في بداية العام، كنت في عمّان في رحلة “بحث” عن “شبكات” تجنيد الشباب المتطرف للذهاب إلى سوريا. كنت أبحث عن جهتين: شبكات التجنيد التي تعمل على أدلجة الشباب، وشبكات تقديم التسهيلات اللوجستية.
وخطر لي أثناء البحث أن أسأل عن الشابات. فكما أن ثمة شاب يجلس في غرفته في مكان ما ويتخذ قراراً بالذهاب لما يعتقد أنه جهاد، كذلك ثمة شابة قد تتخذ نفس القرار. لكن بحثي لم يفض إلى شيء. وقيل لي: “هذا غير معقول ولم نسمع بقصص من هذا القبيل.”
في الأشهر اللاحقة، توالت الأخبار والقصص عن شابات أوروبيات وأمريكيات يذهبن إلى سوريا ويتزوجن من جهاديين. لكن لم نقرأ عن عربيات.
بدا هذا أمراً منطقياً. فليس سهلاً على العربيات أن يحزمن أمرهن ويغادرن هكذا فجأة من دون موافقة وتأييد الأهل. المحاذير في هذا الشأن كثيرة في مجتمعتنا.
لكن في الشهرين الأخيرين، برزت قصتان لعربيتين “نفرتا” إلى “أرض الخلافة” المزعومة. كلتاهما سوريتان كانتا تعيشان في الخليج. الأولى كانت المسماة بـ “أحلام النصر،” والثانية إيمان مصطفى البغا، التي تحمل شهادة دكتوراة في الفقه وكانت تدرس في جامعة الدمام في السعودية.
من خلال متابعتي لحسابهما على تويتر وفيسبوك، اتضح لي أنهما لم تذهبا وحدهما. وإنما مع عائلتيهما. أحلام النصر نشرت في البداية تفاصيل عن رحلتها إلى الرقة من دون أن تفصح عن جنسيتها أو عن “المحرم” الذي سافر معها. لكنها لاحقاً كتبت أنها دمشقية وأنها انتقلت إلى الرقة مع أهلها جميعاً. وكشفت أيضاً عن أنها تزوجت في الرقة من جهادي وعقدت قرانها في محكمة لداعش. صحيفة الحياة نقلت أن إيمان البغا ذهبت إلى سوريا مع عائلتها. وفي إحدى مشاركاتها على الفيسبوك من بداية العام قالت إن لها ثلاثة أبناء. فعلى الأرجح أنها انتقلت معهم أيضاً.
والاثنتان لا تنفكان تكتبان دفاعاً عن سلوكيات داعش خاصة قطع الرؤوس. وتدعوان إلى الانضمام إليهما. وتروجان لحكم داعش. لكن مساهماتيهما تخلو من ذكر أهل الرقة. فأين تسكنان؟ في بيوت رقيين؟ أين أهل هذه المنازل؟ أين بنات الرقة وشبابها؟
الأولى تتحدث عن “فريق” من الجهاديين “الأجانب” رافقوها في جولة في المدينة؛ وعلموها استخدام البندقية. الثانية تتحدث عن سيارات فارهة تدخل المدينة للاستهلاك المحلي من دون جمارك.
المقلق في قصتيهما هو أنهما لم تتصرفا بمعزل عن عائلتيهما. بل كانتا مؤثرتين في قرار العائلة. وهو أمر يختلف عن نظيرتيهما من النساء الغربيات اللواتي تطرفن. هؤلاء كان سلوكهن فردياً. المقلق هو أنه عندما نتحدث عن المرأة العربية، لا نتحدث عن فرد ولكن عائلة. نحن نتحدث عن مجموع. إيمان البغا كانت مدرسة ولها طالبات أحببنها وهذا واضح من تعليقاتهن على صفحة الفيسبوك الخاصة بها.
المقلق أيضاً أنهن كن متطرفات حتى قبل أن تظهر داعش. الأولى كتبت أنها كانت تجاهر بتأييدها لأسامة بن لادن وهي في وسط دمشق وكانت تخشى على نفسها من مجاهرتها هذه. وكتبت كيف كانت تتصرف بغطرسة إن رأت مسيحية. الثانية كانت تجاهر بتأييدها لما تعتبره “جهاداً” في قاعة المحاضرات. هذه نماذج بيننا.
هذا الإقصاء والتطرف موجود بيننا. المشكلة هي كيف نتصدى لهذا التطرف والإقصاء. مثل أحلام وإيمان تجعلان المهمة صعبة.