مخاوف من التضليل الانتخابي المتأثر بتقنيات الذكاء الاصطناعي

يعزز الذكاء الاصطناعي التضليل الانتخابي في جميع أنحاء العالم، حيث يمكن لأي شخص يمتلك هاتف ذكي وخيال مخادع إنشاء محتوى مزيف مقنع، بهدف خداع الناخبين.

باستخدام خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدية المجانية ومنخفضة التكلفة من شركات مثل “غوغل” و”أوبن آي أي”، يمكن لأي شخص إنشاء “صور مزيفة عميقة” عالية الجودة.

التزييف العميق يثير القلق

انتشرت موجة من التزييف العميق القائم على الذكاء الاصطناعي والمرتبطة بالانتخابات في أوروبا وآسيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي لعدة أشهر. وكانت تلك التجربة بمثابة تحذير لأكثر من 50 دولة تتجه إلى صناديق الاقتراع هذا العام.

ووفقاً هنري أجدر، الخبير البارز في الذكاء الاصطناعي التوليدي ومقره في كامبريدج بإنكلترا: “لست بحاجة إلى النظر بعيدًا لرؤية بعض الناس… من الواضح أنهم في حيرة بشأن ما إذا كان هناك شيء حقيقي أم لا”.

واعتبر أجدر أن السؤال لم يعد ما إذا كانت تقنية التزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤثر على الانتخابات، ولكن ما مدى تأثيرها؟.

ما هو دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التضليل الانتخابي؟

كيف تهدد التكنولوجيا ثقة الجمهور؟

مع احتدام السباق الرئاسي الأمريكي، حذر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي مؤخرًا من التهديد المتزايد، قائلاً إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يجعل من السهل على “الخصوم الأجانب الانخراط في نفوذ خبيث”.

فباستخدام تقنية التزييف العميق بتقنية الذكاء الاصطناعي، يمكن تشويه صورة المرشح أو تخفيفها. ويمكن توجيه الناخبين نحو المرشحين أو بعيدًا عنهم، أو حتى حثّهم على عدم الاقتراع تمامًا.

لكن التهديد الأكبر للديمقراطية، كما يقول الخبراء، يتمثل في أن زيادة التزييف العميق للذكاء الاصطناعي قد تقلل ثقة الجمهور فيما يرونه ويسمعونه.

كما أن التطور التكنولوجي يجعل من الصعب تتبع من يقف وراء التزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي. وتشير الوكالة إلى أن خبراء يعتبرون أن الحكومات والشركات ليست قادرة بعد على وقف الطوفان، كما أنها لا تتحرك بالسرعة الكافية لحل المشكلة.

وتهدف بعض ممارسات التزييف العميق التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي إلى زرع الشك حول ولاءات المرشحين.

وبحسب “أسوشيتد برس”، ففي مولدوفا، إحدى دول أوروبا الشرقية المتاخمة لأوكرانيا، كانت الرئيسة الموالية للغرب مايا ساندو هدفًا متكررًا. وقد صورتها إحدى الصور التزييفية العميقة التي تم نشرها قبل وقت قصير من الانتخابات المحلية، وهي تؤيد حزبًا صديقًا لروسيا وتعلن عن خطط للاستقالة.

ويعتقد المسؤولون في مولدوفا أن الحكومة الروسية تقف وراء هذا النشاط.

اتهامات تلاحق الصين

اتُهمت الصين باستخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض سياسية. ففي تايوان، الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، اكتسب التزييف العميق للذكاء الاصطناعي الاهتمام في وقت سابق من هذا العام من خلال إثارة المخاوف بشأن تدخل الولايات المتحدة في السياسة المحلية، بحسب الوكالة.

وأظهر المقطع المزيف الذي تم تداوله على منصة “تيك توك” النائب الأمريكي روب ويتمان، نائب رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي، وهو يعد بتقديم دعم عسكري أمريكي أقوى لتايوان إذا تم انتخاب مرشحي الحزب الحالي.

وألقى ويتمان باللوم على الحزب الشيوعي الصيني في محاولته التدخل في السياسة التايوانية، قائلاً إنه يستخدم “تيك توك” المملوكة للصين، لنشر “الدعاية”.

ما هو دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التضليل الانتخابي؟

كما يصعب بشكل خاص التحقق من التزييف العميق الصوتي فقط، لأنه، على عكس الصور ومقاطع الفيديو، يفتقر إلى علامات واضحة على المحتوى الذي تم التلاعب به.

ففي سلوفاكيا، التي يطغى عليها النفوذ الروسي، تمت مشاركة مقاطع صوتية تشبه صوت رئيس الحزب الليبرالي على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام قليلة من الانتخابات البرلمانية. ويُزعم أن المقاطع أظهرته وهو يتحدث عن رفع أسعار الجعة وتزوير التصويت.

وقال أجدر إنه من المفهوم أن الناخبين قد يقعون في فخ الخداع، لأن البشر “معتادون على الحكم بأعيننا أكثر بكثير من آذاننا”، بحسب “أسوشيتد برس”.

أمّا في الولايات المتحدة، فقد حثت المكالمات الآلية التي تنتحل شخصية الرئيس الأمريكي جو بايدن الناخبين في نيو هامبشاير على الامتناع عن التصويت في الانتخابات التمهيدية في يناير/ كانون الثاني الماضي.

خطر أكبر في الدول الفقيرة

يزداد خطر التزييف في البلدان الفقيرة، فحتى المنتجات المزيفة ذات الجودة المنخفضة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون فعالة. وهو ما حدث في بنغلاديش العام الماضي. فقد أثار مقطع مصور مزيف يُظهر النائبة المعارضة رومين فرحانة وهي ترتدي ملابس سباحة الغضب.

ويشعر الخبراء بالقلق بشكل خاص بشأن الانتخابات المقبلة في الهند، حيث تشكل منصات وسائل التواصل الاجتماعي أرضًا خصبة للمعلومات المضللة.

وفي المقابل، تستخدم بعض الحملات السياسية الذكاء الاصطناعي التوليدي لتعزيز صورة مرشحها.

ففي إندونيسيا، نشر الفريق الذي أدار الحملة الرئاسية لبرابوو سوبيانتو تطبيقًا بسيطًا للهاتف المحمول لبناء اتصال أعمق مع المؤيدين في جميع أنحاء الدولة الجزيرة الشاسعة. مكّن التطبيق الناخبين من تحميل الصور وإنشاء صور لأنفسهم بواسطة الذكاء الاصطناعي مع سوبيانتو.

مواجهة التزييف العميق

مع تكاثر أنواع التزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي، تسعى السلطات في جميع أنحاء العالم جاهدة للتوصل إلى حواجز حماية.

ويطالب الاتحاد الأوروبي منصات وسائل التواصل الاجتماعي بالحد من مخاطر نشر المعلومات المضللة أو “التلاعب بالانتخابات”.

وسوف يفرض وضع علامات خاصة على التزييف العميق للذكاء الاصطناعي بدءًا من العام المقبل، وهو وقت متأخر جدًا بالنسبة للانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي في يونيو/ حزيران المقبل.

ومؤخرًا، وقّعت أكبر شركات التكنولوجيا في العالم وبشكل طوعي، على اتفاقية لمنع أدوات الذكاء الاصطناعي من تعطيل الانتخابات.