منذ الاتفاق الرابع لتسوية العلاقات العربية-الإسرائيلية خلال 6 أشهر فقط، يعد الاتفاق بين المغرب وإسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة والذي تم توقيعه قبل شهر تقريباً، “غير مفاجئ”.

في الواقع، لطالما برز المغرب في العالم الإسلامي في علاقته مع كل من إسرائيل والجالية اليهودية القديمة. فقد كانت الجالية اليهودية المغربية هي الأكبر في العالم العربي.

في إحدى مراحل القرن العشرين، كانت الجالية اليهودية في المغرب تمثل 10٪ من إجمالي سكان المملكة.

من الواضح تمامًا أن الصحيفة اليومية الرئيسية المرتبطة بالحكومة في المغرب، Le Matin، لا تزال تذكر كل يوم التاريخ في التقويم اليهودي. وفي الواقع، لا يزال اليهود حتى اليوم هم الأقلية غير المسلمة الوحيدة المعترف بها في المغرب، وسيتم الآن تدريس تراثهم في المدارس المغربية. لذلك، دعونا نلقي نظرة على بعض منها.

في السنوات المبكرة:

عاش اليهود في المغرب منذ العصور القديمة، ووصلوا إلى المغرب حوالي القرن الخامس قبل الميلاد. لقد تعاملوا مع الأمازيغ في عملية معقدة من التأثيرات المتبادلة الناتجة عن تمزيغ البعض وتهويد البعض الآخر. بعد عدة قرون، شعر اليهود بأنهم في وطنهم في تلك المنطقة، وأطلقوا على أنفسهم لقب “توشافيم” (أي السكان) وقاموا ببناء مدينة تامغروت المزدهرة، مما جعلها عاصمة أو إمارة لهم. لقد أصبحت مدينة حقيقية لهم، وأصبحت مركزًا لمملكة مزدهرة، وبرزت كمركز مهم على طريق الذهب والملح وغيرها من السلع. وواصلت علاقاتها التجارية مع شواطئ النيجر في الجنوب وإلى الهند من الشرق. واستمر التعايش بين اليهود والأمازيغ حتى بعد وصول الإسلام في القرن الثامن و حملة الإسلام التي بدأت في المغرب.

التراث اليهودي المغربي.. تاريخ من العلاقات والتلاقي

صورة أرشيفية لمدينة تامغروت بالمغرب – غيتي

كان يهود إسبانيا الذين تعرضوا للاضطهاد من قبل القوط الغربيين يتنقلون بشكل دائم بين شبه الجزيرة الأيبيرية والمغرب للجوء هناك، بعد ذلك، تم غزو الأندلس من قبل المسلمين عام 711 بمساعدة نشطة من يهود إسبانيا حتى يتمكنوا من الاستفادة من حمايتهم. في وقت لاحق، جاء رواد العصر الذهبي الإسباني، في الغالب، من المركز الثقافي اليهودي في فاس. وتوقف هذا المزيج الثقافي والفكري المقترن بحرية العبادة بين عامي 1140 و 1269، في عهد الموحدين، قبل أن يعيده المرينيون.

انضم اليهود الإسبان الذين فروا إلى المغرب من مذابح عام 1391 بعد قرن من الزمان، في عام 1492  إلى موجة أكبر من المنفيين، حيث أن محاكم التفتيش الإسبانية لم تترك خيارًا للآلاف من اليهود إلا ترك إسبانيا بدلاً من التحول إلى المسيحية. هؤلاء اليهود المطرودون الذين يطلق عليهم أيضًا لقب “السفارديم”، مُنعوا من أخذ الذهب والفضة أو العملات المعدنية المسكوكة من إسبانيا. وتم تعزيز هذا الوجود الأيبري في المغرب من خلال وصول مجموعة ثالثة من اليهود الناطقين بالإسبانية والفارين من عمليات التحول القسري التي فرضتها البرتغال عام 1497.

وهكذا، فإن اليهودية المغربية هي عبارة عن الانصهار بين يهوديتين: “التوشافيم”، وهم “مواطنون” من أصل بربري و”الميغوراشيم” الذين أتوا من شبه الجزيرة الأيبيرية. لم يكن ذلك التعايش سهلاً واستغرق الأمر قرونًا حتى اندمج هذان النوعان من اليهودية في نوع واحد.

التجارة:

لعب عدد من اليهود المغاربة في الموانئ والبلدات الرئيسية في المناطق الداخلية من البلاد دورًا رئيسيًا في التجارة من العصور الوسطى إلى العصر الحديث. حيث نمت نخبة صغيرة من التجار والحرفيين بسرعة، خصوصا في المهن المحظورة على المسلمين: مثل الأعمال المصرفية وصياغة الفضة وتجارة المعادن الثمينة وتجارة النبيذ والتجارة البحرية. وساهم تقسيم العمل ما بين المسلمين واليهود في علاقة منسجمة إلى حد كبير.

في عام 1578، دعم الممولون والتجار اليهود سلطان المغرب في حربه ضد مطالبات البرتغاليين بالسيطرة على المغرب، مما ساهم في انتصار السلطان عبد الملك على ملك البرتغال سيباستيان الأول في معركة الملوك الثلاثة. احتفل اليهود بالنصر باعتباره عيد المساخر الجديد (العيد اليهودي الذي يحيي ذكرى الوقت الذي تم فيه إنقاذ اليهود الذين يعيشون في بلاد فارس من الإبادة بشجاعة شابة يهودية تدعى إستير).

في القرن السابع عشر، استقرت العائلات اليهودية الأوروبية بشكل رئيسي من ليفورنو (إيطاليا) وهولندا في المغرب وعملوا كوسطاء بين الإنكليز (الذين احتلوا طنجة) والمغاربة. دعم اليهود مولاي رشيد (أول سلطان علوي) في استيلائه على السلطة في 1667، وكذلك أخاه وخليفته مولاي إسماعيل في 1672.

وبينما ركزت الجالية اليهودية في أغادير على التجارة الصحراوية، كانت هناك مدينة جديدة ستصبح ذات أهمية حيوية لكل من المغرب ويهودها. وفي الواقع، تأسست موغادور (تسمى الآن الصويرة) في عام 1764 من قبل السلطان محمد الثالث، الذي كانت رؤيته تطمح إلى تطوير مدينة جديدة مفتوحة على المحيط وقادرة على التجارة مع العالم وأوروبا على وجه الخصوص. لذلك، في عام 1766، وبناءً على أوامر السلطان، اختار أمين البلاط اليهودي المغربي صموئيل سومبال ممثلين عن أهم 10 عائلات يهودية في المغرب لتوجيه التجارة في المدينة الجديدة. وأعطى السلطان بمرسوم ملكي هؤلاء التجار اليهود لقب “تجّار السلطان”  ومنحهم امتيازات خاصة: مثل السلف النقدية، وضع ضريبي أفضل، سكن ومستودعات في القصبة.

التراث اليهودي المغربي.. تاريخ من العلاقات والتلاقي

صورة أرشيفية لمدينة موغادور في المغرب – غيتي

منذ تأسيس المدينة، ظهرت فئة مهمة من كبار الشخصيات اليهودية في موغادور. و جذبت المدينة أيضًا يهودًا آخرين من جميع أنحاء المملكة وأحيانًا من الجزائر وإسبانيا وإيطاليا أو إنكلترا (مثل سيباغ وبينتو وكوركس في مراكش، و أفلالو و بينيا في أغادير، و أبو درهام و حديدا وإسرائيل من تطوان، و وكذلك لارا من أمستردام أو كوهين سولال وبوجينة من الجزائر واليهود البربر مثل ملولس وليفيس). بحلول عام 1785، كان هناك أكثر من 6000 يهودي يعيشون في موغادور، لتصبح بذلك أول مدينة في المغرب يسكنها غالبية من اليهود. أصبحت موغادور في ذلك الوقت الميناء التجاري الرئيسي للمغرب، حيث تتركز فيها جميع القنصليات والتجار الذين يعملون مع أوروبا. في عهد محمد الثالث، أصبح اليهود مراسلين تجاريين للأوروبيين في المغرب، وبالتالي أصبح اليهود المحليون قناصل في المغرب لدول أوروبية مختلفة.

كما بنى الأوروبيون والمسلمون منازل في موغادور، حيث جذبتهم الوعود بتخفيف الرسوم الجمركية. وسيطرت العائلات اليهودية الثرية على التجارة، بينما كان الحرفيون اليهود يعملون ويعيشون جنبًا إلى جنب مع المسلمين.

شهد “تجار السلطان” طفرة جديدة في عهد مولاي عبد الرحمن (1822 – 1859). هذا المجتمع، بالإضافة إلى كونه جسرًا بين الداخل المغربي وأوروبا، طور علاقات كبيرة مع إنكلترا على وجه الخصوص.

الدبلوماسية / السياسة:

خدم يهود المغرب كمستشارين للملك والوزراء والعقداء وأعضاء البرلمان والقضاة والسفراء.

قبل تتويجه في مكناس عام 1672، كان مولاي إسماعيل اليد اليمنى لأخيه السلطان مولاي رشيد في فاس. كان اليهود في ذلك الوقت من التجار في معظم الأحيان. ومن بينهم جوزيف ميمران الذي يدين له مولاي إسماعيل بوصوله إلى العرش العلوي. كان ميمران أول من أبلغ إسماعيل، الذي كان واليا في ذلك الوقت، بوفاة شقيقه في مراكش. حتى أنه أقرضه المال اللازم للتقدم على جميع المتنافسين الآخرين على العرش. ثم قام بتعيينه في بلاط السلطان، ووفقًا للقنصل الهولندي في سلا، فقد تمتع “بامتياز مساوٍ لكولبير العظيم في فرنسا”.

التراث اليهودي المغربي.. تاريخ من العلاقات والتلاقي

حتى بعد وفاته بعد سنوات، وتقديرا له، اتصل مولاي إسماعيل بابنه أبراهام ميمران ليصبح الرجل القوي في بلاط السلطان ومستشاره للسياسة الخارجية، وهو المنصب الذي تم إنشاؤه سابقا لوالده. ولأنه كان واثقًا من قوته وسلطته، كان مولاي إسماعيل يطمح إلى جعل بلاده أكثر إنفتاحاً، حيث اقتصرت تجارتها في ذلك الوقت على هولندا وحدها، لكي تصبح على نطاق أوسع لأوروبا بأكملها. ولأنه لم يكن يثق في النخب المسلمة في فاس، فقد اعتمد في طموحاته التجارية على العائلات اليهودية الكبرى الثلاث: توليدانو وميمران وبن عطار.

في مايو 1688، قدم اليهودي المغربي جوزيف توليدانو أوراق اعتماده إلى الولايات الهولندية كسفير رسمي للإمبراطورية الشريفية. ثم أصبح سفيراً للسلطان العلوي مولاي إسماعيل في تلك البلاد. منذ ذلك الحين، شغل العديد من الأشخاص من نفس العائلة مناصب المبعوث الخاص من قبل بلاط سلطان الإمبراطورية الشريفية. يُظهر التاريخ أنه خلال العقود الأولى من حكم مولاي إسماعيل، برز اليهود المغاربة وتقلدوا مناصب كوزراء ومستشارين للسلطان ومبعوثين. في عام 1717، أرسل مولاي إسماعيل مبعوثاً آخر من عائلة توليدانو إلى إسبانيا، ولكن دون جدوى. في الواقع، أصيب السلطان العلوي بالصدمة عندما إكتشف أنه لم يُسمح للسفير اليهودي وجناحه بالنزول والقيام بأعمال تجارية في إسبانيا..

التراث اليهودي المغربي.. تاريخ من العلاقات والتلاقي

الاخوان توليدانو أقوى مبعوثين يهود للسلطان العلوي مولاي إسماعيل

وبتكليف من السلطان العلوي مولاي إسماعيل بالعديد من القضايا الحساسة مع القوى الأوروبية، تمكن موشيه بن عطار من الفوز بمعاهدة مع بريطانيا العظمى في عام 1721. ولكن على عكس السفراء الآخرين، لم يغادر موشيه المغرب إلا للذهاب إلى سبتة ولم يسافر أبدًا إلى لندن.

في عام 1757، اعتلى العرش مولاي محمد بن عبد الله خلفًا لوالده، وأصبح يُعرف لاحقًا باسم محمد الثالث. ولتنفيذ طموحات السلطان العلوي الجديد وخططه لتحويل موانئ الإمبراطورية الشريفية إلى منصة للتجارة والتبادل، كان من الضروري إيجاد مستشار قوي قادر على التحدث مع كلٍ من المغاربة والأجانب. و لذلك عين السلطان صموئيل سومبال مستشاراً، وهو يهودي درس الفرنسية في مرسيليا، وكان الزعيم الديني للجالية اليهودية المغربية. في ذلك الوقت، كان مترجما وخبيرا في العلاقات الدولية، وكان يجيد اللغات العربية والفرنسية والإسبانية. في البداية، أصبح صموئيل سومبال مستشارًا، وسرعان ما أصبح وزير خارجية السلطان العلوي ويده اليمنى للتجارة والاقتصاد.

تفاوض صمويل سومبل على معاهدات مع السويد والدنمارك، بما في ذلك البنود المتعلقة بدفع جزية سنوية للسلطان مقابل ضمان سلامة سفنهم في مناطق البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي حيث عبر القراصنة المغاربة.

التراث اليهودي المغربي.. تاريخ من العلاقات والتلاقي

السلطان محمد الثالث بن عبد الله

على الرغم من إنجازاته أو ربما بسببها، في عام 1780، وجد سومبال نفسه في السجن بعد ثلاثين عامًا من الخدمة بتهمة إرسال تحويلات إلى الخارج. في وقت لاحق، تمكن من الفرار إلى جبل طارق، حيث قيل إنه قدم خدمات مهمة خلال الحصار الكبير من خلال تنظيم إمدادات المؤن من موغادور. وبعد ذلك بفترة وجيزة وتحديدا في خريف عام 1782 توفي، وكان يشتبه في أن تكون وفاته بسبب السم، الذي تم دسه له بتحريض من سيده السابق الذي كان واضحاً أنه لم يغفل عنه.

عندما ننظر إلى يومنا هذا، لا يزال هذا التقليد المتمثل في وجود مستشارين يهود مقربين من السلاطين والملوك المغاربة موجوداً. كان أندريه أزولاي مستشارًا خاصًا لملكين مغربيين منذ عام 1991، حيث كان مستشاراً للملك حسن الثاني ثم لابنه محمد السادس. المسمى الوظيفي الرسمي لأزولاي هو المستشار الاقتصادي للملك محمد السادس، لكن هذا يحجب الطبيعة الحقيقية لوظيفته، والتي هي أكثر توسعية بكثير. فهو وزير الخارجية في الخفاء و”اليد اليمنى للملك”، إلى جانب كونه الشخص المسؤول عن الحياة اليهودية والذاكرة اليهودية في بلاده. و بما أنه من مواليد مدينة الصويرة، كان أزولاي القوة الدافعة لتأسيس المدينة كوجهة ثقافية عليا. و قد ساهم في تأسيس العديد من المهرجانات الموسيقية التي تضم بانتظام فنانين يهود وإسرائيليين. بالنسبة لأزولاي، أظهر عمله في المدينة أن اليهود والمسلمين متوافقون فيما بينهم وما زال بإمكانهم التعايش معاً.

أطباق الطعام الشعبية

أطباق الطعام اليهودية المغربية الشعبية هي عنصر أساسي في تراث الطعام المغربي. تعتبر الأطباق اليهودية المغربية من أغنى المأكولات وأكثرها تنوعًا في العالم. إن التعايش بين الأمازيغ واليهود والعرب المسلمين من الشرق والأندلسيين والأفارقة على التراب المغربي قد عزز التبادلات على مستوى الطهي، مما أدى إلى ولادة أطباق مغربية غنية، ويعد المطبخ اليهودي المغربي جزءًا لا يتجزأ منها.

لقد عبر تراث الطهي هذا كل قارة ويستمر في التألق بتنوعه وذوقه وبراعته.

المطبخ اليهودي ممزوج بالمطبخ المغربي الأمازيغي والأندلسي. إنها فسيفساء من التقاليد والطقوس، وبالتالي كانت نتيجة مزيج من العديد من الثقافات بفضل الحركات والمواجهات العديدة للحضارات المختلفة. يعكس المطبخ اليهودي المغربي هذا الجانب من التعايش بين الأديان وهذا التجانس في أنماط الحياة في المغرب الذي كان مفترق طرق للثقافات والحضارات لعدة قرون.

ونظرا إلى أن اليهود متعلقون بشدة بمتطلبات وعادات طهي الكوشر، فقد استطاعوا منذ العصور القديمة التكيف مع المناخ وتوفير المنتجات الزراعية من المناطق التي استقروا فيها.

يستخدم المطبخ اليهودي المغربي المكونات الحارة والعطرية من بين مكونات أخرى، مثل الزعفران والليمون المسكر والثوم والكزبرة الطازجة وكميات من القرفة وجوزة الطيب والزنجبيل والفلفل الجامايكي.

التراث اليهودي المغربي.. تاريخ من العلاقات والتلاقي

لا دافينا .. أحد الأطباق اليهودية المغربية

من الأطباق الشهية التقليدية في المطبخ اليهودي المغربي هو “لا دافينا”. كلمة دافينا هي كلمة يهودية عربية، وهي مشتقة من الكلمة العربية “الدفينة”، والتي تعني “مغطاة” أو “ساخنة جدًا” أو “مخنوقة” فيما يتعلق بوضعية الطهي. يتكون طبق الدافينا بشكل عام من لحم البقر و قدم العجل أو البقر والبطاطس الصغيرة والحمص والبيض والأرز والقمح. نظرًا لأنه لا يُسمح لليهود المتدينين بالطهي يوم السبت، فإن طبق الدافينا يتم إعداده خلال نهار الجمعة. وبعد طهيه لفترة طويلة قبل بدء يوم السبت (الجمعة قبل غروب الشمس)، يوضع على طبق ساخن ويطهى على نار هادئة لمدة 15 ساعة تقريبًا، مما يمنحه طعمًا مميزاً للغاية.

طبق آخر يهودي مغربي مشهور هو الباستيلا، والذي أصبح أحد الأطباق الشعبية في المغرب. تتكون الباستيلا من شرائح الحمام مع البيض واللوز والتوابل. نشأ هذا الطبق مع يهود المغرب المطرودين من إسبانيا، كما يشار إليه باسم “الباستيلا السفاردية”. الباستيلا تشكل طبقًا للمناسبات الخاصة بالنسبة للجالية اليهودية المغربية، لأن تحضيرها يتطلب جهدًا كبيراً. اليهود السفارديم يطبخون الباستيلا في المغرب للاحتفال ببعض الأعياد اليهودية أو أثناء الأعراس. وكما هو الحال مع يهود السفارديم، أصبحت الباستيلا طبقًا في حد ذاته في المطبخ المغربي التقليدي،وأصبح واحداً من التقاليد في زيجات المغاربة المسلمين.

التراث اليهودي المغربي.. تاريخ من العلاقات والتلاقي

الباستيلا.. أحد الأطباق الشعبية اليهودية المغربية

الموسيقى

يعد التراث الموسيقي اليهودي في المغرب أيضًا جزءًا مهمًا مما جلبه اليهود عندما استقروا في المغرب. الموسيقى الأندلسية من أقدم أنواع الموسيقى المغربية. تم تطوير هذا النوع كمزيج من الأساليب الموسيقية العربية الإسبانية في القرن التاسع، وبدأت هذه الموسيقى الأندلسية في الانتشار إلى المغرب بحلول القرن العاشر. ومع صعود الخلافة الأمازيغية الموحدية في القرن الثاني عشر، تم قمع الموسيقى الأندلسية، حيث كان الموحدون يثبطون الموسيقى ويحطمون الآلات الموسيقية، لكن اليهود قاوموا وحافظوا عليها.

غادر اليهود السفارديم إسبانيا إلى الأبد في عام 1492 دون أي ممتلكات أو أموال، لكنهم أخذوا معهم أصولًا غير مرئية: لغتهم وثقافتهم الإسبانية، وكانت الموسيقى من التقاليد الثقافية المهمة التي كان يهود السفارديم يحتفظون بها داخل قلوبهم. وبسرعة عزف يهود المغرب وطوروا تقاليد الموسيقى الكلاسيكية الأندلسية وأدخلوها في موسيقاهم الليتورجية.

في المغرب، كان اليهود من المحافظين على الموسيقى الأندلسية والحراس المتحمسين لتقاليدها القديمة. وفي الواقع، كما هو الحال في العديد من المجالات الأخرى للثقافة والمجتمع الأندلسي، لعب اليهود دورًا مهمًا في تطوير وحفظ التراث الموسيقي للأندلس عبر تاريخها.

التراث اليهودي المغربي.. تاريخ من العلاقات والتلاقي

صورة توضح موسيقي يهودي في موغادور بالمغرب – غيتي

حافظ اليهود السفارديم أيضًا على القصائد الرومانسية، الشكل الأكثر شعبية للثقافة الإسبانية. والمثير للدهشة أنهم استمروا في غناء هذه الأغاني السردية حتى الآونة الأخيرة. ومع تشتت الجاليات اليهودية في المغرب وتغير أنماط حياة يهود المغرب، لم يتبق سوى عدد قليل من المطربين الذين تشكل القصائد بالنسبة لهم جزءًا من ثقافتهم الحية. ومع ذلك، فقد أثبتت مجموعة القصائد هذه أنها ذات أهمية استثنائية لأصحاب الأصول الأسبانية بسبب طبيعتها القديمة وإخلاصها لمصادر القصائد القديمة.

لم يكن الكثير من الموسيقيين الأندلسيين المغاربة المهمين يهودًا فحسب، بل إن الجاليات اليهودية المغربية اليوم في إسرائيل تحافظ أيضًا على الألحان الأندلسية وحتى نصوص الأغاني في موسيقاها الدينية.

التراث اليهودي المغربي.. تاريخ من العلاقات والتلاقي

المطرب سامي المغربي

المطربون اليهود الذين يغنون بالعربية، مثل المطربين الأسطوريين سامي المغربي وسالم هلالي وزهرة فاسية، لا يزالون يتمتعون بشعبية كبيرة ليس فقط بين أتباعهم في الدين، بل أيضًا بين المسلمين.

وشكلت اعادة اكتشاف موسيقى واغان لفنانين يهود دليلا على أن أغانيهم كانت الأكثر نجاحاً لذا تم تغطيتها بشكل متزايد من قبل المطربين المسلمين.

فيديو للمطربة زهرة فاسية

 

 

 

الشخصيات

كما رأينا في هذا المقال، فقد كان لبعض المغاربة اليهود سمعة سيئة وتركوا بصمة في التاريخ في مختلف المجالات. اليوم، لدى الشتات اليهودي المغربي أيضًا بعض الأفراد المشهورين، مثل: الممثل الكوميدي جاد المالح، ونجم صندوق التحوط الأمريكي مارك لاسري، وقطب التكنولوجيا والإعلام باتريك دراهي، والوزير الإسرائيلي عمير بيرتس، ورئيسة اليونسكو أودري أزولاي.

أحد أكثر اليهود المغاربة إثارة للاهتمام هو ديفيد ليفي يولي (1810-1886) المعروف في الولايات المتحدة بأنه أول يهودي شغل منصب عضو في مجلس الشيوخ. إنه سليل عائلة يهودية مغربية مشهورة كانت تحظى باحترام كبير في المجتمع وخدمت البلاط الملكي في القرن الثامن عشر. هربت عائلة يولي إلى المغرب مع العديد من آخر العائلات اليهودية التي طردتها إسبانيا بعد سقوط غرناطة عام 1492. وضمن الجالية اليهودية المغربية، ارتفعت رتبة عائلة يولي لخدمة البلاط الملكي وأخيرًا كمبعوثين وتجار تم إرسالهم إلى بلدان مختلفة.

التراث اليهودي المغربي.. تاريخ من العلاقات والتلاقي

ديفيد ليفي يولي

كان الجد الأكبر لديفيد ليفي يولي، يهوذا، تاجرًا دوليًا مؤثرًا. وعمل جد يهوذا، الحاخام صموئيل ها ليفي بن يولي، مستشارًا للسلطان مولاي عبد الله والزعيم السياسي للجالية اليهودية المغربية. وكان جد ديفيد أحد المشاركين النشطين في توقيع أول معاهدة دولية وقعتها الولايات المتحدة بالاشتراك مع دولة أجنبية، أي المغرب، في عام 1786.

الخلاصة

على الرغم من أن اليهود كانوا أقلية، فقد كان لهم تأثير كبير على تاريخ المغرب من الناحية السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية. ومن المثير للاهتمام أن للمغرب أيضًا مكانة مهمة في التاريخ اليهودي. في الواقع، أنتجت المملكة عبر القرون كبار الحاخامات والتجار والسفراء والحرفيين والمطربين والطهاة.

ولطالما كان لليهود المغاربة مكانة خاصة في قلوبهم لوطنهم الأصلي. وعلى الرغم من بعض المصاعب، فما زالت في قلوبهم مكانة خاصة تجاه إخوانهم المغاربة المسلمين. لقد فتح الاتفاق بين المغرب واسرائيل على اقامة علاقات دبلوماسية “صندوق باندورا” الذي كشف النقاب للعديد من المغاربة المسلمين الذين لم يعرفوا حتى أنه كان هناك يهود في المغرب منذ 2500 عام، بالإصافة إلى المساهمات التي قدمها مواطنوهم اليهود.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن