فاتن مرعشلي تروي قصّة الحب والصبر التي تعيشها مع ابنها محمود المصاب بالتوحد

محمود حجازي شاب لبناني، يبلغ 22 عاماً، يستهويه العزف على البيانو والرسم، ويطمح إلى حجز مكانته في عالم الفن يوماً ما.

محمود، الذي تمّ تشخيصه باضطراب طيف التوحد منذ عمر السنتين، لم يكن طريق العلم وتطوير الذات معبّداً أمامه منذ البداية كما هو الحال بالنسبة لسائر الشبان، فقد اضطر وعائلته، على اجتياز حواجز وعقبات عدّة زرعها جهل المجتمع في طريق تحقيق أحلامه. ورغم ذلك، نجح محمود، بمساعدة ودعم والدته فاتن مرعشلي، في تحويل اختلافه عن الآخرين، من عبء إلى وسام، وأثبت، عبر الصفحات الخاصة به على انستغرام وتيك توك، أن التوحّد ليس مأساة، بل أن الجهل والإنكار ورفض الآخر هو كذلك.

في اليوم العالمي للتوحّد، تشدّد مرعشلي في حديث لـ”أخبار الآن” على أهمية هذا اليوم في المساعدة على توعية الناس بعدم الحكم على الأشخاص بسبب حركاتهم، معتبرةً أنه يساهم في التخفيف من التنمر وعلى الدمج خصوصاً في بيئة العمل.

في اليوم العالمي للتوحّد.. قصة فاتن مرعشلي التي حوّلت "اختلاف" ابنها من عبء إلى وسام

وأكّدت مرعشلي على أهمية التوعية عن التوحّد لمواجهة الجهل في المجتمع، موضحةً أن التوحد يختلف عن سائر الحالات، لأنه يصعُب رصده، وقالت: “غالباً ما تكون متلازمة داون، على سبيل المثال، واضحة على شكل ومعالم الشخص المصاب، أما بالنسبة للتوحد فإن لم يكن الشخص مطلع على هذا الاضطراب، أو يعيش مع شخص بهذه الحالة، أو متخصص في هذا المجال، فمن الصعب أن يتعرّف على شخص يعاني من التوحد.” وهذا ما يضع مَن يعاني من التوحد وجهاً لوجه مع المجتمع ونظراته وتعليقاته.

روت أم محمود مواقف صعبة جداً عاشتها مع حالة محمود، وأكثرها إيلاماً كان عندما رفض أحد الأطفال اللعب مع ابنها، واصفاً إياه بعبارات قاسية، وقالت: “هذه الكلمات سقطت كالخنجر على قلبي ومن أصعب المواقف في حياتي”.

مواقع التواصل: نقلة نوعية

لفتت فاتن مرعشلي لـ”أخبار الآن” إلى أن النشر على مواقع التواصل الاجتماعي وتعريف الجمهور بشخصية ووضع محمود ساعدها جدّاً في رحلة تربية ابنها. وقالت: السوشيل ميديا ساعدتني كثيراً لدفع المجتمع إلى تقبّل وضع ابني.

وإذ كشفت أن المجتمع لم يكن متفهماً أو داعماً أبداً في البداية، باستثناء عائلتها الصغيرة، أوضحت أن بعض الرسائل التي كانت تخجل من توجيهها لبعض الأشخاص وجهاً لوجه، كانت ترسلها أو تعبّر عنها للدائرة المحيطة بعائلتها من خلال مواقع التواصل.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by Faten Merachly (@fatenmerashly)

وخصصت مرعشلي صفحتها على انستغرام وتيك توك لتعريف الجمهور بابنها محمود المصاب بالتوحّد، وتحظى بآلاف المتابعين وآلاف التفاعلات والتعليقات.

وغالباً ما تنشر فيديوهات لمحمود، تسأله فيها عن يومياته في العهد الذي يتعلّم فيه حالياً، فيما يجيب بدوره عن المهارات التي تعلّمها على الكومبيوتر أو النشاطات التي قام بها برفقة أصدقائه.

وأكّدت أم محمود أن هذه الخطوة ساعدتها على التغيير من تفكير المحيطين بعائلتها، وبالتالي التغيير من نظرة المجتمع لابنها.

الإمارات.. البلد المثالي لتربية الأطفال ذوي الهمم

يتقن محمود كتابة وقراءة اللغتين العربية والإنكليزية، وهو منخرط في معهد يتعلّم فيه الأعمال المنزلية البسيطة، والطبخ ومهارات التعامل مع الناس والمجتمع المحيط، وبالتالي يتحضّر لبيئة العمل.

وبحسب والدته، فهو تقّدم بطلب توظيف في أحد الفنادق، كمساعد في توضيب وتنظيف الغرف أو حتى كعازف بيانو، وما زال ينتظر رداً بخصوص هذا الموضوع.

في اليوم العالمي للتوحّد.. قصة فاتن مرعشلي التي حوّلت "اختلاف" ابنها من عبء إلى وسام

تقرّ مرعشلي بأن التحسّن والتطور الذي أظهره محمود منذ انتقال العائلة إلى دبي بالإمارات العربية المتحدة في آخر 4 أو خمس سنوات، كان أكبر وأهم من أي وقت مضى.

وأكّدت أن الإمارات هي من أفضل الدول في العالم لتربية طفل من ذوي اضطراب طيف التوحد أو حتى من ذوي الهمم، واصفة البلد بـ”المثالي” لهذه الحالة.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by Faten Merachly (@fatenmerashly)

وأشارت إلى أن التسهيلات والقوانين الموجودة في الإمارات انعكست إيجاباً على حالة محمود، وما يميّز الإمارات أن المجتمع فيها متقبل أكثر، فضلاً عن وجود الكثير من الموارد المتعلقة بأصحاب الهمم، كما أن الوصول إلى نشاطات مجتمعية مخصصة للمصابين بالتوحّد يعدّ أسهل من البلدان الأخرى.

وقالت: قوانين دولة الإمارات المتعلقة بأصحاب الهمم تلعب دوراً في تعزيز شخصيتهم، وبدعم أهاليهم نفسياً في هذا الموضوع.

الرحلة مع محمود.. ورسالة إلى الأمهات

رحلة تربية طفل يعاني من اضطراب طيف التوحّد تحتاج للكثير من القوة والصبر، وتتطلب الكثير من الطاقة أكان على الصعيد النفسي والجسدي والعقلي، بحسب فاتن مرعشلي التي قالت لـ”أخبار الآن”: تعلمت الكثير من خلال تربيتي لمحمود، وتغيّرت أفكاري وثقافتي ونفسيتي، وتعلمت ألا أحكم على الناس بالمظاهر كما في السابق، وتعلمت أن الحياة لا تستأهل أن نحزن بسبب أمور سخيفة.

ولكل أم لديها طفل يعاني من التوحّد، وجّهت رسالة قائلةً: لا تنسي نفسك، إذا أحببت نفسك واعتنيت بها، سترين انعكاس هذا الحب ونتيجته على طفلك. وأضافت: أطفالنا بحاجة إلينا، وكلما أحببنا أنفسنا واعتنينا بها، كلما تمكّنا من الاهتمام بهم، وإعطائهم المزيد، والاستمرار معهم أكثر.

في اليوم العالمي للتوحّد.. قصة فاتن مرعشلي التي حوّلت "اختلاف" ابنها من عبء إلى وسام

أما للعالم والمجتمع، فتوّجهت بالقول: أولادنا يستحقون الفرصة بأن يعيشوا كغيرهم، سواء في الدمج بالمدارس أو بالعمل، وهم بحاجة أن يتقبلهم الشخص الآخر.

واعتبرت أن ما يميّز أم طفل مصاب بالتوحّد أن فخرها به يكون أكبر، “أي إشارة تحسّن يظهرها أطفالنا نقدرها ونعرف قيمتها.”