الاتفاق السعودي الإيراني كان متوقعاً من حيث مضمونه ومفاجئا من حيث توقيته

  • الاتفاق لن يجعل من إيران والسعودية حلفاء لكنه سيجعل منهما جيران على اتفاق
  • بعد الاتفاق الذي تم برعاية صينية فلا شك أن واشنطن ستعيد حساباتها وتقرر التمسك بوجودها في الشرق الأوسط

يدل الترحيب الواسع الذي قوبل به الاتفاق السعودي الإيراني بعودة العلاقات وفتح سفارتي البلدين في العاصمتين الرياض وطهران على  أن هذه الخطوة كانت في الاتجاه الصحيح نحو تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة.

ومن الواضح أيضاً أنها خطوة تدل على تغير استراتيجي في السياسة السعودية ومدخل لتغيرات جذرية في المنطقة وستفتح صفحة جديدة في علاقات دولتين لكل منهما أهميتها وتأثيرها.

ربما كان هذا الاتفاق متوقعاً من حيث مضمونه لكنه كان مفاجئاً من حيث توقيته. فالمحادثات الإيرانية السعودية السابقة التي جرت بين البلدين في كل من مسقط وبغداد قبل التوقيع في بكين ساهمت بصورة عميقة في التحضير للاتفاق النهائي.

ولا شك أن التغيرات الجيوسياسية الجارية في العالم أثرت على مسار المفاوضات السعودية الإيرانية لتطبيع علاقاتهما وكان هذا الاتفاق ثمرتها.

فقد وجد البلدان أن مصلحة كل منهما تكمن في التفاهم وليس في الخلاف، ولا شك أن المملكة العربية السعودية كان لها كثير من المطالب والتحفظات ولم تكن لتقبل بالاتفاق لو لم تحصل على تطمينات وتأكيدات تضمن مصالحها الأمنية وسلامة أراضيها.

بعد الاتفاق السعودي الإيراني مرحلة جديدة في الشرق الأوسط

شكل الاتفاق السعودي الإيراني على إعادة العلاقات بين البلدين نقطة تحول تاريخية في المنطقة فهل ستؤثر على الوجود الأمريكي فيها؟  قبل أعوام قليلة كثر الحديث عن انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط فتحركت الصين لملء الفراغ الذي سينتج عن هذا الانسحاب أما الآن بعد الاتفاق الذي تم برعاية صينية فلا شك أن واشنطن ستعيد حساباتها وتقرر التمسك بوجودها في الشرق الأوسط.

ويدل الاتفاق السعودي الإيراني على مدى قدرة الصين في التأثير على أصدقائها في المنطقة، وقد كشف الجهد الصيني المبذول في التوصل إلى هذا الاتفاق مدى تنامي دور الصين في السياسة الدولية والنفوذ العالمي.

مع ذلك من غير المتوقع أن السعودية ستتخلى عن علاقاتها المميزة مع الولايات المتحدة فهذه علاقات استراتيجية وتاريخية وهناك الكثير من المصالح المشتركة التي لا يمكن للرياض أن تتخلى عنها لمجرد أنها تقيم علاقات مميزة مع الصين. فالصين أصبحت بصورة أو بأخرى القطب الثاني في العالم ولا يمكن لأي  قيادة إقليمية عاقلة أن تتجاهل ذلك.

من المؤكد أن الاتفاق السعودي الإيراني لن يجعل من إيران والسعودية حلفاء لكنه سيجعل منهما جيران على اتفاق وفي حالة ود وخصوصا أن الاتفاق تضمن الالتزام بتفعيل اتفاقية تعاون أمني سبق أن وقعت بينهما.

ولا شك أن الاتفاق السعودي الإيراني سيمهد لعقد مفاوضات قادمة بين البلدين للتفاهم على حل النزاعات الفرعية فالمملكة العربية السعودية تريد من إيران أن توقف تدخلاتها في دول الجوار وتوقف دور الميليشيات التابعة لها التي استهدفت في الماضي المصالح السعودية.

ومثلما قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية فالاتفاق كان خطوة هامة باتجاه الاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط. وبهذا الاتفاق أكدت السعودية استقلالية قرارها السياسي ورأت إيران أن الاتفاق يساهم في فك عزلتها أما الصين فرأت في جهود وساطتها فرصة لتأسيس مكانة جديدة لها في الشرق الأوسط لا يمكن تجاهلها.

لا شك أنه ستكون هناك نتائج استراتيجية مهمة لعودة العلاقات الإيرانية السعودية ولا بد أن تحالفت كثيرة وعلاقات مختلفة ستصبح عرضة للتغيير في المنطقة التي تنتظر النتائج الإيجابية للاتفاق.

فالمتوقع أن يكون الاتفاق السعودي الإيراني له ثمرات إيجابية تتمثل في انتهاء الحرب في اليمن وحل أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان وتسهيل المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني وإجراء مصالحات إيرانية مع دول عربية أخرى بالإضافة إلى ارتفاع أسهم الصين في الأوساط العربية وأخيرا  تقييم جديد لسياسة واشنطن في المنطقة.

بعد الاتفاق السعودي الإيراني مرحلة جديدة في الشرق الأوسط

بعد عاصفة الحزم تمكنت المملكة العربية السعودية من تحجيم دور إيران في اليمن وبعد هذا الاتفاق لا بد أن البلدين سيتجهان للتفاوض على حل وسط لأزمة اليمن يحافظ عليه ويحفظ مصالح البلدين. وبالنسبة لأزمة انتخاب الرئيس في لبنان لا شك أن الرياض وطهران ستجدان صيغة توافقية تسمح بانتخاب رئيس جديد حتى لو كان من غير المعروف حتى الآن من سيكون  هذا الرئيس لكن البلدين على الأغلب سيضعان الخطوط العريضة ويتركان لمجلس النواب اللبناني المجال لاختيار المرشح الأفضل.

يشكل هذا الاتفاق السعودي الإيراني التاريخي بين المملكة العربية السعودية وإيران أحد نتائج رؤية ولي العهد السعودي الذي يعمل على نقل المملكة  إلى عصر جديد وتحويلها إلى مركز عالمي متقدم. وهذه الرؤية تعتبر أن تهدئة التوترات في الإقليم خطوة أساسية نحو نجاح مشروعه في جعل المملكة قوة عالمية ومؤثرة. فالصين تعد الآن حليفا استراتيجيا مهما لكل من إيران والسعودية وهذا يساعدها على تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط في مواجهة النفوذ الأمريكي. ومن هنا كان الدور الصيني في تحقيق التفاهم السعودي الإيراني دورا مهما وناجحا يخدم مصالح الصين كما يخدم مصالح السعودية وإيران.

معروف أن العلاقات الإيرانية الصينية متميزة جدا وخصوصا عبر اتفاقيات استراتيجية بين البلدين. وكذلك هي العلاقات السعودية الصينية. وقد جاء  الرئيس الصيني إلى الرياض في العام الماضي وعقد أكثر من قمة كما عقد تفاهمات عميقة مع المملكة العربية السعودية كانت بمثابة تحول تاريخي مهم في علاقات الرياض وبكين.

أما الذي اندهش وتلقى الصدمة غير المتوقعة بإعلان هذا الاتفاق فكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وكذلك الولايات المتحدة.

فقد لعبت إسرائيل على حبل المخاوف السعودية السابقة من تصرفات إيران في المنطقة. وكانت تنظر إلى تلك المخاوف على أنها عوامل ستساعدها في إقامة علاقات مع الرياض.

لكن الاتفاق السعودي الإيراني حطم ما كان يحلم به بنيامين نتانياهو وأعاد طموحاته في علاقات دبلوماسية مع السعودية إلى نقطة الصفر وقوض جهود إسرائيل في تشكيل تحالف شرق أوسطي ضد إيران.

بعد الاتفاق السعودي الإيراني مرحلة جديدة في الشرق الأوسط

شعر بنيامين نتانياهو بالصدمة وانه أخذ على حين غرة وهو الذي اعتبر نفسه مهندس علاقات جديدة في المنطقة سينتج عنها تحالف قوي يقف في وجه إيران. فقد راهن على استمرار الخلافات بين الرياض وطهران لكي يعزل إيران وينفرد في علاقات طبيعية مع دول مجلس التعاون الخليجي.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد شكل الاتفاق السعودي الإيراني الذي اعتبر نصراً سياسياً للصين تحدياً جيوسياسياً كبيراً.

وقد رأى بعض المعلقين الأمريكيين أن استجابة الرياض للمبادرة الصينية في  التصالح مع إيران كانت نوعا من فقدان الثقة بالولايات المتحدة.

وعودة العلاقات السعودية الإيرانية لا تعني أن الخطر الإيراني قد زال تماما، فالعبرة الآن في الممارسة ودول الجوار تنتظر أن ترى ممارسات فعلية تنم عن حسن النوايا الإيرانية.

قد لا يتم بين ليلة وضحاها حل جميع المشكلات العميقة القائمة بين البلدين لكن الاتفاق السعودي الإيراني سيفتح الطريق لحل كثير من الصراعات.

فاستعادة الثقة بين العرب وإيران لن تكون سهلة، وقد كان هناك تجارب سابقة في  هذا السياق.

ومن المهم للغاية أن تقوم إيران بضبط أدواتها وميلشياتها المسلحة المنتشرة في المنطقة لكي تلتزم هي الأخرى بمبدأ حسن الجوار وتوقف نشاطاتها المعادية للمصالح العربية.

كما أن على إيران التزام الجدية في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه وتقدم أمثلة صادقة على ذلك.