انشقاقات ومحاولات نفي.. القاعدة في اليمن تتخبط
تعليقًا على الأنباء التي كشفت عن عملية تبادل السجناء بين تنظيم القاعدة في اليمن، وميليشيات الحوثي، بعد إطلاق الأخيرة عنصرين من تنظيم القاعدة هما (القعقاع البيحاني، موحد البيضاني) في 14 فبراير، أكدت الحكومة اليمنية أن هذا التنسيق والتخادم بين الطرفين يأتي برعاية إيرانية.
وكانت قد اعترفت ميليشيات الحوثي بإجراء عملية تبادل أسرى مع تنظيم القاعدة في محافظة البيضاء.
وجاءت هذه الأنباء، بالتزامن مع نشر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب “اليمن” إصدارًا ضمن سلسلة ” نافح الطيب”، سلط فيه الضوء على السيرة الذاتية لأحد القادة الميدانيين الذين قتلوا بغارة جوية لقوات التحالف في محافظة حضرموت.وجاء الإصدار الذي نشر عبر مؤسسة “الملاحم” الذراع الدعائي للقاعدة، لتسليط الضوء على سيرة القيادي الميداني أبو عزام الحلكي “محمد صالح باكرموم الحلكي”، والذي ينحدر من مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت.
وخلال الفترة الأخيرة ساهمت التقارير التي نشرتها “أخبار الآن” في إثارة بلبلة واضطراب واضح داخل صفوف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي ينشط في اليمن، بعد انكشاف حقيقة التخادم بين التنظيم والحوثيين التابعين لإيران، إذ يتلقى التنظيم توجيهاته من طهران التي تستضيف سيف العدل، والذي بحسب تقرير الأمم المتحدة يعتبر الأمير الفعلي لتنظيم القاعدة، ويدير نجله ابن المدني الاتصالات بين إيران وقاعدة اليمن.
ووجهت قيادات قاعدية معتزلة اتهاماتها لابن المدني ووالده بالمسؤولية عن الاختراقات الأمنية والعديد من عمليات التصفية للقيادات المعارضة لنفوذهما، خاصةً بعد أن صعد نجم نجل سيف العدل في ظل قيادة باطرفي للتنظيم منذ بداية عام 2020.
كما أكد تقرير جديد للأمم المتحدة-أقرته واشنطن- أن سيف العدل المقيم في إيران هو الذي يتزعم القاعدة حاليًا، مما أثار دعوات جهادية للانشقاق عن التنظيم بعد استيلاء سيف العدل على إمارته مما يعني أن الحرس الثوري الإيراني بات يتحكم في قراراته.
واضطر خالد باطرفي، زعيم فرع القاعدة باليمن، إلى إصدار خطاب مرئي هاجم فيه إيران والحوثي، بهدف احتواء مشاعر النقمة داخل جماعته، بسبب التخادم غير المعترف به مع الحوثي، والذي اتضح بشكل جلي منذ أوقف باطرفي عملياته العسكرية ضد الحوثيين وركز على مهاجمة الحكومة الشرعية والقبائل السنية، مما ساهم في خلخلة التماسك الداخلي للتنظيم، وهز ثقة القبائل به.
لذا سعى باطرفي لإطلاق حملة جديدة لاستهداف المحافظات المحررة وتكثيف الهجمات على الحكومة الشرعية، وفي سبيل إنجاح هذه الحملة واستعادة ثقة القبائل كثف من اللقاءات مع قادة المناطق في الجنوب، وبموازاة ذلك عقد لقاءات مع قادة التنظيم بهدف التجهيز لجولة جديدة من الهجمات على مناطق الحوثي لإثبات عدم عمالته للميليشيات التابعة لطهران، لكنه فعليًا لم يقدم أي دعم لتنفيذ مثل تلك العمليات.
وشهدت محافظة شبوة عودة غير متوقعة لهجمات القاعدة لعدة أهداف منها إرسال رسائل للمنشقين والمعتزلين للعودة إلى التنظيم بعد هجرة الكثير من الشبوانيين للقاعدة في ظل تهميش القيادي سعد عاطف العولقي، وسحب ملف الإشراف على شبوة وأبين منه وتسليمه إلى أبو أسامة الدياني، المقرب من باطرفي.
لكن في 13 فبراير من العام الحالي ٢٠٢٣، ظهر العولقي بشكل مفاجئ في فيديو بصحبة باطرفي يطلب فيها دعم القبائل الجنوبية للتنظيم، فيما بدا ظاهريا كمحاولة منه لمساعدة رئيسه وإظهار التضامن معه بعد تعمق الخلافات بينهما العام الماضي.
حديث العولقي خلال اللقاء عن ضرورة هزيمة إيران ومن يساندها أعطى إشارة لكل من يعارض الحوثي مفادها أنه هو وأتباعه ضد مشروع إيران في اليمن على عكس سيف العدل وباطرفي.
كما يمكن اعتبار ظهور العولقي لأول مرة في فيديو دعائي للقاعدة إيذانًا إيذانًا ببدء ترسيخ زعامته للتنظيم بعيًدا عن باطرفي ومقربيه الذين تلاحقهم الاتهامات والشكوك من أبناء التنظيم قبل غيرهم، ومؤشرا على ضعف موقف باطرفي واضطراره لإفساح المجال أمام منافسه الأبرز والاعتراف بنفوذه، وهو تحول مهم له ما بعده.
طوفان الانشقاق
وقد أصبحت أزمة المنشقين بمثابة نزيف دائم لا تقوى القاعدة على تحمله ولا وقفه، إذ يواصل المزيد من أعضاء القاعدة الفرار من التنظيم بعد أن أثبتت قيادته الحالية فشلها في إدارة الأمور.
وعند التطرق لدراسة نماذج من حالات الانشقاق يتضح لنا أن هذه الظاهرة ليست نتيجة قرارات فردية للعناصر المنشقة بقدر ما هي إفراز طبيعي للأزمات التي يمر بها التنظيم في ظل قيادة باطرفي الذي انهارت الأوضاع الداخلية في عهده بشكل كبير، مما يؤذن بقرب نهاية هذه التجربة المريرة، وهذا ما استشرفه البعض وقرر القفز من سفينة القاعدة وهي تغرق بسبب سوء الإدارة وضياع البوصلة والتخبط الشديد خاصةً في الآونة الأخيرة.
ويدلل على ذلك نموذج سند الوحيشي شقيق القائد المؤسس للتنظيم، ناصر الوحيشي، الذي كان أحد أهم القادة الإداريين والشرعيين داخل التنظيم، وبدأ خلافه مع قيادة قاسم الريمي فاعتزل في بيته، وظل يرفض التجاوب مع محاولات الوساطة قائلا إنه لا يحتاج إلى وسطاء حتى يرجع لأن الخلاف ليس شخصيًا، بل بسبب الانحراف المنهجي الذي يراه يزداد يومًا بعد يوم بدون أي مراجعة أو محاسبة، ثم أعلن انشقاقه رسميًا في بيان “لماذا تركت القاعدة” عقب واقعة الإعدام المثيرة للجدل للدكتور مظهر اليوسفي وصلبه أمام المارة في مديرية الصومعة بالبيضاء، وعدّد الوحيشي في بيانه المخالفات الشرعية التي تحدث داخل التنظيم، واعتزل التنظيم عدد من المقربين منه أيضًا.
وقد تتابعت الانشقاقات من قادة التنظيم من كافة المستويات، وغالبا ما يلحق بهم أتباعهم مثل حسين باشيبه والمعروف بـ”حسين البدوي”، المسؤول العسكري للتنظيم في شرق شبوة، الذي انشق ومعه ما يقارب 16 فرد من قبيلته معظمهم قيادات متوسطة في التنظيم.
وكان باشيبه أحد القيادات بدأوا مع القاعدة منذ البداية، وكان يوفر بيئة آمنة للتنظيم في شبوة، ويشارك بقوة في عملية التجنيد للعناصر الجديدة.
وفي ذات السياق، تقول الباحثة المتخصصة في شؤون الحركات الجهادية، نهاد الجريري، إنه يمكن معرفة الكثير عن الانشقاقات في اليمن بالنظر إلى قضية أبي عمر النهدي، وهو قيادي وشرعي مهم في التنظيم وإن لم يظهر في الإعلام، وما حدث معه هو سوء إدارة من القيادة، فقد ظل وفياً للتنظيم حتى في خطاباته المضادة في فترة تبادله الخطابات مع القيادة في النصف الأول من ٢٠٢٠، وانتهى الأمر بأن رفضت قيادة التنظيم الاستجابة إلى مطالبه ومن معه من المتظلمين؛ وكان المعني الأول بالاستجابة هو خالد باطرفي الزعيم الحالي للتنظيم، ورغم أن النهدي لم يتراجع عن موقفه، فلم يصدر عنه شيء منذ تلك الفترة، ولم يُذكر أنه شكل فصيلاً موازياً للقاعدة، وهذا يعزز الاعتقاد أنه ”اعتزل“ ومن معه تنظيم القاعدة، وهكذا خسر التنظيم قيادات ميدانية وشرعية وحتى مالية، ولا يزال يسير على نفس النهج، فقد كان إطلاق التهم بالجاسوسية جزافاً أبرز مسائل الخلاف بين النهدي والقيادة، ولا يزال التنظيم يفعل ذلك إلى اليوم.
ولفتت الجريري إلى أن أولويات التنظيم المالية مرتبكة؛ فزعيمه خالد باطرفي ذكر الضائقة المالية التي يمر بها التنظيم، وكذلك نعلم من “رسالة مناصر” أنه دعا إلى نجدة ”الإخوة“ في أبين نظراً لضيق حالهم، وفي المقابل، نسمع عن عناصر يقاتلون مع الحوثيين أو مع القوات اليمنية الحكومية، فبوصلة ولاءات عناصر التنظيم اختلّت، فإن لم ينشقوا ويعلنوا ذلك، نجدهم يقاتلون مع من يدفع أكثر، أما القادة الكبار، فلا يملكون إلا الاعتزال، والسبب في ذلك على الأرجح هو أنهم يخشون أن تغتالهم القاعدة التي لم ولن تتوانى عن قتل أي شخص والتهمة جاهزة وهي ”التجسس”، لذلك ثمة حاجة لاستقطاب هؤلاء المنشقين للعمل ضد التنظيم.
وأضافت الجريري أنه من المتوقع أن تشهد القاعدة اعتزالاً/ انشقاقاً كبيراً آخر بشكل مؤكد، وهنا لدينا سابقتان: واقعة النهدي؛ وواقعة أخرى أقدم هي الصراع الذي تلا قتل جلال بلعيدي المقرشي في فبراير ٢٠١٦، ووقتها اعترضت عائلة المقرشي على تعيين أبي أنس الصنعاني خلفاً له.
وتشير الباحثة المتخصصة في شؤون الحركات الجهادية، إلى أن الحديث اليوم يتزايد عن خلافات بين سعد العولقي وخالد باطرفي، لافتة إلى أن أول مرة سمعنا بهذا الخلاف كان في مارس ٢٠٢٢، وسمعناه مرة أخرى مع نهاية العام، وعلمنا أن جزءًا من الخلاف تعلق بأن جماعة سعد اتهمت جماعة باطرفي بـ ”تشريح“ القيادي أبي عبيد الحضرمي (صالح عبولان)، والسبب خلاف على الموارد والنفوذ، فلم يعد التنظيم يسيطر على مناطق تدر عليه دخلاً.
ضياع البوصلة
خلال الفترة الأخيرة بات واضحًا لدى الكثيرين فقدان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لسرد مقنع يبرر به استمرار وجوده، فلم يعد العديد من أتباعه قادرين على فهم حقيقة المعركة التي يخوضونها، في ظل تمسك خالد باطرفي بإعطاء الأولوية لقتال العدو البعيد وهوسه بالمؤامرات الخارجية غير المجدية وترك العدو الحوثي الذي يقف على رأسه والذي توسع على حسابه، فلا هو استطاع أن يواجه عدوًا قريبًا ولا بعيدًا، بل وجه جهوده لقتال قوات الشرعية وطعنها من الظهر بينما هي منشغلة بالتصدي لميليشيات الحوثي التابعة لإيران، مما جعل القاعدة، شاءت أم أبت، خادمة لإيران في ميدان الحرب.
وأدرك بعض عناصر القاعدة عبثية طرح باطرفي وانسياقه وراء أوامر تأتيه من قيادة القاعدة بإيران لا تراعي الأوضاع المحلية بل تفكر وفق أجندة خاصة ترفع شعار التركيز على العدو البعيد بينما على أرض الواقع يتلقى التنظيم الضربات من أعدائه القريبين حتى خسر أغلب ما لديه من أراضي وأموال وإمكانيات.
وأدى انحسار سيطرة التنظيم عن معظم المناطق إلى إضعاف قدرته على تجنيد واستقطاب عناصر جديدة فلم تعد القاعدة قوة يُرتكن إليها في الجنوب بعد هزائمها وانحسارها أمام الضربات العسكرية المختلفة، كما أن انكشاف أمر التخادم الميداني بين القاعدة والحوثي سبب صدمة للكثير من العناصر الجنوبية ودعاهم لترك الجماعة التي تخلت عن مناطق نفوذها وانسحبت أمام ميليشيات الحوثي، بعد أن أدركوا أن الجهاد المفترض الذي يضحون بأرواحهم فيه لا يسير في الطريق الصحيح بل يخدم أجندة إيران وميليشياتها، مما أوقع تذمرًا في صفوف التنظيم.
من جانبه أكد العقيد اليمني، ياسر صالح، أن العمليات العسكرية ضد القاعدة مؤخرا حققت الكثير من النجاحات؛ فعلى أقل تقدير استطاعت حصر التنظيم إلى داخل ملاذات آمنة يتخذها كمقرات له، وحدث انحسار كثير لنشاطه في محافظة أبين تحديدا والأجزاء الغربية من محافظة شبوة، فقد تم تنفيذ العديد من العمليات العسكرية والأمنية، مع العلم أن هذه التنظيمات مازالت تقوم ببعض العمليات بين الحين والآخر مثل عمليات التفجير ولم يعد هناك مواجهة مباشرة مع القوات في العمليات العسكرية، مشيرا إلى أن استمرار مثل هذه العمليات ضد القاعدة ولكن بتكتيكات أكثر دقة والاستعانة بوسائل معلومات أكثر حداثة وعمقًا يمكن أن يساهم في توجيه ضربات قاصمة لهذا التنظيم خصوصا في محافظة أبين.
وأضاف صالح في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن التخادم موجود بين الحوثي والقاعدة ليس فقط في المحافظات الجنوبية ولكن في مختلف المحافظات وخصوصا ببدء الحرب شاهدنا على مراحل متعددة آخرها كان منذ عدة أشهر بإطلاق أكثر من ثلاثين من أبناء القاعدة كانوا مسجونين لدى أجهزة الأمن السياسي والأمن القومي في النظام السابق وتم إطلاقهم مقابل أيضا إطلاق سراح محتجزين لديهم تبعا للاتفاق مع الحوثي.
وأردف أن هناك تبادل مهام بين الطرفين في مهاجمة الجيش وتنفيذ هجمات تزعزع أمن واستقرار الدولة وكان هناك اتفاق علني أثناء خروج العديد من قيادات القاعدة والتقائهم بقيادات الحوثي، والجميع بات يدرك التخادم الذي يحدث بين الحين والآخر، فهم يشتركون في هدف واحد وهو زعزعة أمن واستقرار الدولة خصوصا المناطق المحررة، إذ تحاول الجماعة الحوثية إيجاد الكثير من الفوضى وشن الكثير من العمليات حتى يظهروا عجز الدولة عن مواجهتهم وعدم استتباب الأمن في المناطق المحررة وبالتالي هو يخدم الحوثي بطريقة غير مباشرة عبر إيصال رسائل لعامة الشعب مفادها أن مناطق سيطرة الدولة ليست آمنة، وأن الأماكن التي يسيطر عليها ميليشيا الحوثي تشهد استقرارا في ظل انعدام في أي مهام لتنظيمي القاعدة وداعش في مناطق سيطرة الحوثي بناء على هذه الاتفاقات وأصبحت الغالبية تدرك ذلك ولكن أيضا مازال هناك نسبة كبيرة في الشعب تجهل مثل هذه الاتفاقات والتحالفات.
يشار إلى أنه بعد افتضاح أمر التخادم بين الطرفين، أعلنت القاعدة في اليمن، عن إجراء صفقة تبادل أسرى مع ميليشيات الحوثي الموالية لطهران، وذلك في نشرة للتنظيم على قناة مهند المجاهد التابعة لمؤسسة “الملاحم” الذراع الدعائي للقاعدة، في تطور لافت يلقي مزيدًا من الضوء على العلاقة بين الجماعتين الإرهابيتين.
جدير بالذكر أن القاعدة باتت تشكو علانية خلال الفترة الأخيرة من عدم الإقبال على الانضمام إلى صفوفها وعزوف القبائل عن دعمها، ويؤكد الباحث اليمني، غائب حواس، في تصريحاته لـ”أخبار الآن” انطفاء الوهج السابق لتنظيم القاعدة، قائلا إن مسألتهم محسومة فهم مدانون دولياً وموضوعون على قوائم الإرهاب وليسوا أكثر من ذريعة لوجود الحوثي، ففي السابق كانت القاعدة تملأ الدنيا ضجيجاً إن نفذت عملية تفجير أو قتل ونجد الدعاية الهوليودية المبالغ فيها، أما الآن فالموت والقتل في كل مكان ولم تعد هذه الدعاية تجد صدى لدى الشباب أو تثير حماسته فلم يعد أحد يلتفت إلى إصداراتهم بعد أن كانوا ينسجون أساطير على شخص واحد مات، لكن اليوم فالموت في كل مكان ولم يعد ينظر إليهم الناس كأبطال وأساطير فالأبطال هم من يواجهون الإرهاب الحوثي الإيراني.
وعلى صعيد آخر فإن القاعدة باتت مطمعًا للحوثي الذي نشطت قواته في استقطاب المنشقين عن القاعدة، سواء عبر تجنيدهم مباشرة والاستفادة من خدماتهم وخبراتهم العسكرية، أو حتى عبر استضافتهم لمنع خصومها من الاستفادة منهم، فمثلا عندما انشق سند الوحيشي وعجز عن تسوية أوضاعه مع الحكومة الشرعية استضافه الحوثيون هو ورجاله في مناطقهم، وبحسب ما نشرته “أخبار الآن” سابقًا، فحينما كان أحد عناصر القاعدة يقرر الانشقاق عن التنظيم، يتفاجأ بتواصل الحوثيين معه فورا بمجرد انشقاقه، مما يعكس عمق اختراق الحوثي للتنظيم.
لماذا ينشقون؟
لكل منشق عن القاعدة تجربة شخصية يمكن أن يرويها للعالم لكشف الوجه الحقيقي لباطرفي وعصابته، ومع أن قصص الانشقاق الفردية هذه قد تكون معروفة للبعض داخل اليمن، لكن خارج البلاد لا يعرف الناس سوى القليل عن هذه التجارب والظروف التي مر بها أصحابها، وقد أجرت “أخبار الآن” سابقًا لقاءًا مع أحد المنشقين وزوجته، تحدث فيه الرجل عن طرق الترهيب للاستمرار في التنظيم، إذ كان انضمامه إليهم لأجل الراتب الشهري وتوفير نفقاته المعيشية لكنه تعرض للصدمة حين وجهه التنظيم لقتل أشخاص مسلمين مثله يشهدون الشهادتين ويعتبرون ذلك جهادًا، كاشفًا عن أن هناك عناصر آخرين يريدون الانشقاق لكن بعضهم يُهدد بعائلته، وعبر الخطابات والمحاضرات كان التنظيم يتوعد بالانتقام من أي شخص يغادر صفوفه، مما سبب الخوف لمن يفكرون في الانشقاق وأجهض محاولات تحررهم في مهدها.
فيما أكد الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب، أحمد سلطان، أن القاعدة في اليمن شهدت أكبر حملة انشقاق منذ العام ٢٠١٥ خلال السنوات الماضية، وهذه الانشقاقات بدأت بعد مقتل أبو بصير ناصر الوحيشي أمير التنظيم الأسبق، وذلك لأسباب عديدة بعضها يتعلق بالخلافات مع القيادة في ظل توجهها واستراتيجياتها الحالية وبعضها يتعلق بالصراعات بين مكونات تنظيم القاعدة في اليمن وبعضها يتعلق بسوء الظروف التي يعيش فيها مقاتلي التنظيم الذي جرى تقويض قاعدته الشعبية إلى حد كبير حتى أنه في فترة من الفترات لجأ إلى مغازلة القبائل وتقديم نفسه على أنه مستعد لتدريب القبائل فقط حتى بدون أن ينخرط مقاتلوها في التنظيم وذلك من أجل أن يجد لنفسه موطئ قدم ويقدم نفسه للقبائل على أنه ناصر وداعم لها، لكن ثبت لدى القبائل ولدى العديدين داخل اليمن أن هذا غير حقيقي.
وأردف سلطان أن التنظيم يعاني بشدة نتيجة موجات الانشقاقات، ويعيش أضعف فتراته بعد أن كان مصنفا على أنه الفرع الأنشط للقاعدة على مستوى العالم؛ فعدد المقاتلين الذين انشقوا عنه يقدر بالمئات إن جاز القول، وهؤلاء انشقوا بعد الهزائم التي تلقتها القاعدة وبعد مقتل قادتها وأيضا نتيجة الخلافات والصراعات على إدارة الجبهات والصراعات على النفوذ والموارد، وكل هذه الأسباب أدت إلى ضعف التنظيم فضلا عن أنه جرى احتواء العديد من المنشقين من قبل القبائل من قبل المجتمع المحلى وبالتالي لم يعد هناك امتداد كبير لتنظيم القاعدة في اليمن.
ويمكن القول إن من أبرز أسباب الانشقاق والاعتزال أيضًا إفراط التنظيم في القتل والتعذيب وإلقاء التهم جزافًا، والفشل الإداري، وغياب الكثير من القيادات المؤثرة خاصة القيادات الدعوية والشرعية مما ساهم في مفاقمة الانحرافات الدينية بشكل فج، وكذلك تهميش قيادات مهمة تنكر لها التنظيم وانسحب من مناطقهم وتركهم لمواجهة مصيرهم مع عائلاتهم، وكذلك إيقاف الميزانيات من قبل القيادة العامة للتنظيم مما دفع البعض للبحث عن مصادر عيشهم بعيدًا عن القاعدة.
وأخيرًا فإنه لو أتيحت الفرصة لأمثال أبي عمر النهدي وسند الوحيشي وغيرهم للتحدث إلى عناصر القاعدة لربما زالت الغشاوة من على أبصارهم، باعتبار أن هؤلاء خاضوا التجربة كاملة ووصلوا إلى أعلى المستويات القيادية إلى أن انكشفت لهم حقيقة قائدهم الذي يتلقى أوامره من طهران ويزعم أنه يحارب ذراعها الحوثي في اليمن!
للاطلاع أكثر على ظاهرة الانشقاق في تنظيم القاعدة في اليمن وتداعياتها.. التقارير والمواد الحصرية التالية تحكي القصة:
- ما هي الأسباب التي تدفع بعناصر القاعدة للانشقاق.
- تعرف على أسباب عزوف الجنوبيين عن الالتحاق بتنظيم القاعدة.
- هكذا حاول باطرفي يحاول تهدئة الانتقادات الداخلية نتيجة تقاربه مع إيران.
- لمتابعة إحدى قصص الانشقاق عن تنظيم القاعدة في اليمن عن قرب، إليك هذه القصة.
- هل ينهي سعد العولقي ما بدأه أبو عمر النهدي؟
- لمعرفة دوافع ميليشيات الحوثي في استقطاب قادة القاعدة المنشقين، إليك هذا التقرير.