أيام ويُسدل الستار على الحدث الكروي الأبرز عالميًا

  • بدايات قاسية وصعبة لأشهر اللاعبين في المربع الذهبي
  • ما يجمع كل هؤلاء الذين صاروا ملء السمع والبصر أن لكل واحد فيهم قصة ورواية

بدأت حكايتي مع كأس العالم كطفل مصري مع الطوبة الشهيرة في مباراة زيمبابوي التي حرمت مصر من المشاركة في بطولة 1994 التي استضافتها أمريكا. بقيت تلك النسخة محفورة في ذاكرتي، لا أنسى حتى اليوم الهدف التاريخي لسعيد العويران لاعب المنتخب السعودي، ولا ضربة جزاء روبرتو باجيو الضائعة في المباراة النهائية أمام البرازيل.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

روبرتو باجيو – كأس العالم 1994

نسخة قطر 2022 لن ينساها المصريون والعرب، نسخة تقام في بلد عربي، وصعد فيها منتخب عربي وأفريقي لنصف النهائي لأول مرة في تاريخ المونديال. سطر نجوم المغرب فيها تاريخاً جديداً، وأيا ما كانت نتيجة المباراة مع فرنسا، فحقُ هذا الجيل الملهم أن يحمل على الأعناق وستظل سيرتهم في تاريخ كرة القدم للأبد. نتابع صورهم بعد كل مباراة مع أمهاتهم، صور تحكي وتقول ما يكفي.

لكني هنا أتوقف عند حكايات الطفولة، مع اثنين من نجوم المغرب هما أشرف حكيمي وحيكم زياش، ليسا هما فحسب بل أرصد طفولة آخرين من نجوم المربع الذهبي في كأس العالم، حكايات وقصص ملهمة لكل الأجيال، مودريتش نجم كرواتيا ودي ماريا وميسي نجما الأرجنتين، وحكايتين لاثنين ودعا المونديال هم رحيم سترلينج نجم انجلترا وليفادوفيسكي نجم بولندا.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

أشرف حكيمي مع والدته

ما يجمع كل هؤلاء الذين صاروا ملء السمع والبصر، ولديهم جماهيرية كبيرة وثروات طائلة، أن لكل واحد فيهم قصة ورواية، بدأت فصولها من طفولة قاسية.

مودريتش.. من لاجئ من الحرب إلى أحسن لاعب في العالم

لوكا مودريتش نجم منتخب كرواتيا وريال مدريد الأسباني والحاصل على الكرة الذهبية والمولود عام 1985، عاش طفولة صعبة. نجم كرواتيا ورفاقه الذين أقصوا البرازيل المرشحة الأولى للقب بضربات الجزاء الترجيحية في نسخة 2022، هم أنفسهم من حققوا انجاز الصعود للنهائي في نسخة 2018 رغم أنهم صعدوا للمونديال عبر الملحق الأوروبي وهزيمة اليونان وهي المباراة التي جعلت مودريتش بطلاً قوميا في بلاده.

مودريتش الذي قامت حرب الاستقلال الكرواتية بعد ولادته بست سنوات ضمن حروب البلقان التي ارتكبت فيها القوات الصربية مجازر في البوسنة والهرسك وكوسوفو وألبانيا وكرواتيا، كان يسكن هو وأسرته في إحدى القرى، بسبب الحرب احترق منزلهم، وقُتل جده الذي يحمل نفس اسمه على يد القوات الصربية، وانضم والده الذي كان يعمل ميكانيكاً لقوات الجيش الكرواتي، فيما تم تهجير الطفل وباقي الأسرة إلى مدينة زادار الساحلية التي تبعد 40 كيلو متراً عن قريتهم، وظلت تحاصرهم القنابل والألغام والصواريخ لسنوات.

أقامت الأسرة في أحد الفنادق التي تم تخصيصها إلى اللاجئين، كانت الأم تعمل عاملة نسيج، وكان دخل الأسرة ضئيل كجسد مودريتش، الذي واجه احباطاً في البداية، إلا أن مهارته واصراره كتبوا قصة ملهمة من دينامو زغرب إلى توتنهام إلى ريال مدريد.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

لوكا مودريتش في طفولته

الحرب التي عانى مودريتش من ويلاتها في طفولته، ورغم مرور أكثر من 30 عاماً عليها، إلا أن نفس الحرب كانت حاضرة بقوة في نسخة كأس العالم في قطر عندما ارتدى كابتن منتخب سويسرا جرانيت تشاكا الذي تعود جذوره إلى كوسوفو تي شيرت يرتدي اسم آدم يشاري أحد أبطال المقاومة في ألبانيا وكوسوفو ضد الصرب أيضاً.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

تشاكا يرتدي تي شيرت يشاري

دي ماريا.. من بيع الفحم إلى المجد

من جسد مودريتش النحيل إلى جسد نحيل آخر، هو أنخيل دي ماريا نجم منتخب الأرجنتين، كان يعمل والده في مهنة بيع الفحم، وكان لاعباً موهوباً في صغره لكن أحلامه تبخرت بسبب الإصابة في صباه، وتجسد الحلم في صورة نجله، كان دي ماريا يساعد والده في إعداد الفحم وتعبئته وتوزيعه. وكانت كرة القدم خياره الوحيد بين الفشل الدراسي أو الاستمرار في مهنة بيع الفحم.

كان دي ماريا في السابعة من عمره، وكانت الأم هي كلمة السر، تقوم بتوصيله يومياً إلى التدريب في مدينة مجاورة تبعد 9 كيلومترات عن منزله من خلال دراجة هوائية بصحبة شقيقته، تقطع الأم وصغيراها الحي في عز البرد والمطر، لا تعبأ بكل هذا، كان لديها دافع يفوق دافع فلذة كبدها. تمر السنوات ويكبر الطفل ويصبح صبياً يافعاً ويصل إلى عامه الخامس عشر لكن مستقبله على المحك بسبب هجوم مدربه عليه، واتهامه بالجبن وبالفشل. هنا هدد الأب ابنه وأعطى له مهلة لمدة عام، إما يفلح في كرة القدم أو يعود إلى مهنة الفحم مرة أخرى أو يستكمل دراسته.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

دي ماريا في طفولته

هنا كانت الرحلة الشاقة، تألق دي ماريا هرباً من مصير الفحم، وانضم إلى الفريق الأول مع نادي روزاريو، وهو ما لفت أنظار مدرب المنتخب الأرجنتيني تحت 20 عاماً، ليختاره مع بعثة المنتخب لكأس العالم عام 2007 وهي النسخة التي فازت بها الأرجنتين على حساب التشيك وسجل ثلاثة أهداف. كان تألقه سبباً في ضمه إلى بنفيكا البرتغالي وهو التاسعة عشرة من عمره، ثم تألق في أولمبياد 2008 وأحرز هدف الفوز في النهائي ضد نيجيريا، وواصل تألقه مع ناديه حتى انضم إلى ريال مدريد ومنه إلى مانشستر يونايتد ثم باريس سان جيرمان مؤخراً.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

دي ماريا في صباه

حكيم زياش.. من الإدمان إلى تشيلسي

مثل آلاف من عرب شمال أفريقيا الذين هاجروا إلى أوروبا، ولد حكيم زياش نجم منتخب المغرب لأبوين مغربيين عام 1993. أسرة كبيرة من ثمانية أطفال، يعمل الوالد لحاماً والأم ربة منزل، إلا أن الأب مات مريضاً، بينما كان زياش طفلاً في العاشرة من عمره. تشردت الأسرة من بعده، اثنين من أشقائه دخلا السجن بتهمة السطو والسرقة، ورغم حبه لكرة القدم في طفولته ونبوغه فيها إلا أن أحوال الأسرة الصعبة دفعته إلى تعاطي المخدرات والانحراف، بل ترك مدرسته.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

حكيم زياش في طفولته

شخصية زياش العدوانية كانت تؤثر أيضاً على علاقته مع مدربيه وزملائه في الملعب، حتى انتشله لاعب مغربي سابق وهو عزيز ذو الفقار، وكان من أوائل اللاعبين المغاربة الذين احترفوا في هولندا. أخذ بيته وملأ الفراغ الذي تركه والده وانتظم في التدريبات وشارك في أول مباراة رسمية في الدوري الهولندي عام 2014.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

زياش مع عزيز ذو الفقار صاحب الفضل وأبوه الروحي

اللاعب الشاب الذي وصل تألقه مع أياكس أمستردام لعب في صفوف المنتخب الهولندي في المراحل السنية المختلفة، لكن في النهاية اختار تمثيل المغرب تلبية لرغبة والده الذي فارق الحياة وهو في العاشرة من عمره. وقال حينها “دمي ليس برتقاليا كي ألعب لهولندا، دمي أحمر مثل علم المغرب”، وصفوه وقتها في هولندا بالغبي وهاجمه الإعلام، لكنه اليوم يصعد للمربع الذهبي مع أسود الأطلسي. وكما كان لوالدة دي ماريا فضل عليه، لا ينسى زياش فضل أمه، التي تحملته وساعدته ودعمته، فاليوم ترافقه في كل مبارياته عرفاناً منه بفضلها الذي أوصله اليوم للعب في تشيلسي بعد تألقه مع أياكس.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

زياش مع والدته

أشرف حكيمي.. لا يخجل من ماضي أسرته ويلعب من أجل أجداده المغاربة

ولد زياش في هولندا بينما ولد أشرف حكيمي في أسبانيا، لأبوين مغربيين أيضا، الأم تعمل خادمة في البيوت، تنظف المنازل، والأب يعمل بائعاً متجولاً، ولديه أخ وأخت هما نبيل ووداد. الطفل الذي نشأ في أكاديمية ريال مدريد اختار أن يلعب للمغرب، وليس لأسبانيا. فهو يرى أنه أحد منتجات الثقافة المغربية، يتحدث اللغة العربية مع أسرته في المنزل، وتطبخ أمه الأكل المغربي ويعتنق الإسلام. يقول أن الأمر يتعلق باللعب من أجل أجدادي.. ملايين المغاربة.

 

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

حكيمي خلال طفولته

لا يخجل أشرف حكيمي من الحديث عن الماضي الخاص به وبأسرته، يعترف أنهما تعذبا كثيرًا من أجله، وأنهما كانا يضحيان لكي يتدرب ويمارس كرة القدم حتى وصل إلى أكاديمية ريال مدريد وهو في الثامنة من عمره، حتى يلعب مع الفريق الأول ويعار إلى بروسيا دورتموند وبعدها يصبح من نجوم باريس سان جيرمان. وكما يفعل زياش يصطحب والدته هو أيضاً في المباريات وحفلات الجوائز والمباريات حتى صار وجهها مألوفا وبخاصة في مباريات كأس العالم.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

حكيمي مع أفراد أسرته

ميسي.. من المرض ونقص النمو إلى أفضل من لمس كرة القدم في التاريخ

حياة ميسي كانت قاسية هي الأخرى، الابن الذي ولد في مدينة روزاريو – نفس مسقط رأس دي ماريا – كان والده يعمل في مصنع للصلب وأمه تعمل في ورشه معادن، ويعود اسمه إلى قرية جده الايطالية، خلال ولادته تعبت أمه، واضطر الأطباء إلى أن تكون الولادة قيصرية خوفاً على حياته.
لم تكن الولادة وحدها الصعبة، ظروف الأرجنتين أيضاً التي كان على شفا حرب أهلية تحت أصوات القنابل، وأحوال اقتصادية صعبة، في حي شعبي وحياة بسيطة، كان الأب يخرج للعمل صباحا ويعود ليلا ميتا من التعب كما يحكي ميسي بنفسه.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

ميسي في الطفولة

في عمر التاسعة، ذهب ميسي مع والده إلى الطبيب بسبب تأخر النمو وتوقفه عند متر و27 سنتيمتر، فأصبح اقصر قامة من أقرانه في نفس السن بسبب خلل في غدد النمو، وهي حالة نادرة تصيب طفلاً من بين 20 مليون طفل وكان العلاج مكلفاً يصل إلى قرابة ألف دولار شهري، حقن يومية لعدة سنوات وهو ما لا تقوى عليه الأسرة الفقيرة، وكانت طاقة القدر مفتوحة من أكاديمية برشلونة حتى صعد للفريق الأول في 2004، ليصنع مجداً لم يسبقه له أحد في تاريخ كرة القدم.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

ميسي في أكاديمية برشلونة

هناك لاعبون آخرون غادروا المونديال ولم يصلوا إلى المربع الذهبي لكن قصصهم ملهمة، مثل ليفاندوفسكي نجم بولندا الذي كان يدهن سور منزل جيرانه في طفولته للحصول على المال، الذي كان يشتري به أحذية لكرة القدم، يعمل والداه في مهنة التدريس، يصطحبانه بعد المدرسة إلى التدريب لمدة ساعة ذهاباً ومثلها إياباً، وبينهما ساعتان هي مدة التدريب نفسه. ثم مات والده وهو عمر السادسة عشرة.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

ليفاندوفسكي في طفولته

أما رحيم سترلينغ، والده قٌتل في جامايكا عندما كان عمره عامين، وهاجرت الأم إلى انجلترا وتركته مع شقيقته لتحصل على شهادتها، وتولت جدته رعايته. حاربت أمه من أجله، وانتقل للعيش معها في لندن عندما بلغ الخامسة من عمره. عملت الأم أيضاً عاملة نظافة في بعض الفنادق وكان يساعدها رحيم في تنظيف دورات مياه الفندق الذي تعمل به.

5 حكايات من الطفولة القاسية لنجوم كأس العالم في المربع الذهبي

رحيم سترلينغ في طفولته