أخبار الآن | واشنطن – الولايات المتحدة الأمريكية (تحليل)

لا يختلف المتابعون لخبايا السياسية الروسية على أن موسكو تعمل على توسيع نفوذها في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا ومناطق أخرى، تحقيقاً لأهداف متعددة أهمها السياسي والاقتصادي دون أن نغفل تطلع سيد الكرملين إلى إحياء أمجاد الإمبراطورية الروسية.

وبعيدا عن الخوض في مشروعية طموح موسكو من عدمه، لابد أن نشير إلى الأداة الفعالة التي استخدمتها روسيا لتحقيق أهدافها دون أن تحصد أي مسؤولية عن أي فعل ولو ارتقى إلى جرائم حرب، فكانت ولادة فكرة الفاغنر وأخواتها، وهم ميليشيات من المرتزقة الروس يضمون بين صفوفهم مقاتلين سابقين ومجرمين وسفاكين وقاطعين للطرق، لا يتبعون بظاهر الأمر إلى أي دولة في العالم، ولكن في باطنه فإنهم من صنع موسكو، يأتمرون بأوامرها وينتهون عن نواهيها.

وتمثل أهمية الشركات العسكرية الخاصة لموسكو في أنها قوات غير بارزة يمكن إنكارها في أي وقت وتقوم بفعل كل شيء من توفير الأمن للقادة الأجانب إلى التدريب وتقديم المشورة والمساعدة لقوات الأمن الشريكة، وحتى ارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية إن لزم الأمر.

ويمكن القول أن فكرة الارتزاق الروسي بما تحمله من دعم من أعلى سلطة في الكرملين بدأت بشكلها الواضح في أوكرانيا عام 2014 والتي شكلت انموذجاً ناجعاً لإثبات قدرة الشركات العسكرية الخاصة، ليصقل الروس انموذج القتل الذي أبدعوه ويدمجوه مع القوات المحلية في بلدان أخرى مثل سوريا. ومع مرور الوقت، وسعت موسكو من استخدام الشركات العسكرية الخاصة لتشمل أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى وأمريكا اللاتينية ومناطق أخرى بما في ذلك بلدان مثل السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق ومدغشقر وفنزويلا.

مقاتلون سابقون ومجرمون وسفاكون وقاطعون للطرق، لا يتبعون بظاهر الأمر إلى أي دولة في العالم، ولكن في باطنه فإنهم من صنع موسكو، يأتمرون بأوامرها وينتهون عن نواهيها

ولكي نضمن في التقرير المناطق التي تنتشر فيها الفاغنر، وهي عماد الشركات الخاصة الروسية واشتهرت بسمعة سيئة اكتسبتها من ارتكابها لجرائم ضد الإنسانية في سوريا وبلدان أخرى، استعنا ببعض الأبحاث كان أهمها بحث مطول أعده مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في العاصمة الأمريكية واشنطن.

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

خارطة انتشار الفاغنر في العالم منذ عام 2014 – مصدر: CSIS

الأهداف الروسية

تلعب الشركات العسكرية الخاصة أدوارًا رئيسية في تنفيذ أهداف سياسة موسكو وتعزيز مصالح الأمن القومي الروسي في جميع أنحاء العالم. على الرغم من أن الشركات العسكرية الخاصة غير قانونية من الناحية الفنية بموجب أحد مواد الدستور الروسي، إلا أن بعض أقرب حلفاء الرئيس فلاديمير بوتين – مثل يفغيني بريغوجين – يرأسون الشركات العسكرية الخاصة الروسية، والتي تعتبر عنصرًا أساسيًا في استراتيجية “الحرب المختلطة” التي أبدعتها موسكو وتوفر للكرملين وسيلة قابلة للإنكار.

1- سياسة موسكو الخارجية

توفر الشركات العسكرية الخاصة للكرملين أداة لتوسيع النفوذ الروسي في جميع أنحاء العالم، من خلال استخدام الشركات العسكرية الخاصة، إذ يمكن لموسكو دعم الشركاء الحكوميين وغير الحكوميين، واستخراج الموارد، والتأثير على القادة الأجانب، والمشاركة في أنشطة أخرى تعزز أهداف السياسة الخارجية الروسية.

2- إبراز القوة 

تتيح الشركات العسكرية الخاصة لموسكو إبراز قوة محدودة، وتقوية حلفائها، وإنشاء موطئ قدم عسكري جديد، وتغيير موازين القوى في النزاعات وبؤر التوتر حول العالم مع الحفاظ على درجة معقولة من الإنكار للكرملين. كما أن مقاولي الشركات العسكرية الخاصة أكثر قابلية للاستهلاك وأقل خطورة من الجنود الروس، لا سيما إذا قُتلوا أثناء مهام القتال أو التدريب.

3- مصادر استخباراتية

غالبًا ما يتم تجنيد عملاء الشركات العسكرية الخاصة من القوات العسكرية والأمنية الروسية، ويقومون ببناء شبكات استخباراتية في المسارح الرئيسية بهدف جمع المعلومات لصالح صناع القرار في الكرملين وإجراء عمليات استخباراتية بما في ذلك النفوذ السياسي والعمل السري والأنشطة السرية الأخرى.

4- البعد الاقتصادي

توفر الشركات العسكرية الخاصة وشركات الطاقة والتعدين والأمن والخدمات اللوجستية المرتبطة بها وسيلة لموسكو لتوسيع النفوذ التجاري والاقتصادي في العالم النامي وبناء تدفقات جديدة للإيرادات، لا سيما من النفط والغاز واستخراج المعادن، للحد من تأثير العقوبات الغربية على روسيا.

5- اللعب على وتر الأيديولوجية

تعمل الشركات العسكرية الخاصة كأداة لتوسيع القوة الناعمة الروسية، بما في ذلك “الوطنية الروسية” والهوية السلافية بين المواطنين ذوي العقول الأيديولوجية في دول الاتحاد السوفيتي السابق والبلقان.

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

مراكز تدريب الفاغنر في روسيا – المصدر: CSIS

تدريب 

– تجري الشركات العسكرية الخاصة تدريبات قبل انتشارها في الخارج، في قواعد داخل روسيا بدعم من الجيش الروسي ووكالات الاستخبارات، فعلى سبيل المثال تُجري مجموعة فاغنر، أكبر الشركات العسكرية والأكثر قدرة في روسيا، تدريبات في معسكرين ملحقين بموقع لواء البعثة الخاصة العاشر التابع لـ GRU Spetsnaz في مولكينو، منطقة كراسنودار، بروسيا.

تضم القاعدة الرئيسية مقرًا رئيسيًا، ومراكز تدريب ومخازن للأسلحة والذخائر، ومنشآت عسكرية أخرى.

– أنشاء القائمون على الفاغنر والتي تعتبر عماد قوات المرتزقة الروس قاعدة خاصة لهم تقع في شمال القاعدة العسكرية السابقة، ورجح مركز الأبحاث الأمريكي أن بناؤها تم بين عامي 2015 و 2016، وتمتد على مساحة تصل إلى 6 (فدان) وتتكون من 9 هياكل دائمة ذات أحجام مختلفة. تُظهر الصور أعدادًا عديدة ومتفاوتة من شاحنات البضائع والشاحنات الصغيرة والمركبات المدنية.

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

قاعدة خاصة بتدريب الفاغنر في روسيا – المصدر: CSIS

مهام

تقوم الفاغنر وأخواتها بمجموعة متنوعة من المهام العسكرية والأمنية والتدرب على حرب المعلومات في عمليات الانتشار في الخارج، وفي بعض الأحيان تزيد قدراتها عن قدرات القوات الروسية النظامية.

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

قاعدة صواريخ بالستية بقرب المركز الرئيسي لتدريب الفاغنر في روسيا – مصدر: CSIS

1- تدريب الحلفاء

يقوم المرتزقة الروس وعلى رأسهم الفاغنر بتدريب وتجهيز ومساعدة وتمكين قوات أمن الدولة المضيفة أو الميليشيات المحلية وتدريبها على القيام بالعمليات العسكرية.

2- أعمال قتالية مباشرة

يوفر أخصائيو المرتزقة القدرات التكتيكية الرئيسية للمهام المتخصصة، مثل القنص، والدعم الناري، وعمليات الاشتباك المباشر، والقتل وحتى تنفيذ الإعدامات والاغتيالات.

3- خدمات الحماية

تقدم ميليشيات الارتزاق حماية لكبار مسؤولي الحكومات المحلية، بما في ذلك العمل كحراس في الأمن الرئاسي وحماية الشخصيات البارزة.

4- حماية المواقع الاستراتيجية

من المهام الرئيسية للمرتزقة الروس، تأمين البنية التحتية للطاقة والتعدين ومواقع استخراج المعادن بناءً على طلب الدول المضيفة وكذلك للشركات الروسية المرتبطة بتشغيل المواقع.

5- الدعاية والمعلومات المضللة

تنشر ميليشيات الارتزاق والمنظمات الإعلامية المرتبطة بها، رسائل وروايات مؤيدة لروسيا وتقوم بنشرها بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

أمثلة حول العالم

أوكرانيا

قاد “ديمتري أوتكين” الرئيس الظاهري لمجموعة فاغنر، والذي يستمد التعليمات من مؤسسها الحقيقي طباخ بوتين “يفغيني بريغوجين” الجهود الروسية لتدريب وتنظيم وتجهيز الميليشيات الانفصالية في دونباس، ولعبت مرتزقة الفاغنر دورا محوريا في القتال على أكثر من جبهة في تلك المناطق وتم استخدام أسلحة ثقيلة مثل المدرعات والمدفعية والصواريخ والدفاع الجوي ضد المواقع العسكرية الأوكرانية.

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

خارطة الصراع في أوكرانيا – المصدر: CSIS
ضم القرم
مارس 2014
معركة مطار لوهانسك
ربيع 2014
إسقاط الطائرة الأوكرانية من طراز Il-76
يونيو 2014
معركة دبالتسيف
في وقت مبكر من عام 2015

كما لعبت المخابرات الروسية دورا محوريا في توجيه المرتزقة الروس، عبر مدهم بمعلومات لوجستية كان لها عظيم الأثر في تنفيذ اغتيالات والقيام بأعمال تخريب لصالح موسكو.

ولعبت الدعاية والمعلومات المضللة التي تديرها اللجنة العسكرية المركزية في موسكو، مثل وكالة أنباء “خاركيف” المملوكة لبريغوجين، دورا محوريا في تضليل الرأي العام في أوكرانيا وإثارة السخط وعدم الاستقرار، وتعزيز السرد المؤيد لروسيا والانفصاليين.

الفاغنر وشركات عسكرية أخرى بدأت عملها في أوكرانيا لأول مرة أثناء ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس 2014 قبل أن تقوم بدور مركزي في حرب موسكو السرية المستمرة في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا.

وقدر مركز الدراسات  الدولية والإستراتيجية في واشنطن أعداد مرتزقة الفاغنر في أوكرانيا ما بين 2500 إلى 5000 خلال ذروة القتال عام 2015.

وشكلت الفاغنر أداة مثالية لموسكو يمكن من خلالها تنفيذ أهدافها الجيوسياسية والعسكرية والأيديولوجية في أوكرانيا، وتم ذلك بالسيطرة على شبه جزيرة القرم ودونباس، وزيادة الضغوط على كييف وداعميها الغربيين للحصول على تنازلات دبلوماسية، والقيام بكل ذلك مع إنكار أي مسؤول في موسكو تورط بلاده في ما سبق.

ويمكن القول بأن الحرب في أوكرانيا شكلت بداية ما يعرف بـ”الحرب الهجينة” أو “الحرب المختلطة”  التي انتهجتها موسكو وقامت من خلالها بدمج الشركات العسكرية الخاصة في عملياتها العسكرية.

سوريا

لعل من أبرز الملفات التي تورطت بها الفاغنر، الملف السوري بكل تعقيداته، وبات من الواضح أن التدخل الروسي لصالح النظام السوري المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، قلب الكفة لصالح الأخير بعد أن بسطت المعارضة في مرحلة من الصراع سلطتها على نحو 80 بالمئة من الأراضي السورية، ليأتي التدخل الروسي ويقلب موازين القوى لصالح الأسد وكان عماد هذا التدخل مرتزقة الفاغنر إلى جانب مستشارين وقوات نظامية روسية.

وقدر مركز الدراسات  الدولية والإستراتيجية في واشنطن أعداد مقاتلي الفاغنر وشركات عسكرية خاصة روسية أخرى مثل شركة “فيغاسي” ، وكتيبة “فوستوك” والذين تورطوا في الصراع الروسي بنحو 3000 آلاف مرتزق كان لهم دور فعال في العديد من العمليات يمكن إجمالها بما يلي:

– تدريب وتقديم المشورة لوحدات جيش النظام السوري وعدد من الميليشيات السورية والأجنبية التي تقاتل لصالح الأسد، مثل قوات النمر السورية (الفيلق الخامس) ولواء القدس الفلسطيني.

– شارك مرتزقة الفاغنر في عمليات قتالية مباشرة ومهام خاصة، إضافة إلى أدوارهم الاستطلاعية غير مباشرة.

– جمع معلومات استخباراتية والعمل كمراقبين جويين متقدمين يمدون القوات الموالية للنظام بالمعلومات اللازمة لتسهيل الدعم الجوي الروسي.

– انتزاع حقول النفط والمصافي ومحطات الغاز من سيطرة المعارضة.

– تأمين المرافق العسكرية الرئيسية مثل مطار حميميم ومنشآت البنية التحتية للطاقة الرئيسية في وسط وشرق سوريا.

ومن الجدير بالذكر أن سوريا شكلت ساحة اختبار مهمة لتطبيق نموذج “الحرب الهجينة” أو المختلطة التي بدأت موسكو بتطبيقها منذ عام 2014 كما أسلفنا في أوكرانيا، فلم تقل مهارات مرتزقة الفاغنر والشركات الروسية الخاصة الأخرى عن فرقة “السبيتسناز” الروسية التي تشكل عماد القوات الروسية النظامية الخاصة.

صدام مباشر بين الفاغنر الروسية والقوات الأمريكية في دير الزور

ولا يمكن إغفال الحافز الاقصادي الذي دفع موسكو للزج بقوات نظامية وغير نظامية في سوريا، بل يمكن القول بأنه الدافع الوحيد لإنقاذ الأسد، فكان التقدم الروسي بمجمله على الأرض في المناطق الغنية بالنفط والغاز ، والسعي إلى تأمين مصادر الطاقة لضمان جني الأرباح في المستقبل، ويمكن إيراد مثال على تدخل مباشر قاده مرتزقة الفاغنر سيئة السمعة في فبراير 2018، عندما حاولت اقتحام مصنع “كونوكو” للطاقة بمحافظة دير الزور شرق سوريا، وهي محطة تقع تحت سيطرة القوات الأمريكية، إلا أن قوات الفاغنر لم تفلح في السيطرة على المحطة وتم تسريب مقاطع فيديو لمعركة دموية قتل فيها أغلب المهاجمين من قوات فاغنر بواسطة سلاح الجو الأمريكي، وحاولت روسيا التنصل من مسؤوليتها عن ذلك الهجوم والتبرير بعدم علاقة الفاغنر بالجيش الروسي أو حتى الاعتراف بوجودهم، في حين شكك البعض بصحة مقاطع الفيديو.

انتشار الفاغنر في سوريا

تحدد الصور التالية لـ T-4 مواقع الفاغنر المحتملة في القاعدة الجوية في عامي 2017 و 2019

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

صورة كاملة لمطار T.4 – المصدر: CSIS

كانت قاعدة T-4 الجوية في وسط سوريا بمثابة قاعدة جوية رئيسية لروسيا في كانون الثاني (يناير) 2017، وشكلت تلك القاعدة رأس الحربة في استعادة مناطق في شرق سوريا لصالح قوات النظام.

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

صورة لقاعدة تجمع كتيبة مشاة يحتمل أن تكون روسية في مطار T.4 وسط سوريا – مصدر: CSIS

وبحلول عام 2019، وسعت روسيا وجودها في T-4 لتصبح قاعدة استخباراتية وجوية وبرية لجميع الأغراض لمهامها في سوريا.

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

منشأة لوجستية محتملة للقوات الروسية في مطار T.4 – مصدر: CSIS

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

قاعدة دبابات يستخدمها الروس في مطار T.4 – مصدر: CSIS

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

قاعدة جوية روسية في مطار T.4 – مصدر: CSIS

مركز الدراسات  الدولية والإستراتيجية في واشنطن أشار إلى أن المقاتلات الهجومية والطائرات المروحية والتي ظهرت في صور جوية التقطت عام 2019 تدلل على الوجود الروسي الموسع في مطار T-4 الذي يقع بالقرب من مدينة تدمر وسط سوريا.

ليبيا:

امتد تورط موسكو في بؤر صراع حول العالم، عبر الزج بميلشيات خاصة على رأسها الفاغنر في الصراع الليبي، فكان للفاغنر وجود ملحوظ في مناطق عدة في تلك البلاد التي أثار غناها بالنفط لعاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطباخه يفغيني بريغوجين الأب الروحي والمؤسس الفعلي لمرتزقة الفاغنر، ونفذت مهاماً عديدة يتلخص أغلبها في حماية مناطق النفط واللعب على التناقضات بين رؤى الفرقاء الليبيين.

العمق الأفريقي:

على الرغم من ظهور الشركات العسكرية الخاصة الروسية لأول مرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية في وقت مبكر من عام 2014، إلا أن موسكو وسعت نفوذها في القارة السمراء بعد اكتسابها خبرة في “الحرب الهجينة” التي تورطت فيها في بلدان مثل أوكرانيا وسوريا وليبيا. فأتت الفاغنر وميلشيات أخرى لتشكل رأس الحربة في التدخل الروسي ببلدان أفريقية وخاصة تلك التي تتمتع بغنى في الموارد الطبيعية مع وجود نظام أو إدارة ضعيفة، فكانت بلدان مثل السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق ومدغشقر على موعد مع مرتزقة الفاغنر أداة تحقيق مطامع روسية الاقتصادية والسياسية في تلك البلدان.

السودان

وصلت طلائع الفاغنر إلى السودان عام 2017 وتلخصت أهداف موسكو من إرسال المرتزقة الروس بما يلي:

– تقديم الدعم العسكري والسياسي للرئيس عمر البشير قبل خلعه، مقابل امتيازات تعدين الذهب. (في نوفمبر 2017، سهلت موسكو اتفاقية عمليات تعدين لشركة “M Invest”، وهي شركة روسية ترتبط بشكل مباشر بطباخ بوتين).

– تحقيق مطامع روسيا الاستراتيجية في الحصول على حقوق إنشاء لقواعد في البحر الأحمر.

– نظمت الشركات العسكرية الخاصة وعلى رأسها الفاغنر حملة تضليل لتشويه سمعة المتظاهرين السودانيين. ( طبقت الأساليب ذاتها التي استخدمتها وكالة أبحاث الإنترنت المرتبطة ببريغوجين، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016).

جمهورية أفريقيا الوسطى

مد أخطبوط الفاغنر وشركة (باتريوت) العسكرية الخاصة الروسية أذرعهما ليصلا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى في شهر يناير عام 2018 سعيا لتحقيق ما يلي:

– تبادل المعلومات الاستخباراتية وتأمين حماية للرئيس فوستين أرشانج تواديرا مقابل الحصول على امتيازات عمليات التعدين.

– السيطرة على مناجم الذهب واليورانيوم والماس في أفريقيا الوسطى.

تسلط صور CSIS الضوء على معسكر التدريب الذي أنشأته هذه القوات جنوب غرب “بانغي” بالقرب من قصر “بيرينغو” في جمهورية أفريقيا الوسطى:

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

معسكر لمرتزقة الفاغنر في جمهورية أفريقية الوسطى – مصدر: CSIS

بعد وصولهم في عام 2018، أقامت الفاغنر معسكر تدريب في أنقاض قصر الإمبراطور السابق “جان بيدل بوكاسا” في بيرينغو  جنوب غرب بانغي، وقامت بإصلاح الطرق والمرافق الرئيسية وشيدت مساكن جديدة وهياكل تخزين ومناطق تدريب بما في ذلك ميادين الرماية.

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

تغير ملامح المعسكر بعد وصول الفاغنر إليه عام 2018 – مصدر: CSIS

الفاغنر وأخواتها.. تقرير يرصد ولادة فكرة "الحرب الهجينة" وخارطة انتشارها حول العالم

تغير ملامح المعسكر بعد وصول الفاغنر إليه عام 2019 – مصدر: CSIS

مدغشقر

في أوائل ربيع عام 2018، أرسلت الفاغنر مجموعة صغيرة من المحللين السياسيين إلى مدغشقر للأهداف التالية:

– دعم محاولة إعادة انتخاب “هيري راجاوناريمامبيانينا” مقابل اتفاقيات اقتصادية بشأن التعدين (الكروميت والذهب).

– محاولة السيطرة على منابع النفط ومصادر الثروة الزراعة وميناء تواماسينا.

– في أبريل/نيسان من العام ذاته، وصلت قوات إضافية لتوفير التدريب الأمني ​​والعسكري بمساعدة من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي على الرغم من أن “راجاوناريمامبيانينا” كان قد خسر الانتخابات، إلا أنه سهل الاتفاقات الموعودة قبل ترك منصبه. بدأت شركة “Ferrum Mining” وهي شركة روسية متورطة في إحدى هذه الصفقات، عملياتها في الجزيرة في أكتوبر 2018، لكنها سرعان ما توقفت بسبب الإضرابات.

موزمبيق

في أوائل سبتمبر عام 2019، ارسلت موسكو مرتزقة الفاغنر إلى موزمبيق لدعم القوات الحكومية في مواجهة المتمردين في محافظة “كابو ديلغادو” الغنية بالغاز، إلا أن تلك القوات وفق مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في واشنطن، لم تكن مستعدة للمهمة وكانت لديهم خبرة قليلة في إجراء العمليات العسكرية إضافة صعوبة التنسيق مع القوات المحلية. بعد خسائر كبيرة منيت بها تلك المجموعة تراجعت جنوبا إلى “ناكالا” في نوفمبر عام 2019 لإعادة تجميع صفوفها. على الرغم من إرسال معدات وقوات إضافية في فبراير ومارس 2020 ، تم استبدال مجموعة فاغنر في أبريل بمجموعة “Dyck” الاستشارية.

أمريكا اللاتينية

امتد استخدام روسيا للفاغنر ليشمل أمريكا اللاتينية على الرغم من أنها ليست منتشرة كما هو الحال في إفريقيا، إلا أنها لعبت دورًا ملحوظًا في فنزويلا ، مع وجود شائعات أيضًا حول تواجد أولئك المرتزقة في بلدان أمريكية أخرى مثل نيكاراغوا.

فنزويلا

حطت الفاغنر وأخواتها رحالهم في فنزويلا عام 2017 لتحقيق ما يلي:

– حماية المصالح التجارية للشركات الروسية التي تعمل في فنزويلا وأهمها شركة “روسنفت” عملاق الطاقة الروسي.

– دوافع جيوستراتيجية لإعادة تأكيد موسكو لنفوذها في المنطقة على حساب الولايات المتحدة. (ردًا على دعوة إدارة ترامب للإطاحة بالزعيم الفنزويلي نيكولاس مادورو والاعتراف بزعيم المعارضة خوان غوايدو كرئيس مؤقت).

– في يناير 2019 نشرت روسيا ما يقرب من 100 متعاقد أمني، على الأرجح من فاغنر لتوفير الحماية الأمنية للرئيس مادورو وسط تصاعد الاضطرابات السياسية.

غنائم استراتيجية سهلة

الأمثلة السابقة تظهر مدى الاستخدام الروسي الموسع لنموذج الفاغنر والشركات العسكرية الخاصة الأخرى بهدف تعزيز أهدافها الجيوسياسية والاقتصادية وتوفير وسيلة سهلة للكرملين لإنكار الجرائم التي ترتكبها تلك الميليشيات وخاصة الفاغنر الشهيرة بسمعة سيئة للغاية، والهدف كما أسلفنا الدول الضعيفة ذات الموقع الاستراتيجي الهام والغنية بالموارد.

وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن الخطة الروسية لم تعد على سيد الكرملين دائما بما كان يأمله، فكثيرا ما تعرضت تلك الميليشيات إلى خسائر فادحة وشكلت عبئا حتى على موسكو وإحراجا سعت الدبلوماسية الروسية إلى إصلاحه في كثير من المواقف، دون أن نغفل حقيقة أن أغلب الأفراد المنتسبين للفاغنر والشركات الروسية الخاصة، هم من المجرمين والقتلة تم تسريحهم من الجيش الروسي ونسبهم لاحقا إلى الفاغنر وأخواتها فكانت لهم بصمات في جرائم ضد الإنسانية يندى لها الجبين.