في ظلّ تسارع الأحداث في أفغانستان، وسيطرة حركة طالبان على مناطق شاسعة في البلاد بوتيرة سريعة، تبرز مخاوف من تفاقم سوء الأوضاع الإنسانية.

  • تدهور الأوضاع الإنسانية في أفغانستان جراء الصراع بين طالبان والحكومة الأفغانية
  • مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: الأوضاع الإنسانية متردية للغاية في أفغانستان
  • صعوبات بالغة تواجه عمل المنظمات الإنسانية في أفغانستان
  • الأمم المتحدة تطالب المجتمع الدولي بزيادة الدعم الممنوح للشعب الأفغاني
  • دعوة أممية للدول المجاورة لأفغانستان بإبقاء حدودها مفتوحة أمام اللاجئين

الأحداث الأخيرة دفعت بالآلاف إلى الفرار من مناطق المواجهة، وسط انعدام الأمن الغذائي في بلد يعيش أغلب سكانه تحت خط الفقر.

المتحدث الرسمي باسم مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “ينس لآركيه” أكد في مقابلة حصرية مع “أخبار الآن“، أنّ الأوضاع الإنسانية في أفغانستان متردية للغاية، قائلاً: “الوضع الإنساني في أفغانستان متردّ جدّاً حتى أنه يقترب من الكارثة، فمنذ شهر مايو/أيار الماضي شهدنا حركة نزوح حاشدة، وقد نزح نحو 80 ألف شخص شهرياً كما أن نصف الشعب الأفغاني بحاجة إلى مساعدات إنسانية وحماية وتقريباً ثلث السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي ونصف الأطفال بحاجة إلى دعم غذائي وبالتالي الوضع مثير جداً للقلق”.

وأضاف: “ما سمعناه من زملائنا العاملين في الأمم المتحدة هناك، وما يشهدونه موظفونا يومياً، أن حالة حقوق الإنسان سيئة للغاية، لذلك نحن ندعو كل أطراف النزاع إلى حماية حقوق الإنسان الخاصة بكل السكان وخصوصاً النساء، فهناك بعض الإجراءات التي تُفرض عليهن في المناطق التي باتت حركة طالبان تسيطر عليها ونحن قلقون إزاء هذا الوضع لأنه يشكل انتكاسة لحقوق النساء المكتسبة شيئاً فشيئاً على مر السنوات الماضية، لذلك حالة حقوق الإنسان متردّية شأنها شأن الحالة الإنسانية فالسكان بحاجة إلى طعام ومياه ومأوى وحماية وبالطبع إلى حماية حقوق الإنسان”.

الأمم المتحدة - أفغانستان

عائلات نازحة في إحدى حدائق كابول في أفغانستان -Getty Images

 

المسؤول الأممي أكد خلال المقابلة، أن الأمم المتحدة تعمل ليل نهار لتوفير المساعدات إلى الشعب الأفغاني رغم العقبات التي تعترض طريقها وقال: “الوجود الإنساني للأمم المتحدة في أفغانستان مدنيّ بحت ولدينا النية في البقاء هناك وتقديم المساعدات والحماية للشعب الأفغاني”.

ولفت إلى أنّ المنظمة تعمل منذ أكثر من سبعين عاما على توفير الاحتياجات الضرورية للشعب الأفغاني، وقال: “نحن نتعاطى مع السكان المدنيين فالأمم المتحدة موجودة في البلاد بلا انقطاع منذ 70 عاماً تقريباً وثمة أكثرمن 150 منظمة إنسانية اليوم تابعة للأمم المتحدة ونحن نعمل في كافة أنحاء البلاد كما أننا ملتزمون البقاء لمساعدة السكان الأكثر احتياجا، أي النساء والأطفال والرجال وهذا ما ننوي القيام به”.

الأمم المتحدة - أفغانستان

المتحدث الرسمي باسم مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية

وأضاف: “كما نعلم جميعاً تتصاعد حدة المعارك كل يوم، فاليوم الوضع مختلف عن البارحة؛ وغداً سيكون مختلفاً عن اليوم؛ لذلك نحن نراقب الأوضاع عن كثب، وبالطبع نبذل قصارى جهدنا بالرغم من كل الظروف السيئة”.

وأردف: “هناك أمران مهمان جدّاً، أولاً على أطراف النزاع أن يفهموا أنّنا بحاجة إلى رفع العقبات التي تحول دون وصولنا إلى السكان الذين يحتاجون إلى مساعدتنا، وثانياً عليهم أن يفهموا أيضاً أنه لا يجب قطعاً استهداف المدنيين في أي نزاع، لذلك بموجب القانون الإنسان الدولي لديهم واجب حماية المدنيين خلال النزاع”.

الأمم المتحدة - أفغانستان

نزوح حوالي 30 ألف أسرة بسبب الاشتباكات بين الحكومة الأفغانية وطالبان في المقاطعات الشمالية – Getty Images

وعن آلية وصول المساعدات إلى الشعب الأفغاني وعمل المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة هناك، قال لآركيه لـ”أخبار الآن“: “حالة الشعب الأفغاني صعبة للغاية لكن الأمم المتحدة لم تتخلى عنهم شأنها شأن الكثير من المنظمات الإنسانية العاملة هناك والموجودة على الأرض منذ زمن والتي تعقد النية على البقاء ومنح المساعدات، لكنه من الواضح من تطور الأحداث أن الوضع الإنساني وحالة حقوق الإنسان باتوا في غاية التعقيد والتردي لذلك نحن ندعو المجتمع الدولي والدول الكثيرة التي تتدخل في الوضع في أفغانستان أن تستعمل نفوذها على كل أطراف النزاع وتمارس الضغط عليهم حتى نتمكن من التوصل إلى حل سلمي وسياسي للنزاع الدائر هناك”.

الأمم المتحدة: نحن نقوم بمحادثات وحوار مع كل أطراف النزاع لتسهيل مهمتنا في الإغاثة

وأوضح: “لا بدّ من وقف الاقتتال.. نحن بحاجة إلى وقف لإطلاق النار كما أننا بحاجة إلى إيصال المساعدات للمحتاجين كي نتمكن من تقديم الأغذية والمياه والمساعدات الصحية والحماية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة”.

وأردف: “إن زملائنا في مكتب حقوق الإنسان ومنظمة حقوق الإنسان المشمولة بمهمة الأمم المتحدة التي تعنى أولاً بالمدنيين في أفغانستان، يقومون بالاتصالات اللازمة للتعبير عن أي قلق يعتريهم إزاء حالة حقوق الإنسان في ذلك البلد. من وجهة النظر الإنسانية نحن نحاول تقديم المساعدة للسكان وهذا أمر عملي وملموس فنحن بحاجة إلى تسيير الشاحنات وتوزيع الإغاثة ونحن نقوم بمحادثات وحوار مع كل أطراف النزاع، فمن المهم للغاية أن نفهم أن الغاية البحتة لهذه الاتصالات هي الوصول إلى مَن يحتاجون المساعدة ولا تعني إطلاقاً اننا نعترف بأي مؤسسة سياسية ولا تعني أننا نعترف بأن الأطرف المتنازعة تقوم بما تقوم به عن حق، بل تعني فقط أننا نحتاج إلى التحدث مع الأطراف المسيطرة على مختلف المناطق من أجل الوصول الى المدنيين الذين يحتاجون لمساعدتنا”.

المسؤول الأممي شدّد على أنّ المكتب الإنساني التابع للأمم المتحدة، يحاول أن يوصل رسائل إلى المجتمع الدولي لمساعدته على إيجاد حلول إنسانية في أفغانستان، وقال: “نود أن نوجه رسالتين إلى المجتمع الدولي، أولاً أن هناك عدة دول بما فيها دول في المنطقة ودول مجاورة وقوى عالمية عظمى؛ تتدخل في البلاد وتملك القدرة على التدخل. نحن لا نتحدث عن المدافع والقنابل بل نتحدث عن التدخل السياسي والاقتصادي الذي يمكن أن يستخدموه كي نتمكن من التوصل إلى حل سلمي لمصلحة الشعب الأفغاني.. نحن نحثهم على التدخل الآن لأنهم إن كانوا قادرين فليفعلوا ذلك، لأن الوقت قد حان”.

لآركيه يطالب المجتمع الدولي بدعم منظمات الأمم المتحدة للوقوف إلى جانب الشعب الأفغاني وتقدم المساعدات له

وأضاف: “الرسالة الثانية التي أود أن يفهمها المجتمع الدولي، أننا بحاجة على مستوى مباشر وعملي، أن نقوم بتنفيذ عملية إنسانية واسعة النطاق اليوم في أفغانستان، وهذا الأمر يحتاج إلى تمويل وموارد، فهذه السنة نحن بحاجة إلى 1.3 مليار دولار أمريكي لكننا لا نملك حتى تمويلاً لنصف هذه القيمة”.

وتابع: “يمكننا أن نصل إلى 16 مليون شخص في كافة أنحاء البلاد إن كان المال متوفراً إلا أننا نسجل عجزاً بقيمة 800 مليون دولار أمريكي، ولكن هناك طريقة عملية وملموسة للحل فدول العالم قادرة على دعم الشعب الأفغاني من خلال تمويل النداء الإنساني الذي أطلقناه كمنظمات إنسانية لكي نكون قادرين على تنفيذ مهمتنا وتقديم المساعدة الضرورية للسكان”.

وتابع: “لقد عملنا مع الشعب الأفغاني على مر السنوات بطريقتين، أولاً يشكل السكان المحليون غالبية موظفي الأمم المتحدة هناك أي أنهم أفغان ويعملون مع الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى لمساعدة كل مَن يحتاج للمساعدة، وثانياً نحن نرى أن أفضل طريقة لمساعدة الشعب تأتي من خلال التحاور مع الجماعات المختلفة واستطلاع حاجاتهم كي نحصل على ردّ محلي لنعرف ما هي حاجاتهم الفعلية”.

لآركيه: من الصعب احتساب عدد القتلى في أفغانستان لأنّهم أحياناً يُدفنون بسرعة بعد مقتلهم

وفي معرض رد المتحدث الرسمي باسم مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ينس لآركيه، عن أعداد القتلى من المدنيين في أفغانستان، قال: “اطّلعت على تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة يشير إلى مقتل 5 آلاف مدني على الأقل هذه السنة وحدها”.

وأوضح: “من الصعب أن نحتسب الخسائر بشكل كبير، ففي أي نزاع كالحاصل حالياً في أفغانستان لا يتم تسجيل كل الضحايا لأنهم أحياناً يُدفنون بسرعة بعد مقتلهم، وبالتالي من الصعب للغاية أن نحصل على أرقام ملموسة ولكننا بالطبع نبذل قصارى جهدنا لنحتسب الضحايا ونراقب الأرقام، إلّا أنّه يمكن القول أننا تمكنا من احتساب أعداد النازحين بشكل أكثر دقة من أعداد القتلى”.

الأمم المتحدة - أفغانستان

معاناة آلاف العائلات الأفغانية النازحة جراء الحرب في البلاد – Getty Images

وأردف: “يؤسفنا كثيراً وقوع مدنيين ضحية الاقتتال. هذا أمر مؤسف للغاية. كمنظمة إنسانية تقع على عاتقنا مهمة مساعدة الناجين من القتال ومَن يحتاجون إلى إغاثة إنسانية والكثير منهم ينزحون اليوم من منازلهم، فهم عندما يقتلعون من بلداتهم ومنازلهم يخسرون الوسائل التي تمكنهم من مساعدة انفسهم أثناء النزوح وهذا ما رأيناه خلال الأشهر الماضية، فنحو 80 ألف شخص ينزحون شهرياً ويقتضي عملنا أن نحاول مساعدتهم”.

ومن دون أدنى شك، فإن ارتدادات الأزمة الأفغانية لن تقتصر على أفغانستان وحدها، بل أن دول المنطقة سيكون لها نصيب من تلك الأزمة إذا لم تتم معالجتها بشكل جذري، وهو ما أكد عليه المسؤول الأممي بقوله: “بالطبع يقلقنا أن يكون للنزاع تأثيرات إقليمية وأن يمتدّ على دول المنطقة؛ وبالتالي الأزمة لن تكون مقتصرة على أفغانستان، فقد شهدنا خلال نهاية الأسبوع الماضي مئات الأفغان الذين طلبوا اللجوء إلى إيران”.

الأمم المتحدة - أفغانستان

نازحون أفغان يفترشون الشوارع في أحد مناطق العاصمة كابول – Getty Images

لآركيه طالب عبر “أخبار الآن” بأن تبقي الدول المحيطة بأفغانستان حدودها مفتوحة لاستقبال اللاجئين، وقال: “نحث كل الدول المجاورة أن تبقي حدودها مفتوحة كي يحصل كل الذين يحاولون أن ينجوا بحياتهم على ملاذ آمن في الوقت الراهن على الأقل.. وحده المستقبل كفيل بأن يؤكد لنا إن كان النزاع سيبقى معزولاً، ولكن إن كان هناك النية السياسية لدى دول العالم لمساعدة أفغانستان، فلديهم أيضاً القدرة على ذلك وكما ذكرت هناك دول قادرة على التأثير على تطور الأحداث هناك فلتستعمل تأثيرها الآن وهناك أيضاً طريقة لمساعدة المدنيين داخل أفغانستان عبر المساعدات الإنسانية ونحن قد أطلقنا نداءً فرجاءً قدّموا لنا التمويل اللازم لكي تصل المساعدات للأشخاص المناسبين”.

المسؤول الأممي شدد في نهاية المقابلة على أن منظمته تولي العاملين الأفغان مع الأمم المتحدة أقصى درجات الأمان رغم المخاطر المحيطة بهم، وقال: “غالبية موظفينا هناك هم من الأفغان كما ذكرت سلفا، ولدينا التزام قوي بسلامتهم وحمايتهم، ومن المهم للغاية بالنسبة إلينا ان نبذل قصارى جهدنا اثناء بقائنا هناك وتقديمنا للمساعدات، وأن نحرص على أن يكون لموظفي الأمم المتحدة في  مستقبل آمن في ذلك البلد”.

شاهدوا أيضاً:  طالبان تنسف الحوار برفض تقاسم السلطة وتتعامى عن اضطهاد الصين للإيغور