“أقاتل من أجل مَنْ؟ من أجل مشروع إيراني فارسي سافل؟ لماذا أقاتل العرب وأقتل أهل سوريا”؟ تلك تساؤلات طرحها المنشق عن حزب الله علي طه في لقائه الخاص والحصري مع “أخبار الآن“، كشف فيه الكثير من خبايا الحزب ومعاركه التي خاضها إلى جانب النظام السوري… فماذا قال عن ساحة المعركة هناك؟ وأي إجرام شاهده بعينيه دفعه إلى ترك موقعه ومغادرة سوريا فوراً، وبالتالي الحزب.

منتصف مارس العام 2011 بدأت أولى شرارت الثورة السورية إنسجاماً مع موجة الربيع العربي، لكن سرعان ما تحوّل المشهد إلى سيناريو دامٍ استمر لأكثرَ من 10 سنوات. وفي النتيجة أنّ بشار الأسد بقي على رأس السلطة بدعمٍ روسي أوّلاً، الملايين بين قتلى وجرحى ومشردين ولاجئين، دمار هائل بكلفة إعادة إعمار خيالية. ووسط كلِّ ذلك، كثيرون تلطّخت أيديهم بدماء السوريين، بينهم ذراع إيران في المنطقة، حزب حسن نصرالله.

“أدخلونا إلى سوريا للقتال من أجل المشروع الإيراني”

على كلّ ما جرى، يمكنُ القول إنّ ما شهدناه في مسار تلك الحرب أقلُّ بكثير ممّا وصل إلينا، خصوصاً أنّ الساحة السورية استقطبت ما هبّ وما دبّ من تنظيمات إرهابية على اختلاف الجنسيات، وكذلك من دول وأرع أخرى.

وهنا يقول طه: “لماذا عليّ أن أذهب إلى سوريا، ما علاقتي بما يحدث هناك؟ إذا أردنا أن نحمي أنفسنا فيمكننا أن ننشر عناصر الجيش على طول الحدود اللبنانية لمنع تسلل أيّ جماعة إلى أراضينا. لماذا أدخلتمونا إلى سوريا حتّى نتقاتل من أجل المشروع الايراني”؟

يتحدّر علي طه من منطقة بعلبك شرق لبنان، وهي منطقة تماشي بغالبيتها توجهات التيار الإيراني، وتقع بالإجمال تحت سيطرة حلف حزب الله – حركة أمل، وفي الوقت نفسه هي منطقة تفتقر إلى أيّ تنمية. ويشير طه في ذلك السياق، إلى أن “تلك المنطقة لا توجد فيها جامعة أو مدرسة بمستوى جيّد، فأيّ مقاومة تلك التي يدّعون”؟

عندما كان في سنّ التاسعة تقريباً، التحق طه كبقية أبناء جيله بكشاف الحزب، فكانوا يشاركون في مخيّمات دورية يتمّ فيها غسل الأدمغة تدريجياً، ليتمَّ خلالَها أيضاً التدرّج في الرتب حتى الوصول إلى رتبة مقاتل، وهنا بدأت حكاية طه.

يقول: “تلك العقيدة ترسخّت في عقولنا، كنّا صغاراً، لكن مع الوقت يتمكن الانسان من فهم ما يدور حوله، الشخص الذي لا يطلع على تفاصيل الأمور سيبقى يماشي أفكارهم. فجأة العام 2012، وجدنا شيئاً اسمه الإرهاب الذي دخل إلى سوريا، وبدأ مسؤولو الحزب الكبار باستدعائنا للدخول إلى سوريا وإلّا فإنّ الارهاب سيدخل إلى لبنان… هم قادرون على بثّ تلك الأفكار المقيتة في عقول الشباب، فالتحقنا بهم ونحن مدرّبون. عندما دخلنا إلى سوريا رحنا نقاتل لكنّني وجدت أنّ الجميع يقول الله وأكبر، عرب بعرب… لم تعد تلك حرب بل مشروع إيراني يتمّ تنفيذه على ظهرنا، يسيسمونه الهلال الشيعي يمتد من إيران لسوريا لليمن للبحرين للعراق”…

 

مع بداية العام 2013، تصاعدت قوّة المعارضة المسلّحة في سوريا، وحينها بدأ حزب الله بإعلان موقفه الواضح تجاه سوريا، بعد خطاب نصرالله الذي قال فيه بتوجيه من خامنئي إنّ النظام في سوريا لن يسقط. وبالطبع، فوقود معارك الحزب في سوريا كانت الشباب.

كثيرون عادوا إلى ذويهم جثثاً، كثيرون انشقوا وقرّروا العودة إلى ذواتهم وعائلاتهم، معظمهم إنْ لم يكن أغلبهم، قرّر البقاء والسكوت على ما ارتكب من جرائم وفظائع، لكنّ اللبناني علي طه وعلى قدر غضبه وخيبته، قرّر السير عكس التيار.

يوضوع علي طه: “بتنا نتدرج فيما هم يبثّون الافكار في عقولنا حتى نصل إلى مرحلة الجهاد، وكان هناك دخل مادي بالعملة الصعبة وحتى اليوم مازالوا يقبضون بالدولار.. إنّ لدى حزب الله اكتفاءً ذاتياً، وهو ليس بحاجة للدولة اللبنانية أبداً. كانوا يقولون لنا إنّ تلك الجماعات عدو مجرم قاتل سفاح، ونحن سندخل إلى الجنة، فيما هم كفار… شيء من هذا القبيل. لقد ولدنا في منطقة فيها الخيارات محدودة، وكانوا يمنعوننا من أن نعيش حياة طبيعية كما سائر البشر. مع الوقت، بتنا نرى أنّ هناك أخطاء تحصل ولكن ذلك الخط لم يقم بأيّ تصحيح”.

المحطة التي توقف فيها علي طه في سوريا كانت على ما يبدو مفصلية للغاية بالنسبة له، إذ جعلته يفتح عيناه ليرى الحقيقة القاتمة، ويكشتف زيف الشعارات الفضفاضة الخاوية. فما وجده في سوريا خلال اقتحام الأماكن، كان بمثابة صفعة على وجهه كي يستيقظ.

“في سوريا وجدت أنّنا نقاتل شعباً صنع في غيران وسمّي بداعش”

يقول طه: “ذهبت لفترة قصيرة إلى سوريا، ووجدت أنّنا نقاتل شعباً صنع في ايران سميّ بداعش. ذهبنا فوجدنا أولاداً وعائلات هناك، كيف سنقاتلهم إذاً؟ عندما كانت تحصل المعركة  فأنت مضطر لأن تقاتل وتدافع عن نفسك… لكنّني تراجعت وقلت لماذا أريد أن أقاتل شعباً عربياً. لقد حصل إجرام في سوريا.. فقد قتل أطفال ونساء وأشخاص لا علاقة لهم بالحرب أبراء. كانت هناك طائرات النظام السوري تقصف المنازل والأطفال والنساء، تستهدف كلّ شيء أمامها، وعندما ندخل نحن إلى المكان لتمشيطه، نجد الأطفال والنساء والمسنّين والأبرياء. لقد كان بشار الأسد يقتل الشعب”.

يتابع: “في سوريا كان معنا الجيش النظامي، وكنّا على جهة واحدة، لكنّ حزب الله كان يدير العملية كلّها فليس لدى الجيش السوري اي تكتيك ميداني. كانوا يطلبون أنّ أيّ شخص يقاومكم، عليكم قتله فوراً.. والمنطق يقول إنه إذا دخلت الى أرضه فمن الطبيعي أن يقاومني.. لقد وجدنا أنفسنا أمام حرب طويلة ودخلنا في المعمعة، ولاحقاً وجدت أنّ هناك شباناً ينسحبون من الحرب إلى جانب الحزب وأنا أحدهم”.

ما شاهده في سوريا إذاً دفعه إلى مغادرة مكان خدمته هناك حتى قبل انتهاء فترة وجوده المتفق عليها، ليطوي بذلك صفحة يعتبرها سوداء في حياته، وقد أتلف كلّ تسجيل مصوّر أو صور لديه يمكن أن تذكره بتلك الفترة السوداء في تاريخه.

يلفت: “غادرت سوريا قبل انتهاء فترتي.. اتصلوا بي لاحقاً فقلت لهم أنّني لم أعد أريد الذهب إلى سوريا، فقالوا في تلك الحالة لا يمكننا أن ندفع لك بدلاً مادياً، فقلت لهم لا أريد… راحوا يتصلون بي للتراجع عن القرار، لكنّني كنت أصرّ على موقفي، فقلت لهم لم أعد أريد لأنّكم لم تعودوا مقاومة بل ميليشيا تقاتل من أجل المشروع الايراني، وأنا مشروع لبناني. لقد رفضت كلّ شيء بسبب ما شاهدته في سوريا”.

التحرر من مكر حزب الله.. منشق يخرج عن صمته

“أندم أنّني في يوم من الأيّام قلت لبيك نصرالله”

وكان طه يسأل نفسه: “لماذا عليّ أن أقاتل في بلد ليس بلدي؟ أريد أن أقاتل من أجل مَنْ؟ من أجل مشروع إيراني فارسي سافل، لماذا أريد أن أقاتل العرب وأهل سوريا، حينها قررت المغادرة”. ويتابع: “أصبت في سوريا في قدمي ومعدتي، وقد بقيت في غيبوبة لمدّة 20 يوماً. عندما غادرت سوريا وتركت الحزب، ذبح والدي خواريف لشدّة فرحته بقرار الإنشقاق، فهو لم يكن يريدني أن التحق بالحزب، وكان دائماً يقول سيأتون بإبني محمّلاً بالتابوت يوماً ما”.

مع تقدمّ الوقت، راح علي طه يتيقّن أكثر من زيف تلك الشعارات، حتى شعار المواجهة مع إسرائيل، وذلك ما تحدّث عنه إبّان المفاوضات الأخيرة بين لبنان وإسرائيل، ليتأكّد أنّ قراره بترك الحزب كان صائباً.

تجدر الإشارة إلى أنّ طه ذهب إلى سوريا العام 2011 للقتال، ومع بداية العام 2013، عندما شاهدت ماذا يحصل وحجم الاجرام الذي يرتكب، راجع نفسه وقرر الإنسحاب. ويقول: “أندم أنّني في يوم من الأيّام قلت لبيك نصرالله خصوصاً في هذه المرحلة التي تنازل فيها لبنان والحزب عن منطقة فيها بترول وغاز لإسرائيل… إنّني أندم كثيراً، فما حصل في كاريش كذب ونفاق، ومنذ 40 عاماً يقولون لنا نريد أن نحرّر القدس، لك،ّهم لم يطلقوا طلقة واحدة…. إنّ حزب الله حرّاس حدود لإسرائيل وليس مقاومة، والأمر بات عبارة عن تجارة”.

التحرر من مكر حزب الله.. منشق يخرج عن صمته

“شعب حزب الله جيعان وهم عبيد عند الخميني والخامنئي”

يؤكّد علي طه إنّه بقي في صفوف الحزب لمدّة 15 عاماً، اكتشف في النتيجة أنّ الحزب وضع لأفراده وبيئته حدوداً يمنع عليهم تخطيها، وجعل ذلك من المحرمات، فأعطى كلّ ما يريد القيام به صبغة الدين كي يصبح مَنْ يخالف تعالميه وكأنّه يخالف تعاليم السماء. وهو يصف تلك الفترة بأنّها كانت أسوأ فترة مرت في حياته.

من أوجه الحزب السيئة التي توقف عندها، يقول علي طه إنّ مسؤولي الحزب أو القيادة لا تأبه للأفراد، فالصورة بسيطة للغاية وفق ما وصفها، المسؤول يعيش حياة الرفاهية ويتنعّم في المنازل والقصور والسيارات، فيما المقاتلون أو الأفراد مازالوا على الجيهات، إمّا يموتون أو يكملون حياتهم فقراء. ومن هنا دعا طه أفراد الحزب وبيئته إلى أن يفتحوا أعينهم أكثر ليروا الحقيقة التي إنْ اكتشفوها، فبلا شك أنّها ستغيّر الكثير من نظرتهم لمسار الحزب وقيادته.

في ختام حديثه يقول علي طه لـ”أخبار الآن“: “كل شخص في حزب الله ولدى النظام السوري جنى الأموال وبنى القصور واقتنى السيارات، ونحن ما زلنا نعمل هنا في الأرض… لم تعد تلك قضية ومقاومة بل أصبحت مقاولة. إنّ حزب الله تلقى الكثير من الصفعات وبات متعباً للغاية بسبب الحرب في سوريا وخروجه عن المسار الوطني”.

التحرر من مكر حزب الله.. منشق يخرج عن صمته

وفي رسالته إلى أفراد الحزب وبيئه، يقول: “شعب حزب الله جيعان، أنتم اليوم لستم أحراراً بل عبيد عند الخميني والخامنئي والدولة الايرانية.. كونوا أحراراً وعودوا إلى لبنانيكم وليس إلى الفرس، لأنّ الفارسي يطبق مشروعه على ظهركم، فما حصل في سوريا إجرام الفارسي، إيران غدة سرطانية يجب استئصالها من البلدان العربية”.

علي طه أحد أفراد حزب الله المنشقين إذاً، ولأن القصة ملك الجميع، أفردنا لعلي طه مساحة ليقول قصته، فروى ما لديه كشاهد عيان على مجريات الأمور، ونحن ننقلها من دون زيادة أو نقصان، لكنّ منطلقه الأول ليروي تلك القصة أنّ تلك التجربة قد تكون محطة لقصص أخرى، مشابهة أو مختلفة.

شاهوا أيضاً: بالعين المجردة | الزواج المؤقت.. ممارسات مشبوهة بإسم الدين.