في المقال الأول عن رحلة المخرج المصري محمد دياب من غسيل السيارات إلى العالمية، حاولت قراءة فصول من كفاحه، فوجئ بها هو شخصياً عندما قرأها بعد النشر، لكن بقيت في ذهني أسئلة مهمة.. كيف ومتى بدأ تواصله مع مارفل؟

ولماذا اختارته هو تحديداً لإخراج مسلسل “مون نايت”؟ وكيف استطاع إدخال كل هذا العدد من المبدعين المصريين وهذه الأغاني المصرية القديمة والحديثة في العمل؟الأمر ليس سهلاً! وما حكاية ضم ماجد الكدواني وأحمد الفيشاوي؟ وما هي مشاريعه القادمة؟

وماذا عن العودة إلى مصر بعد الهجرة إلى أمريكا قبل 3 سنوات؟

 

عمر الشريف ورامي مالك ومحمد دياب

قبل معرفة إجابات “دياب” وتواصلي معه، تذكرت قصص نجاح مصريين في مجالات كثيرة بزغوا وتألقوا وتوهجوا بالخارج. بعضهم بنى قصة نجاحه بأكملها هناك، وبعضهم بدأ من مصر، ثم ضاقت به الدنيا بما رحبت وهاجر إلى بلاد الله الواسعة، يسعى ويكد ويجتهد. منهم من وصل إلى القمة وحقق إنجازات تفاخر بها المصريون واستقبلوه استقبال الأبطال، ومنهم من لم يسمعوا عنه شيئاً، وبعضهم وصل إلى المجد ومع أول اختلاف أو خلاف، ذبحوه وسلخوه وفي الجحيم وضعوه.

 

مع محمد دياب.. عن فرصة الكدواني والفيشاوي وعرض الأهرامات

عمر الشريف ورامي مالك أبدعا في سماء هوليوود

 

ترك عمر الشريف مصر، ففاز بعد فيلم “لورانس العرب” و”الدكتور جيفاجو” بجوائز الجولدن جلوب، ووُلد المصري رامي مالك في أمريكا، ثم فاز بالأوسكار وإيمي والجولدن جلوب. كلاهما فاز بنفس الجائزة بفارق نصف قرن من الزمان. نشأ رامي مالك في أمريكا وترعرع كما يقول على حب الاستماع إلى أم كلثوم وعمر الشريف، لكن محمد دياب فعل ما هو أصعب!جعل الأمريكان والعالم كله يستمع إلى نجاة وعبدالحليم وأحمد سعد وعنبة، من قلب هوليوود وعبر منصة”ديزني” العالمية التي لا تعرف الحدود، بل يصنع محمد دياب بمسلسله وخلطته ترينداً عالمياً كل أربعاء مع كل حلقة تذاع يتردد فيها اسمه واسم مصر عالياً.

 

الانسحاق الفكري وتقبيل الأقدام

من أكثر الأشياء التي آلمتني في رمضان هذا العام، مشهد ظهر فيه ممثل مصري صاعد منذ أيام في برنامج مقالب شهير وهو يقول لممثل عالمي من نجوم هوليوود جملة صعقتني: “أنا مش مصدق إني هأمثل قدامك، ده أنا ممكن أوطي على رجلك أبوسها من الفرحة دلوقتي”. ثم يزيدك المشهد وجعاً أكبر عندما يرد النجم العالمي عليه: “الأم فقط هي التي يمكن تقبيل قدمها”. صحيح أن النجم الشاب اعتذر بعد الهجوم عليه واتهامه بإهانة الفن المصري، وحاول النجم العالمي مساندته برسالة عبر السوشيال ميديا، لكن القصة بأكملها كاشفة ومؤلمة.

بعدها بيومين لا أكثر، وعلى شاشة نفس القناة، يستضيف الإعلامي عمرو أديب المخرج محمد دياب من هوليوود ليتحدث عن نجاحه في “مون نايت”، فيتكلم بكل ثقة وإيمان بموهبته وتعبه وسعيه بدون تقبيل أقدام ولا مسح جوخ ولا تقديم تنازلات من أي نوع، قال دياب لأديب جملة لا تنسى: “أنا دخلت المشروع دا وكل اللي يهمني أدّخل مصر في جملة مفيدة.. دي أول مرة يدونوا فرصة نبين صورتنا وصوتنا وبلدنا، مصر لازم تطلع بطعمها.. دي أهم حاجة.. إننا ما رحناش وانسحقنا فكرياً، احنا رحنا ونضحنا عليهم”. انتهى كلام “دياب” الذي لم ينسحق حتى وإن لم تعطه مصر ما يستحق!

 

ما بعد الهجرة إلى أمريكا

بعد الهجرة في 2019، بدأ محمد دياب من الصفر في منزل صغير وحياة أقل من عادية. رحلة صعبة لم يكن مستعداً لها مادياً. يكفي أن ابنته “نيللي” وهي في العاشرة من عمرها، تنقلت بين 10 مدارس منذ الهجرة حتى الآن. يحمد الله أن لديه أسرة تتحمل وتضحي بسعادة من أجل نجاح مشروعه.

عُرضت سيناريوهات على دياب، رفضها رغم احتياجه الشديد للفرصة والمال، لكن كان يعي جيداً أن مشروعه الأول في أمريكا هو بطاقة تعارف في هوليوود مدى الحياة.حاول الاختيار بعناية، لدرجة جعلت وكيل أعماله يطلق عليه “مستر نو” الرجل الذي يقول “لا”، لكن عندما جاءت فرصة “مون نايت” شعر أنه مشروع عمره، وأنه وُلِدَ ليخرجه.

 

كيف بدأ التواصل مع مارفل؟

البداية كانت من خلال وكيل أعمال “دياب” الذي تعاقد معه بعد نجاح فيلمه “اشتباك” في مهرجان “كان السينمائي”، ثم حصل تواصل مع “جرانت كيرتس” البروديوسر (المنتج الفني) المسئول من شركة “مارفل” عن ترشيح المخرجين المتقدمين وتصفيتهم إلى ثلاثة فقط لمقابلة رئيس الشركة. في البداية شاهدوا أعمال “دياب” القديمة وأعجبتهم، ثم أرسلت الشركة إلى دياب وزوجته سارة جوهر كل كتب رسومات مارفل المصورة، وطُلِبَ منهم تقديم “برزنتيشن”لتوضيح رؤيتهم للعمل كاملة.

 

“برزنتيشن”من 200 صفحة

كانت هذه هي المرة الأولى في حياة “دياب” التي يقدم فيها “برزنتيشن”، يشرح فيها لماذا هو الأجدر لإخراج هذا المسلسل، منها حبه منذ الطفولة لـ “كوميك بوكس”، وارتباطه بالثقافة الفرعونية منذ الصغر، وعمله في مشروع فني عن مرض الفصام الذي يمثلاً جزءاً أساسياً من قصة “مون نايت”. عرض “دياب” وصل إلى  200 صفحة عبارة عن صور تشرح كل ما يريد فعله، ورؤيته لتطوير الشخصيات والموسيقى التصويرية وأماكن التصوير والمونتاج والأكشن، وخصص قسماً فيها بعنوان “مش مصر .. ومصر”، عرض فيه المرات التي ظهرت فيه مصر في السينما العالمية ولم تكن هي مصر، بل أماكن أخرى في الأردن أو المغرب أو أسبانيا، ثم بعدها عرض عليهم مصر على حقيقتها والتي لا تُرىفي هوليوود. كان يحلم بتصوير مشاهد مصر في مصر الحقيقية، لكن مصر نفسها أجبرته في النهاية على تصويرها في المجر!

 

مارفل تبحث عن ماضي محمد دياب

اعتاد الأجانب عند منح فرصة عمل  أو حتى منحة دراسية لشخص، السؤال عنه في الأماكن ومع الأشخاص الذين عمل تحت إدارتهم، ويطلبون خطاب توصية أحياناً. فعلت “مارفل” مع “دياب” نفس الأمر. بعد تقديمه البريزنتيشن أمام “كيفن فايجي” رئيس شركة “استديوهات مارفل” العالمية، اتصلوا بكل المنتجين الذين عمل معهم “دياب” في الماضي، مثل إيريك لاجاس في فرنسا، ومحمد حفظي من مصر، ورولا من الأردن وكوبر في أمريكا. سؤالهم الرئيسي كان عن مدى قدرته على العمل الجماعي ضمن فريق ومنظومة، خاصة وأن نجاحاته كانت في السينما المستقلة.

 

مع محمد دياب.. عن فرصة الكدواني والفيشاوي وعرض الأهرامات

فايجي رئيس شركة أستوديوهات مارفل

 

الرقص على شاطئ البحر

بعد شهرين من توتر الأعصاب والخشية من ضياع المتوترة فرصة العمر، كان محمد دياب وزوجته سارة وطفلاه “نيللي” و”زين” يجلسون على البحر في ولاية ميتشجن الأمريكية، ثم استقبل اتصالاً من “جرانت كيرتس” بروديوسر المسلسل، يخبره فيه بوقوع اختيار “مارفل” عليه لإخراج العمل. لم يستوعب “دياب” ما حدث، وبعدما أغلق دياب الخط، أخبر أسرته الصغيرة بالخبر، وظلوا يرقصون على الشاطئ وفي الشارع وهم لا يصدقون، والناس من حولهم لا يعرفونهم، ولا يعرفون سر فرحتهم وجنانهم بالرقص المفاجئ، في هذه اللحظة أدرك دياب وسارة أن حياتهم قد تغيرت

دياب يحول أليسا إلى ليلى

تعاقد “دياب” مع “مارفل”، ليكون المخرج الرئيسي (Lead Director) المنوط به اختيار كل عناصر العمل، من ممثلين ومديري تصوير وموسيقيين وغيرهم وإخراج 4 حلقات هي الأولى والثالثة والخامسة والأخيرة. لكن النجم العالمي “أوسكار إسحاق” بطل المسلسل اشترط قبل الاتفاق معه أن يكتب “دياب” نسخة جديدة من السيناريو قبل التصوير لتتضح صورة الشخصيات كاملة.

في هذه المرحلة كانت هناك شخصية اسمها (أليسا) ولم تكن شخصية مصرية، وحولها دياب إلى شخصية مصرية تحمل اسم “ليلى الفولي”تقوم بدور عالمة آثار، وتؤدي دورها الفنانة مصرية الفلسطينية الأصل، والبحرينية الجنسية “مي القلماوي” التي يتنبأ لها “دياب” بمستقبل كبير في هوليوود. و هناك دور آخر مميز ومهم لـ “خالد عبدالله” وهو ممثل بريطاني، من أصول مصرية، ويعمل في انجلترا وهوليوود.

 

مع محمد دياب.. عن فرصة الكدواني والفيشاوي وعرض الأهرامات

الفنانة مي القلماوي مع أبطال مسلسل مونت نايت

 

استبعاد أدوار ماجد الكدواني وأحمد الفيشاوي

كشف لي “دياب” أنه في مرحلة إعادة كتابة سيناريو مسلسل “مون نايت”، كتب بنفسه دوراً ليقوم بتأديته الفنان المصري “ماجد الكدواني” الذي شاركه فيلمه 678 عن قضية التحرش، ودوراً آخر للفنان “أحمد الفيشاوي” رفيق رحلة البدايات كما ذكرت في المقال الأول، وبدأ “دياب” مشاورات معهما بالفعل في مرحلة مبكرة من مرحلة التخطيط للمسلسل بعد إتمام التعاقد معه. لكن ولأن دياب “ترس في منظومة مارفل” كما يحلو له أن يسميها، فالقرار ليس قراره وحده، وحصلت تغييرات أخرى في السيناريو، كانت من نتائجها استبعاد أدوار “الكدواني” و”الفيشاوي”، وكذلك دور ثالث للفنان المصري الشاب “كريم قاسم” رغم تعاقد “مارفل” معه بالفعل، كما أن هناك نجوم مصريين شاركوا في المسلسل وصوروا مشاهدهم كاملة، ثم قُلصت مساحة أدوارهم فيما بعد في مرحلة المونتاج.

 

مع محمد دياب.. عن فرصة الكدواني والفيشاوي وعرض الأهرامات

محمد دياب مع الفنان ماجد الكدواني وأبطال فيلم 678

 

مروة جبريل وكاستينج النجوم المصريين

تولت مروة جبريل، مدربة التمثيل ومسئولة الكاستينج المصرية، عملية ترشحات النجوم المصريين المشاركين في مسلسل “مون نايت”. كانت المهمة صعبة لعدم إجادة نجوم مصريين كثيرين للغة الإنجليزية، إضافة إلى عدم وجود ثقافة لدى نجوم الصف الأول بأهمية الكاستينج كجزء أساسي من طبيعة العمل، ولجوئهم أحياناً إلى رفضه أو التعالي عليه، أو عدم قدرتهم اجتياز الكاستينج رغم الشهرة، وتسبب ذلك في فشل عدد من نجمات الصف الأول المصريين في الانضمام للمسلسل، وبخاصة لأداء دور شخصية

“ليلى” المحوري الذي اختيرت له فيما بعد “مي القلماوي”، لكن “دياب” رفض الإفصاح لي عن أسماء تلك النجمات.

 

مع محمد دياب.. عن فرصة الكدواني والفيشاوي وعرض الأهرامات

محمد دياب مع نجوم هوليوود خلال تصوير المسلسل في المجر العام الماضي

 

إفطار رمضان مع نجوم هوليوود

هذه صورة التي تجمع “محمد دياب” وزوجته سارة مع أبطال العمل من نجوم هوليوود “إيثان هوك” وزوجته و”أوسكار إسحاق” لها قصة، فقد تم التقاطها منذ عام تقريباً بعد مشاركتهم له إفطار أول أيام شهر رمضان 2021 في بودابست بالمجر قبل أيام من بدء تصوير المسلسل، واستمر التصوير 120 يوماً متواصلين من ضمنهم شهر رمضان الذي يتفاءل به “دياب”.

انتهى التصوير في أوائل شهر أكتوبر عام 2021، وخلال 6 أشهر تسلمت إدارة “ديزني” من “مارفل” 6 حلقات كاملة للمسلسل، وهذه معجزة لضيق الوقت. عمل الكل بجد حتى أصيب “دياب” بالتعب والإرهاق جسمانياً وفكرياً ونفسياً .

 

الإشادة الأهم من أسطورة الإخراج

أهم إشادة عالمية وصلت لـ “محمد دياب” كانت من كبيرهم الذي علمهم سحر الإخراج، الأسطورة “دارن آرونوفسکی” أحد أشهر المخرجين في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي حصد حوالي 30 جائزة عالمية عن 18 فيلم، ما بين إخراج وإنتاج وكتابة سيناريوهات، أرسل “دارن آرونوفسکی” إلى “دياب” رسالة بعد بدء بث “مون نايت” قال له فيها نصاً: “الحلقة الأولى كانت رائعة”.

 

مع محمد دياب.. عن فرصة الكدواني والفيشاوي وعرض الأهرامات

أبطال مون نايت خلال العرض الخاص للمسلسل

 

المشروع القادم

يتمنى “دياب” أن يكون مثل “ألفونسو كوارون”المخرج والمنتج والكاتب السينمائي المكسيكي، الذييخرجمشروعاً في هوليوود، ثم يعمل بعده على مشروع آخر في بلده المكسيك، وخطة “دياب” أن يقوم بعمل آخر في هوليوود ثم يعود بعدها بعمل من مصر.

 

عرض خاص أمام الأهرامات

خلال العرض الخاص للمسلسل في لوس أنجلوس، اقترح “دياب” على رئيس “مارفل” عمل عرض خاص للمسلسل أمام الأهرامات، وكلفه “كيفن فايجي” بدراسة الأمر جيداً وعرض كافة التفاصيل عليه مرة أخرى. يسعى دياب لتحقيق ذلك كما أكد لي، ويحلم بحضور  الصحافة العالمية لأن هذا سيكون ترويجاً كبيراً لمصر، فهل تهتم مصر؟

 

هل من مجيب؟

لا أعرف إن كان إنجاز محمد دياب يمكن تكراره مرة أخرى أم لا، لكني على يقين أنه أصبح ملهماً لجيل كبير من المبدعين المصريين، وأنه سيكون جسراً لسطوع نجوم مصريين آخرين في سماء هوليوود. أتنبأ له بأعمال كبيرة قريباً جداً بعد نجاح مون نايت.

ختاماً..أتمنى أن يعي القائمون على ملف الإبداع والفن في مصر ما حققه “دياب” من نجاح وإنجاز، وأن نفكر في استغلال هذا النجاح لصالح مصر، سواء في التسويق أو صناعة السينما أو السياحة.. والبداية أن يكونهناك حل جذري لمشكلة التصاريح والروتين والرقابة.. فهل من مجيب؟

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن