تنظيم القاعدة في اليمن.. أسباب فشله في إحكام سيطرته

  • عمليات تنظيم القاعدة قد شهدت تراجعا غير مسبوق في محافظة شبوة
  • مثلت محافظة شبوة نموذجًا ناجحًا في مكافحة الإرهاب

في نهاية العام الماضي تلقى تنظيم القاعدة ضربات موجعة في محافظة أبين جنوبي اليمن، بلغت ذروتها بخسارة التنظيم أحد أهم معاقله في وادي عومران، وقد أعقب ذلك سلسلة من العمليات الاستنزافية التي شنها التنظيم من خلال استهداف القوات الحكومية، بالعبوات الناسفة ، وصارت محافظة أبين هي مسرح المواجهة الاساسية بين القوات الأمنية وبين تنظيم القاعدة في اليمن.

لكن ومع بداية العام الحالي قرر تنظيم القاعدة فتح جبهة جديدة واستئناف تحركاته الميدانية في محافظة شبوة.

و في الـ 14 من يناير شن تنظيم القاعدة هجومًا مسلحًا ضد القوات الحكومية في منطقة المصينعة في محافظة شبوة، إلا أنه باء بالفشل، وبعدها بأربعة أيام قام التنظيم بزراعة عبوة ناسفة في أحد طرق مديرية الروضة ما أدى إلى تفجير سيارة تابعة للقوات العسكرية وأسفر ذلك مع مقتل جندي واصابة ثلاثة اخرين.

تشتيت العدو ومعاقبة المعارضين.. لماذا يريد تنظيم القاعدة إعادة عملياته المسلحة في شبوة؟

 

وقد كان نشاط التنظيم في شبوة باعثا للتساؤل لاسيما وأن القاعدة تعاني من شحة في التمويل وتضيق في الحركة؛ ما يجعلها احوج ما تكون الى تركيز امكانيتها المحدودة على منطقة بعينها. ايضا فان عمليات شبوة وان اسفرت عن مقتل جندي واصابة اخرين  فإنها على الصعيد الاستراتيجي لا تمثل اي اهمية تذكر، كما ان احدى العمليات في شبوة قد شهدت فشلا تكتيكا مريعًا.

ولم يكن زعيم القاعدة في اليمن، خالد باطرفي غافلا، عن طبيعة التعقيدات الأمنية والمخاطر الناجمة عن قرار التحرك في محافظة شبوة .

وبحسب ما لدينا من معلومات، فإن باطرفي أراد متعمدا تغذية هذه المخاطر لتحقيق مجموعة من الأهداف التكتيكية المتعلقة بادارته للمعركة مع القوات الحكومية من جهة ، والمتعلقة بإدارته للتنظيم من جهة أخرى.

تشتيت العدو و تحفيز العناصر

علل قيادي ميداني في تنظيم القاعدة في اليمن، قرار استئناف العمليات العسكرية في شبوة ، بحاجة القاعدة إلى إيجاد مصدر استنزاف أمني وميداني إضافة إلى ما هو موجود في محافظة أبين.

وقد توقع المصدر استمرار هذه العمليات بصورة متزامنة بين شبوة وأبين بهدف انهاك القوات الحكومية وتشتيت انتباهها وعناصرها.

ومن زاوية اخرى يرى القيادي، بأن التنظيم بات بحاجة إلى منح عناصره في أبين جرعة من الدعم المعنوي من خلال ادعاء قيادة القاعدة بانها وصلت الى مستوى افضل من التماسك والقوة يمكنها من فتح جبهات جديدة.

وبحسب القيادي، فإن باطرفي يأمل من خلال لفت الأنظار الامنية الى شبوة بان يخفف من وطأة الحصار الذي يعانيه عناصره في أبين بما يمنحها فسحة لمواصلة العمليات والتحرك بصورة أنشط ، كما ان باطرفي يسعى الى اختبار مدى حماسة وولاء عناصر القاعدة في محافظة شبوة وموقفها الحقيقي من قراراته الأمنية.

تشتيت العدو ومعاقبة المعارضين.. لماذا يريد تنظيم القاعدة إعادة عملياته المسلحة في شبوة؟

معاقبة المنعزلين

يمثل التعليل السابق الوجه المألوف من قرارات استئناف العمل الجهادي في شبوة ، الا ان ثمة اسباب اخرى اكثر تعقيدا واهمية تمثل الوجه الخفي لهذا القرار ، والمتصلة بالصراع الداخلي القائم حاليا في صفوف تنظيم القاعدة.

وبالعودة إلى العاميين الماضيين يمكن الملاحظة بأن عمليات تنظيم القاعدة قد شهدت تراجعا غير مسبوق في محافظة شبوة، ولا يعود ذلك الى قرار استراتيجي من باطرفي ، اذ ان السبب الحقيقي وراء هذا التراجع، ومثلما أفاد قيادي محسوب على باطرفي ، يعود الى انعزال معظم القيادات المحلية في محافظة شبوة و ايثارها البقاء في مناطقها دون تنفيذ أي توجيهات تأتي من باطرفي.

أيضا فقد تعرض التنظيم الى حملة أسفرت عن تصفية قياداته الميدانية في شبوة أما بغارات جوية لمسيرات امريكية او باشتباكات مباشرة مع القوات الامنية ومن ابرزهم “ابو كعب” و “البابكري” و “الحوطي” و”القشعوري”.

وقد مثلت محافظة شبوة نموذجًا ناجحًا في مكافحة الإرهاب، على صعيد العمل الاستخباراتي والأمني، أو على مستوى التحرك الاجتماعي الذي استعان بالعديد من الوجاهات القبلية والمحلية لإجراء عمليات مناصحة مع بعض عناصر التنظيم الموجودة في المحافظة والتي قررت ترك العنف والعودة الى مناطقها ، وهو ما أدى الى سحب البساط في البيئة المحلية من يد تنظيم القاعدة وأوجد لبعضعناصرها فرصة للعودة.

تشتيت العدو ومعاقبة المعارضين.. لماذا يريد تنظيم القاعدة إعادة عملياته المسلحة في شبوة؟

وبحسب مصدر جهادي يمني منعزل فان عمليات القاعدة الاخيرة هدفها الاساسي؛ استنفار القوات الامنية والعسكرية في محافظة شبوة وضرب نموذج المناصحة الاجتماعية والايديولوجية الذي حيد بشكل سلمي مصادر قوة القاعدة ، وبالتالي قطع الطريق امام العناصر التائبة أو المنعزلة من تنظيم القاعدة واجبارها للعودة الى دائرة نفوذ باطرفي في ضوء ما سوف تعيشه المحافظة من استقطاب حاد ومن مخاوف أمنية شديدة.

الضغط على المنافسين

تراجع عمليات التنظيم في شبوة كان أحد أسبابها أيضا رفض القيادات الميدانية للقاعدة داخل المحافظة تنفيذ أوامر القيادة العامة ممثلة بخالد باطرفي ، وبحسب ما أشار إليه مصدران إرهابيان فإن هذا التحفظ ناجم عن ثلاثة أسباب رئيسية:

أولًا: إخلال خالد باطرفي بالوعود التي قطعها سابقا حول ترتيب الأوضاع المالية والتنظيمية للعناصر في شبوة بل واتخاذه للكثير من القرارات الاقصائية والتقشفية التي اعتبرتها عناصر شبوة وقياداتها بمثابة استهداف مباشر لها  -وهو ما سبق وأن ذكرناه في تقرير سابق. وقد حاول خالد باطرفي أن يتدارك هذا الخطأ وقام في بداية العام بتوجيه دعم مالي ولوجستي وتسليحي للعناصر في شبوة لدفعها الى التحرك بقوة ، الا ان الغالبية العظمى من القيادات الجهادية وفي مقدمتها “سعد العولقي” رفضت هذا الدعم وظلت تعاني من ازمة ثقة كبيرة مع باطرفي.

ثانيًا: تحفظت قيادات شبوة الجهادية على استئناف العمل في مناطقها ضد القوات الحكومية في حين يستمر باطرفي بتجميد أي عمليات في مناطق الحوثي.

أما السبب الثالث فيتعلق بالمردود الاستراتيجي لهذه العمليات المنفذة في شبوة والتي يرى قياديو شبوة أنها لا تسهم إلا في تعميق الهوة بين التنظيم وبين القبائل الشبوانية التي يتم استهداف أبنائهم من المجندين بينما لا تحرز هذه العمليات أي متغير حقيقي في المواجهة.

تهميش القيادي الأبرز في القاعدة

وبحسب قيادي مقرب من باطرفي، فإن خالد باطرفي حاول الالتفاف على هذه المعارضة الشديدة في شبوة من خلال أمرين:

أولًا: تهميش القيادي الأبرز في التنظيم “سعد عاطف العولقي” وسحب مسؤولية ملف الاشراف على محافظتي شبوة وأبين من يده وتسليمها الى احد رجال باطرفي والذي يدعى “أبو أسامة الدياني”،

وثانيًا: انتزايد العداء والاستقطاب في شبوة ما بين عناصر التنظيم ومابين القوات الامنية والعسكرية سوف يدفع الجهاديين المعارضين رغما عنهم الى اللجوء للدعم الذي سوف يوفره باطرفي للدخول في مواجهة متبادلة مع القوات الحكومية وبذلك يكون تأثير سعد العولقي قد أصبح محدودا عليهم.