هل تستغل الصين الحرب الأوكرانية؟

أثار الغزو الروسي لأوكرانيا في بداية العام الماضي 2022 تساؤلات حول احتمالات تأثير عملية الغزو على علاقات الصين مع تايوان وانتشرت أفكار عن احتمال استغلال الصين لانشغال العالم وبالأخص الولايات المتحدة بتفاصيل الحرب الأوكرانية للانقضاض على تايوان وإعادتها بالقوة إلى الوطن الأم إلا أن هذا الأمر لم يحدث.

تراقب الصين بحذر واهتمام ما يجري في أوكرانيا وخصوصًا ما يقوم به الغرب لمساعدتها ودعمها وتعيد تقييمه في محاولة للمقارنة مع مسألة تايوان ومعرفة حجم الدعم الأمريكي والغربي الذي ستتلقاه في حال قيامها باستخدام القوة لاستعادتها.

في أواخر القرن العشرين استعادت الصين كلا من هونغ كونغ وماكاو إلى الوطن الأم بالتفاوض فلماذا لا تتعامل مع تايوان بالطريقة نفسها؟ ففي أحيان كثيرة كانت تايوان تبدي رغبة في التفاهم مع الصين على مستقبل العلاقات بينهما لكن هذه الرغبة لم تكن تتجسد في برنامج عمل أو جدول زمني.

وبالرغم من دعوتها مرارًا إلى التوحيد بالطرق السلمية إلا أن الصين لم تكن تستبعد فكرة استخدام القوة في هذا السياق وتقول دومًا أنها مستعدة للقتال في سبيل ذلك. ولا يرى كثيرون أن التوحيد السلمي يمكن أن يحدث بل يرون أن التوحيد سيكون نتيجة حرب شرسة.

في عام 1992 وافقت كل من الصين وتايوان على مبدأ صين واحدة تحت شعار دولة واحدة ونظامان. لكن الصين عادت وأصدرت في العام ألفين وخمسة قانون منع التقسيم الذي يدعو ضمنيا لتوحيد تايوان مع الصين. وهذا الأمر عزز توجهات تايوان نحو البقاء مستقلة. ومنذ أن جاء الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السلطة وضع نصب عينيه هدف استعادة تايوان أبدى حماسة شديدة لتوحيد تايوان مع الصين فارتفعت وتيرة الإصرار الصيني الرسمي والشعبي  إزاء فكرة استعادة تايوان.

 

في الشهور الثمانية الماضية قامت الصين بمحاصرة تايوان مرتين في محاولة لاختبار ردود الفعل. وفي أوائل الشهر الحالي قامت بمناورات بالذخيرة الحية بالقرب من سواحل تايوان. ولم تخف الصين أهداف المناورات وقالت إنها تحاكي حصارًا لتايوان يكون تحذيرًا جديًا للسياسيين فيها المؤيدين لدوام استقلالها عن الصين.

غداة المناورات الواسعة التي تتمثل عمليات عسكرية لاحتلال تايوان بدت فكرة استعادة تايوان بالقوة العسكرية أكثر احتمالا. الصحافة العالمية نسبت إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأن العام ألفين وسبعة وعشرين سيكون حاسما بالنسبة لمصير تايوان. وقد أشارت معلومات في وسائل الإعلام الغربية إلى تعليمات أصدرها الرئيس الصيني إلى جيشه بتعزيز تدريباته وأن يكون مستعدا لاستعادة تايوان بحلول ذلك العام مع أن مصادر استخباراتية ترى أن مثل تلك العملية قد تقع في العام ألفين وخمسة وعشرين وإلا فإن الأمر سيذهب إلى عشرين أو خمسة وعشرين سنة إضافية.

المعروف عن الرئيس الصيني أنه لا يستفز بسهولة وإذا كانت زيارة رئيسة تايوان إلى الولايات المتحدة في الشهر الماضي هي الاستفزاز الذي دفعه لإجراء المناورات التي رأت فيها تايوان تهديدًا مباشرًا لها فإن صدور أوامره باجتياح تايوان لن يكون ناجمًا عن أي استفزاز بل سينتج عن حسابات دقيقة وحذرة للغاية وخاضعة لحساب التكلفة والقدرة والظروف الدولية. فالرئيس الصيني يراقب بحذر وانتباه مسار الحرب الروسية في أوكرانيا ولا بد أنه ادرك كيف أن الغرب هب لمساعدة أوكرانيا ومكّنها من الصمود في وجه دولة كبرى.

تصريحات المسؤولين في تايوان توحي بأن الهجوم الصيني بات قريبًا. فوزير الخارجية التايواني يعتقد أن أهداف المناورات الصينية الأخيرة هي الاستعداد لمهاجمة تايوان، وهذا يدل على وجود مخاوف تايوانية حقيقية تجاه نوايا الصين. لكن الوزير التايواني يرى أن بلاده مستعدة للمواجهة ولديها ما تدافع به عن نفسها بالاعتماد على الولايات المتحدة. وقد أعرب الكثير من التايوانيين في مقابلات تلفزيونية انهم مستعدون للانخراط في العمل العسكري للدفاع عن بلادهم.

ما مدى جدية الصين في استعادة تايوان بالطرق العسكرية؟

منذ عام ألف وتسعمئة وتسعة وأربعين تحالفت تايوان مع الولايات المتحدة وارتضت أن تكون تحت حمايتها. لا شك أن الولايات المتحدة قادرة على حماية تايوان ولديها الاستعداد العسكري اللازم لمواجهة الصين ولكن إلى أي مدى يمكن أن تكون جادة بالفعل للقتال والتضحية بشبابها من أجل بقاء تايوان مستقلة؟.

قادة البحرية الأمريكية يقولون أنها قادرة على أي عمل عسكري ومثلما حققت انتصارات في الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي الحرب الباردة فإنها قادرة الآن على ذات الشيء في أي مواجهة مقبلة. فماذا سيفعل الأسطول في حال قيام الصين بمهاجمة تايوان؟ بحسب تصريحات قائد الأسطول فإن الأمر منوط بقرار الرئيس الأمريكي والكونغرس. وسيتم نشر كافة قطعات الأسطول ووضعها في حالة مواجه حربية لنصرة تايوان إذا كانت التعليمات الواردة من البنتاغون تطلب ذلك.

فالأسطول الأمريكي في المحيط الهادىء موجود هناك للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وتايوان إحدى هذه المصالح الحيوية وسلامتها مصلحة أمريكية أساسية وقد أعلنت واشنطن أكثر من أربع مرات على لسان الرئيس جو بايدن أنها ستدافع عن تايوان. لكن الولايات المتحدة كما هو معروف عنها قصيرة النفس في عملياتها العسكرية ولا يبدو أنها مستعدة لدخول حرب مع الصين قد تتطور إلى حرب عالمية أو حرب نووية من أجل تايوان. وليس لدى الولايات المتحدة كما يفهم من تحليلات غربية أي استراتيجية واضحة أو معلنة عن كيفية تصرفها في حال وقع غزو يستهدف تايوان.

الجيش الصيني في الوقت الحاضر يبدو غير مستعد بشكل كاف وغير قادر على مهاجمة تايوان واحتلالها لكنه قد يكون كذلك بعد العام ألفين وخمسة وعشرين. فالصين حاليًا تقوم بزيادة استثماراتها في تطوير قواتها وتعزيز قدراتها العسكرية. واليوم تعد البحرية الصينية هي الأكبر في العالم وهي ما ستعتمد عليها الصين في حروبها القادمة.

على الدوام تكون ثلث القوة البحرية الأميركية في مهمات عملية ويعتقد بعض قادتها في المحيط الهادىء أن طيران الصين الحربي لا يمكنه الصمود أمام القوة الأمريكية الأكثر كفاءة والأكثر خبرة. كما أن القادة الأمريكيين يعتقدون أن عدم خوض الجيش الصيني أي حروب حقيقية منذ أكثر من سبعين عامًا باستثناء اشتباكات حدودية مع فيتنام عام تسعة وسبعين تجعله يفتقر إلى الخبرات القتالية بعكس الجيوش الأمريكية التي تمرست في الحروب من كوريا إلى فيتنام  إلى البوسنة إلى أفغانستان والعراق والصومال وغيرها. وهذه تعتبر ميزة لصالح الأمريكيين.

لا بد أن الصين تفترض في نفسها القدرة على احتلال تايوان وإحكام السيطرة عليها في ثماني وأربعين ساعة وربما أقل. لكن ماذا بعد؟ هل تقع المواجهة بين الولايات المتحدة والصين؟ والسؤال الأهم هل ستغامر الصين وتستعيد تايوان بالقوة من دون أن تحسب حساب المواجهة مع الولايات المتحدة؟