أموال الشباب: إتاوات وجباية وصراع مرتقب

  • المنظومة المالية للجماعة باتت في مرمى نيران الحكومة
  • الحكومة اتبعت مقاربة شاملة مدعومة إقليمياً ودولياً للقضاء على الجماعة

في تناول الأمور المالية للجماعات الإرهابية هناك نماذج كثيرة يُمكن الخوض في تفاصيلها، ولكن أكثر ما استوقفني هو كيف يمكننا القضاء على تنظيم إرهابي يسعى إلى الخراب والدمار، وتدمير العقول وخاصةً الشباب بينما يمتلك هذا التنظيم السيولة المادية الكافية لتسهيل كل العقبات التي تقف في طريقه، بل والأكثر من ذلك بإمكانه استخدام تلك الأموال لتجنيد العقول الشابة واستدراكها نحو الفكر الإرهابي واستغلال الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالعالم الآن للسيطرة على عقولهم واستغلال حاجتهم.

لذا سأضع أمامكما نموذجين من نماذج الجماعات الإرهابية (وهما تنظيم داعش في سوريا وجماعة الشباب في الصومال) وطريقة إدارتها لمداخيلها المادية، وما الفارق بينهما، والأهم من كل هذا وذاك، كيف كانت الأموال سببًا في زرع الانشقاقات داخل تنظيم داعش في سوريا، وهل يُمكن بما تأول له الأحداث الآن أن تصبح جماعة الشباب الصومالية وبعد أن كانت التنظيم الإرهابي الأقوى عالميًا من حيث كيفية إدارته لمداخيله المادية، أن تصبح تلك الأموال أولى خطوات الانشقاق داخل التنظيم؟

آليات وتحديات تجفيف منابع تمويل جماعة الشباب في الصومال

يمثّل تجفيف منابع تمويل جماعة الشباب المجاهدين، المصنفة إرهابياً محلياً ودولياً، أبرز محاور المكافحة الشاملة للإرهاب في الصومال. تعتبر الجماعة الأغنى من بين الجماعات الجهادية في العالم، ولم يفوقها إلا لفترات محدودة تنظيم داعش في العراق سوريا، إبان سيطرته على منابع النفط في سوريا.

بخلاف داعش وبقية الحركات الجهادية، وطدت الشباب علاقاتها مع المنظومة المالية في دولة الصومال الفيدرالية، وطوعت تلك المنظومة عبر التهديد لخدمتها مالياً، فضلاً أنّ جزء من مجتمع الأعمال استفاد هو الآخر بالتعاون مع الجماعة. واستفادت الجماعة من حداثة مؤسسات الحكومة الفيدرالية في البلاد، وضعفها في مواجهة قدرات الجماعة على الوصول إلى كل منطقة جغرافية، واستهداف مصالح الذين يرفضون التعامل معها.

تلك المنظومة المالية للجماعة التي وُصفت من المراقبين بالكفاءة العالية، باتت في مرمى نيران الحكومة الفيدرالية، التي اتبعت للمرة الأولى مقاربة شاملة مدعومة إقليمياً ودولياً للقضاء على الجماعة.

التنظيم الاقتصادي للجماعة

قبل بحث تأثير جهود الحكومة الصومالية لمكافحة تمويل جماعة الشباب المصنفة إرهابياً، يتطلب ذلك استعراض النظام المالي للجماعة، لمعرفة كيف ستؤثر الجهود الحكومية عليه. بالتالي على الأموال التي تحصلها الجماعة، والتي توظفها في استهداف الدولة الصومالية. يتناول العرض التالي للنظام المالي للجماعة الفترة ما قبل تحقيق القوات الحكومية المدعومة بمقاتلي العشائر (معويسلي) والطائرات المسيرة الأمريكية تقدماً كبيراً على حساب الجماعة في مناطق سيطرتها التاريخية في وسط وجنوب البلاد.

تجدر الإشارة إلى أنّ أهم زعيم للجماعة (2008-2014) أحمد عبدي، المدعو “غوداني”، والمعروف باسم أبو مختار الزبير، (قُتل في 2014) والذي شهدت الجماعة معه عصرها الذهبي، حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، وشهادة الماجستير في التمويل والبنوك الإسلامية، من الجامعة الإسلامية العالمية في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، خلال عقد التسعينيات الماضي.

آليات وتحديات تجفيف منابع تمويل جماعة الشباب في الصومال

يعود إلى غوداني الفضل في وضع الهيكل الإداري للجماعة، الذي يأتي على رأسه الأمير. يعاون الأمير مكتب التنفيذ الذي يتكون من أهم 12 قيادياً في الجماعة، من بينهم مسؤولي الاستخبارات والمال والتسليح، ويعاونهم مكتب الشورى للجماعة. أسهم غوداني بمساعدة عدد من القادة في بناء أساس قوي منظم لمداخيل الجماعة المالية.

من بين هؤلاء، المسؤول عن شبكة التواصل مع مجتمع رجال الأعمال في الصومال، التاجر السابق خليف عدال، والذي جاء اسمه ضمن مجموعة قيادات فرضت الولايات المتحدة عليهم عقوبات عام 2022. أحد القادة الذين درسوا الاقتصاد في الجامعة، القيادي المنشق عام 2013، زكريا حرسي، الذي شغل منصب مسؤول الاستخبارات لفترة من الوقت.

وفي دلالة على استقرار الإدارة المالية للجماعة، ظل المسؤول المالي حسن أفجوي في منصبه كعضو في أعلى هيئة للجماعة، المكتب التنفيذي، منذ تأسيسها، رغم سياسة الجماعة في استبدال معظم الأعضاء بشكل دوري، منعاً لاكتساب أحدهم مراكز قوى على حساب الجماعة.

وردت المعلومات السابقة، وأخرى تتعلق بالعائدات المالية التي تجنيها الجماعة، في كتاب “داخل جماعة الشباب – التاريخ السري لأقوى حليف لتنظيم القاعدة” للمؤلفين هارون معروف ودان جوزيف.

100 مليون دولار عائدات

قدرت وزارة الخزانة الأمريكية مجموع عائدات الجماعة السنوية بنحو 100 مليون دولار، وذلك في العام 2022، تنفق الجماعة 24% منها على مشتريات الأسلحة.

وبحسب هارون معروف ودان جوزيف، تتنوع مداخل الجماعة، وتشمل الإتاوات المفروضة على جماعة مرور الشاحنات في عمليات التجارة الداخلية والخارجية، وحتى الشاحنات التي تعمل لحساب المنظمات الدولية. وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أوقف عمله في البلاد في أعوام سابقة لفترات بعد اكتشاف أنّ المقاولين المحليين دفعوا ملايين الدولارات لجماعة الشباب من أجل المرور.

آليات وتحديات تجفيف منابع تمويل جماعة الشباب في الصومال

وفي المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، والتي تتقلص نتيجة انطلاق العملية العسكرية الحاسمة للقضاء على الإرهاب، التي أطلقها الرئيس حسن شيخ  محمود في آب (أغسطس) 2022، قامت الجماعة بتأجير المزارع الحكومية وممتلكات الأجانب، كما كانت تحقق عائدات كبيرة إبان سيطرتها على موانئ في البلاد. وفي الفترة التي شهدت نشاط القرصنة البحرية حصلت الجماعة مداخيل كبيرة جراء حصص يدفعها القراصنة من الفديات التي يحصلون عليها كترضية للجماعة.

بالإضافة إلى ذلك، يحصل مكتب الزكاة التابع للجماعة الزكوات من أصحاب قطعان الماشية، نقداً وعيناً، كما تحصل الجماعة على ضريبة من المزارعين تقدر بحوالي 20% من عائدات بيع المحصول، وتحصل على ضرائب على كافة الأنشطة الاقتصادية، وحتى بناء المنازل الجديدة.

لإدارة تلك العائدات الكبيرة، وظفت الجماعة التي تمتعت بعلاقات قوية مع مجتمع الأعمال الصومالي، النظام المالي المصرفي في عملياتها المالية، سواء في تحصيل الإتاوات التي فرضتها على النشاط الاقتصادي، والقيام بعملياتها المالية الأخرى.

يقول المستشار القانوني الصومالي سالم سعيد سالم، بأنّ هناك إجماع على أن جماعة الشباب تحصل الجبايات بطريقة فائقة وأحسن بكثير من جباية الضرائب لدى الحكومة. ولديها مركز يدير ويستطيع جمع كل الزكوات والإتاوات والضرائب في كل النقاط والمدن التي يسيطرون عليها.

وأضاف لـ”أخبار الآن” بأنّه من الصعب حدوث عمليات اختلاس كبرى؛ لوجود آليات متبعة في عمليات تحديد الجبايات المتعددة وتحصيلها وإيداعها من المستويات المتعددة، وصولاً إلى مستوى إدارة مركزي، يعيد توجيه تلك الجبايات لتغطية أوجه الإنفاق داخل الجماعة.

تتنوع أوجه الإنفاق داخل الجماعة إلى؛ التسليح ويقدر بنحو 25% من العائدات وقت كانت 100 مليون دولار، وبند الرواتب والنفقات لجميع أعضاء الجماعة، وتمويل نشاطات الجماعة العسكرية، وتخصيص جزء للاستثمار في الاقتصاد المحلي والإقليمي، ونسبة ضئيلة تقدمها الجماعة من الزكوات لدعم الفقراء في مناطق سيطرتها.

ذكر المستشار القانوني سالم سعيد سالم، بأنّ هناك معلومات متداولة حول استثمار جماعة الشباب لجزء من أموالها في قطاع العقارات في الصومال ودول الجوار، عبر تجار صوماليين.

 

مكافحة تمويل الشباب

لم يتحقق لأي جماعة جهادية غير جماعة الشباب وداعش إبان سيطرته الواسعة في سوريا استحواذ على السلطة في مناطق سكانية واسعة، بشكل يمكنها من التطور التنظيمي، وإدارة أمور السكان وفقا لتصورهم عن مفهوم الشريعة لدى السلفية الجهادية. مكنت تلك السيطرة داعش وجماعة الشباب من الثراء وحشد آلاف المقاتلين، مع اختلاف تجربتهما.

ينبع ذلك الثراء من سيطرة داعش سابقاً والشباب على مساحات جغرافية واسعة، يعيش فيها ملايين السكان وتزخر بالنشاط الاقتصادي والموارد الطبيعية.

لكن الوجه الآخر للعملة، أنّ جماعة الشباب مكشوفة أمام الجهود الحكومية لمكافحتها عسكرياً ومالياً، كما بات داعش مكشوفاً في سوريا أمام عمليات التحالف الدولي.

في الحالة الصومالية، قطعت القوات الحكومية في الصومال شوطاً كبيراً في استعادة مناطق واسعة من سيطرة الجماعة، وبالتالي فقدت الجماعة جزء من المناطق التي كانت تجبي منها الإتاوات والزكوات، وأفقدها علاقاتها بالنظام المالي الرسمي ومجتمع الأعمال.

بموازاة الجهود العسكرية، أبدت الحكومة الفيدرالية تحت قيادة الرئيس حسن شيخ محمود حزماً شديداً في تفكيك شبكة العلاقات بين الشباب والنظام المصرفي ورجال الأعمال، عبر القيام بوظيفتها كدولة في فرض الأمن، بجانب سنّ قوانين وتشريعات لحرمان الشباب من تلك العلاقات، وزجر كل من كان مستفيداً من مجتمع الأعمال الصومالي.

لم يكن هذا النهج التكاملي متبعاً في تصدي الحكومات الصومالية لجماعة الشباب من قبل، لأسباب عديدة من بينها غياب الإرادة السياسية للقضاء على الإرهاب، والتي توفرت في الرئيس حسن شيخ محمود.

قانون العقوبات المالية المحددة

في 9 مارس / آذار من العام الجاري ٢٠٢٣، وقع الرئيس حسن شيخ محمود مشروع قانون العقوبات المالية المحددة. ومن المنتظر توقيعه على قانون مكافحة الإرهاب بعد تمريره من البرلمان بغرفتيه؛ مجلس الشعب ومجلس الشيوخ. وينظم القانون جهود مكافحة الإرهاب بشكل شامل، يتضمن الجهود المالية لمكافحة الإرهاب، وخصوصاً جماعة الشباب.

سبقت تلك المشاريع جهود حكومية لمنع جماعة الشباب من استخدام البنوك وشبكة التحويلات المالية في البلاد. جمدت الحكومة 250 حساباً بنكياً يتبعون للجماعة، وصرح نائب وزير الإعلام أنّها تحوي مبالغ مالية كبيرة.

لتحقيق ذلك اتبعت الحكومة خطة من مرحلتين؛ الأولى حذرت مجتمع الأعمال والتجار من دفع أموال لجماعة الشباب استجابةً للابتزاز. المرحلة الثانية كان تلقى الحكومة أكثر من عشرة آلاف بلاغ من أشخاص بخصوص تحويل أموال إلى جماعة الشباب، ما مكنها من حصر حسابات الجماعة، وتجميدها.

يرى المحلل السياسي الصومالي بشير مالم، بأنّ العقوبات التي فرضتها الحكومة الصومالية علي المصادر المالية وحسابات البنوك التابعة للجماعة، في خضم الحرب الشاملة التي تشنها على الأرض، حققت نتائج ملموسة في تقليص موارد الجماعة المالية.

هل تشهد جماعة الشباب الصومالية صراعات داخلية على أموال الجماعة؟

وذكر لـ”أخبار الآن” أنّ تحرير البلدات والمدن من يد الجماعة حرمها من جمع جبايات عديدة كانت تفرضها، وكذا إبعاد خطر الجماعة عن العاصمة حرر التجار من دفع الأموال للجماعة.

ويرى مالم أنّ الجماعة تضررت بشدة من الجهود الحكومية لتجفيف منابع تمويلها، ولهذا خرج الناطق باسمها يهدد البنوك، التي اتهمها بالاستيلاء على أموال المسلمين، في إشارة إلى الجماعة.

من جانبه، يقول الباحث في قضايا الأمن والإرهاب في منطقة القرن الإفريقي، عبدالرحمن سهل، بأنّ الجماعة ما تزال تحتفظ بقدرات تمويلية، وتتأقلم مع الجهود الحكومية ضدها نسبياً.

وأشار لـ”أخبار الآن” بأنّ الجماعة لا تزال تجمع الأموال عن طريق الترهيب لكن بوتيرة أقل، ولم تعد تستخدم النظام المالي لتحصيل الأموال، بل تقبضها يدوياً، لتجنب مصادرتها.

لم تكن الجماعة تملك حسابات بنكية باسمها واسم الشخصيات القيادية فيها، بل تفتح تلك الحسابات بأسماء أشخاص تابعين، ولهذا بصدور قانون مكافحة الإرهاب والعقوبات المالية المحددة ستتمكن الحكومة من مراقبة جميع العمليات على الحسابات البنكية، لاكتشاف الحسابات التي يُجرى عليها عمليات مرتبطة بالأموال التابعة لجماعة الشباب.

يوضح الباحث عبدالرحمن سهل، بأنّ الحكومة تراقب جميع الحسابات المثيرة للانتباه، وإذا كان حساب يُجرى فيه عمليات مالية بأرقام كبير، فوق 50 ألف دولار، وليس حساباً تجارياً، فمن المرجح أنّ تلك الأموال ضريبة يدفعها أحد التجار للجماعة. ونوه سهل بأنّ “جماعة الشباب تعتمد على المصادر المحلية في التمويل، وهي من تدعم تنظيم القاعدة الدولي، وخاصة فرعها في اليمن”.

هل تشهد جماعة الشباب الصومالية صراعات داخلية على أموال الجماعة؟

تحديات تجفيف منابع التمويل

بناءً على ما سبق، توجد علاقة طردية بين جهود الحكومة العسكرية وتجفيف منابع تمويل جماعة الشباب. كلما حققت القوات الحكومية وحلفائها إنجازات عسكرية في طرد مقاتلي جماعة الشباب من مناطق سيطرتهم، وفرض سلطة الدولة بمؤسساتها الأمنية والخدمية في المناطق المحررة، وتوفير الأمن للجماعة التجارية والمؤسسات المالية وأعضاء مجتمع الأعمال، كلما تمكنت من تجفيف منابع تمويل الجماعة.

لهذا لن يتحقق هدف تجفيف منابع تمويل الجماعة في وقت قصير. يتناول الباحث عبدالرحمن سهل، تلك العلاقة، ويقول بأنّ هناك عدة تحديات تواجه الحكومة في مسعاها، ومنها:

سيطرة الجماعة على المناطق الواقعة خارج المدن الكبيرة بنسبة ٨٠%، وفرض قوانينها على السكان المزارعين وأصحاب المواشي والتجار.

قدرة الجماعة على التحكم في الطرقات الإستراتيجية التي تربط مقديشو العاصمة بالمدن الكبيرة الواقعة جنوب وجنوب غرب الصومال، وبالتالي تجمع الضرائب من جماعة السيارات التجارية.

استمرار قدرة الجماعة على جمع الضرائب من التجار الصغار المنتشرين في جميع المدن والبلدات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الصومالية عن طريق الترهيب.

وأشار سهل إلى أنّ أي تاجر يرفض دفع الضرائب تستهدف الجماعة مصالحه التجارية بسيارات مفخخة أو هجمات مباشرة، وبالتالي ليس أمام التاجر سوى الرضوخ لمطالب الجماعة.

في السياق ذاته، من المرجح أنّ الجماعة كانت على علم بخطوات الحكومة الصومالية ضد حساباتها البنكية، ولهذا حدت من العمليات البنكية، وربما سحبت أموال من تلك الحسابات لتأمينها. فضلاً عن أنّ العلاقات التي بنتها الجماعة مع مجتمع الأعمال الصومالي منذ نشأتها، وما تملكه من نظام إداري مالي منضبط، سيجعلها قادرة على التكيف نسبياً مع الجهود الحكومية ضدها.

يشير المستشار القانوني، سالم سعيد سالم، إلى عدد من المخاوف لدى مجتمع الأعمال في الصومال من صدور قانوني؛ العقوبات المالية المحددة ومكافحة الإرهاب. ويلفت إلى أنّ البعض يتخوف من سوء استخدام تلك القوانين في إطار الخصومة السياسية. وأضاف بأنّ هناك شركات تتخوف من تبعاته على أعمالها، والبعض يعارضه لمصالح شخصية.

 

هل تشهد جماعة الشباب الصومالية صراعات داخلية على أموال الجماعة؟

الخلافات داخل الجماعة على الأموال

في تناول الأمور المالية لجماعة الشباب، يُطرح سؤال عن تعامل قيادات الجماعة مع تلك المداخيل المالية الكبيرة، التي تخطت 100 مليون دولار سنوياً. لم يتسرب شيء إلى الإعلام أو يرصده المراقبون بخصوص فرار قيادات من الجماعة بجزء من تلك الأموال.

بينما في حالة داعش في سوريا، وقعت أكثر من حادثة تتعلق بفرار قيادي بجزء من أموال التنظيم. من تلك الحوادث فرار أمير ديوان الزكاة في دير الزور بمبلغ 25 مليون ليرة من أموال التنظيم.

في الحالة الصومالية اختلف الأمر لعدة أسباب، منها: التنظيم الهرمي المنضبط الذي توفر للجماعة منذ نشأتها، وخاصة مع قائدها البارز غوداني. واستخدام الجماعة للنظام المالي في الصومال لحفظ أموالها، وهي آلية منهجية مُوصى بها في خطط مكافحة الفساد في المؤسسات الحكومية وغيرها، ما جعل الأموال السائلة بعيدة نسبياً عن يد قيادات الصف الثاني في الجماعة.

فضلاً أنّ في بيئة تنظيم داعش كان الخطر المحدق بالقيادات الغير السورية كبيراً، ولهذا استغلت قيادات الأموال التي بحوزتهم كوسيلة للهروب من التنظيم. بينما كانت وسيلة من خرجوا من القيادات الكبيرة في جماعة الشباب ليست المال، بل عقد صفقات مع الحكومة الفيدرالية، كانت لصالحهم كثيراً في وقت كانت الحكومة أضعف من جماعة الشباب.

يرتبط بالوضع السابق أنّ جماعة الشباب لم تكن في مأزق عسكري، وخطر وجودي يهددها، حتى مع وجود القوات الإفريقية والفيدرالية، ولم يتغير ذلك الوضع إلا مع انطلاق العمليات العسكرية الأخيرة، بعد تنصيب الرئيس حسن شيخ محمود.

يقول مصدر مقرب من الحكومة لـ”أخبار الآن” بأنّ هناك تقارير تفيد باستثمار جماعة الشباب أصول أموالها مع بعض رجال الأعمال، حتى لا تتم مصادرتها، ولتتمكن من تحريك السيولة. وقال المصدر الذي طلب أنّ يبقى مجهولاً “من الصعب التعرف علي ماهية هؤلاء التجار بالتحديد، لحرصهم الشديد على إخفاء هوياتهم وأخذهم الاحتياطات اللازمة”.

بسؤاله حول وجود صراع على الأموال بين قيادات جماعة الشباب، قال بأنّه لا يمكن استبعاد صراع علي النفوذ والامتيازات داخل الجماعة، وهو ما أدي إلي تصفية قيادات كبيرة مثل إبراهيم حاج ميعاد المعروف بأفغاني وغيرهم.

في الوقت الراهن تتفوق الحكومة الفيدرالية عسكرياً وتنظيمياً على الشباب. تكبدت الجماعة فاتورة خسائر بشرية ومالية كبيرة، وعادت إلى نظام التداول اليدوي للنقد. لهذا من المرجح أنّ يزداد الاضطراب والصراع داخل الجماعة، بما يؤثر على قدراتها الجبائية، ويمنح قيادات الصف الثاني والأفراد قدرة على الوصول لأموال الجماعة.

وفي ظل تزايد استسلام أفراد وقيادات وسطى من الشباب للقوات الحكومية، من المرجح أنّ تحدث وقائع لفرار قيادات من الجماعة بالأموال التي بحوزتهم، وغيرها من الاضطرابات التي ستؤثر على تنظيم الجماعة ككل.