول المعلومات التي تضمنتها عن علم السلطات السياسية جميعها، من أعلى الهرم إلى أسفله، حول عمليات الإعتقال التعسفية التي كانت تحصل”.

إنْ لم تحرك تلك الصور الناس لاتخاذ إجراء ما، فنحن سنواجه حكومة صينية تعتقد أنّه بإمكانها التنصل من أفعالها، وذلك أمر مخيف.

صوفي ريتشاردسن

وتابعت أنّ “ذلك يدعم الأدلّة التي بحوزتنا والتي تدل على أنّ السلطات الصينية ترتكب جرائم إنسانية بحق الإيغور والترك، ولكن من ناحية أخرى بعيداً عن القانون، وإذا ما نظرنا إلى الأمر من ناحية إنسانية، فتلك صور أولادهم وأمهاتهم وأخواتهم وعمّاتهم وأعمامهم، ويظهر بوضوح في تلك الصور مدى الرعب والإرتباك الذي يعيشونه، وهم يدركون أنّهم يعتقلون فقط بسبب هويتهم. وأعتقد أنّه إذا لم تحرك تلك الصور الناس لاتخاذ إجراء ما، خصوصاً في ما يتعلق بتحميل مسؤولية ما يحدث لمن يقوم بتلك الجرائم، فنحن سنواجه حكومة صينية تعتقد أنّه بإمكانها التنصل من أفعالها، وذلك أمر مخيف”.

وشدّدت على أنّه عندما “نشاهد أكثر من 2000 صورة للمتضررين بشكل مباشر، وقد تمّ التقاطها في لحظة من التوتّر الشديد، أعتقد أنّها تجعل ما نقوله عن جرائم الصين أكثر واقعية وإنسانية، ويمكننا أن تشاهد الخوف في وجوه هؤلاء الناس، لكن في الوقت نفسه أيضاً، تلك التسريبات تعطينا معلومات عن كبار المسؤولين الحكوميين كتشانغ تشانغ وا أو تفاصيل عن مرافق محدّدة أو ما حدث في مواقع معينة، وذلك كلّه في عالم عادل يساعد في ملفات المدعي العام لمحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم”.

 

ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة

وعن كيفية توظيف تلك الوثائق في سياق محاسبة الصين على تلك الجرائم، قالت ريتشاردسن: “لنتخيل أنّنا نتحدث عن حكومة أخرى تقوم بجرائم على ذلك المستوى، كنّا سنحضر لإجراء تحقيق دولي رسمي ونحاكم الناس وفقاً لآلية معينة موجودة. من المسلّم به أنّه اقتراح صعب نظراً لمدى قوّة الحكومة الصينية ورفضها للتحقيق، كما أنّها ليست طرفاً في بعض آليات العدالة الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، لكن يمكن للمؤسسات مثل محكمة حقوق الإنسان إنشاء هيئات لخدمة التحقيق والحكومات يمكنها أن تفعل ذلك خارج سياق الأمم المتحدة أيضاً”.

وأضافت: “كما يمكنهم أيضاً متابعة التحقيقات والملاحقات القضائية للأفراد في بلدانهم، وقد رأينا أنّ بعض الحكومات قد قامت بالفعل بإصدار سلسلة من العقوبات على بعض الأشخاص المتواطئين في تلك الجرائم، وهناك خطوات عديدة يمكن للحكومات أن تتخذها، ونحن نحثهم الآن أكثر من أيّ وقت مضى خصوصاً الآن في مواجهة هذه الزيارة التي تقوم بها ممثلة حقوق الانسان في العالم، أن يتصرفوا بما يخدم مصلحة الضحايا والناجين”.

انتقادات لاذعة لزيارة باشليت

وعن زيارة المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشال باشليت إلى الصين، قال زانز إنّ “ذلك الدليل الجديد يأتي في الوقت الذي تزور فيه ميشال باشليت الصين، حيث لن تتمكن من الذهاب إلى حيث تريد، وهي قد أعلنت أنّها ليست جولة إستقصائية، لقد سبق واعترفت بذلك، كما انتشرت لها صورة مع وزير خارجية الصين و هي تحمل كتاباً لشي جين بينغ يتحدث فيه عن أفكاره حول حقوق الإنسان عن حماية حقوق الإنسان، وذلك نفسه شي جين بينغ الذي أمر بزيادة عدد حراس السجون وعدد السجون وزيادة المعسكرات، وأعداد أفراد الشرطة في شينجيانغ لأنّ المخيمات مكتظة”.

تبدو زيارة باشليت إلى الصين سخيفة وكأنّها مهزلة ولا جدوى منها

أدريان زانز

وأضاف: “نحن نعلم أنّ مخاوف كبيرة قد أثيرت بشأن زيارتها شينجيانغ من قبل، ويجب أن نذكر ذلك مجدّداً الآن، لقد ارتكبت غلطة كبيرة عندما قبلت أن تزور شينجيانغ في ظلّ هكذا شروط، وذلك ببساطة لأنّها ستسمح للسلطات الصينية بأن تقوم بحملة دعائية من دون أن تتمكن هي من الحصول على أيّ معلومات جديدة، ولن تتمكن من الحصول على أدلّة مهمّة وحقيقية لكن سيكون هناك صور وفيديوهات جميلة لوسائل الإعلام الصينية التابعة للدولة برأيي هذه غلطة كبيرة فهي تحاول ارضاء جميع الفرقاء و تخضع للضغوطات، وأعتقد ان هذا خطأ كبير كان عليها أن ترسل فرق تحقيق صغيرة على فترة زمنية طويلة يقومون بزيارة عدة مناطق و يبحثون عن الأدلة ويوثقون عملهم فيذكرون الاماكن التي زاروها و تلك التي منعتهم الشرطة  من الوصول اليها و اذا أرادو الذهاب الى مكان معين هل يستطيعون ذلك و ما هي مشاهداتهم و اذا لا يستطيعون الذهاب فما هو السبب كان من الممكن أن تكون هذه استراتيجية أفضل لكنها لم تتبعها لقد أرسلت فريقا واحدا قبل زيارتها  لكنهم  ذهبوا إلى هناك لفترة قصيرة فقط و  فريق واحد لا غير”.

وختم: “أعتقد أنّ تلك الزيارة هي مخاطرة كبيرة لأنّها تقوم بها كحل وسط لإرضاء الحكومات الأخرى، وبعضها غير متأكّد من الأدلّة، ولكن الآن ومع ملفات شرطة شينجيانغ لدينا أقوى دليل على الإطلاق وأكبر دليل حتى الآن ودليل حصري، دليل لا يصدق، دليل مرئي يمكن لأيّ كان رؤيته بعينيه. فالآن تبدو زيارتها وكأنّها مهزلة، تبدو سخيفة، تبدو إشكالية للغاية ولا جدوى منها، ولذلك السبب أعتقد أنّ الدليل الجديد سيتسبب لها بمشاكل في علاقاتها لأنّها الآن عليها أن تصرح ما هو القرار الذي اتخذته بشأن تلك الزيارة، لذا يجب أن نكون ممتنين أنّ هذا الدليل قد نشر الآن فحتى لو قالت الصين أن ميشال باشليت قامت بزيارة الصين وكل شيء على ما يرام، فذلك الدليل يظهر أنّ الوضع ليس جيّداً”.

هذا ما يتوجب على باشليت فعله للحفاظ على مصداقيتها

في ذلك السياق، رأت ريتشاردسن أنّ “ما يجب أن تفعله باشليت للحافظ على مصداقيتها ومصداقية الأمم المتحدة، هو نشر التقرير الذي وضعه مكتبها حول تعدّيات الحكومة الصينية وجرائمها ضدّ الإيغور وسكّان تلك المنطقة، وأن تشرح كيف قيّدت السلطات حركتها، ونحن نعلم أنّهم قاموا بذلك، فهم لم يسمحوا لها برؤية إلّا ما يوافقون عليه”.

وتابعت: “عليها أن تضع جدول أعمال قوي للغاية لرصد تلك الإنتهاكات من قبل الحكومة الصينية والإبلاغ عنها، وأن تضع آلية معينة لتقديم تقارير بطريقة دورية، فتلك دولة من الأعضاء الخمسة الأساسية في الأمم المتحدة، وهي تقوم بجرائم فظيعة، وهي في ذلك المنصب وإذا ما فشلت بالتصرف بالطريقة المناسبة، فذلك يعني أنّ الحكومة الصينية ستظن أنّ بوسعها التنصل من تلك الجرائم حتى من خلال تلك المنظومة. نحن نعلم أنّه لا يمكن تحميلها المسؤولية من خلال النظام المحلي لكن إذا النظام الدولي الذي وضع خصيصاً من أجل هكذا حكومات كالتي في بكين، والتي تقوم بتعنيف المواطنين بدل حمايتهم، فذلك يعني أنّ مصداقية النظام بأسره على المحك”.

ورأت أنّ “زيارتها بحدّ ذاتها خصوصاً بعض المحادثات التي عقدتها مع الديبلوماسيين مطلع الأسبوع، والصور التي تُظهر استلامها لنسخة عمّا كتبه تشي جين بينغ حول حقوق الإنسان، حفّزت الحكومات حتى أولئك الذين شاركوا بالفعل في موضوع الإنتهاكات بحق الإيغور وسكان التيبيت أو هونغ كونغ أو المدافعين عن حقوق الإنسان من كلّ أنحاء الصين، ولاحظنا خلال الأيّام الفائتة أنّ التجاوب من بعض الحكومات كبير جدّاً، وهم يدعمون العدل والمساءلة”.

وختمت: “أعتقد أنّهم يرون في تلك الصور أكثر من مجرّد كوارث إنسانية، ولديهم الدافع لإيجاد نوع من العدالة. لكن السؤال هو ما إذا كانوا قادرين على الإجتماع بشكل فعّال في مجلس حقوق الإنسان على سبيل المثال، وما إذا كانت بعض الحكومات ستمضي في المسار القضائي العالمي الذي رأيناه مؤخراً كمحاكمة مرتكبي التعذيب السوريين في ألمانيا، والمدعون العامون الدوليون يمكنهم فتح قضايا تشمل الجرائم التي ارتكبت في شينجيانغ، هناك عدة خطوات يمكن أن تتخذها الحكومات، لكن السؤال هو هل هم مستعدون للإستفادة من تلك المعلومات الجديدة واتخاذ خطوات فعالة للمحاسبة”.

رسالة مؤثرة من عبد الوالي إيوب إلى باشليت

من جهته، قال أيوب في رسالة توجّه فيها إلى باشليت: “لا أعرف حقاً كيف يمكنها أن تنظر إلى تلك الصور، لا سيما صور الأمهات والأطفال الأبرياء، وكيف يمكنها أن تنظر إلى عيونهم”. وأضاف: “إنْ كنتِ مفوضة سامية لحقوق الإنسان، هؤلاء بالمقابل هم كائنات بشرية مثلك تماماً، هم بنات وأبناء كما بناتك وأبنائك، وهم أمهات كأمّك، أعتقد أنّك رأيت الصور غير المقبولة، وعلينا وضع حدّ لتلك العملية ونقف موحدين بوجه تلك المأساة… سيدة باشليت، أرجوك ارفعي صوتك وقولي الحقيقة، وقفي بجانب أصحاب الحق، نريد أن تقولي لا للصين، واطلبي منها أن توقف تلك الأعمال الوحشية بأسرع وقت ممكن. تلك مسؤولية تقع على عاتقك، من مسؤوليتك أن توقفي تلك العملية وأنت قادرة على القيام بتلك المهمة”.

“عندما أنظر لهؤلاء النساء، أتذكّر شقيقتي المعتقلة منذ سبتمبر 2018”

كذلك شقيقة الطبيبة المعتقلة غولشان عباس، روشان عباس (Rushan Abbas)، هالها هول ما شاهدته في تلك الملفات المسرّبة، فقالت لـ “أخبار الآن“، إنّ “تلك الوثائق أعطت للعالم بأسره لمحة أعمق عن الإبادة الوحشية التي تمارسها الصين بحق أقلية الإيغور المسلمة”، مضيفةً: “هناك آلاف الصور لمعتقلين إيغور وأشرطة فيديو تظهر رجال شرطة صينيين يضعون أكياساً سوداء اللون على رؤوس المعتقلين الأبرياء، الذين لم يقترفوا ذنباً سوى أنّهم مسلمون وإيغور… ما رأيناه ليس سوى رأس الجبل الجليدي، فهناك أيضاً مذكّرات إدارية داخلية وأوامر يتلقاها الحرّاس بإطلاق النار على أيّ معتقل يحاول الهرب وبقتله، بينما لم توجّه أي تهمة لأيّ منهم”.

وتبعات: “لم أتمكن من التوقف عن ذرف الدموع بينما كنت أشاهد الصور، شعرت كما لو أنّني أحدّق في عيني والدتي ووالدي وأشقائي أو شقيقاتي، فعيون المعتقلين الثلاثة آلاف تقريباً توجه رسالة للعالم برمته، تتوسله فيها أن ينقذها”. وقالت: “عندما أنظر إلى هؤلاء النساء، أتذكر شقيقتي الدكتورة غولشان عباس المعتقلة هي أيضاً منذ سبتمبر العام 2018، إنتقاماً منّي لعملي في مناصرة الإيغور”.

ووجهت نداء إلى العالم قائلةً فيه: “كونوا صوت شقيقتي الدكتورة غولشان عباس وكلّ المسلمين الإيغور المعذبين بسبب وحشية الصين. أصبحت الحقيقة اليوم بين أيديكم بفضل وثائق الشرطة الصينية نفسها. الآن لديكم واجب ديني ومعنوي كمسلمين للدفاع عن إيمانكم”.

ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة

تجدر الإشارة إلى أنّ الحملة على الإيغور وغيرهم من المجموعات العرقية ذات الغالبية التركية، واحتجازهم في السجون بحجة “إعادة الثقيف”، كانت بدأت منذ 5 سنوات، في العام 2017، وقد كتب الخبراء والمراقبون والمراسلون وسائل الإعلام بشكل مكثف عن تلك الحملة، التي لا تستخدم السجن فحسب، بل أيضاً تدابير قسرية للحد من الإنجاب والعقم، وتقييد الممارسات الثقافية والدينية، وتسهيل العمل القسري وغيرها من الممارسات بحقّ تلك الأقلية.

لكا إيغوري في التسريب قصة تختنق في سردها الكلمات

بعد نهاية العام 2018، لم يتمْ تأريخ أيّ من المستندات التي تمّ اختراقها، ربّما نتيجةً لتوجيه صدر أوائل العام 2019، يشدّد معايير التشفير في شينجيانغ، وقد يكون ذلك قد وضع أيَّ ملفات أخرى بعيدة عن متناولِ المخترقين. لكن في المحصلة من كل ما تقدّم، يمكن إيجازه بأن الأوامر التي تصدر تأتي من رأس القياة الصينية، ما نحن بصدده هو سجون وليس مدارس أو معاهد للتأهيل، أوامر كانت تصدر بقتل المعتقلين وإطلاق النار عليهم إذا ما قرروا الهروب من المعتقلات

لا شك أنّ الأيّام المقبلة ستحملُ المزيد، خصوصاً أنّه يمكن كتابة ربّما مجلّدات من مجموعة الأدلّة تلك. فالقصة بدأت للتو، قد يرى البعضُ أنّ المعتقلين الذين ظهروا في ذلك التسريب، مجرد صور وأرقام، لكن في الحقيقة أنّ لكلّ منهم قصة تختنق في سردها الكلمات.

شاهدوا أيضاً: محنة الإيغور.. وثائق تفضح الرئيس الصيني و”غوان” يخترق أسوار شينجيانغ