أخبار الآن | ريف حماة – سوريا (وضحى عثمان)

أثارت بلدة "قمحانة" الكثير من التساؤلات حول كونها البلدة "السنية" الوحيدة في ريف حماة المشتعل بالثورة التي صدّرت ولا تزال أعدادا كبيرة من الشبيحة وتحمل ولاء كبيرا لنظام الأسد.

"قمحانة" والتشبيح

من أهم أسباب لصق صفة التشبيح بقمحانة، يبرز ذلك الصدام الذي حصل مع المتظاهرين من أبناء الريف الشمالي المتجهين للمشاركة في مظاهرة حماة في بداية الشهر السادس عام 2011 حيث سقط ضحايا من الطرفين وكانت تلك الواقعة بذرة التشبيح. والقصة أنه قبل وصول المتظاهرين الى أطراف قمحانة الشمالية كانت قد حدثت واقعة بعد صلاة الجمعة مباشرة، وهي أن مظاهرة قامت في البلدة واعترضها مؤيدون للنظام وحصل عراك وإطلاق نار أصيب على إثره عدة متظاهرين. بعد حوالي نصف ساعة بدأت البلدة تستنفر بسبب وصول المتظاهرين من بلدات الشمال إلى أطراف البلدة بغرض المرور فقط للوصول إلى حماة المدينة للمشاركة في المظاهرة حيث سيحضر السفير الأمريكي، فقام بعض المتنفذين في البلدة من زبانية النظام بحشد الناس عموما على أن القادمين هم مهاجمون للبلدة انتقاما لما حدث في المظاهرة وأنهم سيجلبون البلاء للبلدة فكان ما كان.

بدر من شبيحة قمحانة إساءات كثيرة لدى مشاركتهم في اقتحام البلدات المجاورة كان له دور كبير. وقد رسّخ النظام تلك الفكرة في عقول كلا الطرفين من خلال وقائع مشهودة، ففي الشهر السادس عام 2011 ظهر مقطع فيديو يظهر فيه أشخاصا قد اعتقلوا شخصا يدّعي أنه من إحدى عائلات قمحانة، وذلك الشخص لم يتم التعرف عليه من قبل أحد على الإطلاق.

وساهمت الكتابة على الجدران وخاصة في "خان شيخون والريف الشرقي من مثيل "شبيحة قمحانة مروا من هنا" في إذكاء الهوة بين القرية وجيرانها، وكثيرا ما كان شبيحة "سلحب" و"مصياف" وغيرهم يكتبون تلك العبارات. وساهم الإعلام القوي لشبكة أخبار قمحانة "63000 معجبا" من جهة وانسياق الإعلام الثوري وراء روايات النظام بأن "قمحانة" هي للطائفة "العلوية أو الشيعية"، في تكريس العداء ولصق صفة التشبيح بالبلدة.

وهنا لا بد من التنويه إلى أن الشبيحة المتواجدين في "قمحانة" ليسوا فقط من أهلها، بل إنهم من جميع أنحاء المحافظة منذ بداية الثورة، فكل شخص متطوع أو يرغب في التشبيح لجأ إلى قمحانة سواء من الريف الشمالي لحماة أو لاحقا من محافظة حلب وإدلب، وقد دفن فيها الكثير من الشبيحة من حلب وإدلب وبلدات حماة الأخرى.

تاريخ التشبيح وتخطيط النظام

وفي بحث حصري لأخبار الآن حصلت عليه من السيد "أحمد الصباح" تناول فيه تداعيات و أسباب إلحاق تلك الصفة بقمحانة، يقول: "عندما نتحدث عن قمحانة في ظل الثورة السورية فعلينا أولاً أن نبحث نقطتين مهمتين، إذ تشكّل قمحانة خطاً دفاعياً تاريخياً عن حماة المدينة والتي تغدو فريسة سهلة لأي غاز بمجرد تجاوزه تلك التضاريس الوعرة. وفي فترة الثمانينيات، منذ أن بدأت ملامح حكم آل الأسد تتوضح معالمها بشكل غير مباشر في ستينيات القرن الماضي والأحداث الأولى التي حدثت في مدينة حماة عام 1964 وتلتها سلسلة من الأحداث وصولا إلى مجازر الثمانينيات الشهيرة، أدرك النظام مدى خطورة وضع حماة التي يشكل الشمال امتداداً طبيعياً لها مع المجتمع السني الممتد حتى الأراضي التركية. فكان لا بد من إيجاد مرتكزات في هذه البلدة أي "قمحانة" بسبب موقعها الاستراتيجي المهم".

ويتابع السيد أحمد: قام النظام بتركيز اهتمامه على إحدى عائلات البلدة الفقيرة التي يحكى أنها تنحدر من قرية صغيرة تقع في جبال مصياف إلى الغرب بحوالي 25 كم حيث ولّى أبناء هذه العائلة مناصب حكومية وأمنية رفيعة كان لها دورا كبيرا في قمع ثورة الثمانينات في حماة وإدلب، وبلغ الأمر مداه بأن سميت "قمحانة" في ذلك الوقت "العاصمة" بحكم أن بعض الاجتماعات الأمنية كانت تُعقد فيها بسبب خطورة الوضع الأمني في حماة، علماً بأن العشرات من أبناء البلدة ونخبة من شبابها الأكاديميين والجامعيين أودعوا سجن تدمر أو ما زالوا يعيشون في المنافي.

كما أن هناك الكثير من العائلات الصغيرة التي بات أبناؤها يعتمدون في تحصيل رزقهم على العمل في مصانع ومنشآت العائلات التي جنت ثروة كبيرة في الثمانينيات؛ بقيت مرتبطة بشكل أو بآخر بما يمليه عليها رجالات هذه العائلة. وهناك عائلات ارتبطت مصالحها تاريخيا مع أي نظام يحكم البلد محتلاً كان أم وطنياً فكانت المستفيدة بشكل دائم من ميزات التقرب والتزلف من أنظمة الحكم.

هذين النموذجين هما ركيزة التشبيح الأساسية في بلدة "قمحانة" ولا صحة أبدا عن أن قمحانة شيعية أو علوية حيث أنه وحتى تاريخ ما قبل الثورة لا يوجد سوى منزل واحد في قمحانة متشيع وقد تشيع في فترة التسعينيات، أي أن قمحانة بالمطلق بلدة سنية.

قمحانة والثورة .. مظاهرات وصدامات متكررة

شارك شباب "قمحانة" في المظاهرات الأولى في المدينة وكان 11 رجلاً من أبنائها ضمن أول دفعة اعتقالات لدى فرع الأمن العسكري بحماة وأغلبهم جامعيون.

انطلقت أول مظاهرة في قمحانة بتاريخ 3-6-2011 وتتابعت المظاهرات في كل مناسبة وأصبحت يومية أحيانا.

الصدام الأول بين المتظاهرين والمؤيدين كان في أول مظاهرة مقابل جامع "الحمزة" حيث انطلقت المظاهرة، وتكرر الصدام في عدة مظاهرات وحدث إطلاق نار ووقوع إصابات بين المتظاهرين.

الصدام الثاني كان حينما جاء السفير الأمريكي إلى حماة حيث حصلت معارك بين المؤيدين والمتظاهرين القادمين من قرى الريف الشمالي أدت ألى سقوط ضحايا من الطرفين.

الصدام الثالث أيضا في الشهر السادس من عام 2011 حيث اصطدمت مظاهرة مع مسيرة مؤيدة وحصلت معركة شرسة بالحجارة دمرت خلالها سيارات ومحلات تعود لعائلات المتظاهرين وأصيب فيها الكثير من الطرفين اصابات خفيفة.

وبتاريخ 2-9-2011 حصل صدام بين المتظاهرين ومسيرة مؤيدة ثاني أيام عيد الفطر استخدمت فيها الحجارة ثم المسدسات والسلاح الروسي وأصيب الكثير، حيث أسعفوا إلى مشافي "طيبة الإمام" ودخل الجيش تلك الليلة واعتقل الكثير من أبناء الأحياء المعارضة ومنهم مرضى وكبار سن.

وبتاريخ 3-1-2012 حصل صدام بين المتظاهرين والشبيحة وحدث إطلاق نار استشهد على إثره الشهيد "محمد سودين".

ارتقى أول شهيد من قمحانة بتاريخ 3-8-2011 وهو الشهيد "ماهر عبد الرحمن" حيث كان يرابط مع مجموعة من أصدقائه على مفرق معمل الحديد لمراقبة أي تحرك عسكري من فرع السياسية لإبلاغ باقي رفاقه الذين كانوا قد وضعوا حاجزاً عند باب المعمل لتسهيل عبور النازحين من مدينة حماة عشية اقتحامها.

في تلك الفترة كانت المظاهرات يومية وفتحت المدارس للنازحين وكذلك البيوت الحرة.

اقتحمت قمحانة برتل كبير بتاريخ 21/2/2012 واعتقل العشرات وبشكل مركز في أحياء معينة، وفي اليوم التالي 22-12-2012 استقر النظام بشكل دائم في قمحانة وكان آخر عهد النشاط الثوري في البلدة حيث التحق ثوارها بثوار الشمال.

أرقام لثوار ومعارضي "قمحانة"

عدد من اعتقل من قمحانة أكثر من 300، عدد القابعين في المعتقلات ولا يوجد عنهم أية معلومات 35، عدد الشهداء تحت التعذيب 5، عدد الشهداء في المعارك حوالي 40 شهيدا منهم في دمشق وريفها وحمص وحلب وأغلبهم في معارك ريف حماة.

ومن إعلاميي "قمحانة" كان الشهيد الاعلامي مصور بابا عمرو "أحمد حمادة" الذي استشهد في حي البياضة في حمص.

يوجد من قمحانة فصائل عسكرية مقاتلة في صف الثورة ومشهود لها، كما يوجد تيار يعمل في الشأن المدني ورعاية شؤون النازحين من البلدة وعائلات الثوار المنتشرة في المناطق المحررة.

ويذكر السيد "أحمد الصباح" أنه توزيع النسب بين مؤيد ومعارض وشبيح ورمادي في بلدة قمحانة، يمكن أن نجد، بشكل تقريبي، الأرقام التالية:

30% من أبناء البلدة من عائلات كبيرة تعمل بالزراعة، كانت مشاركتها الثورية خجولة وفي نفس الوقت لم تلتحق بركب النظام ومازالت.

25% معارضين ومنهم نسبة كبيرة من الناشطين والثوار.

45% مؤيدين للنظام، جزء كبير من شبابهم التحق بالدفاع الوطني وحمل السلاح وكثير منهم اكتفى بالعمل الإعلامي أو ضمن مؤسسات مثل "بصمة".