هل يصلح سيف العدل لزعامة القاعدة؟

نشر موقع إلكتروني يديره مصطفى حامد (أبو الوليد المصري)، صهر سيف العدل محمد صلاح زيدان، أبرز قادة تنظيم القاعدة في الوقت الحالي، رسالةً جديدة رسالة للأخير بعد غياب وصمت استمر لسنوات تضمنت اعترافًا ضمنيًا بمقتل أيمن الظواهري وقادة تنظيم القاعدة، ودفاعًا من سيف العدل على التحالف مع طهران.

وتعد هذه الرسالة الأولى التي ينشرها سيف العدل بعد مقتل أمير القاعدة السابق أيمن الظواهري، كما أنها تعد الرسالة الأولى التي ينشرها سيف العدل منذ سنوات.

ونُشرت الرسالة الجديدة باسم “عابر سبيل” وهو الاسم الحركي الثاني الذي يستخدمه سيف العدل (محمد صلاح زيدان) وسبق له أن استخدم هذا الاسم في نشر مقالات عبر موقع صهره مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) وفي توقيع الجزء الثاني من كتابه “الصراع ورياح التغيير: الثورة والإستراتيجية”.

واستشهد سيف العدل في رسالته الجديدة بمقتطفات من كتبه السابقة، وأهمها “الصراع و رياح التغيير الجزء الأول (الصراع .. الفكر .. التنظيم)”، وكتاب قراءة حرة في كتاب 33 استراتيجية، فضلًا عن العدد الثامن والأخير من مجلة أمة واحدة، وهي المجلة الرسمية التي يُصدرها تنظيم القاعدة.

ودافع سيف العدل، وهو أبرز المرشحين لإمارة القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري، في رسالته الجديدة المعنونة بـ”الرمز بين الدين و الإنسان” عن نفسه معتبرًا أنه رمز لتنظيم القاعدة كما حاول الترويج لنفسه باعتباره قياديًا عسكريًا يمكنه قيادة التنظيم بعد الانتكاسات التي تلقها خلال الفترة الأخيرة، معتبرًا أن الرموز الأخرى هي “رموز من الدرجة الثانية” تحتاج إلى مجهود و دعم لبناء رمزيتها وتعتمد على شيء يكمل شخصيتها أو شيء تستعين به لإبراز شخصيته مثل إرث السلطة أو المال أو تجميع الكوادر حولهم ومحاولة استغلال المواقف للإعلاء من شأن أنفسهم لأنهم في درجة أقل.

أول رسالة لـ"سيف العدل" بعد مقتل أيمن الظواهري.. ماذا قال عن القاعدة وطهران؟

الانقسام داخل القاعدة

ويبدو أن رسالة سيف العدل مرتبطة بالصراع والانقسام داخل تنظيم القاعدة حول من يتولى إمارة التنظيم بعد مقتل أيمن الظواهري، في أغسطس/ آب الماضي، إذ يحاول الأول إسقاط رمزية خصومه عبر مهاجمتهم في رسالته ووصفهم بأنهم “رموز من الدرجة الثانية” وذلك في إشارة واضحة إلى خصومه الذين يسعون للوصول إلى إمارة القاعدة وعلى رأسهم “أبو عبد الرحمن المغربي” أو محمد أباتي، صهر الظواهري والمسؤول عن مؤسسة السحاب الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة، والذي وصفه سيف العدل بأنه يعتمد على إرث السلطة أي صلة المصاهرة التي تجمعه بأمير القاعدة المقتول.

ويعيش تنظيم القاعدة على وقع تدافع داخلي، منذ مقتل أيمن الظواهري، حتى أن التنظيم اضطر لعدم إعلان نبأ مقتل أيمن الظواهري، أو الإشارة إليه بأي صورة من الصور، حتى بعد اعتراف حركة طالبان باكستان “تحريك طالبان”، المتحالفة مع القاعدة بمقتله في العدد العاشر من مجلتها الصادرة باللغة الأردية، والصادرة أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وحاول سيف العدل الترويج لنفسه في الرسالة الجديدة قائلًا إن الرمز الحقيقي أو القائد الحقيقي يكونه مع عناصره في ساحات القتال والخنادق، وإن أتباعه يثقون فيه لرؤيته الفكرية وإستراتيجية تنفيذها، وفي نفس الوقت هاجم خصومه وقال: “إن هناك صنف من البشر من المتفوقين الانتهازيين ليسوا رموزا ولن يكونوا رموزًا لأنهم يجيدون لفت الانتباه فقط ويستفيدون من الفرص المتاحة من أجل أنفسهم”.

 

محاولات مصطفى حامد الترويج لسيف العدل

كما سعى سيف العدل للتأكيد على أن الرمز والقائد الحقيقي لا يكتب سيرته لأنه ينسى إنجازاته وإنما يكتبها المؤرخون الذين يشاهدون آثارها في الواقع، وهو يلفت بهذه الكلمات إلى ما كتبه صهره مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) عنه، في مقدمة الرسالة الأولى المعنونة بـ”رسالة القاعدة إلى موقع مافا السياسى بقلم / عابر سبيل“، والمنشورة عبر الموقع الذي يديره أبو الوليد المصري.

وكتب مصطفى حامد مقدمة لرسالة “سيف العدل” الأول، وقال إنه عضو قديم فى تنظيم القاعدة ، انضم إلى التنظيم فى أواخر عام 1989، ولم يكن من مؤسسيه ولكنه يعتبر أهم من تولى مسؤوليات تنفيذية فى مجالات التدريب وإدارة المعسكرات والأمن والعمل العسكرى بشكل عام، وفى عام 1995 قام بدور بارز فى الصومال، وهناك أشرف على تدريب مجموعات صومالية، وعمل على تفعيلها ميدانيا، وكان له دور بارز أيضا فى معركة قندهار عام 2001 ضد القوات الزاحفة عليها والمدعومة من الجيش والطيران الأمريكى، وبعد مقتل كلاً من أبو عبيدة البنشيرى، عام 1996، ثم أبو حفص المصرى،2001، وهما مؤسسا تنظيم القاعدة مع أسامة بن لادن ، أصبح “عابر سبيل/ سيف العدل” أقدم وأهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى ذلك التنظيم”.

وفي الحقيقة، لم تكن كلمات مصطفى حامد عن صهره سيف العدل صحيحة أو صادقة إلى حد كبير، إذ أن سيف العدل، لم يكن في توقيت كتابة ونشر الرسالة الأولى عام 2010، أهم وأقدم شخصية في تنظيم القاعدة بل كان متأخرًا خلف سلسلة طويلة من القادة أبرزهم أيمن الظواهري، وأبو يحيى الليبي (حسن قايد)، وعطية الليبي (جمال المصراتي)، وأبو الخير المصري، وأبو محمد المصري، وغيرهم من المسؤولين الذين كانوا يفوقون سيف العدل في القدرات القيادية، بينما وُصف الأخير من قبل زعيم القاعدة (الراحل) أسامة بن لادن بأنه لا يصلح لأن يشغل منصب بارز في التنظيم كنائب أمير التنظيم الأول، أو الثاني، وهو ما أكدته مراسلات تنظيم القاعدة ووثائق آبوت آباد.

تبرير العلاقة مع طهران

يجادل سيف العدل في رسالته بأن القائد أو الرمز يجب أن يُقنع الناس بأنه “المختار” لكي يكسب الدعم في المحيطين الإقليمي والدولي، ولذا ينبغي أن يكون لدى القائد نقاط قوة جاذبة للحلفاء الإقليميين والدوليين أهمها النظام القادم الذي يبشر به التنظيم، والمنهج الحركي، مضيفًا أن الدعم من هذه الدول سيكون في مرحلة وسط بين بدء العمل ونهايته.

ويقر سيف العدل بأن الدعم سيكون له أهداف ماكرة وخبيثة منها تقديم الدعم والتمويل للتنظيم بغرض كسره لا الانتصار عليه، وبغرض شق صفه لمنح الحليف أكبر سيطرة على صفوف حليفه، بالإضافة إلى محاولات اغتيال العناصر البارزة في صفوف التنظيم وخاصة المفكرين الاستراتيجيين أوالعسكريين البارزين، ومنها الابتزاز السياسي والاقتصادي والسيطرة على قرار الحليف السياسي والعسكري ليصب في مصلحة الحليف، مردفًا أن “الحليف يتحالف معك وعليك” لأن الحليف غير الصديق، والفارق كبير بين الصديق والحليف.

وتؤكد كلمات سيف العدل التي أوردها في رسالته الأخيرة ما أوردته “أخبار الآن” في سلسلة “متلازمة طهران” حول التحالف بين تنظيم القاعدة وإيران، وعن تحول التنظيم إلى تابع يدور في فلك طهران نتيجة وجود سيف العدل في داخل إيران وعلاقاته بنظام الملالي، والتي استغلها الأخير في توجيه القاعدة في الاتجاه الذي تريده إيران، بالصورة التي تحول بها التنظيم إلى أداة وظيفية لخدمة المصالح الإيرانية.

كما تدلل على ما ذكرته “أخبار الآن” في الحلقة الخامسة من متلازمة طهرانحول صراع خلفاء أيمن الظواهري على من يتولى إمارة القاعدة بعد مقتل الأخير،إذ يتنافس مجموعة من أبرز قادة القاعدة على المنصب منهم ياسين السوري، وقتال العبدلي، وأبو عبد الرحمن المغربي (محمد آباتي، صهر الظواهري) وجميعهم من التيار المحسوب على إيران والمصابين بمتلازمة طهران، وأيضًا أبو عبيدة أحمد ديري، أمير جماعة الشباب الصومالية، وأبو يوسف العنابي يزيد مبارك أمير فرع القاعدة في المغرب الإسلامي، وأبو همام السوري أمير تنظيم حراس الدين، وهذا الصراع لم يتم حسمه حتى الآن.

ويبرر سيف العدل العلاقة مع طهران بأنها لا تتعلق بالثقة بل بالمصالح، ومصلحة التنظيم الأساسية أثناء الصراع هي البقاء و الاستمرار حتى النصر والنجاة من الموت المبكر أيًا كان نوع هذا الموت حسي أو معنوي.

أول رسالة لـ"سيف العدل" بعد مقتل أيمن الظواهري.. ماذا قال عن القاعدة وطهران؟

وعلى الرغم من التبرير الذي يقدمه سيف العدل للعلاقة مع إيران إلا أنه يعترف بمخاطر العلاقة مع إيران لأنها علاقة محفوفة بالمخاطر وأن وجود قادة القاعدة في إيران يدفعهم إلى أن يتغيروا وبالتالي يصبحون “عبيدًا” لنظام طهران يستخدمهم لخدمة مصالحه أو بتعبير آخر إنهم يتغيرون وفق رغبات ومتطلبات الحلفاء والداعمين ويخسرون قيمهم ومبادئهم.

ويحاول المرشح الأول لقيادة القاعدة، حاليا، أن يقدم تبرير آخرًا لوجوده في إيران عبر التلميح إلى أن الحليف يستخدم الأقارب و الأحبة  كورقة ضغط، كما يدعي أنه لا يسمح له بمغادرة إيران أو القفز من السفينة بتعبيره إلا إلى القبر، مقرًا بأن إيران تبتز تنظيم القاعدة نتيجة وجود قادته في إيران ليظل التنظيم مصدر إلهاء للناس.

ويتضح حجم الصراع النفسي الذي يعيشه سيف العدل في ثنايا رسالته الأخيرة، إذ يتمنى فيها أنه لم يقم بإيران أو يقفز إلى السفينة لأن القادة الحقيقيين يُفضلون الموت على خيانة مبادئهم وقيمهم، أما الذين آووا إلى إيران فسيصبحون “عبرة وعظة يحتقرها الناس وتلوكها الألسن”.

التماهي مع المشروع الإيراني

بيد أن المشاعر المتناقضة والصراع النفسي الذي كشفته رسالة سيف العدل الأخيرة، لم تمنعه من التماهي مع المشروع الإيراني، والتلويح بأن التنافس الجيوسياسي الحاصل بين الولايات المتحدة، وروسيا في أوكرانيا من جهة، والولايات المتحدة والصين حول تايون من جهة أخرى، يحمل في طياته فرصة لعودة الحضارات القديمة (في إشارة للحضارة الفارسية)، معتبرًا أن هذا الأمير يعتمد على حدة الصراع واستنزاف القوى الدولية الكبرى لبعضها البعض.

ومن اللافت للنظر أن الفكرة التي يُحاول سيف العدل ترويجها حول صعود قوى دولية جديدة في مقدمتها إيران، هي نفس الفكرة التي يحاول صهره مصطفى حامد ترويجها في مقالاته المختلفة ومنها مقاله “نحو إستراتيجية إسلامية لتحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية والجزيرة العربية“، والذي يدعو فيه لتحالف تنظيم القاعدة وأفرعه الخارجية مع إيران من أجل إطلاق حرب شاملة لإقامة دولة جهادية عالمية تكون إيران هي مركزها وقلبها، على حد تعبير مصطفى حامد.

ويتضح من رسالة سيف العدل الأخيرة أن المرشح الأبرز لتنظيم القاعدة يبقى متماهيا مع الموقف الإيراني أو الحليف الإيراني، مع إقراره بأن هذا التحالف سيؤدي إلى موته وموت تنظيم القاعدة معنويًا لأن النموذج الذي يُقدمه التنظيم سينهار في أعين أتباعه.

ومع أن سيف العدل يحاول تبرير تحالفه مع نظام طهران أو ما نسميه بـ”متلازمة طهران” بأن بقاءه في داخل إيران ضرورة لكي لا يُقتل بفعل الملاحقة الدولية لقادة القاعدة، بجانب وجود أسرته في داخل إيران وعدم قدرتهم على الخروج منها على حد زعمه، إلا أن مراسلات قادة القاعدة ومنهم أبو القسام الأردني، رفيق سيف العدل، الذي قال في إحدى رسائله إن سيف العدل يعيش حرًا طليقًا في إيران، وهو ما يدحض الرواية التي يحاول الأخير ترويجها كمبرر لتماهيه مع إيران أو نفي إصابته بـ”متلازمة طهران”.