داعش في شرق آسيا.. صراع الهاوية

يعيش تنظيم داعش في شرق آسيا على وقع صراع شرس على السلطة وحرب داخلية لقيادة التنظيم، في ظل غياب زعيم معترف به منذ مقتل الفلبيني “حاطب هاجان سوادجان Hatib Hajan Sawadjaan” عام 2020 على يد قوات الأمن. 

من هم أبرز المتنازعين على السلطة وكيف يؤثر هذا الصراع على التنظيم، وأين التنظيم المركزي في العراق وسوريا فيما يحدث الآن في آسيا.. هذا ما سنناقشه تباعا في تقريرنا.

بيعة بدون أمير

وسط أحد الغابات الاستوائية في جزيرة “مينداناو” الفلبينية، وقف مجموعة من المسلحين الملثمين أمام راية العُقاب المميزة لتنظيم داعش، معلنين أداء البيعة لخليفة التنظيم الجديد “أبو الحسن الهاشمي القرشي“، الذي اختير بعد مقتل سلفه أبو إبراهيم القرشي/ حجي عبد الله قرداش، في عملية عسكرية أمريكية، أوائل شهر فبراير/ شباط الماضي.

وعبر مجموعة من الصور، أعلنت وكالة أعماق، ذراع تنظيم داعش الإخبارية، أن “جنود الخلافة في شرق آسيا“، بايعوا الخليفة الجديد، وذلك بعد أقل من 24 ساعة، على تأكيد المتحدث باسم التنظيم “أبو عمر المهاجر” ، مقتل أبو إبراهيم القرشي، واختيار “الهاشمي” بديلًا له، لكنها لم تعلن عن هوية أمير الفرع داعش في شرق آسيا، الذي غاب عن الظهور في أي إصدار دعائي لداعش، حتى الآن.

وتزامنت البيعة السريعة التي أداها أتباع داعش في شرق آسيا، مع حملة عسكرية أطلقها الجيش الفلبيني ضد معاقل المجموعات المحلية المبايعة لداعش في مقاطعة “لاناو ديل سور Lanao del Sur” (جنوب البلاد)، وجرى، خلالها، استهداف معسكرات لتلك المجموعات، أبرزها معسكر في بلدة “ماجوينج ” الصغيرة شرقي بحيرة لاناو (في قلب جزيرة مينداناو Mindanao)،  يُشرف عليه “أبو زكريا Abu Zacharia” (معروف أيضًا بـ”جير ميمبانتاس Jer Mimbantas”، و”فخر الدين حاج ستار Faharudin Hadji Satar”)، الذي يعتقد الجيش الفلبيني أنه الأمير الإقليمي لداعش في جنوب شرق آسيا، وهو ما لم يؤكده أو ينفيه داعش، في ظل وجود شواهد عديدة تلمح إلى احتمالية وجود صراع على قيادة التنظيم بين “أبو زكريا”، وقيادات مجموعات جهادية أخرى في مقدمتهم”مندي سوادجان Mundi Sawadjaan”، ابن شقيق “حاطب هاجان سوادجان”، الذي نصب نفسه أميراً لـ”جنود الخلافة” في الفلبين، قبل مقتله، عام 2020.

ورغم من اشتداد الحملة العسكرية التي يشنها الجيش الفلبيني ضد المجموعات المحلية المرتبطة بتنظيم داعش في شرق آسيا، إلا أن الأخير سارع إلى إظهار أتباعه في جزيرة “مينداناو”، ليدلل على استمراره في العمل الإرهابي بعد مقتل خليفته “أبو إبراهيم القرشي”، ويؤكد على استمرار سرديته/ نهجه القائم على فكرة “البقاء والتمدد”، متجاهلًا المخاطر التي تنعكس على تلك المجموعات ومنها إمكانية تحديد مواقعها واستهدافها من قبل الجيش الفلبيني.

التوجه نحو شرق آسيا

ومثل نهج تنظيم داعش، امتدادًا لطريقته السابقة والقائمة على توظيف المجموعات الجهادية المحلية الموالية له لتحقيق انتصارات دعائية وتشتيت جهود التحالف الدولي لحرب داعش (قوة المهام المشتركة- العزم الصلب)، عن طريق فتح أكثر من جبهة قتالية في مناطق جغرافية مختلفة في آن واحد، لتخفيف الضغط على التنظيم المركزي في العراق وسوريا.

وتطبيقًا لهذا النهج، سعى تنظيم داعش، عقب إعلان الخلافة المكانية في يوليو/ تموز 2014، إلى كسب ولاء المجموعات الجهادية المحلية في دول جنوب شرق آسيا (الفلبين، وإندونيسيا، وماليزيا.. إلخ)، وتوظيفها في خدمة استراتيجيته القتالية، عن طريق تشكيل إمارات/ ولايات خارجية تابعة له يتم توجيهها والتحكم فيها عن طريق التنظيم المركزي، وزاد اعتماد على هذه الإستراتيجية عقب سقوط خلافته المكانية، في مارس/ آذار 2019، موظفًا الأفرع الخارجية في حربه.

وأعلنت مجموعات جهادية فلبينية (محلية)، أبرزها مجموعة منشقة عن جماعة أبو سياف، بقيادة “إسنيلون توتوني هبيلون Isnilon Totoni Hapilon“، وجماعة “دولة لاناو الإسلامية” المعروفة أيضًا بـ “جماعة ماوتي” بقيادة الأخوين  عبد الله وعمر ماوتي، وجماعة “مقاتلي بانجسا مورو الإسلاميين من أجل الحرية Bangsamoro Islamic Freedom Fighters (BIFF)“، وجماعة “أنصار الخلافة في الفلبين” بقيادة “محمد جعفر ماغويد Mohammad Jaafar Maguid”، بيعتها لـ “أبو بكر البغدادي”، خليفة تنظيم داعش (آنذاك)، بيد أن التنظيم لم يُعلن قبول تلك البيعات، حتى مع مغازلة خليفته (الأسبق) لـ الجماعات الجهادية المحلية في الفلبين، خلال كلماته التي نشرتها مؤسسة الفرقان الداعشية (إحدى أذرع التنظيم الإعلامية)، خلال عامي 2014، و2015.

ووثق داعش، في السنوات التالية، علاقاته مع المجموعات الجهادية المحلية، مستعينًا بالمقاتلين الأجانب في صفوفه (لا سيما الفلبينيين والماليزيين)، في الاتصال بتلك المجموعات النشطة بشكل أساسي في “جزيرة مينداناو” الفلبينية، كما أعلن التنظيم، في عام 2016، قبول بيعة تلك المجموعات، بعد تعرض معاقله الرئيسية في العراق وسوريا وليبيا إلى الحصار، وخسارته العديد من المدن الإستراتيجية التي كانت تحت سيطرته في الدول الثلاث.

“داعش”، لم يُعلن إقامة ولاية مكانية له في تلك المنطقة

واكتفى بالإشارة إلى تلك المجموعات الجهادية باعتبارهم “جنود الخلافة”، وإلى أميرهم “إسنيلون هبيلون” الذي سماه “الشيخ أبو عبد الله الفلبيني المهاجر” باعتباره أميرًا لجنود الخلافة في جنوب شرق آسيا، دون إعلانه واليًا أو أميرًا مفوضًا لإدارة الولايات الداعشية في المنطقة كما فعل مع الفرع الليبي له.

وارتبط هذا الإعلان بفرض التنظيم المركزي لأجندته الذاتية على حساب المجموعات الجهادية المحلية في شرق آسيا، دون النظر للاعتبارات المتعلقة بطبيعة هذه المجموعات أو نهجها القتالي وقدرتها على البقاء والتكيف مع التغيرات والتوجيهات التي أُرسلت إليهم من قبل “حجاجي داعش” في العراق وسوريا، وهو ما أدى إلى حدوث انتكاسات كبيرة وخسائر في صفوف الجهاديين المحليين.

كما سعى التنظيم لفرض قيادة موحدة على كل تلك المجموعات، متجاهلًا وجود اختلافات بينهم، كما فعل سابقًا في غرب إفريقيا حين اختار “أبو بكر شيكاو“، زعيم جماعة بوكو حرام، واليًا لفرعه هناك، قبل أن ينقلب عليه ويختار  واليًا آخرًا ويفرض على أتباعه قتال “شيكاو” ومجموعته، بسبب تعارض الأيدولوجيا والإستراتيجيات بينه وبين قيادة تنظيم داعش المركزية ومخالفته لتعليماتها، وهو ما أسفر عن مقتل الأخير في اشتباكات مع المقاتلين المحليين الموالين لداعش في يونيو/ حزيران عام 2021، وبهذا أرسلت القيادة المركزية رسالة لأفرعها الخارجية أن عليهم أن يُنفذوا التوجيهات الصادرة لهم من “العراق وسوريا” أو يتم عزلهم أو قتلهم كما حصل مع زعيم جماعة بوكو حرام السابق.

وعلى نفس المنوال، اختار داعش “إسنيلون هبيلون” أميرًا لمن وصفهم بـ”جنود الخلافة في شرق آسيا”، لكن هذا الاختيار لم يحسم الجدل أو الخلافات بين المجموعات المحلية، وعاد الشقاق حول من يتولى “القيادة العليا” بعد مقتله، إذ رأى حاطب هاجان سوادجان أنه الأجدر بقيادة “الفرع المحلي لداعش، بينما اختار ت مجموعات جهادية محلية مبايعة “عويضة مروهمبصر Owaida Marohombsar”  المكنى بـ”أبو دار Abu Dar” أميرا لفرع داعش في شرق آسيا، حتى مقتل الأخير، وهو ما توافق مع توجهات التنظيم المركزي، على ما يبدو.

وفي حين استفاد تنظيم داعش في العراق وسوريا من تلك المجموعات المحلية لإثبات وجوده في منطقة شرق آسيا، لم تستفد تلك المجموعات من التنظيم بصورة فعلية بل تضررت بشكل كبيرة نتيجة ارتباطها بالتنظيم المركزي، فعلى سبيل المثال روج التنظيم لتلك المجموعات في منصاته الدعائية بشكل مكثف في عام 2017 والذي شهد خسارته لمعاقله الرئيسية الثلاث: الموصل (العراق)، والرقة (سوريا)، وسرت(ليبيا).

وبثت مؤسسة الحياة الإعلامية (ذراع دعائي لداعش متخصص في إنتاج المواد الإعلامية باللغات الأجنبية)، إصدارًا مرئيًا ضمن سلسلة من الداخل بعنوان “Inside the Caliphate 3” تضمن لقطات للجهاديين الموالين لداعش في الفلبين أثناء وجودهم داخل مدينة ماراوي عاصمة إقليم لاناو ديل سور في جزيرة مينداناو في الفلبين، وظهر في الإصدار أحد المقاتلين السنغافوريين الذين انضموا لداعش وهو يدعو أنصاره إلى الهجرة إلى الفلبين بدلاً من العراق وسوريا وليبيا التي سُدت الطرق إليها.

ونشرت أسبوعية النبأ، ومجلة رومية الداعشية التي صدرت في الفترة من 2016: 2017 بلغات أجنبية، مقالات حول “الجهاد في الفلبين”، وكذلك أجرت الصحيفة الأولى حوارًا مع “ إسنيلون هبيلون”، ونشرت الحوار أواخر رمضان (يونيو/ حزيران) عام 2017، مع بدء القتال داخل مدينة ماراوي.

حرب داخلية وصراع مميت.. ما الذي يحدث في كواليس قيادة داعش في شرق آسيا؟

حوار إسنيلون هبيلون Isnilon Totoni Hapilon مع أسبوعية النبأ الداعشية – المصدر صحيفة النبأ

البحث عن “نصر مُدمر”

في المقابل، استفادت المجموعات الجهادية المحلية في الفلبين من ارتباطها بداعش، بصورة معنوية فقط، دون أن تجني مكسبًا حقيقيًا

فمع أنها بايعت التنظيم للحصول على شرعية جهادية عبر الارتباط بالخلافة المكانية العابرة للحدود الوطنية وسحب البساط من تحت أقدام خصومها ومنافسيها الأبرز في جماعة أبو سياف وجبهة تحرير مورو الناشطتين في الفلبين، إلا أنها لم تحز، في الواقع، دعمًا حقيقيًا من تنظيم داعش في العراق وسوريا سواء على صعيد التمويل أو الدعم العملياتي، وبقي عدد المهاجرين (المقاتلين الأجانب) الذين استجابوا لدعوة داعش بالهجرة إلى الفلبين، محدودًا للغاية ولم يتجاوز 40 مقاتلًا على أقصى تقدير، قُتل أغلبهم في معركة ماراوي، التي تحل اليوم، الذكري الخامسة لحصارها على يد داعش في الـ ٢٣ من مارس ٢٠١٧.

وعلاوة على ذلك، أدت توجيهات التنظيم المركزي إلى تدمير وتقويض القدرات العملياتية للمجموعات الجهادية المحلية في الفلبين وخسارتهم للمئات من المقاتلين، كما حفزت تدخل التحالف الدولي لحرب داعش ضدهم إذ شاركت قوات أمريكية خاصة في المعارك إلى جانب الجيش الفلبيني ضد الجهاديين، وأدت كذلك  إلى نفور السكان في ماراوي من المسلحين المرتبطين بداعش في شرق آسيا، لا سيما بعد تدمير المدينة خلال عمليات القتال التي دارت بينهم وبين الجيش الفلبيني في المدينة لمدة 5 أشهر، عام 2017.

ومن خلال تحليل الأداء القتالي للمجموعات الجهادية المحلية المرتبطة بداعش في جزيرة مينداناو، يتبين أن معركة ماراوي (2017)، كانت المرة الأولى التي تحاول فيها تلك المجموعات محاكاة تنظيم داعش المركزي بصورة شبه حرفية، عبر  تطبيق إستراتيجية “مسك الأرض” والتي تتضمن السيطرة على بقعة جعرافية محددة وإعلانها إمارة/ ولاية ضمن الولايات التابعة للخلافة المكانية الداعشية، وتخلى الجهاديون الفلبينيون بهذه الإستراتيجية عن أسلوبهم القتالي العتيق القائم على أسلوب الكر والفر (إضرب وأهرب) المستمد بالأساس من عمليات حروب العصابات التي يجيدونها بصورة أكبر من حروب المدن.

وكان لتطبيق تلك الإستراتيجية الداعشية، أثر مدمرًا على المجموعات الجهادية في جنوب شرق آسيا، فلم تفلح تكتيكات السيارات والهجمات الانتحارية (التي نفذها مقاتلون أجانب) واستخدام العبوات الناسفة بكثافة في وقف تقدم الجيش الفلبيني لاستعادة السيطرة على مدينة ماراوي، التي سيطر عليها الجهاديون منتصف عام 2017، كما أدت عمليات مكافحة الإرهاب إلى مقتل المئات من الجهاديين وعلى رأسهم ثلة من أبرز قادة داعش في شرق آسيا، أبرزهم أمير الفرع إسنيلون هابيلون، وعمر ماوتي وشقيقه عبد الله Omarkayam and Abdullah Maute” الذين لعبا دورًا بارزًا في سيطرة المجموعات الموالية لداعش على ماراوي.

نزيف وصراع قيادي متواصل

 ونتيجة للضربات التي تلقتها، ضعفت المجموعات الجهادية المحلية المرتبطة بتنظيم داعش نتيجة الهزائم التي تلقتها في ماراوي وسائر مناطق نشاطها في جنوب شرق آسيا، كما نجحت أجهزة الأمن ووكالات إنفاذ القانون في الفلبين وماليزيا وإندونيسيا، في إجهاض العشرات من الهجمات الإرهابية قبل تنفيذها، وفشلت الخلايا الداعشية في الدولتين الآخيرتين، على وجه التحديد، في تحقيق أي إنجاز كبير على مستوى الصراع في البلدين، واكتفت بشن هجمات منفردة وضعيفة، في الغالب، دون أن يكون لتلك الهجمات أي تأثير إستراتيجي.

وخسرت المجموعات الجهادية في جنوب شرق آسيا، خلال السنوات الست الماضية، عدد كبير من قادتها وأمرائها الذين لعبوا دورًا هامًا في قيادة تلك المجموعات، فبعد مقتل  “إسنيلون هابيلون”، في عام 2017، نجح الجيش الفلبيني، في مارس/ آذار 2019، في استهداف وقتل خليفته “عويضة مروهمبصر ”  المكنى بـ”أبو دار“، الذي اختير أميرًا عامًا للمجموعات المرتبطة بداعش في الفلبين، وكذلك تصفية “حاطب هاجان سوادجان“، والذي أعلن نفسه أميرًا لجنود الخلافة في جنوب شرق آسيا بعد مقتل ” هابيلون”، لكن لم يتم اعتماده/ تزكيته من قبل التنظيم المركزي.

وتكشف حالة الازدواج القيادي التي نشأت عقب مقتل “إسنيلون هابيلون”، عن وجود تباينات وفوارق جوهرية بين المجموعات الجهادية المحلية المرتبطة بداعش، ففي الوقت الذي اختارت فيه عدد من هذه المجموعات- أهمها مجموعة “أجانغ-أجانغ” التي نفذت تفجيرات الكاتدرائية الكاثوليكية في جولو بجزيرة مينداناو، أوائل عام 2019، والتي تبناها داعش رسميًا في حينها-  مبايعة “حاطب هاجان سوادجان” أميرًا للمجموعات الجهادية المحلية في جنوب شرق آسيا، رفضت مجموعات أخرى مبايعة “سوادجان”، واختارت مبايعة “عويضة مروهمبصر ” / “أبو دار” بدلًا منه، وهو الاختيار الذي يبدو أن قيادة داعش المركزية وافقت عليه في نهاية المطاف، وهو ما تعززه البيانات الرسمية الصادرة عن قيادة الجيش الفلبيني.

ومع أن هذه المجموعات، اختارت أن ترتبط بالعلامة الجهادية المعولمة لتنظيم داعش المركزي في العراق وسوريا، أملًا في كسب دعم يمكنها من التغلغل والانتشار والاستمرار في العمل الإرهابي داخل جنوب شرق آسيا، إلا أن قدرة هذه المجموعات على البقاء مترابطة لا تزال غير مؤكدة، خاصةً في ظل وجود حالة تنافس قيادي بين أمراء وقادة تلك المجموعات.

وتشير المعلومات المتاحة عن المجموعات الجهادية المحلية في جنوب شرق آسيا (وتحديدًا في الفلبين)، إلى أن مقاتلي هذه المجموعات مرتبطين، إلى حد كبير، بالقادة المحليين الذين يقودونهم بشكل مباشر  ولديهم “ولاء شخصي قوي” تجاههم، وهو عامل حاسم يؤثر على قرار تلك المجموعات بالانضمام إلى داعش أو الانفصال عنه، في ظل ضعف الروابط التنظيمية بين داعش في العراق وسوريا وبين المجموعات الموالية له في تلك المنطقة.

ويتبين من مراجعة قائمة أبرز المطلوبين من القادة الجهاديين في جنوب شرق آسيا، استمرار حالة الانقسام والاختلافات بين المجموعات الجهادية المحلية في المنطقة، ووجود تأثير كبير للروابط العائلية في اختيار الأمراء والقادة البارزين، فمثلًا لازال “مندي سوادجان” المعروف بـ”مودزيمار”، ابن شقيق حاطب هاجان سوادجان، يشغل منصبًا قياديًا في مجموعة/ جماعة الدولة الإسلامية في جولو (جنوب الفلبين)، التي كان يقودها الأخير قبل مقتله، إلى جانب “مجيد سعيد أو عمه بات Madjid Said/ Amah Patit” الذي تعتقد السلطات الفليبنية أنه خليفة “حاطب” في قيادة المجموعة، في مقابل تولي “أبو زكريا” (“جير ميمبانتاس”، و”فخر الدين حاج ستار”) الإمارة العامة للمجموعات المرتبطة بداعش في شرق آسيا، وذلك بحسب بيانات الجيش الفلبيني، والتي تؤكدها شهادات باحثين مستقلين (من بينهم الباحث الماليزي “زام يوسا” المتخصص في دراسات التطرف العنيف في شرق آسيا).

وفي حين يُفترض بقيادة داعش المركزية أن تلعب دورًا محوريًا في إنهاء الخلافات والشقاقات الداخلية بين أمراء المجموعات الموالية لها في جنوب شرق آسيا، يبدو أن تلك القيادة لا زالت بعيدة، تمامًا، عن القيام بأي دور فاعل في دعم أو توجيه هذا الفرع، مكتفيةً بإيراد بيانات متأخرة لتبني العمليات الإرهابية  التي تشنها تلك المجموعات في جزيرة مينداناو الفلبينية، كما يظهر في الأخبار والتقارير التي تنشرها أسبوعية النبأ، والتي عللت، سابقًا، التأخير في نشر أخبار  فرع داعش في شرق آسيا، بصعوبة التواصل بينه وبين الفرع المركزي.

حرب داخلية وصراع مميت.. ما الذي يحدث في كواليس قيادة داعش في شرق آسيا؟

أسبوعية النبأ تنشر أخبارًا متأخرة لفرع داعش في جنوب شرق آسيا – المصدر صحيفة النبأ الداعشية

ورغم أن قيادة تنظيم داعش في العراق وسوريا، لم تُقدم دعمًا حقيقيًا لفرعها المفترض في جنوب شرق آسيا، إلا أن تلك القيادة ظلت توظف هذا الفرع في خدمة مصالحها الذاتية، مؤكدةً أنها لا تعبأ كثيرًا بتدمير واستنزاف الأفرع الخارجية للتنظيم، كما حدث سابقًا في “ماراوي” التي شهدت صعود وانكسار داعش في شرق آسيا.