يقف العالم بأسره اليوم على حافة هاوية بسبب هجوم روسيا على أوكرانيا. وتبدو تلك الحرب من منظار دول البلطيق، خطرة للغاية، إذ أنّ التاريخ يلقي بظلاله على تلك الدول الصغيرة، بما في ذلك إستونيا التي هي عضو في حلف الناتو، والتي لديها أقلّية روسية. فعدوانية روسيا حيال أوكرانيا أثارت شيئاً من القلق لدى دول البلطيق، التي تخشى أن تكون هدف موسكو التالي.

  • مع استمرار حرب أوكرانيا تخشى دول البلطيق بما في ذلك إستونيا أن تكون هدف روسيا التالي 
  • رئيسة إستونيا السابقة كيرستي كاليولايد لأخبار الآن:  بوتين خائف من حرّية الأوكرانيين والبيلاروسيين
  • كاليولايد: حلف شمال الأطلسي (الناتو) منظمة دفاعية وليست فقط عبارة عن تحالف سياسي
  • دول البلطيق تطالب منذ بدء الأزمة الأوكرانية بتحويل قواعد الناتو الموجودة على أراضيها لقواعد دائمة

إستونيا هي عضو في الناتو، وذلك الحلف يحمي أعضاءه مهما كلّف الأمر

كيرستي كاليولايد

أخبار الآن” أجرت لقاءً خاصاً مع رئيسة إستونيا السّابقة، كيرستي كاليولايد (kersti kaljulaid وردّاً على احتمال أن تكون بلادها هدف موسكو التالي، شدّدت على أنّ “إستونيا هي عضو في الناتو، وذلك الحلف يحمي أعضاءه مهما كلّف الأمر، وهو منظمة تتخذ الموقف الرّادع، وذلك الموقف تغيّر منذ العام 2014، ونلاحظ من تصاريح المسؤولين الرّوس أنهم لا يرغبون بمواجهة  الناتو، لذا الجواب هو أنّنا لسنا خائفين في إستونيا، كما أيّ دولة تابعة للناتو ليست خائفة من ذلك، وأنا على ثقة من أنّ الناس لا يشعرون بالقلق، لكن ذلك لا يعني أنّ الوضع في أوكرانيا لا يقلقنا بل على العكس تماماً، نحن قلقون جدّاً وما يحدث هناك غير إنساني”. 

 

رئيسة إستونيا السّابقة تكشف لأخبار الآن تفاصيل لقاءاتها مع بوتين: فشلنا بإقناعه بتغيير مساره

مرّت إستونيا بتجارب مؤلمة مع القمع الروسي… فقد احتلّها الإتحاد السوفيتي في أربعينيات القرن الماضي وتمّ ترحيل عشرات الآلاف من مواطنيها إلى سيبيريا. في العام 2004 انضمت إستونيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووضعت نفسها بذلك في مظلّة الحماية العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين.

تطالب دول البلطيق منذ بدء الأزمة الأوكرانية، بتحويل قواعد الناتو الموجودة على أراضيها إلى قواعد دائمة، حيث أنّ الـ20 ألف عسكري من قوات الناتو الموجودين حالياً ينتشرون بشكل دوري ولمدّة محددة.

إنّ تعزيز وجود تلك القوات في القواعد العسكرية للحلف في البلاد أهم الأولويات الإستراتيجية لدول البلطيق كما يقول الكولونيل أندرياس، قائد وحدات المشاة الإستونية في حلف الناتو.

الناتو منظمة دفاعية وليست فقط عبارة عن تحالف سياسي

كيرستي كاليولايد

 

وشدّدت كاليولايد في حديثها لـ”أخبار الآن” على أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خائف من حرّية الأوكرانيين و البيلاروسيين وإرادتهم، قائلةً إنّ “الناتو هي منظمة دفاعية وليست فقط تحالفاً سياسياً”، مشيرةً إلى أنّ “بوتين ليس قلقاً من أنّ الناتو سيشكّل تهديداً لروسيا، وما يؤكّد ذلك هو مراكز تموضع القوات الروسية، ولو كانت روسيا خائفة من الناتو بينما تخوض حربها مع أوكرانيا لم تكن ستقوم بإزالة الكثير من مواردها الموجودة على الحدود الشّرقية مع الناتو، وهم قد فعلوا ذلك، وذلك يثبت عملياً و تقنياً أنّ بوتين ليس خائفاً من توسّع الناتو، إنّما خائف من حرّية الأوكرانيين والبيلاروسيين وإرادتهم، ومن تقاربهم مع البلدان الحرّة”.

على الرّغم من أنّ الحلفاء، مثل بولندا والمجر، كانوا في مجال النفوذ السوفيتي، فإنّ دول البلطيق هي الأعضاء الوحيدة في الناتو التي تمّ دمجها رسمياً في الإتحاد السوفيتي.

إلى جانب حجم إستونيا الصغير وقربها من روسيا، جعل ذلك الإنضمام البعض في المنطقة يشعر بالضعف بشكل خاص، وهو شعور برز أكثر في العام 2007، عندما قام مئات الأشخاص من أصول إثنية روسية بأعمال شغب احتجاجاً على خطط الحكومة لنقل نصب تذكاري للحرب السوفياتية في إستونيا. وقد أعربت إستونيا حينها عن شكّها في أنّ روسيا هي التي أجّجت تلك الإضطرابات وكانت تنسّق أيضاً الهجمات السيبرانية التي شلّت شبكات حواسيب الحكومة.

رئيسة إستونيا السّابقة تكشف لأخبار الآن تفاصيل لقاءاتها مع بوتين: فشلنا بإقناعه بتغيير مساره

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستقبل رئيسة إستونيا كرستي كالجولايد في الكرملين عام 2018

التقيت فلاديمير بوتين مرات عديدة، وكان تفكيره سائراً في الإتجاه الذي نتحدّث عنه اليوم

كيرستي كاليولايد

وردّاً على سؤال حول تفاصيل لقاءاتها مع بوتين خلال فترة رئاستها، قالت كاليولايد لـ”أخبار الآن“: “خلال فترة رئاستي قابلت بوتين وناقشنا الوضع في جورجيا وأوكرانيا، فبلداننا متجاورة وطبعاً كنّا نتواصل معاً، ولا يمكنك أن تحرز تقدّماً إلاّ إذا تحاورت… تلك اللقاءات حصلت منذ عدّة سنوات وناقشت أموراً عدة لم تعد مهمّة اليوم مع ما نعيشه، فلا شيء ممّا ناقشناه ينطبق على عالمنا اليوم، في العالم اليوم قرّر بوتين سلب الأوكرانيين حرّيتهم في اتّخاذ قرارهم بالإنضمام الى العالم الحر والعالم الديمقراطي، وأن يصبحوا جزءاً من الاتّحاد الأوروبي”.

وتابعت: “كان تفكير بوتين سائر في الإتجاه الذي نتحدّث عنه اليوم، لكن التصادم لم يكن قد حدث بعد، وقتها تحدثنا عن احتلال جزر القرم الذي لم تعترف به الدول الأوروبية ودول الناتو والعالم الحر، كما ناقشنا الإحتلال الجزئي لجورجيا الذي حدث في العام 2008، وهذه المواضيع كانت موجودة على طاولة البحث عندها، إذاً خطط بوتين لم تتغير ونحن لم نستطع إقناعه بعدم صوابية مساره”.  

رئيسة إستونيا السّابقة تكشف لأخبار الآن تفاصيل لقاءاتها مع بوتين: فشلنا بإقناعه بتغيير مساره

كاليولايد تضيء الشموع في الذكرى السنوية على القصف السوفيتي للمدنيين الإستونيين عام 1944

خطط بوتين لم تتغير عن السابق وقد فشلنا في إقناعه بتغيير مساره

كيرستي كاليولايد

في ذلك الصدد، أشارت الرئيسة السّابقة لإستونيا كيرستي كاليولايد إلى عدم القدرة على تنبؤ أيّ شيء في الوقت الحاضر، قائلةً:” الأوكرانيون اليوم يحاربون من أجل وطنهم و حرّيتهم، فلنواصل مدّهم بما يحتاجونه وندعمهم في ذلك”.

وختمت بالقول: “نحن نقدم على ما نفعله لأنّنا نعتبره واجبنا الأخلاقي، و قلقنا الرئيسي اليوم هو التأكّد من أنّ أوكرانيا تتلقى أكبر قدر من الدعم ليس فقط الإنساني، لكن أيضاً بالأسلحة العسكرية لمساعدتهم على خوض تلك الحرب. وأضافت أنّ “الحرب على أوكرانيا عدوان سيء ضدّ الشعب الأوكراني، ونحن نريد حقاً أن يتمكن الأوكرانيون من مواصلة القتال من أجل حرّيتهم، وذلك في طليعة كلّ المناقشات”.

لقد غيرت السّياسات السوفيتية الواقع الديمغرافي لدولة إستونيا، حيث أنَّ موسكو هجّرت عشرات الآلاف من الإستونيين إلى أصقاع سيبيريا، خلال الحرب العالمية الثانية، بحجّة التعاون مع النازيين، يقول أهل البلطيق عنها إنّها مجرّد تهمة للسّيطرة على بلادهم، وأسكنت بدلاً منهم مواطنين روساً. اليوم، وبحكم تلك السّياسات، فإنّ 27 % من سكان إستونيا هم روس، وأكثر من 35 % من هؤلاء يحملون الجنسية الروسية، وطبعاً أكثر من 90 % من سكان نارفا والشرق يتحدثون الرّوسية.

أبرزت تلك الحالة مخاوف على مستويين، أوّلاً أن تعيد موسكو طرح مسألة حماية الأقليات الرّوسية في البلطيق، كما حدث في مناطق الاتحاد السوفيتي السّابق التي شنّت فيها روسيا عمليات عسكرية مثل الشيشان منتصف تسعينيات القرن الماضي، أو في حالة أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا، وفي جزيرة القرم، وحالياً في الشرق الأوكراني. أمّا المستوى الثاني فهو تتهديد السلم الأهلي بين الإستونيين، بسبب المواقف من روسيا.

شاهدوا أيضاً: رغم العقوبات.. 35 مليار دولار من أوروبا لروسيا بشهر واحد!