بعد 31 عاماً: رفع حظر السلاح عن الصومال يعزز جهود مكافحة الإرهاب

“لم يكن لدينا الأسلحة التي تتطلبها المعركة ضد الجماعات الإرهابية، في ظل الحظر المفروض على واردات السلاح إلى الصومال منذ العام 1992، وكنا نعتمد على تسليح خفيف يصل البلاد بطرق قانونية، وبقايا المعدات العسكرية المتوسطة والثقيلة من حقبة الدولة المركزية.”

بتلك الجملة يعلق ضابط رفيع الرتبة في الجيش الصومالي، قريب من القيادة العسكرية المسؤولة عن قيادة المعركة ضد جماعة الشباب المجاهدين المصنفة إرهابياً، على الأهمية الكبيرة للغاية لقرار رفع حظر السلاح عن بلاده.

رفع حظر السلاح

قرر مجلس الأمن الدولي بالإجماع رفع حظر واردات السلاح المفروض على الصومال، في اجتماع المجلس بتاريخ الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري. صدر القرار رقم (2714) لعام 2023، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ونصّ على “اعترافاً بالمعايير التي تم التوصل إليها بشأن تنفيذ عملية الانتقال الأمني، والخطة الانتقالية للصومال، وهيكل الأمن الوطني، اعتمد مجلس الأمن اليوم بالإجماع قراراً برفع حظر الأسلحة المفروض على حكومة الصومال الفيدرالية”.

كيف يؤثر رفع حظر السلاح عن الصومال في الحرب ضد الإرهاب؟ 

دعا القرار الحكومة الفيدرالية الصومالية إلى “تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لإدارة الأسلحة والذخائر، وتعزيز جهود التأهيل المهني والتدريب وبناء القدرات لجميع مؤسسات الأمن والشرطة الصومالية”.

كما جدد المجلس في الاجتماع ذاته العقوبات المفروضة على جماعة الشباب المجاهدين المصنفة إرهابياً، وفق القرار رقم (2713) لعام 2023. نصّ القرار على “تجديد نظام العقوبات وحظر الأسلحة المفروض على تلك الجماعة الإرهابية.” كما جدد المجلس عدد من القرارات ذات الصلة في موضوع العقوبات على جماعة الشباب المصنفة إرهابياً.

يقول الضابط الصومالي، في حديثه لـ”أخبار الآن” بأنّ رفع حظر السلاح عن الصومال سيساعد بشكل كبير في القضاء على الإرهاب، معتبراً أنّ أهم أسباب تأخر القضاء على الإرهاب هو عدم امتلاك القوات أسلحة ثقيلة وكافية. مشيراً إلى أنّ القوات التي تقاتل الإرهاب مسلحة بأسلحة خفيفة وأخرى متوسطة غير متقدمة، بينما تملك الجماعة الإرهابية أسلحة متفوقة وحديثة.

كيف يؤثر رفع حظر السلاح عن الصومال في الحرب ضد الإرهاب؟ 

وأفاد بأنّ رفع حظر السلاح عن الصومال زرع الأمل في قلوب الشعب ككل والجيش على وجه الخصوص، بما يتبعه من قدرة الدولة على شراء الأسلحة الثقيلة والمعدات العسكرية من مدرعات ودبابات وطائرات ونحو ذلك، ما يمثل مؤشراً جيداً للقضاء على الإرهاب. ولفت إلى أنّ الصومال لديه العديد من الدول الصديقة التي توفر التدريب العسكري والتسليح الخفيف لتلك القوات، وكانت على استعداد لتقديم المزيد من العتاد العسكري الثقيل والمتطور، لكن حظر السلاح الدولي كان عائقاً.

تعزيز الحرب ضد الإرهاب

حققت الحكومة الفيدرالية مكاسب كبيرة في حربها ضد الإرهاب للمرة الأولى منذ أعوام، وذلك منذ اطلاق الرئيس حسن شيخ محمود الحرب التي وصفها بـ”الحاسمة” للقضاء على الإرهاب، في أغسطس / أب 2022، بعد ثلاثة أشهر من تنصيبه رئيساً للمرة الثانية.

نجحت القوات الفيدرالية المدعومة بمقاتلي العشائر المحليين “معويسلي” في تقليص نفوذ جماعة الشباب في وسط البلاد وجنوبها، وأجبرت جماعة الشباب على الانسحاب من أقاليم إستراتيجية مثل شبيلي الوسطى وهيران ومودغ وغالغاود، في ولايتي هرشبيلي وغالمودغ، لتنتهي بذلك المرحلة الأولى من الحرب الحاسمة.

ومن المتوقع أنّ تركز المرحلة الثانية على تحرير المناطق والجيوب التي ما تزال تحت سيطرة جماعة الشباب المصنفة إرهابياً في ولايتي هرشبيلي وغالمودغ، ونقل العمليات الحربية إلى ولايتي جنوب الغرب وجوبالاند، حيث الأخيرة تعدّ معقل الجماعة الأساسي.

يقول الضابط في الجيش الصومالي لـ”أخبار الآن” بأنّ عمر الحرب ضد الإرهاب 16 عاماً، بذلت خلالها الحكومة جهوداً كبيرةً لبناء جيش قادر على تحمل مسؤولية الأمن في البلاد، ليتسلم تلك المسؤولية من القوات الأفريقية، المتوقع إتمام انسحابها الكامل قريباً.

كيف يؤثر رفع حظر السلاح عن الصومال في الحرب ضد الإرهاب؟ 

وبناءً على طلب الصومال أرجأ مجلس الأمن الدولي سحب دفعة من قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال “أتميس” من البلاد لمدة ثلاثة أشهر، حتى 11 فبراير/شباط 2024، بعدما كان مقرراً سحب 3 آلاف جندي في 13 ديسمبر/كانون الأول 2023، ومن المقرر انسحاب آخر جندي من البعثة في ديسمبر 2024.

يقول الضابط في الجيش الصومالي القريب من قيادة الحرب ضد الإرهاب، بأنّ قرار رفع حظر السلاح جاء في الوقت المناسب، للسماح بتدفق الأسلحة المطلوبة لبناء وتجهيز الجيش، ليكون قادراً على تسلم المهام الأمنية من بعثة الاتحاد الأفريقي. يضيف “كلي ثقة في قدرة قواتنا على هزيمة الإرهاب، فهم يمتلكون تدريبات وإستراتيجيات عسكرية كافية، لكن ما يحتاجونه هو تزويدهم بأسلحة ثقيلة ومناسبة مثل دول العالم وفوق ما يمتلكه العدو.”

وأكد على وجود علاقة طردية بين رفع حظر السلاح عن الصومال والنجاح الكبير في مواجهة الإرهاب، لافتاً إلى أنّ جهود الحكومة لرفع حظر السلاح بدأت في الولاية الأولى للرئيس حسن شيخ محمود (2012-2017) وتتابعت حتى النجاح في الولاية الثانية الحالية، موضحاً أنّ حسن شيخ عازم منذ تنصيبه على القضاء بشكل تام على الإرهاب.

قدرات عسكرية جديدة

وبسؤال الضابط في الجيش الصومال عن تأثير رفع حظر السلاح على الحرب ضد الإرهاب، أجاب بأنّ القرار سيمكن البلاد من الحصول على الأسلحة المطلوبة لمعركة القضاء الإرهاب، فضلاً عن تعزيز القدرات العسكرية بشكل مستدام من خلال إنشاء مصانع السلاح لتلبية احتياجات القوات العسكرية والأمنية، في ظل توسع مسؤولية القوات الوطنية التي ستتولى في 15 من الشهر الجاري مسؤولية أمن الرئيس ومقرات الرئاسة من القوات الأفريقية.

من جانب آخر، أشار الضابط الصومالي إلى أنّ للقرار انعكاسات تفوق موضوع التسليح، منها؛ تخفيف خسائر القوات الصومالية في جبهات القتال وزيادة الخسائر في صفوف الجماعة الإرهابية، رفع معنويات الجيش الذي يقاتل الآن بمعدات بسيطة للغاية وفي ظروف غاية الصعوبة، وتعزيز قدرة الجيش على حفظ الأمن وبسط السيادة في المناطق المحررة من سيطرة جماعة الشباب. منوهاً بأنّ تلك العوامل ستؤدي إلى تسريع حسم الحرب والقضاء على خطر الإرهاب.

أما عن المطلوب لتعزيز قدرات الحكومة الصومالية في مواجهة الإرهاب، فيقول الضابط الصومالي، “الإرهاب عدو، ولا تستطيع التغلب على العدو إلا بمواجهته بقدرات تفوق ما يمتلكه.” وعدد خطوات مطلوبة لتعزيز قدرات الحكومة في مواجهة الإرهاب، أولها مضاعفة عدد القوات العاملة في الجيش، في مختلف الأفرع الرئيسية من المشاة والقوات الجوية والبحرية وفق برامج تدريبية متكاملة.

الثانية زيادة الدعم الدولي العسكري للقوات الحكومية، بمختلف أنواع الأسلحة، سواء الصغيرة والمتوسطة والكبيرة من الدبابات والعربات المدرعة والطائرات الحربية والسفن الحربية وجميع المعدات العسكرية الأخرى اللازمة.

كيف يؤثر رفع حظر السلاح عن الصومال في الحرب ضد الإرهاب؟ 

والثالثة توفير الدعم المالي الكافي للحكومة الفيدرالية، لأنّ ما تحصل عليه الحكومة غير كافٍ لمتابعة حرب واسعة النطاق ضد جماعة الشباب التي ما تزال تسيطر على مناطق واسعة في البلاد. والرابعة توفير الدعم اللوجستي والمعلوماتي، حيث تواجه الصومال صعوبة في الحصول على معلومات حول أماكن الانتشار والقدرات والهيكل لجماعة الشباب، ولهذا فهي في حاجة لطائرات تجسس ورصد لتوفير تلك المعلومات للقوات في الميدان.

يذكر أنّ الحرب ضد الإرهاب في الصومال تحظى بدعم كبير من الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان لها دور كبير في خروج قرار مجلس الأمن الدولي بتمديد تفويض بعثة “أتميس” في البلاد. يقول الضابط في الجيش الصومالي، القريب من قيادة الحرب ضد الإرهاب، بأنّ الولايات المتحدة قدمت مساعدات عسكرية تقدر بملايين الدولارات للجيش الصومالي، لدعمه في الحرب التي يخوضها ضد جماعة الشباب الإرهابية، كما توفر تدريبات لفرق داخل الجيش مثل فرقة “دنب” التي ساهمت بدورٍ بارز في الحرب ضد الإرهاب.

فضلاً عن ذلك، وفرت الولايات المتحدة الرواتب والتجهيز العسكري بما في ذلك أسلحة ثقيلة مثل المدرعات وأجهزة الكشف عن المتفجرات وقدرات صيانة الأسلحة والمركبات العسكرية لقوات “دنب”. إلى جانب ذلك، تنفذ الولايات المتحدة ضربات جوية ضد الشخصيات الهامة في جماعة الشباب، وتزود القوات الصومالية بالمعلومات، فضلاً عن دورها الهام في فرض العقوبات وتنفيذها على جماعة الشباب والداعمين لها، بحسب حديث الضابط الصومالي لـ”أخبار الآن”.