أنباء عن أن طالبان ترسل عدوّها اللدود “إسماعيل خان” إلى كابول لتأمين دخول المدينة بلا قتال

  • إسماعيل خان هو قيادي جهادي سابق من ولاية هيرات غرب أفغانستان
  • قاد خان المقاومة ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي
  • كما قاتل طالبان في التسعينيات

استسلم القيادي الأفغاني الشهير، الكابتن إسماعيل خان صاحب السبعين عاماً، إلى مسلحي طالبان بعد أن قاومهم مقاومة شرسة.

خان هو قيادي جهادي سابق من ولاية هيرات غرب أفغانستان بمحاذاة الحدود مع إيران، وهيرات هي قلب غرب أفغانستان ومعبر تجاري مهم.

القيادي المخضرم “الملك”

يحظى خان بتاريخ طويل من البطولات، فقد قاد المقاومة ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي وقاتل طالبان في التسعينيات.

وقبل أسابيع، انتشرت صورة ظهر فيها خان وهو يحمل السلاح في الخطوط الأمامية المواجهة لطالبان في ولاية هيرات ما جعله بطلاً قومياً ليس هناك وحسب وإنما في جميع أفغانستان.

حتى طالبان أعجبوا بشجاعته، لهذا عاملته الجماعة معاملة غير متوقعة فيها عظيم الاحترام بعد أن وجد خان أن لا بدّ من الاستسلام لطالبان.

ينتمي خان إلى العرقية الطاجيكية، وظل قائداً أعلى في منظمة سياسية وجهادية هي الجماعة الإسلامية؛ وبعد أن انسحبت القوات السوفيتية من أفغانستان في نهاية الثمانينيات، أصبح خان محافظاً لولاية هيرات. وبالإضافة إلى هيرات، كان خان يسيطر عملياً على المحافظات الغربية الثلاث الأخريات: نيمروز، فراه، وبادغيس؛ لهذا كان يعتبر “ملك” أفغانستان الغربية.

مع انهيار نظام طالبان بعد الاجتياح الأمريكي في ٢٠٠١، عاد خان ليتولى منصب محافظ هيرات ويسيطر على الولايات الغربية، فأحدث في هيرات تنمية نوعية وقياسية ما أكسبه دعم شعبه وتأييده.

لكن الطبقة السياسية المتنفذة في العاصمة شعروا بالغيرة من تمدد نفوذه في غرب أفغانستان، الرئيس الحالي أشرف غني والرئيس السابق حامد كرزاي حاولا بمختلف الطرق أن يحدّا من نفوذ خان في هيرات والولايات المجاورة، لكنهما فشلا.

وحتى قياديين في حزبه حاولوا أن يسحبوا البساط من تحته، إنغر أحمد شاه مسعود القيادي في الجماعة الإسلامية المعروف بمعارضته طالبان، حاول قصارى جهده في التسعينيات أن يطيح بنفوذ خان السياسي والعسكري، ولكنه أخفق أيضاً.

 

طالبان “معجبون”

في كتابه عن تاريخ طالبان، كتب مؤسس طالبان الملا عبد السلام ضعيف، أن طالبان لم ترغب في محاربة خان في التسعينيات عندما بدأت الجماعة انتشارها في قندهار.

ضعيف قال إن الدوائر الداخلية في طالبان كانت معجبة بالطريقة التي حافظ فيها خان على الأمن والأمان في المناطق التي تحت سيطرته خلافاً لولايات أخرى عاثت فيها الفوضى وعانى فيها الناس الظلم والقهر.

لكن ضعيف أعرب عن حزنه لأن خان آوى قياديين مناهضين لطالبان ممن فرّوا من قندهار، وأنه بناء على تحريضهم، شنّ حرباً على طالبان.

أدى هذا إلى وقوع آلاف القتلى في صفوف طالبان بمن فيهم القائد العسكري الأعلى الملا محمد أخند. طالبان استولت على هيرات لاحقاً؛ وفرّ خان إلى إيران، ولكنه ظلّ يقاتل طالبان.

قائد شيوعي سابق مناهض لطالبان ينتمي إلى العرقية الأوزبكية، يدعى الجنرال عبد الملك، عقد سرّاً اتفاق تعاون مع طالبان خدع بموجبه، خان، واعتقله من ولاية فارياب الشمالية في مايو ١٩٩٧ وسلّمه إلى طالبان.

أمضى خان ثلاث سنوات في سجون طالبان في معقلهم في قندهار، لكنه وبشكل غامض فرّ من السجن في يوليو ٢٠٠٠ وعاد إلى إيران.

الهجوم الأخير

عندما أعلنت طالبان الحرب على القوات الحكومية الأفغانية بعد انقضاء مهلة الأول من مايو ٢٠٢١ التي أقرّتها اتفاقية الدوحة مع أمريكا، بدأت طالبان بمهاجمة هيرات.

ونتيجة ذلك، استولى طالبان على العديد من المناطق في ولاية هيرات.

أول “انتصار” لطالبان في أفغانستان بعد مهلة الأول من مايو كان الاستيلاء على الحدود الأفغانية مع إيران وطاجيكستان في ولاية هيرات، وهذان معبران تجاريان هامّان هما: إسلام قلعة وتورغوندي على التوالي.

 

هذان المعبران التجاريان ضمنا لطالبان مكاسب اقتصادية هائلة، بعد انهيار القوات الحكومية في مواجهة طالبان في الولاية، طلب خان اجتماعاً ضمّ مؤيديه وأعلن المقاومة ضد طالبان، كان هو يقود الرجال على الأرض وهو ما جعله بطلاً قومياً.

الرئيس الأفغاني، أشرف غني، على رأس وفد حكومي رفيع، زار هيرات في ٢٠ يوليو، وقدم دعم الحكومة المطلق إلى خان في مقاومة طالبان، غني أعلن كذلك أن الحكومة ستستخدم مواردها حتى لا يسيطر طالبان على هيرات.

قوات خان قاومت طالبان مقاومة باسلة وأحبطت عدة هجمات على المدينة، وعرقلوا تقدمهم.

عقدة لشكرغاه

في ولاية هلمند المجاورة، كانت القوات الحكومية تحاول عرقلة تقدم طالبان في العاصمة لشكرغاه، لكن انتهى الأمر بأن سيطر طالبان على المدينة.

هلمند، ظلت رمزاً لحرب طالبان ضد أمريكا وحلفائها خلال العقدين الماضيين، لهذا أرادت الجماعة أن تكون هي أول ولاية تسيطر عليها.

ولهذا استدعت طالبان جميع قواتهم من هيرات والولايات المجاورة لهجوم كاسح على لشكرغاه، ليخف الضغط على هيرات قليلاً.

١١ أغسطس

ولكن في ١١ أغسطس ٢٠٢١، اقتحم مسلحو طالبان الخطوط الدفاعية لقوات خان التي تحمي عاصمة هيرات، وتمكنوا من احتلال المدينة.

أكثر من ثلاثة آلاف جندي أفغاني ضمن فرقة ظفر ٢٠٧ التابعة للجيش الأفغاني في هيرات سلّموا أنفسهم من دون قتال، وفرّ خان إلى مطار قرب محافظة شينداد القريبة استعداداً للهروب إلى كابول مع ثلة من كبار معاونيه ومسؤولين كبار مثل نائب وزير الداخلية، ومحافظ هيرات ورئيس الاستخبارات في هيرات.

نقلت أنباء أن الجنود في المطار لم يسمحوا له بأن يركب المروحية قائلين إنه إن ظلَّ الجنود تحت رحمة طالبان فعلى خان والمسؤولين الآخرين أن يواجهوا المصير نفسه، لم يعد أمام خان خيار آخر سوى الاستسلام لطالبان.

عدو الأمس رسول اليوم

سرعان ما رحبت طالبان بتسليم خان نفسه ونشروا صوراً له معلنين ذلك نصراً لهم.

في الصور، يُظهر طالبان احتراماً عظيماً للرجل من دون أن يعاملوه معاملة الأسير أو ينتقموا منه لتاريخه السابق ضدهم.

حسابات طالبان الرسمية نشرت فيديو قصيراً ظهر فيه مسؤولهم الإعلامي، أحمدالله واثق، وهو يتحدث إلى خان مظهراً الاحترام وضامناً له الأمان.

يستخدم طالبان خان كمثال أمام المسؤولين الحكوميين الآخرين – إن استسلموا فسيحصلون على عفو مماثل. بعد ساعات من استسلامه، نشرت قنوات طالبان تسجيل محادثة هاتفية بين خان والقيادي في طالبان الملا أمير خان متقي الذي رحب بخان ترحيباً حاراً وتحدث إليه بعظيم الاحترام عارضاً عليه “السلام والحرية.” متقي طلب أيضاً من خان أن يتحدث إلى كبار معاونيه في الحزب ليدعوهم للاستسلام إلى طالبان مقابل العفو كما حصل مع خان.

من هؤلاء الذين ذكرهم متقي كان وزير الخارجية السابق صلاح الدين رباني.

الملا يعقوب، نائب أمير طالبان، وابن مؤسس الجماعة الملا عمر، نشر أيضاً تسجيلاً صوتياً إلى قادة الجماعة ومقاتليها يشدد فيها على الالتزام بالوعود التي قطعوها لمن يسلم نفسه.

يعقوب لم يذكر خان بالاسم، ولكنه ذكر هيرات وقال إن كبار السن يجب أن يُعاملوا معاملة جيدة.

بحسب الصحفي الأفغاني المقيم في كابول، بلال سارواري، فإن طالبان سمحوا لخان ومعاونيه أن يسافروا إلى كابول وأنه وصل إلى هناك فعلا.

مصادر في طالبان قالت إنهم أرسلوا خان إلى كابول كي يقنع غيره من القادة بالاستسلام لطالبان الأمر الذي سيمكن طالبان من دخول كابول بلا قتال.