جدل مستمر حول أساطيل الصيد الصينية قبالة شواطئ تونس

يستمرّ الجدل حول أساطيل الصيد البحري الصينية قبالة شواطئ تونس وما تتركه من تأثيرات سلبية على المستوى البيئي في أعماق البحار من ضرب للنظم الإيكولوجية وتدمير للحياة البحرية بسبب استغلالها للثروة السمكية، بالإضافة إلى تأثيرها على الاقتصاد التونسي وما تتسبب به من شلل مادي للبحارة التونسيين. لذلك كان لا بدّ من حلقة تطرح الموضوع على طاولة النقاش بين خبراء وإختصاصيين يحددون الزوايا العامة للموضوع من منطلقات جيوسياسية واقتصادية توضح مصلحة الصين في كل ذلك، وهل إن وجودها في المتوسط مرتبط بالسياسة والأمن أم بالصيد البحري؟.

استضافت الإعلامية راشيل كرم في حلقة جديدة ضمن برنامجها “ستوديو الآن” الخبير في العلاقات الجيوسياسية أسامة ذبيان، والناشط البيئي حسام حمدي والاستشاري في استراتيجيات الاستثمار محمد الصادق جبنون، فما كانت أبرز مواقفهم وآرائهم من الوجود الصيني في البحر الأبيض المتوسط وخصوصاً في تونس؟.

الصين تريد من البحر الأبيض المتوسط أن تكون في منطقة قريبة من أوروبا وتريد أيضاً تأمين وتنويع مصادر الطاقة

أسامة ذبيان

خبير في العلاقات الجيوسياسية

يشير ذبيان إلى أن “للصين مصالح عديدة في البحر الأبيض المتوسط، هناك مصالح متعلقة بالجيو- استراتيجيا وهناك مصالح متعلقة بالجيو- إقتصادي. الصين تريد من البحر الأبيض المتوسط أن تكون في منطقة قريبة من أوروبا وتريد أيضاً تأمين وتنويع مصادر الطاقة، ففي الحرب على أوكرانيا مثلاً رأينا أن الاقتصاد التونسي مرتبط كلياً على مستوى القمح بأوكرانيا، فعندما ارتفعت أسعار القمح في روسيا وأوكرانيا ارتفعت المعيشة في تونس، والصين تريد أيضاً تنويع هذه المصادر ما بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعدة مناطق أخرى، تريد أن تحضّر المنطقة إلى المزيد من الإندماج لأجل ربط مجموعة الشركات العابرة القطرية التابعة للصين وتسهيل المعاملات التجارية مع أوروبا”.

وشدّد على أن “منطقة شمال أفريقيا مهمّة جداً بالنسبة للصين لأنه يمكن من خلالها إقامة منطقة إقتصادية وأن تتجاوز من خلالها ما نسمّيه العقبات الجمركيّة المفروضة من قبل الإتحاد الأوروبي على البضائع الصينية فيمكن من خلال تصنيعها في شمال أفريقيا أن تقوم بتصديرها انطلاقاً من شمال إفريقيا إلى الإتحاد الأوروبي وفي ذلك ستتجاوز الحواجز الجمركية، وبالتالي إن منطقة شمال أفريقيا لها أهمية كبرى بالنسبة للصين وهي ممرّ يندرج ضمن الممرات المختلفة في مبادرة الحزام والطريق، فمثلما هناك رواق يمرّ من الصين إلى آسيا الوسطى ورواق يمرّ من الصين إلى الشرق الأوسط، هناك أيضاً رواق يمرّ من الصين نحو أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، ولذلك فلتلك المنطقة أهمية بالغة بالنسبة للصين”.

تونس

البيئة البحرية ما بين التجاوزات وتشابك المصالح

يُشار دائماً إلى أن الأساطيل الأجنبية وبينها الأساطيل الصينية الموجودة قبالة السواحل التونسية أو ضمن المياه الإقليمية تؤثر بشكل سيء جداً على الثروة السمكية وعلى الصيادين، يؤكد حمدي أن “ما من مبالغة في ما يقال لكن الحقيقة أنه يتم التركيز أكثر على الجانب الصيني كون حجم السوق الصينية أكبر من الأسواق الأخرى، هناك أمر واقع فرض في هذه العشرية الأخيرة والأساطيل الصينية أو مراكب الصيد الصينية كان لديها العديد من التجاوزات في العديد من المناطق، ليس فقط في البحر الأبيض المتوسط وإنما أيضاً قبالة سواحل غالاباكوس وما نعرفه أن هذه السواحل هي محمية طبيعية، لكن هذا لا يمكن أن يجعلنا أن نغض النظر عن أن التجاوزات الصينية ليست بمعزل عن التجاوزات الأخرى، هناك تجاوزات أيضاً من قبل بعض القوارب الأوروبية، ومن بعض القوارب اليابانية أيضاً، لكن المشكلة الأكبر من ذلك هي أن هناك بعض الوكلاء في بعض الدول الضعيفة ممكن سياسياً أو حتى أمنياً والتي تستنزف الموارد السمكية الموجودة على السواحل”.

وعن هويّة الوسطاء الذين ذكرهم قال: “لدينا العديد من شركات الإستيراد والتصدير في تونس وغير تونس هي موجودة أيضاً في غرب أفريقيا وهي تقوم بتجاوزات شبه يومية على السواحل التونسية خلال فترات الراحة البيولوجية المفروضة قانونياً، وأيضاً هناك العديد من طرق الصيد الجائرة، وكل ذلك يحصل بهدف تصدير هذه المنتجات خصوصاً وأن هناك بعض المنتجات التي عليها طلب كبير في السوق الصينية واليابانية، حتى أن الشركات الصينية نفسها تقوم بتصدير هذه المنتجات إلى بعض البلدان الأميركية وبعض البلدان الأوروبية وحتى في السوق الأميركية التي تستقطب جانباً هاماً من هذه المنتجات”.

أما إذا كان هؤلاء الوسطاء تونسيين ومتواطئين بشكل أو بآخر قال: “لا أقول إنهم متواطئين، بل أقول إن هناك تشابك مصالح يرقى إلى التواطؤ إذا صح التعبير لأن المشكلة القائمة في تونس هي بسبب الصيادين التونسيين أنفسهم وأنا هنا لا أتحدث عن الصيادين التقليديين إنما عن بعض ما يسمّى بالأباطرة ومن يمتلكون القوارب الكبرى أو بعض من يستعينون بتقنيات مثل الصيد بالكركارة والذين لديهم علاقات مع الموردين والمصدّرين والذين يستحوذون على معظم الكمية التي يتم صيدها. فعلى مستوى سمك التونة مثلاً، فهو نادر في الأسواق التونسية حتى أن الأسعار مرتفعة جداً بالنسبة لبعض الأسماك، الأمر نفسه بالنسبة للجمبري وكل تلك الأصناف التي يتمّ استغلالها وتصديرها إلى تلك الأسواق”.

أما إذا كان لهؤلاء الوسطاء التونسيين ارتباطات مع الحكومة التونسية أو الدولة التونسية وإذا كانوا يؤثرون بشكل أو بآخر على سياسات الدولة كي يتمكنوا بالاستمرار بهذه الممارسات مع الصينيين قال حمدي: “هناك بعض المحميين بالطرق القانونية، والمشكلة هنا في الأساس هي مشكلة قانونية ضمن القطر التونسي وهناك أيضاً مشكلة على مستوى الإتفاقيات العالمية والتي يجب أن يتم تفعيل بعض القوانين التي تتضمّنها على مستوى الشفافية في تحركات السفن، وفي الإنتاج البحري والثروة السمكية. ثمّة معلومات شحيحة جداً بالنسبة للصيد البحري العالمي، لكن هناك أيضاً نفاق عالمي إن صحّ التعبير لأن هناك بعض القوانين التي تحمي السواحل الأوروبية بطريقة بيئية معيّنة بينما تسمح لبعض الشركات التي تقوم ببعض التجاوزات في بعض البلدان وخصوصاً في بلدان غرب أفريقيا وبلدان شمال أفريقيا”.

وأضاف “الشيء نفسه ينسحب على موضوع المراقبة… فالكل متواطئ لكن من السهل توجيه أصابع الإتهام للصين أو اليابان أو غيره، نعرف أن هناك حسابات جيوسياسية وهناك حقيقة صراع نفوذ في هذه المنطقة لكن أظن أن الكل متواطئ بطريقة ما”.

أما عن هوية الوكلاء الذين تحدث عنهم قال: “إنها الشركة التونسية التي تصدّر هذه الأسماك ولكن إلى أين؟ هذه هي النقطة التي يجب طرحها. إن انعدام الشفافية في نشاط هذه الشركات وانعدام المراقبة إن صحّ التعبير… من هنا كمراقبين وكناشطين في المجتمع المدني إننا نطالب بشفافية أكبر على مستوى عمل هذه الشركة لأن نشاط الشركة الذي يشمل منتجي الأسماك أي الصيادين وبعض مزارع الأسماك وحتى طريقة تعاملها مع البيئة لا تخضع لرقابة كافية”.

تونس

العلاقات التجارية بين تونس والصين

بحسب جبنون إن “الصين موجودة كفاعل اقتصادي في العديد من مناطق العالم وهي اليوم القوة الاقتصادية الثانية دولياً وهي أيضاً الشريك الاقتصادي الأول للقارة الإفريقية باستثناء دولتين هما تونس والمغرب فهي تأتي في المرتبة الثانية على مستوى التبادلات التجارية. إن الاستثمارات الصينية متعددة وبالنسبة للبحر الأبيض المتوسط هي موجودة على مستوى مبادرة الحزام والطريق سواء عبر سكك الحديد والطرقات التي تمر عبر القارة الأوروبية أو عبر الممرات البحرية الرئيسية، وأتحدث هنا عن التجارة القائمة عبر قناة السويس وعبر الميناء الذي تديره الصين في اليونان وهو مرفأ بيري، هذه هي المنطلقات الرئيسية، ومن ثم لديها اتفاقيات عديدة مع دول في القارة الأفريقية وفي أوروبا على صعيد مبادرة الحزام والطريق. بالنسبة لتونس فإن الصين هي المزوّد الثاني لأن أساس التجارة الخارجية بالنسبة لتونس هي مع الاتحاد الأوروبي بنسبة 68% تقريباً ومن ثمّ تأتي الصين، هناك توريد هام للمواد الصناعية والآلات والسيارات والمواد النصف مصنّعة، نتحدث هنا عن مبادلات هامة وصلت حدود 6,5 مليار دينار تونسي ما يعني أن هذه المبادلات فيها عجز لصالح الطرف الصيني بما يقارب الـ6 مليار دينار وذلك لضعف الصادرات التونسية للصين ولتنافسية المنتجات الصينية مقارنة مع المنتجات الأوروبية وهذا يعود لتنافسية العملة اليوان مقابل اليورو. نجد نفس المنتجات على صعيد الآليات والتجهيزات هي تكون تقريباً بنفس الخصائص ونفس الجودة ولكن هناك أيضاً عامل العملة والتسهيلات التي يجدها المورّدون والصناعيون هناك وبالتالي هناك ميزان تجاري لفائدة الصين وهذا أيضاً في إطار غياب إتفاقية إقتصادية – تجارية على غرار الإتفاقية التجارية القائمة مع الإتحاد الأوروبي في سنة 1995″.

وعن سبب غياب الاتفاقية قال: “لم يكن هناك توجّه لعقد اتفاقيات بصفة عامة ليس مع الصين فقط فحتى مع آسيا أيضاً، نعرف جيداً أن اليابان هي من أهم المساندين على مستوى القروض وهي من أهم المستثمرين في تونس ولكن تحتاج هذه العلاقات مع آسيا ككل، مع الصين واليابان وغيرها إلى اتفاقيات تجارية تزيد من مستوى العلاقات ويمكن حتى من تدفق الصادرات التونسية للأسواق الآسيوية وتأتي بتسهيلات من الجيل الجديد تمكن الصناعيين والفاعلين الإقتصاديين التونسيين من التصدير أيضاً لهذه الأسواق لأن الصين مثلاً انتقلت من نموذج التصدير الكامل إلى النموذج المزدوج أي التصدير والإستهلاك أيضاً نظراً لارتفاع الناتج الداخلي الخام في الصين بالنسبة للفرد… وبالتالي هناك توجه للإستهلاك على غرار ما هو موجود في السوق الأوروبي والسوق في الولايات المتحدة الأميركية، وأصبح هذا السوق الضخم وفيه مليار و400 مليون مستهلك يطلب المنتجات من مختلفة دول العالم ومن مختلف مناطق العالم، ليس فقط المنتجات الخام ولكن أيضاً منتجات الصناعات الغذائية والمنتجات المصنّعة في مستويات أخرى”.

تونس

علاقات غير متساوية

يشير ذبيان إلى أن هناك اختلال واضح على مستوى المبادلات التجارية بين تونس والصين ولكن من هو المسؤول عن هذا الإختلال؟ هل تقع المسؤولية على تونس أم على الصين؟ يجيب ذبيان بالإشارة إلى أن “الصين هي قوة تجارية عظمى ونحن لا نستطيع من دون مأسسة للعلاقات أن ننافس في هذا الإتجاه. جميع العلاقات التونسية – الصينية هي مرتكزة في الأساس على الخواص لكن أين دور الدولة في ذلك؟ فهي غائبة تقريباً إذ لا توجد استراتيجية للدولة في المبادلات التجارية مع الصين، لا توجد رؤيا للعلاقات الصينية – التونسية، إن الرؤيا السياسية غائبة تماماً، هناك بلدان قامت بمأسسة علاقاتها مع الصين، فهناك إرادة سياسية لبعض البلدان كمصر مثلاً التي بنت المدينة الإدارية الجديدة أو المغرب مثلاً ففيها إرادة سياسية حيث يقرر الملك وهناك سياسة خارجية تتبع قرارات الملك”. وعن سبب فقدان تلك الإرادة السياسية في تونس قال: “فقدانها في تونس يعود إلى عدة عوامل، أولا في تونس نحن لا نمتلك رؤيا للسياسة الخارجية، ثانياً بسبب تشظي القرار السياسي في تونس خلال الـ10 أو 12 سنة الأخيرة بعد الثورة، فهناك تشظي للقرار السياسي بين السلطة المركزية والمعارضة وضمن السلطة المركزية، مثلاً حتى في الترويكا هناك عدم اتفاق على الرؤيا الخارجية للسياسة التونسية فليس هناك رؤيا واضحة بالنسبة للفاعلين التونسيين في العلاقة مع الصين”.

أما إذا كان هناك نوع من عدم القدرة على المواجهة أو عدم الرغبة في المواجهة لأن هناك مصالح اقتصادية بين المسؤولين في تونس والصينيين التي تجعلهم يغضون النظر عن بعض التجاوزات وبعض المعاهدات قال “أنا أعتقد أن التجاوزات غير مرتبطة بالصين فقط، فالاختلال في الميزان التجاري ليس قائماً بين تونس والصين فقط بل إن الميزان التجاري لجميع دول العالم في اختلال مع الصين، فحتى لو أخذت الولايات المتحدة فسوف تجدين أن ثمة اختلال في الميزان التجاري لصالح الصين لذلك لا نتحدث عن الاختلال في الميزان التجاري إنما نتحدث عمّا يمكننا نحن أن نغنم من الصين، عندما لا يكون لديك رؤيا وعندما لا يكون لديك توجه سياسي واضح في هذا الإتجاه، عندها لا نستطيع أن نوازن بين حلفائنا التقليديين في أوروبا كفرنسا وغيرها والصين من ناحية أخرى، فنحن لا نستطيع أن نحسّن في هذا الميزان التجاري، أعتقد أنها مشكلة جوهرية بالنسبة لتونس، فنحن اخترنا اتجاهاً ولا نفاوض، ولو حسنّا علاقاتنا مع الصين، ولو دعونا الصين للإستثمار في البنية التحتية لتونس مثلاً في ميناء المياه العميقة، إذ كان هناك رغبة صينية كبيرة في الإستثمار ولم يحصل ذلك، كان هناك رغبة في تنمية منطقة في جرجيس في الجنوب التونسي وربط الجزائر بليبيا عن طريق المنطقة الصناعية في المنطقة الحرة في جرجيس، كان هناك رغبة لتنمية وإعادة هيكلة ميناء بلزارت وكل هذا لم يحدث وكل ذلك بسبب الإرادة السياسية الغائبة”.

ويعتقد ذبيان أن “جميع الفاعلين السياسيين في تونس مسؤولين عن ذلك وأعتقد أن النخبة التونسية مسؤولة أيضاً باعتبار أنها بمعظمها تعيش الأورومركزية أي أنها نخبة عاشت في أوروبا وعاشت في تونس، وارتباطاتها دائماً في أوروبا ولا تستطيع أن تتصور العالم خارج أوروبا كما لا تستطيع أن تتجه شرقاً، يعني أنها تنظر إلى مصالح تونس من منظار آخر لذلك علاقاتها تنحصر بالإتحاد الأوروبي”.

ويعتبر ذبيان أن دخول تونس في مبادرة الحزام والطريق عام 2018 كان شكلياً “فهناك دول اغتنمت اللحظة التاريخية كما سلف وذكرت كمصر، فمصر طوّرت مدينة إدارية كاملة من خلال توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع الصين، والجزائر أيضاً استفادت كثيراً من الصين من خلال بناء بنية تحتية متطورة من الطرقات التي تربط شمال الجزائر بجنوبها ومن خلال عمليات البناء للبنية التحتية وللملاعب والمساكن وغيرها، والمغرب طوّرت أيضاً من ميناء طنجة، إلا تونس بقي مستوى التعاون فيها على المستوى الثقافي والسياحي فقط. يبقى الميزان التجاري شديد الاختلال لصالح الصين فلم نستطع أن نمأسس هذه العلاقات وأن نرتقي بها من المستوى الثقافي والمستوى السياحي إلى المستوى السياسي”.

تونس

وعن تناقض الإيجابية التي يتحدث عنها في العلاقات مع الصين وما تعرضت له دول عديدة بسبب دبلوماسية فخ الديون الصينية قال: “هناك مثل تونسي يقول لا يوجد قط يصطاد لوجه الله بمعنى أنه في العلاقات الدولية تسعى جميع الدول لزيادة الفائدة والهيمنة وتقويض القوة وهذا أمر طبيعي جداً لكن هنا يبرز دور الدولة وقدرتها على التفاوض مع الطرف الآخر”.

وشدّد على أنه “لدينا الإمكانية لتطوير علاقاتنا مع الصين وان ننهض بالبنى التحتية تماماً كما قلت ليس بالإتجاه نحو الصين لكن من خلال عملية الموازنة ما بين الإتحاد الأوروبي والصين”.

الأثر البيئي وتداعياته الاقتصادية والإجتماعية

بحسب حمدي قبل الحديث عن الدبلوماسية التونسية “يجب أن نحدد منوال تنموي في تونس لأنه قبل تحديد السياسات العامة والخارجية يجب أن نتفق كتونسيين على المنوال التنموي المطروح الغائب صراحة، فالمنوال التنموي الحالي لا يضمن الحقوق البيئية والحياتية والإقتصادية للتونسيين”.

وأضاف “نحن كنشطاء نتعامل مع أي طرف خارجي كالصين وحتى في مستوى إطار الإتفاقية الإيطالية وكان لنا حظوظ كبيرة على مستوى هذه القضية في قضايا المناصرة والإحتجاجات لكن يجب على السياسيين وحتى على أصحاب القرار أن يستمعوا إلينا فنحن نبذل جهداً في حماية شواطئنا”.

ولفت إلى ان هناك أثر لتلك الممارسات “فالأثر مباشر على مستوى التنوع البيولوجي، نعرف ان هناك أثر حتى على المستوى الاقتصادي، فإذا ما توقفنا عند مدينة كالشابة فهي تضم 20 ألف ساكن يقتاتون من البحر نذكر أنه لم يعد هناك من أسماك ولم يعد هناك من نشاط إقتصادي، هناك التأثير البيئي الذي له تداعيات إقتصادية وإجتماعية كبيرة، فأظن أنه حتى من جانب المشرّع التونسي يجب تشريع قوانين وتمكين الدولة التونسية من آليات تضمن لنا ضبط أي تجاوزات على الشواطئ التونسية. على المستوى الخارجي أو الدبلوماسي نحن لسنا على عداوة مع الصين والإتحاد الأوروبي أو غيره، نحن نؤمن بالسيادة الوطنية ولكن نظن أن هناك معايير بيئية وصحية وحياتية للمواطن التونسي يجب على أي شريك وأي طرف سواء كان الصين أو الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة احترامها بشكل كامل”.

بدوره يعيد جبنون أسباب العجز التجاري إلى أسباب هيكلية “ولا يوجد الآن مؤشرات على تغيره فنحن لا نتحدث الآن عن العلاقة التجارية بحد ذاتها بقدر ما نتحدث عن تعديل هذه العلاقة عبر الاتفاقيات الاقتصادية ويأتي في مقدمتها الاستثمار في التنمية المستدامة بمعنى أن الصين اليوم ممكن أن تكون شريكاً لتونس في التحوّل الطاقي، في البنية التحتية التي تتلاءم مع معايير التنمية المستدامة من بيئة، من حسن استغلال، من الحكومة أيضاً إذ لا ننسى أن الصين هي المنتج الأول للألواح الشمسية ولديها تقدم تكنولوجي في هذا المجال ويمكن أيضاً أن تموّل هكذا عمليات إستثمارية في العديد من الدول الأفريقية ولكن مثلما قلت المهم أن توقّع اتفاقيات واضحة تضمن المصالح التونسية وتضمن أيضاً إنفتاح الأسواق وفتح أسواق الصين وأسواق آسيا لأننا لا نتحدث فقط عن الصين إذ هناك علاقة قوية أيضاً مع كوريا الجنوبية واليابان ويمكن لهذه العلاقات أن تتطور ولكنها تتطلب إطار مؤسساتي وقانوني يمكّن المستمثر والمصنّع التونسي من الوجود في هذه الأسواق”.

أما إذا كانت الاتفاقيات بين تونس والصين غامضة وسرية أم فيها من الشفافية قال: “هناك اتفاقية للانضمام إلى الطريق والحزام ولكن هناك معايير دولية للاتفاقيات التجارية خاصة تلك التي وضعتها الأمم المتحدة وهي معايير التنمية المستدامة وإن هذه المعايبر أصبحت الآن معايير دولية يمكن اعتمادها ولا بد من إيجاد أطر واضحة للتفاوض وضمان المصالح والحقوق في نفس الوقت وهذا يتم في عملية واضحة وسلسة، وهذا ما هو مطلوب الآن ولكن إذا بقيت التجارة في ديناميكية السوق لأننا يجب أن نفهم ان السوق في حد ذاته هو مقابلة بين ما تنتجه الصين وما تنتجه أوروبا وما تنتجه أفريقيا، ولعله الآن ليس مهم لنا فقط في تونس وإنما لكل الدول الإفريقية أن تتفاوض مجتمعة تحت إطار الإتحاد الإفريقي مثلما تفاوضت مع الإتحاد الأوروبي في مبادرة الJ Gate Way، يمكن ان تتفاوض مع الصين ومع اليابان والولايات المتحدة الأميركية كاتحاد إفريقي لضمان اكبر حصة ممكنة للقارة الأفريقية من الحقوق الاقتصادية ومن الفرص الاقتصادية التي لا تجعل فقط القارة الإفريقية خزان للمواد الأولية والثروات الأولية وإنما تمكّن من نقل التكنولوجيا والقيمة المضافة للقارة الإفريقية سواء كان ذلك من أوروبا أو من الصين أو من الولايات المتحدة الأميركية أو من القوى الجديدة مثل كوريا الجنوبية وغيرها أيضاً”.

فهل تتحقق الوحدة الأفريقية بوجه القوى الاقتصادية الكبرى في العالم بحيث تضمن التطور والتقدم الاقتصادي والتكنولوجي للقارة الإفريقية؟.