القيادي الداعشي المجهول.. على من ألقت الاستخبارات التركية القبض في إسطنبول؟

 

قبيل ساعات، أعلنت مصادر أمنية واستخبارية تركية إلقاء القبض على قيادي داعشي كبير، قائلةً إنه خليفة التنظيم المعروف بـ”أبو الحسن الهاشمي”، غير أن الكشف عن الهوية الحقيقية لهذا القيادي، ظلت مجهولة حتى الآن، وهو ما أدى إلى رواج تخمينات عديدة بشأنه، فذكرت مصادر أنه “جمعة عواد البدري” الشهير بـ”جمعة البغدادي“، بينما ذهب آخرون إلى أنه حجي زيد العراقي، أحد كبار القادة والأمراء المسؤولين عن التنظيم منذ فترة طويلة.

وعزز الصمت الرسمي التركي من حالة الشك وعدم اليقين بشأن هوية “الخليفة أو القيادي المزعوم“، وسط تداول روايات مختلفة ومتضاربة حول العملية التي قامت بها الاستخبارات الوطنية التركية وأبلغت بها رئيس البلاد رجب طيب أردوغان، وفق ما ذكرته وكالة بلومبرج.

وحتى الآن، لا يمكن الجزم بما إذا كان القيادي الداعشي الذي أُلقي القبض عليه هو خليفة التنظيم الحالي “أبو الحسن الهاشمي”، لكن المؤكد أن التنظيم تعرض لاختراق كبيروأدى هذا الاختراق لسقوط ثلة من قادته المخضرمين، آخرهم “القيادي البارز” الذي جرى القبض عليه في تركيا.

رحلة الهروب من معاقل “الخلافة المكانية” إلى تركيا

وتكشف اعترافات أدلى بها قادة بارزين بتنظيم داعش (منهم أمير هيئة الحرب، ووالي كركوك الأسبق أبو حمزة الكردي) أن عدد من أمراء الصف الأول بالتنظيم هربوا من معاقل الخلافة المكانية في سوريا والعراق إلى تركيا، في الفترة التي حوصر فيها التنظيم، منذ 2016 وحتى سقوط الخلافة المكانية في مارس/ آذار 2019 ، واستقر بعضهم داخلها، وهرب آخرون إلى وجهات أخرى.

وعلل قادة داعش هروبهم من المعاقل المحاصرة والخروج من مناطق القتال إلى تركيا وغيرها، بأنه ضرورة لحفظ “الحجاجي” (يُقصد بهم أمراء داعش العراقيين) الذين يقودون التنظيم، بحسب مقال سابق نشرته مؤسسة الوفاء الإعلامية (منشقة عن داعش) للقيادي المنشق “عروة المهاجر”.

كما جرى نقل أسر قادة داعش وخاصةً المجموعة التركمانية الملقبين بـ”القراديش” إلى تركيا، وكُلفت ما تُسمى بـ”هيئة شؤون الأسرى والشهداء” بتوصيل رواتب/ كفالات شهرية لهم داخل تركيا، في حين منُعت الرواتب الشهرية التي كانت تدفع لمقاتلي داعش وأسرهم، بحجة أن مرور التنظيم بأزمة وضائقة مالية، وهو ما تؤكده اعترافات عنصر داعشي تركماني يُدعى “اركان عبد الرحمن حسين محمد“، وشهادة القيادي المنشق عن داعش “أبو عيسى المصري” في قاله المطول “سلطان باريشا“.

وبعد نحو شهر من انهيار الخلافة المكانية، وتحديدًا في أبريل/ نيسان 2019، كشف داعش للمرة الأولى عن تأسيس “ولاية أمنية” في تركيا باسم “ولاية تركيا”، وذلك حينما ظهر خليفته (الأسبق) أبو بكر البغدادي في إصدار مرئي بعنوان “في ضيافة أمير المؤمنين“، مستعرضًا ملفات لأفرع داعش الخارجية ومنها الفرع التركي.

وتولى “قاسم غولر“، منصب أمير تنظيم داعش في تركيا قبل القبض عليه، منتصف يوليو/ حزيران 2021، بيد أن تلك الولاية لم تقم بتنفيذ أي هجمات منذ إنشائها وجرى تخصيصها لمهام الدعم اللوجيستي للتنظيم، بالتنسيق مع قيادة داعش العليا.

 

ساحة الدعم اللوجيستي والعمل الخارجي

ويتبين من المعطيات السابقة، أن القيادة العليا لتنظيم داعش، فضلت أن تتخذ من تركيا- وخاصةً في المدن التي تتواجد فيها جاليات مهاجرة كبيرة كمدينة إسطنبول- قاعدة لوجيستية لعملياتها، في الفترة التي تلت سقوط الخلافة المكانية واختفاء زعيم داعش (أبو بكر البغدادي)، وتوليه مهام قيادة التنظيم من الظل.

ووفقًا لمصادر استخبارية عراقية فإن خليفة داعش تواصل مع مسؤولي العمليات الخارجية (خاصةً مسؤولي العمليات الخارجية في جهاز داعش الاستخباري والأمني) في تركيا عبر مراسل خاص هو “جمعة عواد البدري“/ “جمعة البغدادي”، الذي سافر أكثر من مرة بين شمال سوريا وتركيا، في الفترة من أواخر 2018 وحتى أواخر عام 2019

وجرى رصد جمعة البغدادي أكثر من مرة من قبل أجهزة الاستخبارات العراقية والأمريكية، لكن لم يتم إلقاء القبض عليه، لأن الاستخبارات أردت التوصل إلى شقيقه الأصغر “أبو بكر البغدادي” الذي شغل منصب خليفة التنظيم، حتى مقتله أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

ويبدو أن  إسطنبول، على وجه الخصوص، هي أحد المدن المفضلة لقيادات داعش البارزين للتخفي والهرب من الملاحقة، لا سيما أن المدينة تضم عددًا كبير من المهاجرين العرب المقيمين بها والذين يزيد إجمالي عددهم عن 5 ملايين مهاجر، وفق تقديرات سابقة لـ “الجمعية العربية” (غير رسمية)، ولعل هذا السبب هو الذي دفع “جمعة البغدادي” لاختيار إسطنبول كساحة لتبادل ونقل الرسائل من خليفة داعش لمسؤولي العمليات الخارجية، بحسب مصادر استخبارية.

 

قيادات داعش بين إسطنبول وإدلب

وعلى صعيد  متصل، تُشير المعلومات المتاحة عن قيادات الصف الأول من تنظيم داعش أن غالب أعضاءً أعلى هيئتين قيادتين في التنظيم يتواجدون في مناطق متفرقة من شمال سوريا (كمحافظة إدلب)، وإسطنبول التركية، فضلًا عن مناطق البادية العراقية القريبة من الحدود وغيرها.

وفي غضون الساعات الماضية، جرى تداول العديد من الشائعات حول وجود 2 من كبار قادة داعش في إسطنبول التركية، وهما جمعة البغدادي/ جمعة عواد البدري، وبشار غزال الصميدعي المعروف أيضًا بحجي زيد العراقي، أو الأستاذ كما لُقب داخل التنظيم.

وتُشير السيرة التنظيمية لكلا من “جمعة البغدادي” و”بشار الصميدعي”/ حجي زيد العراقي، إلى كونهما من أبرز “الحجاجي” العراقيين الذين نجوا من حملة الاستهداف المكثف التي قام بها التحالف الدولي (قوة المهام المشتركة- العزم الصلب)، والمعروفة أيضًا بحملة “قطع رأس القيادة“.

ووفق المعلومات المتاحة فإن جمعة عواد البدري، هو أحد الجهاديين العراقيين المخضرمين، وعمل كحارس شخصي ومستشار شرعي لخليفة داعش (الأسبق) أبو بكر البغدادي، وتولى مسؤولية نقل الرسائل والتكليفات الهامة بين ديوان الخليفة (هيئة تنفيذية ضمن البناء الهيراركي لداعش)، ومسؤولي العمليات الخارجية.

وتقول مصادر عراقية إن جمعة البغدادي تولى أيضًا منصب رئيس مجلس شورى داعش (أعلى هيئة قيادية) والذي يُناط به اختيار الخليفة والولاة وأمراء اللجنة المفوضة (أعلى هيئة تنفيذية حاليا)، وأمراء الدواوين الداعشية التنفيذية المندرجة تحت قيادة اللجنة المفوضة.

وزعمت مصادر استخبارية عراقية وغربية أن جمعة البغدادي هو نفسه “أبو الحسن الهاشمي”، خليفة داعش الحالي الذي تولى المنصب بعد مقتل “أبو إبراهيم القرشي” في فبراير/ شباط الماضي، كما ادعت مصادر أخرى أنه المتحدث الإعلامي لداعش (أبو عمر المهاجر) وليس الخليفة، غير أنه لا يمكن التسلييم بأي من الإدعائين.

 

بشار الصميدعي.. أستاذ داعش وقائده

وعلى نفس الجهة، يعد بشار غزال الصميدعي أو حجي زيد العراقي أو الأستاذ، أحد رموز ما يُعرف بـ”جيل  الجهاد العراقي” داخل داعش، وهم الجهاديين المخضرمين الذين انخرطوا في التنظيمات المسلحة، منذ وقبيل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

و كان بشار الصميدعي/ حجي زيد العراقي أحد أقرب المقربين من الخليفة (الأسبق) أبو بكر البغدادي ونائبه أبو محمد الفرقان، أمير ديوان الإعلام المركزي، وأمير اللجنة المفوضة سابقًا، بحسب وثائق تنظيمية مسربة حصلت “أخبار الآن” على نسخة منها.

ولُقب “زيد العراقي” بالأستاذ-  تمييزًا له عن “أبو زيد العراقي إسماعيل العيثاوي”، (الذي كان أحد قيادات داعش وشغل كذلك منصب أمير ديوان التعليم بالتنظيم)- ويعد القيادي الأول  أحد الشرعيين الكبار في داعش  وشغل منصب أمير ديوان القضاء والمظالم الذي أنشأه التنظيم إبان فترة الخلافة المكانية، ثم شغل إمارة المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية والذي تأسس للإشراف على دواوين التنظيم الشرعية وهي: (المكتب الشرعي لإدارة المعسكرات، ومكتب البحوث والدراسات، وديوان الدعوة والمساجد، والمكتب الشرعي للواء الصديق المركزي، ديوان القضاء والمظالم، وديوان التعليم، المكتب الشرعي لديوان الجند).

وتولى حجي زيد العراقي/ بشار غزال الصميدعي مسؤولية المراجعة والتدقيق ضمن لجنة الرقابة المنهجية التي كان قياديا بها، وهي لجنة أنشأها أبو محمد الفرقان، عام 2016، للفصل في الخلافات المنهجية داخل داعش، وتحديد إطار منهجي موحد له، وضمت أيضًا  قيادات آخرين، هم: (أبو زيد العراقي “إسماعيل العيثاوي”، وأبو عبيدة التركي، وأبو ميسرة الشامي.

وشارك حجي زيد العراقي/ بشار غزال الصميدعي في مراجعة وتعديل البيان الشهير المعنون بـ”بيان 155 للمكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية”، والذي ينص على تكفير المتوقف في التكفير ، بعد أن لاقت الصيغة الأولى للبيان اعتراضًا من مجموعة القيادات الشرعية المحسوبة على تيار مكتب البحوث الشرعية المعروف إعلاميًا بتيار البنعلي (أبرزهم تركي البنعلي، وأبو بكر القحطاني، وأبو همام التونسي “بلال الشواشي”، وأبو المنذر الأردني “عمر مهدي زيدان”، وأبو ذر التونسي “مؤسس الأكاديمية العسكرية بداعش”.

 

روايات متضاربة عن هوية القيادي الداعشي المجهول

إلى ذلك، ما زال الغموض يكتنف هوية القيادي الداعشي الكبير الذي جرى القبض عليه في إسطنبول التركية، وسط تكتم وعدم إعلان رسمي من قبل الحكومة وأجهزة الاستخبارات التركية، ففي حين تقول مصادر على صلة وثيقة بالاستخبارات الوطنية في تركيا إن هذا القيادي هو “جمعة البغدادي”، تدعي مصادر أخرى أن “بشار الصميدعي”/ حجي زيد العراقي، هو أبو الحسن الهاشمي، وأنه جرى القبض عليه في إسطنبول.

ولا يمكن القطع بصحة إحدى الروايتين المتضاربتين حتى الآن، لكن من الواضح أن القيادي الذي قُبض عليه في إسطنبول ليس هو القيادي الداعشي الوحيد الذي سقط بقبضة أجهزة الأمن، مؤخرًا، فحسبما تؤكد مصادر خاصة لـ”أخبار الآن”  فإن “والي الشام” بتنظيم داعش تم اعتقاله في منطقة تُسيطر عليها قوات الجيش الوطني السوري، المدعوم من تركيا، وسلم إلى الجانب التركي.

وتردف المصادر أن والي الشام أبلغ عن الشقة التي جرى مداهمتها في إسطنبول من قبل أجهزة الاستخبارات التركية، مرجحةً أن يكون القيادي المقبوض عليه “جمعة عواد البدري” أو “جمعة البغدادي”، والذي كان يُشرف على الجانب المالي في التنظيم ويتحكم، فعليا، في مئات الملايين من الدولارات المخصصة للجانب العملياتي وكذلك الإنفاق على قادة التنظيم وتأمين النفقات اللازمة لإعاشتهم في المناطق التي يختبئون فيها.

وبغض النظر عن التضارب والاختلاف حول هوية القيادي الداعشي الذي صار بقبضة الاستخبارات التركية، فمن المؤكد أن القيادة العليا لتنظيم داعش، تم اختراقها قبل وقت طويل، وأن جهاز الاستخبارات الوطنية التركية له دور فاعل في هذا الاختراق بالتعاون مع أجهزة استخبارات إقليمية ودولية أخرى منها الاستخبارات العراقية والأمريكية.

ويُحتمل أن يكون اختراق الشبكة القيادية و المالية لداعش، أدى لسقوط القيادي الداعشي في إسطنبول، بعد نحو 8 أشهر من القبض على حجي سامي جاسم الجبوري/  حجي سامي العراقي، مسؤول تمويل داعش، الذي ساعدت الاستخبارات التركية على الإيقاع به وتسليمه لجهاز المخابرات الوطنية العراقي، ضمن عملية مشتركة لتقويض قيادة داعش.

ومن المؤكد أن عملية إسطنبول التي أدت لإسقاط قيادي داعشي كبير يُوصف بأنه أدار التنظيم عقب مقتل خليفته أبو إبراهيم القرشي، في فبراير/ شباط 2022، لن تكون العملية الأخيرة، وأن تساقط قيادات داعش سيستمر بصورة دراماتيكية، كما تتساقط أحجار الدمينو واحدًا تلو آخر.