بعد دحر أفراده في سوريا والعراق شرع داعش في إعداد العدّة لتوسيع إنتشاره في افريقيا كساحة غير فرعية وإنما كمركز أساسي لعملياته الإرهابية، حاول التنظيم الإستفادة من الخاصرة الأمنية والإقتصادية الرخوة في افريقيا مكثفاً نشاطاته بتجنيد أفراد وتكثيف عملياته العسكرية.

لكن من ينظر إلى خريطة التنظيمات والمجموعات الإرهابية في أفريقيا يدرك سريعاً أنّ ما كان ينطبق على الساحة العراقية أو السورية من الصعب تطبيقه على الساحة الإفريقية، حتى أن كبار قادة داعش ينظرون إلى فرعهم في افريقيا على أنه تكتلات من القنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفر خلافات وصراعات داخلية أبعد من أن تحكمها عقيدة فهي مجرد عصابات تجمعها المصالح وسرقة الأموال والأعمال التخريبية.

يكفي أن تنظر إلى ولاءات قادة وزعماء داعش في أفريقيا المتلونة والمتنقلة لندرك سريعاً مآل هذا التنظيم الإرهابي الذي يتغذى على السرقات وأعمال النهب.

خريطة انقسامات وتحالفات مبنية على مبدأ العصابات

انشقاقات كثيرة تشهدها هذه العصابات الإرهابية.. بعد أن كان الجهاديون موحدين فى العقد الماضي في الساحل (مالي وبوركينا فاسو والنيجر)، قبل أن ينقسموا إلى حركتين عقب الأزمة فى مالي عام 2012: واحدة مرتبطة بالقاعدة، والأخرى بتنظيم داعش.

بوكو حرام عرفت انشقاقات لصالح ولاية غرب إفريقيا الداعشية فى نيجيريا، فزعيم بوكو حرام أبو بكر شيكاو حصل على اعتراف من داعش فى العام 2015 وأعاد تسمية مجموعته لتصبح “ولاية غرب إفريقيا”.

بعد عام واحد انفصلت جماعة من بوكو حرام بقيادة أبو مصعب البرناوي آنذاك عن جماعة شيكاو وحافظ على لقب ولاية غرب إفريقيا.

في أعقاب قتل زعيم تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي” عبد المالك دروكدال سيطرت ثلاث شخصيات على المشهد الجهادي الإرهابي فى الساحل إياد أغ غالي، ومحمد كوفا من تنظيم القاعدة، وأبو وليد الصحراوي من داعش الذي عرف بانه زعيم جماعة مرتبطة بتنظيم داعش بعد أن كان أحد قادة حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا قبل أن ينشق ويبايع تنظيم داعش ليتولى قيادة التنظيم في الصحراء الكبرى وتتركز أنشطة مجموعته في المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كيف تنعكس صراعات داعش الداخلية على تماسكه في افريقيا؟

بالإضافة إلى النزاع بين فرعي داعش في افريقيا يقول السفير الفرنسي السابق في مالي ومؤلف كتاب “الأفريقي الكبير” نيكولاس نورمان إن تنظيم “القاعدة” مازال أقوى من تنظيم “داعش” في غرب إفريقيا، على الرغم من وجود ثلاثة تنظيمات تتبع له، وهي جماعة “الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا” ISWAP المنشقة عن “بوكو حرام”، وجماعة “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” المعروفة بإسم جماعة أبو وليد الصحراوي، وماتبقى من فصيل “بوكو حرام”.

ولكن في عام 2019 تعهدت جماعة أبو وليد الصحراوي بالولاء لجماعة “الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا”، إلا أن هذا التعهد بقي شفهياً إذ أن الصحراوي مايزال يتبع نهجه الخاص في قيادته لمجموعته، مما زاد من الانقسام بين المجموعات الجهادية في غرب إفريقيا وتناحرها.

وأضاف نورمان في مقابلة خاصة مع “أخبار الآن” أن التنظيمات التابعة لـ”داعش” لم تستطع التوسع في مناطق سيطرة جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، التابعة للقاعدة، خاصة في وسط وشمال مالي بينما توسعت في غرب مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد.

ويرجع تقاسم النفوذ بين الجماعات الجهادية في غرب إفريقيا إلى ولاء السكان المحليين لإسباب جغرافية وليست ايديولوجية، فالولاء الذي حصل عليه الصحراوي في مناطق انتشاره لا تعود أسبابه إلى اتباع السكان المحليين لنهجه المتطرف إنما لتواجده الجغرافي القريب منهم.

الصحراوي عقد شخصية تحول دون القيادة

يعيش عدنان أبو وليد الصحراوي، عضو سابق في جبهة البوليساريو، في سريةٍ تامة رافضاً توجهات “القاعدة” لأنه يعتبرها أقل صرامةً وتطرفاً وفقاً للسفير الفرنسي السابق في مالي.

وأضاف نورمان أن لدى الصحراوي مفهوم راديكالي عن الدين قائلا عنه: “هو رجل مفكر حيث أنه درس في تونس، وعندما أسس جماعته الخاصة وهي الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، أراد وضع شريعة عقابية قاسية جداً”.

وأشار نورمان إلى أن الصحراوي فرض عقوبات قاسية للغاية بقطع اليدين والرجم والجلد وحظر الرياضة والموسيقى ومنع الفتيات من الذهاب إلى المدارس، وكان قد أقسم الولاء لتنظيم “داعش” في الشرق الأوسط وبايع أبو بكر البغدادي عام 2015 إلا أن التنظيم تريث في الاعتراف به حتى العام 2016.

وأشار مؤلف كتاب “الأفريقي الكبير” إلى أن شخصية الصحراوي، المتشددة والصارمة جداً وقليلة الظهور، منعته من أن يصبح قائداً في المنطقة على الرغم من نجاح هجماته، وذلك بسبب انجذاب السكان المحليين إلى منافسه إياد أغ غالي، مؤسس جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التي تعمل على عدم ترهيب السكان على خلاف نهج الصحراوي.

ومن الأسباب الأخرى التي حدت من تقدم نفوذ الصحراوي هي مواجهة الجيش الفرنسي وقوات الG5 وقوات حفظ السلام له.

ماهو دور تنظيم “داعش” في العراق في دعم التنظيمات الإفريقية؟

من جهة أخرى، عملت القيادة المركزية لتنظيم “داعش” في العراق على دعم التنظيمات التابعة لها في إفريقيا ومدها بالأموال، وقال نورمان في هذا السياق: “إن تنظيم داعش في العراق أرسل 15 مبعوثاً في عام 2015 إلى غرب إفريقيا على خلفية ممارسات رئيس منظمة “بوكو حرام” أبو بكر شيكاو الذين كان يفخخ الأطفال بأحزمة ناسفة ويفجرهم في الأسواق، أمر رفضه التنظيم وقاموا بعزله وتعيين أبو مصعب البرناوي، نيجري ونجل مؤسس بوكو حرام محمد يوسف، مما أدى إلى حدوث انقسامات في صفوف التنظيم الإفريقي”.

حاول التنظيم في العراق التوفيق بين الرجلين إلا أنه لم ينجح وفقاً لنورمان، وبعد سقوط الخلافة في الشرق الأوسط عام 2017 إندلعت خلافات داخلية وصلت إلى قيادة تنظيم ISWAP وخاصة القسم التابع للبرناوي.

ويقتصر دور القيادة المركزية للتنظيم في الشرق الأوسط على الدعاية ولا تعطي أوامر أو تعليمات، فوفقاً لنورمان فإن “التنظيمات الإفريقية مستقلة جداً”.
فرنسا قلقة من الوضع في غرب إفريقيا.

وصف نورمان الوضع العسكري اليوم في مالي بالمتوازن مع وجود صعوبات إذ قال: “أنه من الصعب جدًا التعرف على المقاتلين الذين ليس لديهم زي عسكري موحد، وليس لديهم ثكنات”.

وأضاف أن الوضع مقلق بالنسبة لفرنسا بسبب ارتفاع ضحايا عمليات هذه التنظيمات، مؤكداً أن هذه التنظيمات لن تنتهي قبل عشرين عاماً، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن القوات الفرنسية وقوات الG5 لن تستمر طويلا هناك لأن هذا الأمر يكلفها الكثير من الأموال، وقال: “المشكلة الحقيقية هي أن الجيوش الأفريقية، ولا سيما الجيش المالي وجيش النيجر، ليست جيوشًا ذات كفاءة عالية من النواحي القتالية والفنية واللوجيتسية”.

واعتبر السفير الفرنسي السابق في مالي أن الوضع الأمني على مفترق طرق في حال انسحبت الجيوش الأجنبية بسرعة كبيرة ولم تكن الجيوش الوطنية قادرة على سد ذلك الفراغ، مؤكدا أن الحل يكون إلا عبر إدارة تلك الدول لمواردها بشكل صحيح من أجل تجنيد المزيد من الجنود والضباط وتدريبهم.