أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – (نهاد الجريري)

 

توصيف “جماعة” باسم “خراسان” أمر جديد لم يطف على السطح إلا قبل يوم من الضربات العسكرية ضد مواقع داعش في سوريا. الـ نيويورك تايمز نشرت تقريراً عن الجماعة بناء على مصادر استخباراتية. وجاء في التقرير إنهم يعدون لهجمات في دول غربية. من بين أهم أهداف الضربة العسكرية على مواقع الإرهابيين في سوريا كان تدمير موقع لهذه الجماعة قرب حلب. المسؤولون الأمنيون الأمريكيون قالوا إن الجماعة كانت تشكل “خطراً محدقاً” ضد أمن أمريكا؛ فكان لا بد من تدميرهم. لاحقاً أعلنت مصادر جبهة النصرة، التي كانت تأوي هؤلاء، مقتل محسن الفضلي، قائد هذه المجموعة، في هذه الضربة.

هذه هي المعطيات الجديدة. لكن الأفراد المعنيين وأهدافهم لم يكن بالأمر الجديد.

ماذا تعني خراسان؟

خراسان تشير إلى الاسم المتعارف عليه بين الجهاديين على أنه المنطقة التي تمثل أفغانستان وباكستان بالإضافة إلى إيران وربما امتداداً إلى آسيا الوسطى. هي معقل القاعدة المركزية.

كيف جاءت “خراسان” إلى سوريا؟

لنعد قليلاً إلى نيسان/أبريل 2013 عندما أعلن أبو بكر البغدادي ما أسماه “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وذلك بدمج جبهة النصرة مع ما كان يُعرف بـ “الدولة الإسلامية في العراق” التي أسس لها الزرقاوي في 2004. حتى ذلك التاريخ، كانت جبهة النصرة بزعامة السوري أبو محمد الجولاني عاملة في سوريا من دون أن تعلن ولاءها للقاعدة. لكن إعلان البغدادي استفز الجولاني ليعلن هو الآخر أن ولاءه للقاعدة المركزية وأيمن الظواهري. وهذا كان أول اعتراف للنصرة أنها كانت حقاً فصيلاً للقاعدة بخلاف ما كان يظنه السوريون. بدأت الخلافات بين أنصار البغدادي والجولاني. في أيار/مايو من العام نفسه، بعث الظواهري رسالة إلى كليهما يدعو فيها البغدادي إلى التزام فرع العراق والجولاني إلى تزعم فرع سوريا. وأهم ما جاء في الرسالة هو كشف الظواهري خطط القاعدة لسوريا. فكانت الخطة تقضي بأن تتسلل القاعدة إلى سوريا، من خلال جبهة النصرة، من دون الإعلان عن ولاءات النصرة للقاعدة. الظواهري عاتب البغدادي على كشفه الخطة. البغدادي رفض الإذاع للظواهري، وكانت القطيعة. وبات فريقان إرهابيان في سوريا: داعش المؤتمرة بأمر البغدادي، والنصرة المؤتمرة بأمر الظواهري. وكلاهما في الأصل واحد: القاعدة. الاختلاف كان على مناصب وتسميات واختلافات بسيطة في جدول الأعمال.

فالقاعدة في سوريا، أو النصرة في سوريا، تعمل بمبدأ يشبه “التقية”. يخفون نواياهم، ولا يعلنون عن هجماتهم، ويتبعون سياسة متدرجة في الاستحواذ على الأرض وعلى الناس. ويهمهم أن يكون لهم موطئ قدم لكن عينهم على “الجهاد العالمي”؛ بعكس داعش الذي يتفاخر ببطشه في كل أرض يصيبها.

أرسل الظوهري نائبه أبو خالد السوري للمصالحة بين داعش والنصرة. لكنه قتل في تفجير انتحاري مطلع العام وألقيت باللائمة على داعش. فهل كان الظواهري ليترك الساحة؟ على الأرجح لا. ومن المؤكد أنه لم يكن ليعلن عن وجود كبار قواده هناك.

هنا توالت الأنباء عن أن الظواهري كان يرسل قياديين مخضرمين من “خراسان” إلى سوريا. كان من بينهم المعروف باسم سنافي النصر، ومنهم محسن الفضلي الذي يُعتقد أنه يقود هذه الخلية المسماة خراسان. فإلى أين سيلجأ هؤلاء في سوريا؟ طبعاً إلى النصرة.

من هو محسن الفضلي؟

تقول الاستخبارات الأمريكية إنهم يتابعون الفضلي منذ سنوات. وبالفعل في 2012، ورد اسم الفضلي في تقرير للخزينة الأمريكية باعتباره من أهم قيادات القاعدة المتخصصين في تمويل هجمات القاعدة والتخطيط الاستراتيجي لها. في منتصف العام الماضي، وردت أنباء عن أن الفضلي، الذي ظل فترة في إيران، قد انتقل إلى سوريا ضمن عشرات القيادات المخضرمة “الخرسانية” وأن هدفهم كان استقطاب الجهاديين حاملي جوازات سفر أوروبية وأمريكية بهدف تجنيدهم لشن هجمات في الدول الغربية باعتبار أنهم لن يكونوا على أي قائمة أمنية وسيتوفر لهم قدر كبير من الحركة.

أين تكمن العلاقة الأمريكية؟

وزير العدل الأمريكي والنائب العام، إريك هولدر، وفي مقابلة مع ياهو غلوبال نيوز قال إن الاستخبارات التي توفرت لديهم أشارت إلى أن الجماعة وصلت إلى مرحلة “التنفيذ” فيما يتعلق بشن هجمات في دول غربية؛ وإن الإجراءات التي اتخذتها واشنطن أخيراً بالتشديد على إجراءات السفر والتحذير من احتمال استخدام معاجين الأسنان و الهواتف النقالة والحواسب المحمولة كقنابل على متن الطائرات كان له علاقة بهذه الاستخبارات.

في أنباء سابقة، تحدثت تقارير استخباراتية عن تعاون قيادات القاعدة في سوريا مع فرع القاعدة في اليمن على تصنيع القنابل؛ ذلك أن فرع اليمن كان الأكثر إتقاناً لصنع هذا النوع من القنابل وكاد ينجح في تفجير طائرة في حادثة عام 2009 التي صارت لاحقاً تُعرف بـ مفجر الملابس الداخلية: عمر فاروق عبدالمطلب.

لماذا الآن؟

لم يتم تسريب اسم الجماعة إلى الإعلام إلا قبل شن الضربات ضد داعش بيوم واحد وكان ذلك في تقرير لـ النيويورك تايمز. وزير الخارجية الأمريكي جون كيري متحدثاً لـ سي أن أن صباح يوم 24 أيلول سبتمبر، بعد يوم من الضربات، قال إن قرار عدم الإفصاح عن الجماعة وخططها كان بهدف عدم تمكين هذه الجماعة من الاحتياط لما قد تفعله واشنطن. وعندما سئل عمّا إذا كانوا قد نجحوا في تحييد خطر هذه الجماعة قال إنهم “موجودون على الأرض بشكل أو بآخر” بما في ذلك “الاستخبارات”. وربما أشار هذا إلى اختراق أمني ضمن صفوف القاعدة في سوريا.

المحصلة هي إرهاب

منذ حدوث الصدع في صفوف القاعدة بين مؤيد لداعش ومؤيد للنصرة؛ وبالنظر إلى حدة داعش في التعاطي مع المسألة معنوياً وعلى الأرض؛ وانتهاءً بالإعلان البراق لما يُسمى “الخلافة” الذي لا شك أعمى عيون كثيراً من الجهاديين، والسؤال المطروح هو: هل يستطيع الظواهري أن يرد هيبته، ويعيد تأكيد حضوره على هرم القاعدة و”الجهاد العالمي” كما كان أسامة بن لادن؟ الجواب يكمن في: كيف كان أسامة بن لادن؟ يذكر بن لادن وتذكر معه تفجيرات نيويورك. هذه تركته. لا يستطيع الظواهري شيئاً على الأرض في مواجهة داعش. لكنه يستطيع شيئاً إن تهور وضرب مواقع عربية وعالمية. لكنه في “خراسان” محاصر. سوريا تمثل له مخرجاً. فليس غريباً إذا أن يبعث كبار بيادقه إلى هناك.

في النهاية، القاعدة=داعش=النصرة=خراسان. كل هذه أسماء لشيء واحد هو الإرهاب. لكن كل فرع له اختصاصه وله جدول أعماله. في المحصلة ينتهون للشيء نفسه: الخراب.