ما شاهده من إجرام في أوكرانيا دفعه إلى الإنشقاق عن مجموعة فاغنر، التي يديرها الأوليغارشي الروسي يفغيني بريغوجين… ذلك ما قاله أندريه ميدفيديف (Andrey Medvedev)، القيادي السابق في المرتزقة الروسية بلقاء خاص مع “أخبار الآن“. فماذا شاهد هناك، وماذا كشف عن مساره الحربي مع تلك المجموعة؟

انضم الشاب البالغ من العمر 26 عاماً – وهو كان خدم سابقاً في الجيش الروسي – إلى مجموعة فاغنر للمشاركة في الحرب ضدّ أوكرانيا، وذلك بعد أقل من 10 أيّام على توقيع عقده في يوليو العام 2022، وقد خدم بالقرب من باخموت، المدينة الواقعة على خط المواجهة في منطقة دونيتسك.

الهروب على الجليد

يعتبر ميدفيديف المنشق الأحدث عن مجموعة فاغنر، إذ أعلن فلاديمير أوسيشكين (Vladimir Osechkin) الذي يعمل على مساعدة المجنّدين الروس على الإنشقاق والهروب من روسيا، عن نجاح عملية انشقاق جديدة، وأنّ عملية الفرار كانت محفوفة بالمخاطر الكبيرة. وفي 12 يناير أعلنت الشرطة النرويجية أنّ ميدفيديف عبر حدود البلاد حيث طلب اللجوء السياسي. ويقول ميدفيديف إنّه عبر الحدود إليها بعدما قرّر الإنشقاق، عبر بحيرة جليدية مستخدماً ملابس مموهة بيضاء، فيما تم اعتقال كلّ مَنْ قاتل معه.

قيادي منشق عن فاغنر يعتذر من الأوكرانيين.. ويكشف لأخبار الآن أبشع ما شاهده على الجبهة

خلال إجراء أخبار الآن اللقاء مع ميدفيديف في أوسلو برفقة رئيس شبكة حقوق الإنسان فلاديمير أوسيشكين

“شاهد على عشرات الإعدامات في دونباس”

وأضاف أنّ ميدفيديف ركض فوق بحيرة متجمّدة ودخل إلى أحد المنازل الحدودية وطلب من أصحابه الاتصال بالشرطة لتسليم نفسه. وكشف أوسيتشكين أنّ ميدفيديف كان نُقل إلى مركز للجوء في العاصمة النرويجية أوسلو، وباشر في طلب اللجوء السياسي، وأدلى بشهادته ضدّ يفغيني بريغوجين الملقب بطبّاخ.

وقال ميدفيديف إنّ “معاملة قادة المرتزقة مع مجنّدي فاغنر قاسية للغاية، وغالباً ما يتمّ إرسال المقاتلين إلى ساحة المعركة من دون توجيه يذكر”. وأوضح أنّهم كانوا يعتقلون أولئك الذين لا يريدون القتال، ويطلقون النار عليهم أمام المجنّدين الجدد، قائلاً: “في إحدى المرّات أحضروا سجينين رفضا الذهاب للقتال وأطلقوا عليهما النار أمام الجميع، ودفنوهما في الخنادق التي حفرها المتدربون”. ولفت المشنق الروسي إلى أنّ حالات الإعدام كثيرة بحقّ رافضي المشاركة في الحرب، مؤكدّاً أنّه كان حاضراً شخصياً وشاهداً على العديد من عمليات الإعدام في منطقة دونباس الشرقية بأوكرانيا.

وأكّد ميدفيديف أنّ الوحشية التي شهدها في أوكرانيا دفعته في النهاية إلى الانشقاق عن تلك المجموعة، موضحاً أنّه مع حلول اليوم السادس من ذهابه إلى أوكرانيا للحرب، أدرك أنّه اتخذ القرار الخاطىء، وأنّه لا يريد العودة في جولة أخرى بعدما شاهد القوات والجنود يتحوّلون إلى وقود للمدافع.

قيادي منشق عن فاغنر يعتذر من الأوكرانيين.. ويكشف لأخبار الآن أبشع ما شاهده على الجبهة

إعدام أحد المقاتلين بمطرقة ثقيلة جعلني واثقاً أكثر من الانشقاق

وأوضح أنّ مجموعة فاغنر كانت تفتقر إلى استراتيجية تكتيكية، إذ كانت القوّات تضع خططاً بشكل آني فور حدوث طارىء، فيما تلقي الأوامر بشأن كيفية التصرّف كان يحصل للتو، فالأمر كان يحصل بالنسبة لهم بشكل اعتباطي، “خطوة تتقرر بعدها الخطوة التالية”.

أحد الجنود في وحدته، كان يُدعى يفغيني نوزين… بعد فترة وجيزة من وصوله إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا، استسلم نزين وأجرى عدّة مقابلات قال فيها إنّه لا يدعم الحرب ويريد البقاء في أوكرانيا. وفي 13 نوفمبر انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر عملية إعدام نزهين بمطرقة ثقيلة. وكشفت التقارير في وقت لاحق أنّه تمّ تبادل نوزين مقابل أسرى حرب أوكرانيين وتمّ تسليمه إلى مجموعة فاغنر، التي نفّذت الإعدام.

وعندما سألناه عمّا إذا كان يخشى من ملاقاة مصير يفغيني نوزين، قال ميدفيديف إنّ موت نوزين شجعه على المغادرة، مشدداً بالتالي: “أودّ أن أقول فقط إنّ ذلك جعلني أكثر جرأة وأكثر إصراراً على المغادرة”.

وذكر ميدفيديف أنّه قصد المقر المركزي لفاغنر في سانت بطرسبورغ حيث سلّم بطاقته، وبعدها تلقى تهديدات بالقتل، ليتمكن أخيراً من الوصول إلى موقع فلاديمير أوسيتشكن، ويبلغه بأنّه معرّض للإعدام على يد قوات فاغنر في حال تمّ القبض عليه، نظراً لأنه يمكن أن يكشف فظائعهم وجرائمهم. وكشف أنّ التهديدات بقتل الذين يرفضون تنفيذ الأوامر بدأت بعد وصول دفعات المرتزقة من السجون الروسية، وقد تعاملوا بقسوة معهم من أجل بثّ الخوف في نفوسهم.

4 أشخاص من أصل 30 ظلّوا على قيد الحياة من فصيلته

وفي تأكيد لأنباء سابقة عن الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها مجموعات مرتزقة فاغنر، أفاد ميدفيديف بأنّ 4 أشخاص فقط من أصل 30 ظلّوا على قيد الحياة من فصيلته التي انطلقت في مهمّة قتالية في يوليو الماضي. وقد اشتكى أنّ قيادات فاغنر تدفع بهم من دون أسلحة ثقيلة لمواجهة الدبابات والمدرعات الأوكرانية، ما سبّب قتل الكثيرين، ومنهم صديق مفضّل سلم جثمانه لذويه من دون دفع تكاليف الدفن، فيما بقيت زوجته وأطفاله من دون الحصول على راتبه في الشهر الأخير قبل مقتله.

وُلد أندريه ميدفيديف في قرية في مقاطعة تومسك في سيبيريا، شرق روسيا العام 1996، وبعد وفاة والدته انتقل إلى دار للأيتام بعد حرمان والده رعايته. وفي العام 2014، التحق بمعهد متوسط في مدينة تومسك في قسم الحفر بالآلات لكنّه لم يكمل دراسته، واستُدعي إلى الخدمة العسكرية.

وفي إبريل 2016، حُكم على ميدفيديف بالسجن لمدّة عامين مع وقف التنفيذ في قضية سرقة. في وقت لاحق، حُوِّلت العقوبة إلى حكم فعلي بسبب ارتكاب جريمة جديدة. وفي يوليو 2017 قضت محكمة مقاطعة كيروفسكي في تومسك بسجن ميدفيديف 3 سنوات إضافية بعد إدانته بـ 5 سرقات. وفي العام 2020 حُكم عليه بالسجن لمدّة تسعة أشهر.

قيادي منشق عن فاغنر يعتذر من الأوكرانيين.. ويكشف لأخبار الآن أبشع ما شاهده على الجبهة

وفي سياق تبريره لترك مرتزقة فاغنر، أوضح ميدفيديف لـ”أخبار الآن“، أنّه عوقب بعد اعتراضه على تمديد عقده من 4 أشهر إلى ستة، ولاحقاً إلى 8 أشهر من دون أخذ موافقته. وقال إنّه رُمي في حفرة فهرب منها متوجهاً إلى وسائل الإعلام الروسية طلباً لدعمها لكن من دون جدوى”.

وفي محاولة على ما يبدو لتبرئة نفسه من أيّ تهم مستقبلية، أكّد ميدفيديف أنّ العقد الموقع مع فاغنر كان ينصّ على حماية مواقع استراتيجية وعدم المشاركة في الأعمال القتالية. ومن اللافت أنّ ميدفيديف ذكر أنه اتصل بهيئة الأمن الفيدرالي “FSB” من أجل إعلامهم بالتجاوزات في مجموعة فاغنر، وقال: “الجواب  كان أنّهم أحالوني على بريغوجين”، مشيراً إلى أنّه “في مكالمة ثانية كان الرد: “هل فاغنر موجودة أصلاً”؟

التغريدة أدناه تظهر ميدفيديف يعترض على تمديد عقده من دون موافقته، وقد تمّت إحالته على بريغوجين مجدداً!  

 

ميدفيديف وصف الأوليغارشي الروسي بريغوجين بالشيطان

وقال ميدفيديف إنّه كان ينوي التوجه إلى الساحة الحمراء في العاصمة الروسية موسكو، وتوجيه رسالة من هناك لبوتين حتّى يخبره بما فعله بريغوجين وجماعته من إعدامات بحقّ عناصر فاغنر، وترك كثير من العائلات من دون آباء أو أطفال أو أزواج.

وتزامناً مع ارتفاع الأصوات المطالبة بمحاكمة المسؤولين في القوات الروسية عن “جرائم حرب محتملة” في أوكرانيا، قال ميدفيديف إن مجموعة فاغنر تهتم فقط بالأسرى العسكريين الأوكرانيين كمصادر للمعلومات، وبعد الاستجواب يُعدَمون.

وأكد أنّه كان على علم بحادثة تصفية 4 جنود أوكرانيين استسلموا طواعية قرب باخموت بعد استجوابهم. وتناقض تلك الاعترافات تصريحات بريغوجين التي أشار فيها إلى أن الأسرى الأوكرانيين عوملوا معاملة حسنة، وجرى تبادلهم في صفقات مع الجانب الأوكراني.

ووصف القيادي المنشق عن فاغنر أندريه ميدفيديف، في حديثه لـ”أخبار الآن“، الأوليغارشي الروسي بريغوجين بالشيطان، قائلاً: “لو كان بريغوجين بطلاً فعلاً، لكان قد أخذ سلاحاً وركض إلى الخطوط الأمامية مع المقاتلين”. وختم القيادي المنشق عن فاغنر بتقديم الإعتذار إلى الشعب الأوكراني بسبب الحرب عليهم والجرائم التي يرتكبها الروس بحقّهم، قائلاً: “أنّه يريد مشاركة قصته من أجل المساعدة في تقديم بريغوجين وفلاديمير بوتين إلى العدالة، قائلاً: “عاجلاً أم آجلاً ستتوقف الدعاية في روسيا عن العمل، وسوف ينتفض الناس، وكل قادتنا سيكونون في وضع حرج للغاية”.

قيادي منشق عن فاغنر يعتذر من الأوكرانيين.. ويكشف لأخبار الآن أبشع ما شاهده على الجبهة

مؤسس المجموعة الحقوقية أوسيتشكن قال لـ”أخبار الآن” إنّه يخشى أن يتمّ قتل ميدفيديف بوحشية في حال تمّت إعادته إلى روسيا، لكن السلطات النرويجية لم تلمح إلى ترحيله. وشدّد أوسيتشكين بالقول: “نحن لا نتطلع إلى تبرئة ميدفيديف، فهو فعل أشياء كثيرة سيئة في حياته، لكنّه رأى النور في نهاية المطاف، وهو مستعد للتعاون مع السلطات النرويجية والدولية في ما يتعلق بمجموعة فاغنر ومؤسسها يفغيني بريغوجين”.

شاهدوا أيضاً: لماذا ذهب الشيشاني وراء بوتين وما رسالته لقديروف؟