إلهام فضالي.. كيف ردت على اتهامها بالغباء عبر بحث علمي مُهم؟

  • البحث الذي نشرته إلهام فضالي وفريقها البحثي يعتبر إنجازًا كان ينتظره العالم منذ 5 عقود
  • نقطة التحول الكبيرة في حياة إلهام فضالي كانت عند نشر بحثها ونتائجه في مجلة نيتشر
  • أصبحت إلهام ملهمةً جداً لكثير من الباحثين وعموم البشر كما كان النجم المصري محمد صلاح ملهماً

في المقال الأول عن العالمة المصرية إلهام فضالي، تناولت طفولتها ومسيرتها كطالبة مثالية متفوقة وبطلة رياضية حققت أرقاماً قياسية كانت تتمنى بعدها الانضمام للنادي الأهلي، كما تحدثت عن قصة انضمامها للجامعة الأمريكية والأعمال التطوعية التي شاركت فيها وتخرجها ورحلة الماجستير ثم الدكتوراه في جامعة دلفت الهولندية، والتي انتهت باستقالة مفاجئة بعد عام ونصف العام بسبب مشاكل في ديناميكية المشروع البحثي انتهت إلى تفكيرها في الرجوع إلى مصر وعدم استكمال الدكتوراه. اليوم نستكمل الرحلة وتفاصيلها. 

راكبة صاروخ علشان تسقطي

قبل قرار الاستقالة بفترة، كانت باحثة الدكتوراه إلهام  فضالي قد بدأت كتابة أول بحث في حياتها. كتبته وحدها من الألف إلى الياء في أول تجربة تخصها في الدكتوراه. بنت مصر كانت تنتظر من مشرفها على الرسالة كلاماً شبيهاً بالذي سمعته من أستاذة مادة كتابة الأوراق البحثية في عامها الثالث في البكالوريوس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. وقتها علقت أستاذة المادة على نمط كتابتها قائلة لها: “إنتي راكبة صاروخ عشان تسقطي في المادة، وبتكتبي وتنظمي أفكارك بشكل رديء”.

قالت الأستاذة الجامعية جملتها بهذا الصلف والقسوة. قالتها بدون تمهيد ولا تخفيف من حدة الكلام كما تقول إلهام.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

إلهام مع أحد زملائها خلال دراستها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

أما في هولندا، فجاء تعليق مشرفها على أول مسودّة تكتبها لبحث كالآتي: “أنا استمتعت بقرايته.. متأكدة إن دي أول مسودة لأول بحث تكتبيه؟ وإنتي اللي كتبتيه كله بدون مساعدة؟”. تقول إلهام بعدما قرأت تعليق أستاذها: “كلامه من طيبه نزل على القلب رتب كراكيب ودوشة الأفكار والإخفاقات والمشادات زي العصا السحرية اللي مسكها بروفيسور سلجهورن ورتب بها كراكيب الشقة اللي كان مستخبي فيها في هاري بوتر.” فعلاً شتان بين أستاذ وأستاذ.

التفكير في الانسحاب مرة أخرى

يشاء القدر أن نفس المشرف على رسالتها في جامعة دلفت يحصل على تمويل لنفس الموضوع البحثي الذي رفضته قبل عام ونصف بجامعة آيندهوفن ويجدد الأستاذ عرضه لـ “إلهام” مرة أخرى لتبدأ معه من جديد في مجال آخر وجامعة أخرى. ورغم حالة الإحباط التي كانت تتملكها في تلك الفترة إلا أن إلهام قبلت في النهاية عرض مشرفها، وانتقلت إلى “آيندهوفن” الجامعة الأقل في التصنيف، لتعمل على فرضية شبه مستحيلة.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

استمرت لمدة عامين بعد بداية مشروع الدكتوراه الجديدة لكنها وصلت إلى حارة سد، فالأمور لا تسير بشكل سليم، خاصة وأن المشروع الذي تعمل عليه قد بدأ قبل انضمامها إليه بخمس سنوات. بدأ الإحباط يتسلل إلى إلهام مرة أخرى. وكان أكثر شيء يسبب لها الضيق هو شعورها بأن ما تفعله غالباً كان الفرصة الأخيرة لهذا المشروع البحثي حتى يُكتب له الاستمرار بعدها هي وزميلها طالب الدكتوراه المتخصص في القياسات الضوئية.
كانت تشعر دائماً أن ما تقوم به هو خير مثال على “علم لا ينتفع به”. وأن رسالة الدكتوراه والتجارب التي تجريها سترمى في الأدراج ويُردم عليها بالتراب. 

لا تكوني ساذجة

وبينما هي منغمسة في هذه الحالة المؤذية من الإحباط واليأس مع فشل كل تجربة جديدة، أعطتها إحدى التجارب المعملية بصيصاً من الأمل، كررت تجاربها مرة أخرى حتى حدثت المعجزة والماكينة طلعت قماش. تبدل الحال وحققت التجارب البحثية نجاحاً كبيراً وأعدت نتائجها ضمن بحث قدمته إلى Nature مجلة نيتشر، وهي أرفع مجلة للنشر في مختلف العلوم وليس في الفيزياء فقط. ونسبة قبول الأبحاث فيها لا تتجاوز ٧٪؜ من كل الأبحاث التي تصلها.

قبل أن ترسل إلهام فضالي البحث للنشر بالمجلة، لم يكن يشغلها أن يكون ترتيب اسمها الأول أو الأخير، لدرجة أن زميلاً لها في الفريق البحثي طلب منها أن يضع اسمه قبل اسمها، فوافقت بلا تردد وبدلته بالفعل. إلا أن المشرفين الثلاثة على رسالتها هم من اعترضوا على ما فعلته وأصروا أن يضعوا اسمها في المقدمة، وبدلوا الأسماء مرة أخرى بالفعل. تقول إلهام: “يومها اتهزأت واتقالي  dont be naïve.  أي (لا تكوني ساذجة)!”

ماذا يحقق إنجازها البحثي للبشرية؟

البحث الذي نشرته إلهام فضالي وفريقها البحثي يعتبر إنجازا كان ينتظره العالم منذ خمسة عقود، ولهذا فاز بجائزة إنجاز العام التي تمنحها مجلة فيزياء العالم، لما يمكن أن يحدثه من ثورة في تكنولوجية في مجال الإلكترونيات خاصة التطبيقات الإلكترونية التي تعتمد على مادة السيليكون.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

الصحف العالمية تحتفي بانجاز إلهام فضالي.

يمكن استخدام نتائج البحث في المستقبل لنقل البيانات عن طريق الضوء ما بين الشرائح الإلكترونية في الحواسيب الآلية، وما بين الأجهزة وبعضها في مراكز البيانات والتي تتطلب سرعة فائقة في نقل البيانات، ولا توجد سرعة فائقة في الكون أسرع من الضوء.

كما يمكن استخدام التقنية الجديدة في تطبيقات مثل السيارات ذاتية القيادة، والتي تعتمد على الإشارات الضوئية في مجال الأشعة تحت الحمراء غير الضارة بعين الإنسان، التي تستخدم في مسح الأشياء والأشخاص حول السيارات لمسافات طويلة أثناء القيادة. ويمكن استخدام هذه التقنية في تطبيقات المستشعرات أو المجسات البيولوجية للكشف عن المركبات التي لها بصمة في مجال الأشعة تحت الحمراء.

935 تجرة فاشلة!

كانت إلهام سعيدة جداً من جملة مشرفها بعد نشر بحثها في نيتشر، عندما قال لها: “أنا فرحان ليكي أكتر من فرحتي إن البحث اتقبل.” لك أن تتخيل أن هذا النجاح الذي حققته إلهام وفريقها جاء بعد ثلاث سنوات بالتمام والكمال، واصلت فيها الليل بالنهار. كانت تستيقظ قبل الفجر وتذهب من منزلها إلى الجامعة بالدراجة الهوائية (العجلة) في عز البرد لتبدأ التجارب في المعمل قبل الخامسة فجراً، هذا بخلاف السفر من الشرق إلى الغرب لعمل القياسات.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

عجلة إلهام في عز البرد قبل بداية الرحلة إلى معملها.

وأجرت إلهام وحدها بخلاف زملائها في الفريق، حوالي ٩٣٥ تجربة غير ناجحة قبل أن تصل إلى أول تجربة تعطيها بصيص أمل. تتراوح مدة كل تجربة من ساعتين إلى ٧ ساعات (دون حساب وقت التحضير للتجربة). استمرت تفعل ذلك طوال عامين ونصف بالإضافة إلى عمل قياسات وتجارب على المواد التي يتم تخليقها في المعمل لتوصيف خصائص المواد بواسطة ٥ فرق بحثية في هولندا والنمسا وألمانيا وإنجلترا وسويسرا.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

إلهام خلال وجودها في المعمل بالجامعة.

إنتي غبية وظلمك اللي دخلك هندسة

عندما اختارت إلهام دراسة هندسة الإلكترونيات في الجامعة الأمريكية، حاولت في السنة الأولى بالجامعة أن تتعود على نظام الدراسة الجديد وتعوض مستوى اللغة الإنجليزية لتخرجها من مدرسة حكومية. وكانت تدرس من بين المواد التي تدرسها، مادة التفكير العلمي. وذات يوم ذهبت إلى أستاذة المادة وأخبرتها أنها تشعر بالتوهان، ولا تفهم المطلوب في المحاضرات أو الواجبات والمشاريع. كان رد الأستاذة الجامعية عليها صادماً، ردت رداً أخرسها تماماً. قالت لـ “إلهام”: “إنتي غبية وما تستاهليش، وظلمك اللي دخلك هندسة”.

الغبية ترد

كان تأثير تلك الجملة والإهانة نفسياً على “إلهام” كبيراً جداً. تذكرت إلهام فضالي ما قالته لها أستاذتها الجامعية في عامها الدراسي الأول في موقفين فيما بعد؛ الأول بعد نشر بحثها في مجلة نيتشر العالمية والثاني بعد احتفاء الجامعة الأمريكية بالقاهرة بها بسبب النجاح العظيم الذي حققته.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

شهادة تخرج إلهام فضالي من الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

تقول إلهام فضالي: “أعتقد إني ممنونة قوي عشان أخيراً لقيت رد على دكتورة مادة التفكير العلمي في أولى جامعة اللي قالتلي إنتي غبية وما تستاهليش وظلمك اللي دخلك هندسة. فضلت شايلاها معايا وبأسأل نفسي كل شوية في السنين اللي بعدها، هل كان عندها حق ولا لأ؟ أخدت “حبة” حلوين من ثقتي في نفسي وأنا صغيرة. أعتقد إني صدقتها سنين الجامعة كلها وفضلت أسأل نفسي يا ترى فعلا ظلمت نفسي إني دخلت نفسي في حاجة مش قدها؟! الكلمة زي السيف، ممكن يبقي مسنون ويجرح في وقت الكلمة مش في محلها.” 
ورغم الجرح الذي تسببت فيه أستاذة المادة، إلا أن إلهام رغم ذلك تلتمس لها العذر وتقول: “متأكدة إنها قالتها بغرض التوبيخ وإني أكون أحسن.”

بلاها مرتبة الشرف.. بلاها الدكتوراه

نقطة التحول الكبيرة في حياة إلهام فضالي كانت عند نشر بحثها ونتائجه في مجلة نيتشر، بعدها فُتحت طاقة القدر لها، لكنها حتى ذلك الموعد لم تكن قد انتهت بعد من رسالة الدكتوراه التي كانت قد خططت للحصول عليها بمرتبة الشرف وهو أمر ليس بهين في هولندا.

قبل 3 أشهر من موعد تسليم الرسالة، انهارت إلهام بسبب ضغط قرب موعد التسليم، ولم تعد قادرة على التركيز والكتابة بوتيرة أسرع مع اتقان يرضيها. تزامن ذلك مع ظهور آلام في ظهرها زاد بسبب العمل لمدة ١٦ ساعة متواصلة. إضافة إلى عزلة وسط أربعة جدران ومنع من السفر وحظر تجوال ليلي وإغلاقٍ تام لمرتين، كل هذا وسط هلع الموجة الأولى والثانية من وباء كوفيد 19.

الاعتذار عن فرصة كانت حلماً

خلال آخر أسبوعين، وهما الأسبوعان الأكثر ضغطاً ورعباً، كانت إلهام تستعد لتسليم الرسالة. في نفس التوقيت، كانت قد جدولت “مقابلة” هامة جداً للحصول على فرصة عمل كبيرة في شركة عالمية كان العمل بها حلماً لها يوماً ما. وبسبب الضغط، فكرت إلهام أن تعتذر عن المقابلة لأنها كما تقول: “مش قادرة أركز ولا أذاكر ولا أكتب أي حاجة في الرسالة ومش عايزة شكلي يبقى وحش”.

قائمة معلقة على جدران الغرفة

هنا جاءت صديقة مصرية كانت علاقتها بها سطحية وليست صديقة مقربة لتنتشلها من جديد من حالة الإحباط المسيطرة عليها، فإذ بها تذكرها بصورة قاعة المناقشة المعلقة على جدران غرفتها منذ أول يوم بدأت فيه رحلة الدكتوراه، وتذكرها أيضا بقائمة أحلامها للدكتوراة المعلقة على الجدران أيضا، القائمة التي حققتها كلها بالفعل ولم يتبقى منها سوى القليل وهو تسليم الرسالة والمناقشة وحضور المقابلة مع الشركة العالمية.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

قائمة أهداف إلهام فضالي في فترة الدكتوراه.

كانت تلك القائمة المعلقة على الجدران تضم أهدافاً واضحة ومحددة، وهي؛ النشر في نيتشر، ونشر بحث عن كل فصل عملي في الرسالة في مجلات علمية محترمة، وأن تخرج من رسالتها ببراءة اختراع، وأن تحضر كمتحدثة في مؤتمرات مهمة في مجالها وأن تحصل على الدكتوراه بمرتبة الشرف، وأن تعمل في وادي السيلكون بأمريكا بعد الانتهاء من الدكتوراه.

غياهب الجب

ظلت هذه الصديقة المصرية مع إلهام حتى ليلة مناقشة الرسالة، بل شاركتها في عمل نموذج محاكاة كي تستحضر سرعة البديهة وترد على الأسئلة غير المتوقعة من اللجنة الممتحنة لها، خاصة وأن وقت المناقشة محدد بمدة زمنية وليس مفتوحاً كما هو في مصر ودول أخرى. أعدت إلهام إجابات لكل سؤال من الممكن أن يُسأل. كانت تجلس صديقتها أمامها وتوجه لها الأسئلة كإنها من لجنة المناقشة، وبعدما انتهوا من المحاكاة تذكرت إلهام أن ملابسها التي ستحضر بها المناقشة تحتاج إلى مكواة، فتولت صديقتها المصرية أيضاً “كي” الملابس.
تقول إلهام فضالي: “يتملكني شعور بالامتنان والشكر مش قادرة أستوعبه لحد النهاردة.. ممنونة للغريبة القريبة التي انتشلتني من غياهب جب ضغط الأكاديميا وعزلة الوباء واليأس وهلاوس قرب النهايات.. الغريبة القريبة أعطتني درس عمري في العطاء والدعم. فالحمد لله على خفي لطفه.”

مرتبة الشرف

انتهت إلهام فضالي من الدكتوراه عام 2020 بعد 7 سنوات فقط من تخرجها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة وهي في التاسعة والعشرين من عمرها وبزيادة عام واحد عن سن الثامنة والعشرين الذي كانت قد حددته سلفاً للحصول عليها. كانت ستحققه فعلاً لولا ما حدث في دلفت. ناقشت رسالتها في أبريل 2021، وحصلت على مرتبة الشرف، وهي الدرجة التي يحصل عليها أعلى 5 % من الطلاب، بشرط أن يكونوا قد انتهوا من الرسالة في 4 سنوات بالتمام والكمال، لا تنقص يوماً ولا تزيد يوماً، وأن يكون هناك عمل استثنائي في الرسالة.

يتلو ذلك تواصل المشرف على الرسالة مع 10 من الأساتذة المتخصصين سواء في هولندا أو خارجها، لبحث مدى موافقتهم على منحها مرتبة الشرف من عدمه، ثم تكون هناك لجنة مناقشة من ثمانية ممتحنين، وبعد المناقشة يدخلون غرفة مداولة سرية ويكون هناك تصويت فيما بينهم باقتراع سري مباشر، ولابد أن يوافق على الأقل 7 من الثمانية على منحها مرتبة الشرف، وتجهز الجامعة نسختين من الشهادة، إحداهما بمرتبة الشرف والأخرى بدونها، وعندما ينتهي التصويت يمزقون الأخرى، وبالفعل حصلت إلهام على مرتبة الشرف ومنحها أحد الأساتذة النسخة الممزقة أيضاً من الشهادة لتحتفظ بها كذكرى.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

الحصول على شهادة الدكتوراه.

هدية الدكتوراه

بعد لحظة الحصاد، وحصولها على مرتبة الشرف. تحكي إلهام فضالي عن مشرفيها الذين تعتبرهم أهم ما خرجت به من رحلة الدكتوراه. تعتبرهم أهم من الدرجة العلمية نفسها، فتقول: “كلامهم لي وعني يوم المناقشة أعتقد إنها واحدة من اللحظات اللي مسكت فيها دموعي بالعافية من فرط جمال كلامهم! نظرة مشرفي الأساسي ليا وكلامه، ومشرفي الثاني ووشه اللي احمّر وعينه اللي كانت مغرغرة فرحة بي وصوته اللي تحشرج وهو بيهنيني في الآخر، وكلام مشرفي الثالث. وهديتهم هم الثلاثة لي، كانت عبارة عن قلم مكتوب عليه  For the best grower، كلمة grower تشير إلى الشخص الذي يقوم بتصنيع المواد النانومترية داخل المعمل، واحتفالهم بي بعد ما خلصت لحظات ما تتعوضش!  أعتقد إني لسه بأحاول أستوعب اللي حصل ومش قادرة”.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

القلم هدية الدكتوراه من مشرفيها إلى أفضل شخص يقوم بتصنيع المواد النانومترية داخل المعمل.

كان المشرفون الثلاثة يقرأون رسالتها المكونة من (٢٩٠ صفحة) سطراً سطراً في أوقات غريبة بالليل وفي عطلة نهاية الأسبوع حتى تستطيع تسليمها، وذلك رغم انشغالهم بالإشراف على أكثر من عشرين طالب دكتوراه وماجستير  آخرين، بخلاف عملهم في الجامعة أو الشركات.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

جائزة أفضل رسالة دكتوراه في هولندا لعام 2022.

صورة حاولت رسمها لأبيها

“أعتقد أني لو كنت هأعمل إسقاط على حد في الصورة اللي بأحاول أرسمها لأبويا لو كنت قابلته، كنت هأسقطها على دكتور أحمد نجا وإيريك باكرز (علي صغر سن الاثنين).” بهذه الجملة البديعة تعترف العالمة المصرية إلهام فضالي بفضل اثنين من أساتذتها.. إيريك هو مشرفها في رسالة الدكتوراة ونجا تعاملت معه في معامل علماء مصر (مؤسسة غير هادفة للربح مشهرة في أمريكا وتتطوع فيها). تقول أنها كانت عندما تفكر في مدى التشابه بين الاثنين، تحضر إلى ذهنها آية من سورة الفرقان وتعاد دوماً أمامها وهي (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا).. كلاهما ينطقان علماً بكل تواضع وسكينة ووقار.

وسط ما نسمعه ونعرفه عن أساتذة جامعيين يستعبدون طلابهم ويعاملونهم بكل تعالٍ وفوقية، تحكي إلهام فضالي عن مشرفها الرئيسي إيريك باكرز موقفاً إنسانياً عظيماً، فتقول: “كتفه اليمين فيه عظمة اتكسرت أو اتخلعت واضطر يركب شريحة ومسامير يوم الأربعاء. يوم الجمعة اللي بعده مباشرة لقيته جاي مكتبي (من مدينة تانية بينها وبيننا ساعتين بالقطار) وبيسألني إيه أخبار البربوزال.. وأنا مذهولة وبأسأله إيه جابك النهارده كنت تريح عشان كتفك.. رده كان: “أنا عارف إن مناقشة البروبزال بتاعك بعد أسبوعين وأكيد متوترة ومحتاجة مساعدة ومناقشة في اللي كتبتيه.”

تضيف فضالي: “اتناقشنا واتكلمنا وعدى اليوم وحكيتله عن مشكلتي في الفيزا لأمريكا.. يوم السبت الساعة ٨ الصبح (أجازة) ألاقي إيميل مبعوت لي منه.. يقول لي فيه: صباح الخير قوليلي لو أقدر أساعدك في أي حاجة عشان تاخدي الفيزا أو أكتبلك أي خطاب أو نتصل بالسفارة لو أمكن.. أنا آسف على الموقف دا، ويك إند سعيدة (بيكتب بإيده اللي معمول فيها العملية). أي إنسانية هذه!”

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

إلهام مع إيريك باكرز مشرفها في الدكتوراه خلال مؤتمر ببرلين بألمانيا.

نعمة أمال كساب

قد يكون هذا الأستاذ ملهماً لإلهام الملهمة، لكن كلمة السر والملهمة الحقيقية والكبيرة في نجاحها ستبقى للأبد هي الأم السيدة العظيمة أمال كساب، لذلك أهدتها الإهداء الرئيسي في رسالة الدكتوراه، لمَ لا وهي التي تحملت مسئولية طفليها بعد وفاة زوجها قبل أن تكمل عامها الثلاثين. كانت تعمل من الثامنة صباحاً حتى الرابعة عصراً، وتذهب للجامعة ومعها طفليها مساءً لدراسة الماجستير. خلال 13 سنة من تعليم إلهام قبل الجامعي لم تترك الأم تمريناً ولا بطولة ولا مسابقة ولا اجتماع مجلس آباء إلا وكانت حاضرة.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

إهداء رسالة الدكتوراة.. إلى ملهمتي أمي أمال كساب.

تقول إلهام فضالي عنها: “أمي (اللي تعليمها كلية تجارة لا لها علاقة باللغة ولا التكنولوچيا) بسببها تعلمت مهارات الـ Microsoft office و PowerPoint, excel, word, access  وبرمجة javascript وأنا لسه في إعدادي. أمي بسببها سافرت أول مرة برة مصر لأوروبا وأنا بنت لسه مكملة يا دوب ١٥ سنة في نشاط له علاقة بتطوير التعليم. أمي بسببها أخدت ٤ بطولات جمهورية في الحواجز والمركب الثلاثي (حواجز – دفع جلة – وثب طويل) في بطولات درع وكأس على مستوى مصر تحت ١٤ سنة وما كانش فيه بنت واحدة في بني سويف كلها بتلعب حواجز وكنت بأتمرن لوحدي وهي بتتفرج عليا.. طبعا لو حكيت من هنا للسنة الجاية مش هوفي مواقفها وحقها علينا.. الحمد لله على نعمة أمال كساب في حياتي ويارب يديمها.”

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

الأم أمال كساب بصحبة العالمة إلهام فضالي خلال تكريم السفارة الهولندية بالقاهرة لها.

عضو مجلس الأمة

السيدة العظيمة أمال كاسب هي نجلة إيهاب كساب عضو مجلس الأمة ومجلس النواب الأسبق خلال عصر عبدالناصر والسادات، وحفيدة  أمين بك كساب عضو مجلس الأمة الأسبق أيضاً. تدرجت في السلم الوظيفي في بنك ناصر الإجتماعي في بني سويف حتى وصلت إلى منصب مدير عام البنك، قبل أن تصل إلى سن المعاش وتتقاعد.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

أمين كساب بك جد والدتها أمال كساب.

فقدت الأم أيضاً شقيقها الأصغر أشرف كساب وكان ضابط الشرطة في حادث مطاردة بالفيوم. تتعكز هذه الأم على نجلها (أحمد) شقيق “إلهام” الذي يعمل رائد شرطة بالأمن المركزي ببني سويف، وعلى إلهام التي توجت رحلة كفاحها بإنجازات عظيمة وكانت مصدر فخر لها وسبباً في حصول الأم على تكريم مستحق في يوم تمكين المرأة من قرينة رئيس الجمهورية العام الماضي لكن إصابتها بالكورونا حالت دون حضورها الاحتفال.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

كارنية النائب إيهاب كساب عضو مجلس الأمة جد العالمة إلهام فضالي.

البنت اللي لابسة حجاب

(the girl with the scarf) “البنت اللي لابسة حجاب”،  هكذا كان يتم الإشارة إلى إلهام في المؤتمرات التي تحضرها في أوروبا، وكان هناك انطباع أن هؤلاء الأشخاص (المحجبات) على شاكلتها ليسوا متفوقين كما أنهم مقهورون في بلدانهم ومتعصبون، وكانت هذه الآراء تظهر في تعليقات أثناء الكلام أو في أفعال وقت العمل من زملائها. لذلك كانت تبذل مجهوداً مضاعفاً لإثبات قدرتها على الفهم والظهور وسط زملائها.

مرت إلهام فضالي بمواقف صعبة عديدة لمجرد أن هويتها الدينية واضحة. وكانت عادة ما ترغب في ترك انطباع وصورة جيدة. فكان حصيلة جهدها أنه بعد حصولها على الدكتوراه وضعت الجامعة صورتها في مدخل الجامعة في هولندا كمرشحة للحصول على جائزة أفضل رسائل الدكتوراه والماجستير ومشاريع تخرج البكالوريوس على مستوى الجامعة لعام ٢٠٢١، وحصلت على الجائزة بالفعل.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

إلهام فضالي في مدخل جامعة أيندهوفن.

حجابك مش شرعي

الغريب أنه بعد نشر إلهام لصورتها ذات مرة بالحجاب، تعرضت إلى هجوم وتعليقات سخيفة من نوعية (“حجابك مش شرعي”، و”ما تنفعيش تبقي قدوة لبناتنا”، و”دا ماسموش حجاب”، و”بتسمعي موسيقي”،  و”بتحطي مكياچ”).

هتدخلي جهنم!

الأكثر غرابة أن هذا التعصب والتطرف والعنصرية دفعت إلهام بسببهم ثمناً باهظاً عندما لم تكن محجبة قبل الثانوية العامة بينما كانت لا تزال تعيش في بني سويف المحافظة الصعيدية، تحكي عن تلك الفترة فتقول: “اتسمّ بدني أنا وأمي بكلام زي دا وكنت بأكره اليوم اللي بأخرج فيه من البيت من كلام ومواعظ من ناس غير ذي صفة بدون حكمة وتحري للوقت المناسب، واللي يحطلي شرايط الحجاب في إيدي وفي شنطتي، لمحاضرات بعد كل درس أو قبل الطابور في المدرسة، والرياضة حرام، وسفرك بدون محرم هتدخلي جهنم.”

خايفة من أهلك

لا تنسى إلهام فضالي عندما دخلت الجامعة الأمريكية، قالت لها إحدى زميلاتها في المدرسة الثانوية: “أيوة بقى يا ستي.. روحي واقلعي هناك.. وابقي براحتك محدش شايف”. الغريب أن إلهام تعرضت أيضاً لموقف سخيف على النقيض خلال زيارة لها إلى مصر بعد فترة من الحياة في أوروبا، تقول عنه: “وأنا عند الدكتور (شخصية مثقفة متعلمة) قالي: وإيه دا؟ هو دا لبسك وحجابك في أوروبا ولا عشان ماما معاكي وخايفة من أهلك؟!”
تتساءل الباحثة المصرية: “إيه اللي في الحجاب أو عدمه راعب الطرفين بالمنظر دا؟! دي عبادة بيني وبين ربنا.. ربنا يرحم البنات في مصر ويكون في عون اللي عايز يربي بنات فيها.”

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

 

العبء المالي

كانت إلهام طوال سنوات حياتها حريصة ألا تكبد أسرتها أعباءً مالية إضافية، وكان تفوقها الرياضي والتعليمي سبباً أساسياً في توفير مقابل مادي يعينها على أنشطتها العديدة، وسفرياتها، فقد زارت إلهام فضالي 22 دولة حول العالم وهي لا تزال في الثلاثين من عمرها.

عندما كانت بطلة في مركز التحمل في ألعاب القوى في المرحلة الإعدادية كانت تحصل على مرتب حوالي 300 جنيه كل شهرين أو ثلاثة، وكان هذا أول دخل لها من عرق جبينها.

وبعدما حصلت على المركز الأول في الشهادة الإعدادية، حصلت على منحة تفوق من إحدى المؤسسات وكانت تتقاضى 100 جنيه كل شهر. وخلال منحة الجامعة الأمريكية كان لها راتب شهري قرابة الألفين جنيه مصري، أما منحة الماجستير كانت كافية لها للعيش منها، وكانت تدخر مبلغاً لزيارة البلدان الأخرى واكتشافها، حيث كان الراتب ألف يورو شهريا في الماجستير شاملاً السكن والانتقالات بالإضافة إلى مبلغ آخر مخصص لتذاكر الطيران من وإلى مصر، ونفس الأمر بمبلغ أكبر في الدكتوراه لذا لم تكن مضطرة للعمل بجانب الدراسة كحال معظم طلاب الدكتوراه في الخارج. 

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

إلهام بصحبة والدتها وشقيقها أحمد

العمل في شركة أبل

كانت إلهام – ولا تزال – متطوعة في مؤسسة علماء مصر، وهي مؤسسة غير هادفة للربح، وأحد أعضائها وهو باحث مصري مرموق، يعمل بشركة أبل، ناقشها خلال فترة دراسة الدكتوراه في إمكانية التقديم على فرص عمل متاحة في الشركة بعد الدكتوراه، إلا أنها كانت تعرف أن فرص القبول في الشركات الكبيرة للباحثين من خارج أمريكا ووادي السيلكون شبه معدومة، بسبب صعوبة الحصول على التأشيرة لأمريكا، إضافة إلى وجود أفضل الخريجين من العالم داخل أمريكا بالفعل.

خاضت إلهام اختبارات الوظيفة الجديدة كباحث في علوم الليزر، وذلك في فترة الضغط قبل مناقشة الدكتوراه كما ذكرت آنفاً، وتتيح لها الوظيفة الجديدة العمل ضمن الفريق البحثي الذي يطور منتجات جديدة لشركة أبل ليست كتلك الموجودة في الأسواق حاليا، تكنولوجيا جديدة تماماً.

تم قبولها في الوظيفة وحققت أحد أحلامها في القائمة المعلقة على جدران غرفتها بالعمل في وادي السليكون  إلا أنها استمرت في العمل من هولندا لمدة عام بسبب كورونا، وانتقلت إلى العمل والحياة في أمريكا في أبريل 2022. فكانت هي المصرية والعربية الوحيدة في فريقها في شركة أبل وإن كان هناك مصريون آخرون في فرق بحثية أخرى.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

إلهام فضالي في أول يوم عمل لها في شركة أبل بوادي السيليكون بأمريكا.

لماذا أبل؟

اختارت العالمية المصرية إلهام فضالي العمل في شركة أبل لأنها واحدة من الشركات التي ترسم شكل التكنولوجيا في العالم، إضافة إلى أن العمل بها يتيح عملها عن قرب مع علماء أفذاذ بالمجال، كما أن ذلك يصقل مهاراتها ويجعلها قادرة على مجاراة خريطة التكنولوجيا في العالم. وترى أنه ليست هناك بداية أفضل في مجال الصناعة كتلك التي حققتها في شركة أبل.

هي حاليا تحاول اكتشاف أمريكا وتكوين شبكة الأصدقاء والمعارف، والتأقلم مع فرق التوقيت عن مصر (10ساعات)، والمجال العملي الجديد رغم أن جزءاً منه هو نفس مجال دراستها في الدكتوراه (علوم المواد وتصنيعها) إلا أن هناك جزءاً آخر لم تدرسه وهو (علوم الليزر). في الدكتوراه كانت تقوم بكل شيء بيدها، لكن كان ينقصها النمذجة والمحاكاة لدراسة نسب نجاح التجربة قبل القيام بها، وهو ما يتيحه لها العمل في أبل مما يوفر وقتاً وجهداً إضافة إلى توفير موارد للشركة.

الاهتمامات الستة

تلخص إلهام الملهمة اهتماماتها في الحياة فتقول: “مفيش حاجة تخطف عقلي وقلبي قد إني أتكلم عن أو أعمل حاجة من الـ ٦ حاجات دول؛ (المزيكا والعلوم والجديد فيها والأدب والرياضة والطبخ والخَبْز والقطط).” وهي طباخة ماهرة وتعد أشهى وأشهر الأكلات المصرية، وتعتبر قيامها بالطبخ لأصدقائها دليلاً قاطعاً على حبها لهم.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

حلة محشي ورق عنب من عمايل إلهام فضالي الطباخة الماهرة.

اترك بصمة

بنت الصعيد التي كانت تحلم أن تكون دكتورة شاطرة وباحثة، عندما كانوا يسألونها عن حلمها كان ردها دائما ما يكون أن أترك بصمة ولو على شخص واحد. وكانت تكتب عبارة على كل كتبها وهي leave a legacy (اترك بصمة) وهي نفس الجملة التي كتبتها في نهاية قائمة أهدافها لرسالة الدكتوراه. وما تحلم به هو أن من يراها أو يعرفها ويسمع عن حكايتها أن يمتلك الدافع والحافز للحلم. فهي بكل تفصيلة في حياتها تشع روحاً من الأمل والتفاؤل والإلهام.. تقول عن نفسها: “قد أكون لست ذكية بما يكفي وهناك من هم أكثر مني ذكاءً، لكني مجتهدة ولدي إصرار وما أريده عندما أرحل من الدنيا أن أكون ملهمة لآخرين.” تعترف بذلك بكل تواضع ونبل ورضا وزهد وتصالح مع النفس.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

عيش وسيب بسمة.. موت وسيب بصمة.

الملهمة والملهم

أصبحت إلهام ملهمةً جداً لكثير من الباحثين وعموم البشر كما كان النجم المصري محمد صلاح ملهماً. كلاهما وهبه الله موهبة السرعة في الجري. استغلها صلاح في كرة القدم، واستغلتها إلهام في ألعاب القوى. كان صلاح يسافر بالقطار إلى القاهرة لحضور التدريبات، وتسافر إلهام بالقطار إلى القاهرة والمحافظات المختلفة لحضور المعسكرات والمنافسة على البطولات. حققت هي وصلاح إنجازات وكسرا أرقاماً قياسية. رفض نادي الزمالك انضمام صلاح إليه لضآلة جسده. أما هي، فرفض نادي بني سويف منحها الاستغناء كي تلعب في النادي الأهلي.

الاحتراف والحياة في أوروبا

استكمل صلاح مسيرته الاحترافية في الرياضة بينما توقفت هي عن ممارسة الرياضة بشكل احترافي واختارت مسيرة احترافية أخرى وهي البحث العلمي. في عام 2012 انتقل صلاح إلى أوروبا ليلعب في بازل في سويسرا، بينما انتقلت هي إلى أوروبا بعده بعام واحد في 2013 لتدرس الماجستير في بلجيكا والسويد. جاءت الفرصة لصلاح للانضمام إلى تشيلسي أحد أهم الأندية العالمية لكنه لم يجد نفسه ولم يحصل على فرصته كاملة وتعرض لمشاكل ونقد لاذع من مدربه مورينيو.

بينما حصلت إلهام فضالي على منحة لدراسة الدكتوراة في واحدة من أهم جامعات العالم في تخصصها، بيد أن العكوسات والإحباطات حاوطتها، فلم تجد نفسها بعد عام ونصف العام وقررت عدم استكمال الرسالة. لم يُحبط صلاح وانتقل إلى فيورنتينا الإيطالي الأقل في التصنيف، ولم تحبط هي أيضاً وانتقلت إلى جامعة هولندية أخرى أقل في التصنيف. هو يتدرب لساعات طويلة ويحرز الأهداف في الملاعب وهي تعمل لساعات طويلة وتجري مئات التجارب في المعامل.

جاءت لحظة الحصاد، يتألق صلاح في أول مواسمه مع ليفربول ويحقق الحذاء الذهبي ثم أفضل جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي أقوى الدوريات الأوروبية، بينما تتألق إلهام مع فريقها البحثي وتحرز جائزة أفضل بحث علمي على مستوى العالم من مجلة فيزياء العالم، وهو البحث الذي نشرته مجلة نيتشر أقوى الدوريات العلمية في العالم ويتلوه جوائز أخرى.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

إلهام خلال تطوعها في مؤسسة صناع الحياة ومبادرة العلم قوة.

وجوه إعلامية لشركات عالمية

يشاء القدر بعد رحلة التعب والاجتهاد أن يجمعها هي وصلاح حملة إعلانية واحدة لشركة فودافون باعتبارهما وآخرين نماذج ملهمة للشباب في احتفالية اليوم العالمي للمرأة. قبل 10 سنوات كانت نفس الفتاة الصعيدية متطوعة في مبادرة “العلم قوة” المجتمعية لنفس الشركة بالتعاون مع مؤسسة صناع الحياة. كان إلهام مسئولة عن التوثيق في مركز بني سويف لفترة، وبعدها تم توزيعها على مركز الواسطى. كافحت واجتهدت حتى جاء اليوم الذي أصبحت فيه وجها إعلامياً لنفس الشركة. وفي يوم من الأيام كان صلاح مشاركاً في دوري بيبسي للمدارس، وتمر الأيام فيصبح وجها إعلامياً عالمياً لنفس الشركة أيضاً.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

حملة فودافون في اليوم العالمي للمرأة.

وفي فيديو شهير لقناة سكاي نيوز عربية، وضعتهما القناة معاً ضمن رموز مصر في كافة المجالات، تحت عنوان “كنوز مصر وفخرها.. هكذا غيروا وجه العلم والعالم.” فهل تحقق إلهام حلمها وتكون كما تمنت وكتبت بنفسها قبل 10 سنوات “نفسي أكون زويل الثاني”.. هذا ما ننتظره.

حكاية إلهام فضالي عالمة الفيزياء المصرية من الإحباط والمعاناة إلى العالمية (2)

إلهام بخط يدها كتبت عام 2013: نفسي أكون زويل الثاني.

ختاماً.. تستحق هذه التجربة الملهمة أن تروى لأطفالنا وأن تُدرس في مناهجنا، وأن يعرف عنها شبابنا.. إلهام فضالي قدوة لكل الأجيال، ووالدتها السيدة العظيمة أمال كساب قدوة لكل النساء والأمهات.. اهتمت الأم بالرياضة والأنشطة الطلابية بقدر اهتمامها بالدراسة والمناهج.. نحتاج في حياتنا إلى آلاف من إلهام وأمال.

لقراءة الجزء الأول من المقال.. اضغط هنا