لبنان أكبر من هذا التصنيف البائس

لبنان… البلد الأكثر بؤساً في العالم العربي، والثالث عالمياً، قد يتفق اللبنانيون مع هذا التنصيف، ويختلفون معه في آن.

فإذا نظرنا إلى ما يشهده البلد من انعدام الأمن الاجتماعي، وارتفاع معدلات الفساد، وتعطل المؤسسات الرسمية، وتراجع مستوى القطاع المصرفي، وتنامي الأزمات الأمنية، من الطبيعي أن يكون التقييم مطابقاً لنتائج تقرير مؤشر السعادة العالمي لعام 2024.

ولكن كلبنانية، أستطيع القول إن لبنان خارج عن كل التصنيفات، ولا يمكن مقارنته بأي بلد آخر، ولا بمعايير تُعتمد في أي بقعة أخرى حول العالم، لذا فإن هذا التصنيف لا يمكن الركون إليه، وعلى الرغم من القتامة، فإن لبنان لا زال يتمتع بكل مقوّمات الحياة، وكل عناصر الصمود. وهذا ما أثبته ويثبته عند كل محنة.

لبنان شهد ثاني أكبر انفجار غير نووي في العالم لكنه أزاح الركام عنه ونهض من تحت الردم.

لبنان خسر أكثر من 90% من قيمة عملته واكتوى بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، لكنه واصل جذب السواح وبناء القطاع السياحي بسواعد أبنائه.

لبنان عاش حرباً أهلية دامية استمرت ثلاثين سنة لكنه لم يتخلَّ يوماً عن دوره الرائد في تقديم المثال الأجمل عن التعايش والتنوع.

لبنان اختبر خضات أمنية متتالية وخسر من رجاله ونسائه ما لا يمكن للزمن أن يعوّضهم، لكنّه ما زال يصدّر النوابغ وأصحاب الفكر إلى أصقاع الأرض.

لبنان الذي دخل الظلمة في أكثر من مرحلة، لم يحتضن إلا النور والأمل، وهذا ما جعل من شعبه عصياً على الكسر، وشامخاً أمام الصعاب.

أخضعوهم للاختبار

يقول البعض، على سبيل المزاح، أنه قد يكون من المفيد إخضاع اللبنانيين لاختبارات وبالتالي دراسة الحالة اللبنانية لتعميم الفائدة على كافة الشعوب. فاللبنانيون، بنظر الكثيرين، يكملون حياتهم بشكل طبيعي ولا يسمحون لشيء أن يعكر مسار حياتهم رغم نقمتهم على حكام بلدهم وشكواهم المستمرة من الأوضاع، فضلاً عن رفضهم لمجرى الأمور في وطنهم، ورغبتهم بالتغيير الشامل.

هذا الوضع الذي حيّر الكثيرين، يكمن السر فيه بـ”هواء” لبنان.

ولا نقصد هنا، الهواء الذي نتنفسه ونتنشقه في المدن وعند الشاطئ وفي الجبال وحسب، بل الهواء الذي يحمل دفء الوطن وطيب الجلسات.

الهواء الذي يخيّم على السهرات العفوية الطويلة التي تحصل من دون موعد أو اتفاق.

الهواء الذي يجمعك بأشخاص لا تعرفهم داخل مطعم أو في إحدى الحفلات، فتستمتع بالوقت معهم دون سؤالهم عن اسمهم أو كنيتهم.

الهواء الذي يحمل معه رائحة القهوة الصباحية المنبعثة من شرفات المنازل في أحياء بيروت المكتظة.

الهواء الذي يزرع قبلة في جبين كل لبناني استيقظ على صوت الحياة التي تضجّ في العاصمة بيروت.

الهواء الذي يدفعه إلى الخروج ولقاء الأحبة والغناء والرقص وممارسة طقوس الحياة على أنواعها رغم التعب المزمن.

لبنان ببساطة، بلدٌ عتيق تتجذّر فيه الحياة وتتجلى بمختلف تفاصيلها. لبنان تتراءى فيه الأجيال والحضارات الجديدة لكنه انعكاس لروح الشباب والأمل والتجدد الدائم.

لبنان واللبنانيون لا يمكن أن تنطفئ فيه شمعة الحب، ولا يمكن أن يعبث به أو يزعزه مؤشر من هنا وتصنيف من هناك.