النظام في إيران يورط البلاد باضطرابات أمنية خطيرة.. ما القصة؟

  • عندما كان روحاني في الرئاسة اتهمه خصومه بالضعف وحملوه أسباب ما وصلت إليه البلاد
  • تلقت صناعة الصواريخ الإيرانية فائقة السرعة في أصفهان ضربة قوية بواسطة طائرات مسيرة

إذا نظرنا اليوم إلى الصورة الإجمالية لدول محور إيران أو ما يشار إليه أحيانا بالهلال الشيعي فإن الصورة ليست على ما يرام. ففي إيران أزمة خانقة نتيجة استمرار الانتفاضة الشعبية ضد دكتاتورية المرشد. فالمنشآت العسكرية تتعرض لضربة مجهولة المصدر يعتقد أنها إسرائيلية، ونزاع شديد مع أذربيجان وخلاف عميق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتدهور اقتصادي حاد وفقر شديد.

وفي العراق حالة صعبة من انعدام الأمن ونقص حاد في الدولار واتهامات بتهريبه إلى إيران، في سوريا حالة شديدة من الفقر والمجاعة والاضطراب الأمني، وفي لبنان فراغ سياسي وحالة فقر ونقص في الغذاء والدواء واقتراب شديد من الإفلاس حيث فقدت الليرة اللبنانية حوالي تسعين في المئة من قيمتها ووصل سعر الدولار إلى ستين ألف ليرة والرقم مرشح للارتفاع.

الأزمات تعصف بمحور إيران وشبح الانهيار يقترب

اضطرابات أمنية وظروف معيشية قاسية

أما الصورة الخارجية ففيها تحذير روسي إلى إسرائيل بسبب قيامها بضرب أصفهان وزيارة من وزير الخارجية الأمريكي لإقناع إسرائيل بضبط النفس سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو تجاه إيران وعدم التسرع في القيام بأي أعمال عسكرية ضد إيران بدون التشاور مع واشنطن أو أخذ موافقتها.

إيران التي تتزعم هذا المحور تعيش أوضاعًا غير مريحة أبدا واضطرابات أمنية خطيرة وظروفا معيشية قاسية. فالانتفاضة الشعبية ضد دكتاتورية المرشد في تصاعد وتوسع في مختلف مناطق البلاد. وعلاقات إيران الدولية في وضع لا تحسد عليه ما بين عقوبات دولية من جهة وضغوط سياسية واقتصادية من جهة أخرى.

ومع استمرار الانتفاضة الشعبية وبرغم تواصل الاعتقالات والإعدامات هناك حملة عالمية للتضامن مع الشعب الإيراني وانتفاضته وقد دعا ناشطون من ثمانين دولة إلى دعم الانتفاضة وإدانة القمع الذي تمارسه السلطات الإيرانية. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يواصل الناشطون نشر الفيديوهات التي تصور الانتفاضة وقيام المحتجين بحرق صور ورموز النظام.

الأزمات تعصف بمحور إيران وشبح الانهيار يقترب

وما يثير الانتباه في الآونة الأخيرة تصاعد الانتقادات من شخصيات كانت في الحكم وربما كانت من أسباب وصول الأوضاع في إيران إلى ما وصلت إليه. فالرئيس السابق حسن روحاني يعترف صراحة بأن الشعب الإيراني لا يدعم القيادة ويقول إذا كنا نملك أقوى الأسلحة لكن لا نحظى بدعم الشعب فإن الهزيمة ستكون مصيرنا. ومن الواضح أن الرئيس السابق غير راض عما يجري ويرى أن الاحتجاجات الحالية سببها الشرخ العميق بين الشعب والنظام. ويعتقد روحاني إن على النظام أن يستعيد ثقة الشعب من خلال انتخابات تنافسية وحضور شعبي واسع.

اتهام روحاني بالضعف

وعندما كان روحاني في الرئاسة اتهمه خصومه بالضعف وحملوه أسباب ما وصلت إليه البلاد. ولكن منذ أكثر من سنة وصل أولئك الخصوم إلى الرئاسة فلم ينتج عن وصولهم أي حلول لمشكلات البلاد بل على العكس زادت.
كما تداول الناشطون تسريبًا صوتيًا لأحد مساعدي الرئيس السابق يتحدث بمرارة عن أوضاع إيران الراهنة وينتقد المرشد وهذه حالة نادرة في إيران ويقول إنه يجب تقييد صلاحياته ووضع حد لتدخلاته في شؤون الدولة. ولا يستبعد هذا المساعد أن الحل لأوضاع إيران لن يكون إلا بتدخل عسكري خارجي أو مشاركة واسعة جدا في الانتفاضة الشعبية أو ترك الأمور على ما هي عليه لكي يسقط النظام من داخله بسبب استشراء الفساد.
يضاف إلى ذلك الضربات العسكرية التي تتلقاها إيران في سوريا وفي داخل حدودها.

الأزمات تعصف بمحور إيران وشبح الانهيار يقترب

ففي أواخر الشهر الماضي تلقت صناعة الصواريخ الإيرانية فائقة السرعة في أصفهان بوسط إيران ضربة قوية بواسطة طائرات مسيرة قالت مصادر عديدة أنها ضربة إسرائيلية استباقية تأتي ضمن توسيع مدى الأهداف الإسرائيلية الاستراتيجية لتحطيم قدرات إيران على التسلح وتسليح الميليشيات التي تعمل لصالحها في أكثر من بلد. لكن يمكن اعتبار هذه الضربة محاولة إضافية لاختبار قدرة إسرائيل على الوصول إلى أهداف في العمق الإيراني ومن جهة ثانية اختبار رد الفعل الإيراني.

الرد الإيراني

تخبط الرد الإيراني في البداية واقتصر على البيانات التي تتهم إسرائيل وتؤكد على حق إيران بالرد في الوقت المناسب. وكان مستغربًا أن كثيرا من المعلقين في الإعلام العربي المؤيد لإيران قالوا إن الولايات المتحدة طلبت من إيران عدم الرد وأن الضربة الإسرائيلية كانت عبارة عن رد فعل ولا تستوجب أي رد إيراني. وهذا يدخل في إطار ما بات يعرف بالصراع الصامت بين إيران وإسرائيل. لكن هذه الصراع عبارة عن تهديدات إيرانية بدون فعل وأفعال إسرائيلية بدون تصريح إذ تمتنع إسرائيل عن التصريح بأي عملية تقوم بها ضد إيران أو مصالح إيران في سوريا. لكن إلى متى يمكن أن يظل هذا الصراع ضمن حدود لا تنزلق به إلى مواجهة شاملة تغرق الشرق الأوسط كله؟

تبدو إسرائيل قلقة للغاية من مدى تطور أسلحة إيران سواء التقليدية أو البالستية. كذلك هي قلقة من تدخلات إيران في شؤون دول الجوار حيث أنشأت ميليشيات تخوض عنها حروبها بالوكالة. لكن أكثر ما تخشاه إسرائيل هو وصول إيران إلى مرحلة تتمكن فيها من إنتاج سلاح نووي. فقد استغلت إيران انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وسرّعت تخصيب اليورانيوم وأنجزت الكثير في هذا السياق وأصبح لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع وإنتاج رؤوس نووية. وهذا ما يصفه الخبراء بأنه تجاوز للخطوط الحمر بالنسبة لإسرائيل فيما يخص المشروع النووي الإيراني.

قصف منشآت عسكرية بأصفهان

ما كان لافتا بعد قصف المنشأة العسكرية في أصفهان هو التحذير الروسي الموجه إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا التحذير الذي أدان أي عمل استفزازي قد يؤدي إلى نشوء تصعيد لا يمكن السيطرة عليه في منطقة أبعد ما تكون عن الهدوء وسيكون لها تداعيات على الاستقرار في الشرق الأوسط.

الأزمات تعصف بمحور إيران وشبح الانهيار يقترب

التهديد الروسي

لكن لماذا هذا التهديد الروسي؟ هل تدافع روسيا بالفعل عن إيران؟ أم هو مجرد موقف إعلامي لرد الجميل لإيران مقابل المسيرات التي تشتريها روسيا لدعم قواتها في الحرب الأوكرانية؟ في الظاهر يبدو التحالف الإيراني الروسي في تصاعد وإلى مزيد من التماسك. لكن هذا التحالف لم ينفع شيئا أمام طلبات إيران بدعم روسي يمنع الطيران الإسرائيلي من قصف الأهداف الإيرانية في سوريا.

ومن الواضح أن النظام الإيراني مضطرب وغير قادر على معالجة ما يعاني منه معالجة جذرية. واستمرار تردي الأوضاع سيجر الاقتصاد نحو الشلل. ويدرك المعلقون الإيرانيون أن عناد إيران وتعنتها أدى إلى زيادة عزلتها وتحميلها المزيد من الأضرار والخسائر ولا حل إلا بالعودة إلى الاتفاق.