أخبار الآن | اسطنبول – تركيا (جابر المر)

تعتبر منطقة "أكسراي" التابعة لبلدية الفاتح في مدينة اسطنبول وجهة السوريين المنهكين من الحرب، إذ يساعد التواجد العربي عموما والسوري خصوصا، القادمين الجدد على الاندماج تدريجيا والاعتياد على اللغة الجديدة والمدينة الكبيرة والعملة المختلفة. وتدريجيا باتت "أكسراي" وسواها من المناطق في اسطنبول تتميز بملامح سورية واضحة أبرزها واجهات المحلات والمطاعم التي يحفظ السوريين أسماؤها عن ظهر قلب في بلدهم الأم؛ والتي ما أن تدخلها حتى تنسى تماما أنك تجلس خارج دمشق أو حلب.

دمشق .. اسطنبول الصغرى

طالما يردد السوريون عبارة أن دمشق هي اسطنبول الصغرى، وأن دمشق فيما لو كانت أكبر وفيما لو كانت تطل على بحرين ومضيق، ستكون هي اسطنبول بعينها، والحقيقة أن هذا الكلام غير المبني على أي أسس علمية أو منهجية دقيقة، ليس من مبرر لوجوده سوى حالة الألفة التي تخلقها المدينة مع أبناء دمشق.

تبدأ الألفة من وجود واجهات لمطاعم اعتاد السوريون على قراءتها في مدنهم الكبرى كحلويات سلّورة، وشاورما أنس، والطربوش. والعديد من المحلات التي انتقل أصحابها للعيش والعمل في اسطنبول، هذه المحلات "وهي موجودة جميعا على نفس الشارع" ستجير خيالك على الخروج من اسطنبول ولو للحظات والعودة إلى أحياء دمشق أو حلب، خصوصا أن روادها من السوريين منتشرين على طول الطريق.

هنا تغيب اللغة التركية عن الأذن، ويعبق الشارع برائحة الطعام الشامي والحلبي، مما يجعلك تخرج بخيالك من المدينة التي تعيش فيها الآن.

ثقافة اللاجئ .. وثقافة التاجر

وضع أصحاب بعض المحلات علي واجهاتها عبارت مثل "المطبخ السوري العثماني"، الأمر الذي استفز الدكتور "أحمد" فقال: "متى كان للسوريين والعثمانيين مطبخا مشتركا؟ تركيا اليوم ليست عثمانية، لقد كان عهد وانقضى، اليوم تركيا هي الجمهورية الجارة التي صنعها أتاتورك في عشرينيات القرن المنصرم، والتي تجمع السوريين علاقة طيبة معها اليوم".

أما "خالد" العامل بأحد هذه المطاعم فيخبرنا: "لقد كانت ثقافة المطبخ العثماني موجودة في حياة السوريين لأربعة عقود، لا أدري ما المزعج في هذه الجملة، بالتأكيد هناك ما هو مشترك بين المطبخين وقد أثرا ببعضهما البعض في الحقبة العثمانية".

لكن إذا أردنا تفنيد الأمر فمن حق التاجر أن يسوق لمنتجه بالطريقة التي يراها مناسبة، لكن اليوم لم يعد هناك ما هو خارج المسائلة في حياة السوريين وقد تعرضت حياتهم لأصعب الهزات وفرضت أسئلة متنوعة على كل تفاصيلها.

وللسياح نصيب أيضا

لم يقتصر الأمر على الزبائن السوريين الذين يأتون إلى مطبخهم التقليدي، إنما كان للسياح نصيب أيضا، خاصة وأن هذه المحلات لم يعد وجودها مقتصرا على منطقة الفاتح، إنما أصبح هناك مطاعم كشاورما الريان وفروج الزعيم في شارع الاستقلال، أكثر شوارع اسطنبول سياحية، وهو الشارع الذي يمر به عدد هائل من الناس يوميا.

هناك وفي هذه المطاعم السورية تجد عدة جنسيات في المطعم، فالشارع الطويل نفسه يوفر للسائح خيارات كالأكل البلقاني، أو الصيني، أو التركي، ولاحقا السوري، "جوي" إحدى زبائن فروج الزعيم أخبرتنا التالي: "أجد في المطبخ السوري النكهات الغريبة التي أبحث عنها، ناهيك عن أن الأسعار هنا مقبولة وأكاد أقول رخيصة مقارنة بباقي المحلات".

وكما كان التجار ينقلون ثقافة بلادهم قبل انفتاح العالم، هكذا يفعل التجار السوريين اليوم، التاجر الذي يسعى دائما نحو المزيد من المال، ينشر بطريقه ثقافة بلاده، ويقدم خدمة خاصة لزبائنه الذين اشتاقوا لمناخ مطاعم بلادهم؛ التي يشتهون تذوق طعم الهواء فيها.