أخبار الآن | حماة –  سوريا – (خليل يونس)

قصة النزوح مع حماة ليست جديدة، ثمة تغريبة حموية سابقة حصلت في ثمانينيات القرن الماضي، بعد تدمير المدينة وارتكاب مجزرة كبيرة بحق أهلها. يومها تشرد عشرات الألوف وتوزعوا بين المدن السورية والمنافي خارج البلاد. الآن ثمة تغريبة حموية أيضاً، ولكن هناك تنويعات لهذه التغريبة، أو لنقل تعددت التغريبات بتعدد الظروف التي مرت بها المدينة.

بداية الثورة .. والنزوح

كانت أولى موجات النزوح عن المدينة، في تموز 2011، أي قبل أن يقتحم النظام المدينة في الأول من آب في ذلك العام، بعد أن تحولت ساحاتها إلى كرنفال من المظاهرات السلمية التي تنادي بالحرية. وحول أسباب نزوح هؤلاء يقول "أبو العبد" أحد سكان المدينة: "آنذاك، بدت المدينة كأنها محررة، ومع ذلك فإن البعض نزح وقتها، قادهم حدسهم إلى فعل ذلك لأنهم كانوا واثقين أن النظام لن يترك المدينة وشأنها، وأنه ربما سينتقم منها انتقاماً مماثلاً لما حصل في الثمانينيات، ولكن مع ذلك لم تكن موجة النزوح هذه كبيرة".

والآن، لا زالت تعيش المدينة نزوح بعض أهلها عنها، ولكن القليل منهم يتوجه إلى مدن سورية أخرى، بل إن الوجهة الجديدة هي إلى خارج البلاد، وغالباً إلى الدول الأوربية، ومن يكون لديه القدرة على ذلك لا يحتاج إلى أن يفكر كثيرا كي يحسم أمره وينطلق إلى وجهته.

أحد ناشطي المدينة يخبرنا أن هناك عدة أسباب وراء الهجرة والسعي إليها: "الغلاء الفاحش في المدينة أحد هذه الأسباب، وكذلك الظروف الأمنية والفلتان الأمني والهرب من الخدمة العسكرية وعدم المقدرة على الدراسة، والأهم من ذلك هو التعب الذي أصاب العديد وفقدانهم الأمل بأن هناك أفق ومستقبل لهذه البلاد. المخاوف كبيرة على هذا الصعيد، ولذلك فمن خرج لن يفكر بالعودة ما دامت الأوضاع على هذا النحو". 

انتقام ونزوح جديد

لم تنته قصة نزوح أهل حماه عند ما سبق، فهناك تغريبة أخرى تكتب تفاصيلها في داخل المدينة. بعد اقتحام المدينة في آب 2011 واستعادة السيطرة عليها من قبل النظام، قام هذا الأخير بسياسة انتقامية تجاه بعض الأحياء التي كان لأبنائها مشاركة لافتة في الاحتجاجات ضده. وربما يشكل حي "مشاع الأربعين" حكاية هذه السياسة الانتقامية، التي تدرجت من إطباق الحصار عليه وصولاً إلى قصفه بالهاون والدبابات، ومن ثم اقتحامه وقتل العشرات من أبنائه، واعتقال المئات، وصولاً إلى تهجير سكانه البالغ عددهم ما يقارب الثلاثين ألفاً، وتسوية بيوت الحي بالأرض بحجة أن الحي داخل في المخطط التنظيمي للعشوائيات.

ويعتبر حي "مشاع الأربعين" الواقع شمال مدينة حماه من أكبر العشوائيات ومعظم سكانه من الفقراء الذين استملكوا أرض المشاع بعد شرائها من أصحابها، وبالتالي فهو يختلف عن عشوائيات أخرى قامت عبر الاستيلاء على أراض تملكها الدولة.

بعد الشروع بهدم الحي، قسم من أبنائه غادروا المدينة، وآخرون تعدادهم بالآلاف هاموا على وجوههم في الأحياء الأخرى بحثاً عن مأوى. ومؤخراً، استطاع قسم من مهجري مشاع الأربعين وأحياء أخرى، من الحصول على سكن بديل في ضاحية أبي الفداء، إلا أن تحصيل هذا السكن لم يكن خالياً من الضغط والابتزاز الذي مورس من قبل القائمين على توزيع البيوت، حتى أن العديد اضطروا إلى اللجوء للرشوة لتحصيل ما هو حق لهم.

نزوح معاكس

وللنزوح مع مدينة حماه سيرة ثالثة أيضاً، إذ شهدت المدينة كثافة في النزوح إليها من مناطق ومدن أخرى في سورية، فثمة نازحين من ريف حماه ودير الزور والحسكة، ولكن الثقل الأكبر للنازحين هو من حلب الرقة وإدلب.

يذكر ناشط من حماة أن من أسباب النزوح: "هو الهروب من القصف والمعارك والأوضاع المعيشية الصعبة، ولكن أيضاً هناك من لجأ إلى المدينة هرباً لأنه مطلوب من قبل المعارضة لأنه كان شبيحاً أو مواليا عتيداً، وأكثر هؤلاء النازحين من هذا الصنف كانوا من الرقة وإدلب".

وتتفاوت التقديرات حول أعداد النازحين الوافدين إلى المدينة التي كان تعداد سكانها لا يتجاوز المليون نسمة، إلا أن جميع هذه التقديرات متفقة على أن النازحين باتوا أكثر من الحمويين، وهناك من يذهب إلى أن تعداد المدينة يصل الآن إلى ما يقارب الثلاثة ملايين. سوف ينعكس هذا على المدينة، فإضافة إلى الأعباء التي تثقل كاهل الناس بسبب الأوضاع العامة المتردية، فإن كثافة النازحين إلى المدينة تسببت في ارتفاع أسعار السلع والعقارات وأيضاً في الازدحام وتراجع الخدمات التي كانت حتى قبل 2011 لا تلبي حاجيات أهل المدينة.

ويشير شاب من مدينة حماه إلى: "أن هذا الأمر لم يؤثر على طريقة التعامل مع الوافدين، التعامل الشعبي جيد، والناس ترحب بهم وتعتبرهم ضيوف. ربما يكون الحمويين هم أكثر من يشعر بهؤلاء، لأنهم خبروا مثل هذا في الماضي. أما النظام فهو يتعامل معهم كمعاملته لسكان حماة، مع بعض المضايقات للقادمين من مناطق المعارضة، يتعرضون لبعض التشديد لاسيما الشباب".