الفنون أذواق.. فماذا عن أم كلثوم؟

جلست مع مجموعة من الأصدقاء الأفاضل الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين ووسط الأحاديث الكثيرة التي اتفقنا عليها كان هناك نقاش حاد اختلفنا فيه وللاسف وصل الخلاف لحد انسحاب البعض من المناقشة واتخاذ موقف من الآخرين وكأننا خضنا حربا باردة بسبب قضية لاتندرج سوى تحت عنوان واحد وهو الفنون أذواق.

الحوار بدأ كالعادة حول الأصوات التي يحبها كل واحد فينا وتأثيرها في مشاعره وحياته ورغم اتفاق معظم الحاضرين علي صوت واحساس وأغاني سيدة الغناء العربي الفاضلة أم كلثوم إلا أنني ولأول مرة أعلن رأيي بكل صراحة في الست واعترفت أنني أعشق أغانيها بأصوات آخرين مثل مدحت صالح وجورج وسوف وآمال ماهر وأنغام وشيرين وغيرهم من الأصوات المحببة إلى قلبي وأشعر معهم بالطمأنينة والهدوء بعكس ما يحدث لي وهذا رأيي بكل صراحة عندما أحاول مجاراة جمهور أم كلثوم من الاستسلام التام لكل فقرتها وأغانيها والاعادة والتطويل واللعب على الوصلات الموسيقية والعزف المنفرد لبعض الآلات.

أم كلثوم.. إنما للست حدود

الست أم كلثوم

أصدقائي رفضوا رأيي وكأنني أعلنت الخروج عن كل النصوص.. كأنني بكلماتي ومشاعري الخاصة قررت هدم تاريخ الغناء العربي الخاص بأم كلثوم أو كأن رأيي هو الذي سوف يصبح نهج القادمين والسابقين والتهديد الحقيقي لامبراطورية الست الشامخة.. حاولت جاهدا أن أوضح لهم حجم وتاريخ سيدة الغناء العربي وأن هذا الاسم من المستحيل أن يهتز او يترنح حتى لو حاول الملايين التشكيك فيه وأن الذوق الغنائي لا يعتمد على عوامل الوراثة أو رأي المجموعة والفن ليعترف بالتبعية أو التقليد الأعمى والاستسلام لمشاعر الاخرين.

انا لا أستمتع بصوت أم كلثوم مثلما لا أرحب بأكل البامية.. لا تتمايل أحاسيسي مع كلمات مثل “إنما للصبر حدود” وعبارات مثل و”انت معايا يصعب عليا رمشة عنيا ولا حتي ثانية”.. رغم احترامي التام للمؤسسة التي صنعت تاريخ الست من شعراء وملحنين وعازفين وإعلام ودعم رئاسي وحكومي وجماهيري أيضا ولو أن تلك المؤسسة توفرت لاسمهان او ليلى مراد لكان لدينا سيدات في الغناء العربي وليس سيدة واحدة.

رأيي مازال يعبر عن شخصي وذوقي ومشاعري وربما الحياة والتجارب وظروف التي عشتها ولا أسمح أبدا باعتباره نقد أو هجوم أو انتقاص من نجاح وتاريخ سيدة من أهم وأشهر رموز الغناء في الوطن العربي.

انا أكره المسلمات بطبعي وأرحب بطرح وجهات النظر المختلفة وطالما أننا نتحدث عن ذوق وابداع وفنون فمن حق كل إنسان أن يعبر عن أحاسيسه الخاصة بطريقته وان يستمع للصوت المريح لأذنه وليس لابناء جيله أو الأجيال السابقة.

أم كلثوم.. إنما للست حدود

أم كلثوم على مسرح بوسط القاهرة- غيتي

 

كل الاحترام والتقدير والفخر لأم كلثوم لكن صوتها لا يتناسب مع أذني ولم يصل يوما لأعماقي ومشاعري .. لم أتخيل يوما أنني قد أعيش قصة حب مع “الأطلال” أو “أراك عصي الدمع” أو “هو صحيح الهوى غلاب” لأن الأغنية أصلا تجيب عن نفسها باختصار شديد حيث قالت الست : معرفش أنا!!

لست هنا أصلا في مكان أو مساحة أو وقت انتقد فيه أغاني أو صوت أو أداء سيدة الغناء العربي لكني فقط أتمنى أن نتعلم كيف نصنع مساحات هادئة من الاختلاف الراقي خصوصا في كل ما يخص الفن والإبداع .. ليس من الواجب أن يكون إسماعيل يس هو أفضل من يدفعني للضحك ولماذا لا تصيبني القشعريرة من أداء محي الدين إسماعيل.. كيف لا أبكي في مشاهد أمينة رزق وهل محمد عوض كوميديان بالنسبة لي؟

كلها أسئلة لن تكون لها سوى إجابات مختلفة تتنوع بين الأذواق المختلفة وليس بالضرورة أن تكون إجاباتي على هواك أو حتى عكس إجاباتك.. إنه الإبداع والذوق يا سادة فارجوكم لا تدفعوني لحب صوت أم كلثوم من أجل ارضائكم ولا تحدثوني عن مستوى طبقات صوتها التي لن تتكرر وكلمات أغانيها التي لن يكتبها شاعر ولن يستطيع ملحن أن يقدم ربع ما قدمه الملحنين الذين صنعوا أغنيات الست!

أرجوكم لا تفعلوا ما فعلته إحدى عماتي عندما اضطرتني لشرب الشاي باللبن يوميا رغما عني في مرحلة دراستي الابتدائية ورغم علمها التام أنني بعد شربه كنت أدخل إلى الحمام مغشيا علي تقريبا من طعمه إلا أنها كانت في صباح اليوم التالي تقدم لي قبل المدرسة نفس كوب الشاي باللبن لدرجة أنني أصبحت الآن لا أجلس في مكان يشرب فيه أحد كوب شاي باللبن!

أرجوكم دعوني استمتع بصوت شاكوش طالما أن أذني ومشاعري تسمو معه ولا تضطهدوني لاني أصاب بالنعاس من صوت أم كلثوم.