اتجاه العراق في ظل محمد شياع السوداني

  • السوداني أكد أن حكومته لن تسمح باستخدام الأراضي العراقية من قبل أي جهة للقيام بأعمال عسكرية ضد دول الجوار
  • لا يزال مقتدى الصدر قادرًا على تحريك الشارع وربما سيلجأ إلى ذلك في الوقت المناسب

بعد انتخابات العراق في أكتوبر من العام الماضي التي فيها مرشحو التيار الصدري بأكثر من سبعين مقعدًا، عملت إيران من خلال تنظيم الإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي – أكثر زعماء العراق موالاة لإيران – على تعطيل قدرة التيار الصدري على تشكيل الحكومة.

فعمل الإطار على فرض مرشحه المدعوم من إيران محمد شياع السوادني. وبرغم تحريكه الشارع العراقي بقوة إلا أن الصدر عاد وتراجع وانسحب من الحياة السياسية الأمر الذي فتح المجال لنجاح السوداني في تشكيل حكومته. فشكلها محاولا أن يكون منفتحًا على جميع القوى السياسية في العراق، لكنه لم يستطع التخلي عن المحاصصة في توزيع المناصب الوزارية.

حسابات مقتدى الصدر في ظل السوداني

لا يزال مقتدى الصدر قادرًا على تحريك الشارع وربما سيلجأ إلى ذلك في الوقت المناسب فهو غير راض عن وجود السوداني في رئاسة الحكومة لكنه قبل لأن السوداني وعد بإجراء انتخابات مبكرة كما وعد بتعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر.

لكن ما سيثير الصراع مجددا بين الصدر وحكومة السوداني هو علاقات الحكومة الجديدة مع إيران وولاؤها الكبير للإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي الذي بات يعتبر نفسه صانع الرؤساء ومايسترو السياسة العراقية.

وبعد الخروقات الإيرانية للحدود العراقية في منطقة كردستان العراق أطلقت حكومة السوداني عبر وزير خارجيتها تصريحات منددة ومستنكرة، لكن إيران سرعان ما أرسلت سفيرها في بغداد إلى مكتب السوداني لينقل إليه دعوة هي أشبه بالاستدعاء لزيارة طهران.

هل كانت دعوة أم استدعاء؟.. زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى طهران تثير التساؤلات

زيارة السوداني إلى طهران

وفي طهران أعلن السوداني أن حكومته لن تسمح باستخدام الأراضي العراقية من قبل أي جهة كانت للقيام بأي أعمال عسكرية ضد دول الجوار.

ووعد بقيام تعاون ميداني بين العراق وإيران لتنفيذ هذه الوعود لكنه في مؤتمره الصحفي المشترك مع الرئيس الإيراني لم يعترض على قيام إيران بخرق الحدود وقصف مواقع داخل العراق تقول إيران أنها قواعد للأكراد الذين يهاجمون أهدافًا إيرانية، مشيرًا إلى أن العراق سينشر قواته على الحدود بين كردستان العراق وإيران.

هل يستطيع السوداني منع إيران من خرق الحدود العراقية؟

على الأغلب أنه لن يفعل ولن يعود لانتقاد إيران لو فعلت ذلك لأنه على ما يبدو تلقى تعليمات واضحة من القيادة الإيرانية عندما اجتمع بالمرشد الذي طالبه بالالتزام بحماية الحدود ومنع أي هجمات تستهدف إيران، وكذلك بضبط المنطقة الكردية وبسط سيطرة الحكومة العراقية على إقليم كردستان العراق كما طلب المرشد من رئيس الوزراء العراقي التزاما عراقيا واضحا وصريحا بتنفيذ كل الاتفاقيات الثنائية.

أهداف إيران من قصف مواقع الأكراد

وتسعى إيران من قصفها مواقع الأكراد في كردستان العراق إلى صرف الأنظار عما يجري من قمع في الداخل ضد المتظاهرين المحتجين على دكتاتورية النظام. ويرى متابعون للشأن الإيراني أن طهران قد تطور تدخلها في المنطقة الحدودية بعد أن بدأ الحرس الثوري يحشد قرب الحدود وقد يقتحمها لاحتلال بعض المناطق واذا ما حدث ذلك فإن إيران لن تترك تلك المناطق أبدا.

هل كانت دعوة أم استدعاء؟.. زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى طهران تثير التساؤلات

تفاصيل زيارة السوداني لطهران

ومع متابعة تفاصيل زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى إيران تظهر أنه قبل كل ما طلب منه في طهران. ولأنه شخصية محسوبة على إيران فقد كان تشكيله للحكومة العراقية نصرا إيرانيا في العراق.

وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي كان الارتياح باديا عليه، قال رئيسي إن إيران مستعدة للتعاون مع العراق الذي وصفه بأنه عامل مهم للاستقرار والأمن والسلام في المنطقة.

وأشاد السوداني ورئيسي بعمق وتجذر العلاقات الإيرانية العراقية وهذا يعزز التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي بين البلدين. ولم تخف إيران ارتياحها لتشكيلة الحكومة العراقية الجدية وقد عبر قاد الحرس الثوري الإيراني عن ذلك عندما قال أن إيران نجحت في تشكيلة الحكومة الإيرانية. كما أن في الحكومة العراقية وزيران على علاقة مباشرة بالميليشيات المرتبطة بإيران. لذلك رأي البعض من المحللين أن تشكيل السوداني لحكومته ونيلها ثقة البرلمان لم يكن نصرا للعراق بقدر ما كان إنجازا لإيران وحلفائها. لذلك سيكون من الصعب على رئيس الوزراء العراقي أن يبحر بسلام بين التيارات العراقية المتنوعة والمختلفة ومعظمها خاضع لنفوذ إيران وتأثيرها.

مخاوف إبعاد حكومة السوداني

وبعد هذه الزيارة يخشى البعض أن تعمل إيران على إبعاد حكومة السوداني عن المحيط العربي، فقد استطاع أنصار إيران في البرلمان العراقي تمرير قرار يلغي كل قرارات حكومة مصطفى الكاظمي الذي عمل على تعزيز علاقات العراق مع جواره العربي وعقد اتفاقيات مهمة مع الأردن ومصر والسعودية.

وبعد قرار البرلمان العراقي هذا خشي الأردن أن تذهب جهود التنسيق الثلاثية بينه وبين العراق ومصر أدراج الرياح فاستقبل رئيس الوزراء العراقي في الشهر الماضي وعبر له عن احترام كبير وتقدير يكون في العادة للرؤساء وليس لرؤساء الحكومات عندما كان الملك عبدالله شخصيًا في استقباله لدى وصوله إلى المطار وأجريت له مراسم استقبال رسمية.

السوداني في العاصمة الأردنية

كان مهمًا أن السوداني أكد في العاصمة الأردنية استمرار العلاقات المتميزة بين بغداد وعمان، كما شدد على أن العراق سيظل ملتزمًا بالاتفاقات الموقعة بين البلدين.

أما الملك عبدالله الثاني فأكد للضيف العراقي أهمية استمرار التعاون والتنسيق وأهمية دور العراق في محيطه العربي والإقليم بصورة عامة لأن أمن العراق هو حجر الزاوية للأمن الإقليمي والاستقرار في المنطقة وان للعراق دورا مهما يلعبه على الساحة العربية.

هل كانت دعوة أم استدعاء؟.. زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى طهران تثير التساؤلات

وزيارة السوداني إلى الأردن قبل زيارته إلى إيران تحمل الكثير من المعاني والكثير من الدلالات وتؤشر على أن السوداني إذا لم يخضع كثيرا لسطوة التأثير الإيراني فقد يواصل سياسة سلفه الكاظمي فيما يختص بالعلاقات مع الجوار العربي. ولا بد أن محادثاته مع العاهل الأردني وأيضا مع الجانب الحكومي في عمان أعطته الكثير من الأفكار فيما يتعلق بهذه العلاقات وكذلك فيما يخص المصالحة بين إيران وجيرانها العرب.

لقد أبقى السوداني وزير خارجية الكاظمي فؤاد حسين في منصبه وهذا يعد مؤشرا على وجود نية في مواصلة الانفتاح على الجوار العربي وإبقاء الجسور مفتوحة مع العواصم العربية بما يتيح له مواصلة الوساطة بين طهران والرياض ليؤسس لمصالحة إقليمية أكبر.

محمد شياع السوداني رجل صاحب خبرة إدارية واسعة وهو من أعضاء حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي. لكن علاقته بالمالكي ستحد من حرية عمله.  فالفريق الذي أوصله إلى المنصب سيكون له مطالب وشروط وقد يضطر للقبول بها وهنا سيكون واضحا تماما أن الذي يحكم العراق هو نوري المالكي. أما إذا اخفق السوداني في تنفيذ وعوده وهذا ممكن أو رفض إملاءات المالكي وهذا مستبعد فستكون انتكاسة كبيرة للديمقراطية في العراق وسيكون الشعب العراقي هو الضحية الأولى لذلك.