أخبار الآن | حماة – سوريا – (خليل يونس)

ملف الاعتقال هو أحد جروح مدينة حماه العميقة، والتي لطالما سكتت عنه، بعد أن دفعت ثمناً مرعباً من عمرانها وحياة أبنائها. نستطيع أن نؤرخ لهذا الجرح، منذ بدايات الحكم البعثي لسورية 1963، حيث كانت حماه إحدى ساحات المواجهة معه، ومن هذه المواجهات الأولى سوف تتشكل أولى طبقات تلك الذاكرة التي سوف تراكمها المدينة في ما يخص الاعتقال بحق كل من يرفع راية الاعتراض على سياسات السلطة، ولو عبر الرأي فقط.

الأسد الأب ومأساة 1982

الجرح الأكبر الذي سيحفر عميقاً، ليس فقط في روح مدينة حماه، وإنما في روح البلاد بأسرها، هو ما كان ينتظر المدينة إثر المواجهات بين الإخوان المسلمين والنظام 1979-1982. وعلى الرغم من تعدد الساحات التي كانت مسرحاً لهذه المواجهات وتوزعها على عدة مدن وبلدات، إلا أن مدينة حماه ستكون جديرة بأن تكون بطلة الرواية السورية.

شاهد عيان على تلك المرحلة يقول: "لقد كانت مرحلة عصيبة! تخرج من بيتك ولا تعرف مصيرك. لقد عرف النظام آنذاك أنه إن لم يحسم المعركة لصالحه وبسرعة، فإنه زائل لا محالة! وكان على حماه أن تكون الدرس الذي سوف يلقنه النظام لسورية. لا أعرف بالضبط عدد المعتقلين، وربما لا أحد يعرف، لكنهم كانوا بالآلاف".

أحد شبان حماه كان أبوه معتقلاً في تلك المرحلة، يخبرنا بأنه كان صغيراً عندما اعتقل أبوه. كبر وهو يشعر أن البيت يعيش سراً كبيرا ومخيفاً: "ولكنني في النهاية ابن هذا البيت ولا بد لي من معرفة أن أبي معتقل، وسوف يتسلل إلي الخوف من الكلام حول هذا الأمر أيضاً. سبّب اعتقال أبي اختلالا كبيرا في توازن الأسرة، التي كان عليها أن تكافح بصمت لكي تستمر في الحياة. ولك أن تعكس جو الأسرة على المدينة ككل".

لم يكن الاعتقال يطال فقط من قاتل النظام آنذاك، بل كان لا يفرق بين من هو أخواني أو يساري، بل وحتى اعتقالات عشوائية، والغاية من هذا إرهاب المدينة وقتل روحها. يخبرنا ذات الشاب بأن والده: "لم يكن ينتمي إلى أي تيار سياسي، كان موظفاً وأخذوه من الشارع. عندما كبرت، وأخذت أقرأ ما كتب حول الممارسات بحق السجناء لاسيما في سجن تدمر حيث كان أبي الذي سجن 13 عاماً، عقلي يتوقف عن التفكير، أتخيل أبي وقد مر بكل هذا التعذيب، هذا مرعب".

توريث في سياسة الاعتقال

لم يتغير شيء خلال الثورة في ما يخص أساليب التعذيب الوحشية، والتي لا يزال يمارسها النظام سواء بحق معتقلي انتفاضة حماه في بداية الثورة، أو المعتقلين لاحقاً بعد أن سيطر على المدينة. وهناك الكثير ممن اعتقل دون أن يكون له أي نشاط، أو بسبب نشاط أقارب له.

بعد أن قرر النظام اقتحام المدينة والقضاء على كرنفال الثورة فيها في آب 2011، تردد على لسان ناشطين أن هناك قوائم بأسماء ما يقارب 8000 شخص، جميعهم مطلوبين للاعتقال. يخبرنا أحد ناشطي المدينة أن: "معظم من اعتقلوا أيام المظاهرات قد خرجوا، بعضهم قضى في الاعتقال أكثر من شهرين، وآخرون شهر وهناك من بقي لأيام، هؤلاء كانت التهم الموجهة إليهم بسيطة، لاسيما وأن العديد منهم تم اعتقاله بشكل عشوائي أصلاً وبدون سبب. مثل هؤلاء المعتقلين يبقون في أفرع مخابرات المدينة، في الفترة الأولى كان فرع المخابرات الجوية هو الأكثر شراسة، أما اليوم فقد سرق الراية منه فرع الأمن العسكري. أما الصنف الثاني من المعتقلين، أصحاب التهم الثقيلة كحمل السلاح وتنظيم المظاهرات ومن كان له دور كبير على الأرض، هؤلاء يتم نقلهم إلى دمشق بالهليكوبتر من المطار العسكري. ثمة احصائيات أن عدد شهداء المدينة تحت التعذيب قد تجاوز 750 شهيد ممن تم توثيق استشهادهم، وما خفي أعظم". 

نزيف مدينة حماه مستمر على الرغم من أن النظام استطاع أن يبسط سيطرته على المدينة، فهاجس الاعتقال يسكن كل حموي، بل إن هناك من يذهب إلى أن القليل من شباب ورجال المدينة استطاع أن ينجو من زيارة أحد الفروع الأمنية، حتى ولو كان على شكل استدعاء للتحقيق الذي قد يؤدي في بعض الأحيان إلى نسيان المحقق معه في الزنازين لعدة أيام.

أما عن الاعتقال، فهو لا يزال مستمراً وإن تراجعت وتيرته عن الأعوام الثلاثة الأولى للثورة، وذلك لأن معظم المطلوبين إما اعتقلوا أو غادروا المدينة إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو هاجروا.

يعلق شاب حموي على هذا: "لا يوجد أي نشاط معارض داخل المدينة، إذاً كيف تفسر استمرار الاعتقالات؟ هل هناك تفسير آخر غير أن النظام يريد إرهاب الناس؟ النظام مدرسة في هذا النوع من الإرهاب، أن تحكم أكثر يعني أن ترهب أكثر".