إسماعيلوف: الدفاع عن بلدي هو جزء من كرامتي الإنسانيّة والإسلاميّة

الحالة مأساوية في أوكرانيا، فالحرب تدور هناك منذ أكثر من شهر فيما الأطفال والنساء والمدنيين من مختلف الأعمار يُقتلون يومياً تحت أنظار العالم العاجز عن ردع روسيا وإيقاف الحرب.

حمل مفتي أوكرانيا سعيد إسماعيلوف سلاحه وانضمّ إلى صفوف المقاتلين قبل أيام، فهو يرى في دفاعه عن أرضه تلبية لواجب وطني وديني.

ومع تقدم أيام الحرب ما هو جديد مواقف مفتي أوكرانيا منها ومن مسلمي روسيا الذين يدعمون عدوان بوتين؟.

يؤكد إسماعيلوف أنه “من المستحيل الشعور بالرضا في مثل تلك الظروف، فنحن نشعر أننا في حالة حرب”.

مفتي أوكرانيا

أما إذا كان مسلمو أوكرانيا ينتظرون شيئاً من مسلمي روسيا في تلك الظروف، قال: “لا أتوقّع أن أحصل على أي شيء من مسلمي روسيا، ولا أتلقى منهم شيئًا ولا أتوقع أن أحصل على أي شيء. أدعو مسلمي روسيا إلى عدم الإثم وعدم التورّط في الجريمة وعدم المشاركة في الحرب ضد أوكرانيا.

ولا أطلب منهم أكثر من إنقاذ أرواحهم، لسنا بحاجة إلى شيء أكثر منهم. ومع ذلك، لم نتلق أي رد منهم ولم يدين أحد من القادة المسلمين في روسيا هذه الحرب، على العكس من ذلك، فقد أيدوها مرارًا وتكرارًا، إذ كان هناك اجتماع قبل أيام حيث وافق بعض القادة المسلمين الروس على الحرب ودعموا سياسة بوتين.

بعد ذلك، ليس هناك ما يمكن الحديث عنه مع هؤلاء الناس”.

وعما إذا كان لديه من رسالة يوجّهها إلى مسلمي روسيا الممزقين بين القيادة الوحشيّة وشعورهم الأخوي تجاه مساعدة أوكرانيا قال: “لا أعرف روساً يساعدون أوكرانيا، ولست على علم بوجود مثل هؤلاء الأشخاص.

المسألة هي أنه حتى تلك الاحتجاجات القليلة ضد الحرب التي شهدناها في روسيا تم قمعها بعنف، لذلك فإن الروس لا يظهرون آراءهم السياسية والمدنيّة. لقد سمعنا النداءات الفردية من بعض المسلمين الروس، مثل مدرب رياضي في داغستان الذي دعا المسلمين إلى تجنب المشاركة في الحرب مع أوكرانيا، لكنها نادرة جدًا فمعظم الناس صامتون أو ببساطة يدعمون هذه الحرب وسياسة بوتين“.

أوكرانيا

الدعاية الروسيّة في الدول العربيّة

يشير إسماعيلوف إلى أن ثمّة روس مسلمين يشاركون في الحرب “فقد تمّ بالفعل أسر من قبل الجيش الأوكراني. أحد أوائل الأسرى في هذه الحرب كان جندي من داغستان، بعضهم قُتل وكان هناك بعض الجنازات العامة في تتارستان، بعضهم يموت في ساحة المعركة وما زالت جثثهم ملقاة في إيربين.

يتم إبلاغنا بمثل هذه الحالات من قبل المتطوّعين والأشخاص الذين يعيشون في المناطق المحتلة مؤقتًا ويقولون إن هناك أكثر من عشر جثث لجنود مسلمين ملقاة على أراضي إيربين وبوتشا ولا أحد يهتم بسحبهم ودفنهم. يسألنا الناس ماذا يفعلون لكننا لا نستطيع مساعدتهم فمن الخطر جداً الوصول إلى الأراضي المحتلة مؤقتاً مع استمرار المعارك. أولئك الذين أحضروا الجنود للقتال هنا وأولئك الذين أصدروا الأوامر يتحمّلون المسؤوليّة الكاملة لدفنهم بشكل صحيح عندما يموتون في الحرب”.

ورفض إسماغيلوف توجيه رسالة إلى رمضان قديروف والجنود الشيشان “لن يستمعوا إليّ بأي حال، سوف يطيعون أوامر بوتين وهذا هو السبب في أنني لن أناشدهم. لا يسعني إلا أن أقول إن الله تعالى سيحكم يوم القيامة حيث سينال كل شخص حسب عمله وذنوبه وعندها كل شيء سيقع في مكانه. كل هؤلاء الضحايا الذين عانوا من أفعالهم سوف يستجوبونهم يوم القيامة وسيحاسب الله الجميع”.

أوكرانيا

وتحدث عن دور الدعاية السياسية التي يمارسها الإعلام الروسي في الدول العربيّة بالتأثير على موقف المسلمين واختيارهم دعم بوتين في هذه الحرب على حساب أوكرانيا فبعض المسلمين يعارضون الدول الأوروبية والديمقراطية الأوروبية، لكنهم حريصون على الانتقال إلى هناك والعيش في سعادة وأمان، إن الموقف يحمل نوعاً من التناقض فهم يريدون العيش هناك واختبار الحرية والإفادة من كل الحقوق والامتيازات، وفي الوقت نفسه يشعرون بعدم الاحترام أو حتى بالكراهية تجاه تلك البلدان.

أما دعم روسيا فأنا أراه نتيجة دعاية روسية ناجحة، فقد أسست روسيا منذ فترة طويلة قناة تلفزيونية ناطقة بالعربية، وهي تنشر دعاية روسية في البلدان الإسلامية الناطقة بالعربية، ويصدّق الكثير من الناس كل ما يقال لهم في التلفزيون الروسي وأنا أعتبرهم ضحايا تلك الدعاية، إنهم لا يصدقون الحقيقة التي يخبرهم عنها أخوانهم المسلمين عن هذه الحرب في أوكرانيا وهذا العدوان الذي نحن جميعًا ضحايا له”.

أما إذا كان يتوقّع أن تستغل الجماعات المتطرفة مثل القاعدة الوضع في أوكرانيا لتشكل تهديداً للدفاع الأوكراني قال: “من الصعب توقّع أي شيء، لكنني لا أعتقد أن أياً من الجماعات الإسلامية المتطرفة مهتمة بهذه الحرب سواء من جانب روسيا أو أوكرانيا، إذ لديهم مصالحهم الخاصة. لكن بعض الأنظمة الداعمة لروسيا مثل نظام بشار الأسد في سوريا أو بعض المرتزقة الآخرين المأجورين، فقد تدعم روسيا في هذه الحرب، فيما لا أعتقد أن المجموعات الأخرى ستستمع إلى جنرالات بوتين“.

مفتي أوكرانيا

خيار المشاركة في القتال!

قبل بضعة أيام انضمّ المفتي إسماعيلوف بتشجيع من الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى القوات المسلحة الأوكرانية وقد جاء قراره في الإنضمام إلى صفوف المقاتلين إلى أسباب قام بشرحها وهي أن “أوكرانيا أعلنت الأحكام الحربية وهي بحاجة إلى مدافعين لمحاربة العدوان الروسي.

أشعر بالخجل عندما أرى رجالًا بالغين يفرّون إلى غرب أوكرانيا وهي المنطقة التي لا يوجد فيها معارك نشطة حالياً. يحاول البعض الهروب عبر الحدود تاركين وطنهم لحظة الحاجة وإن ذلك مقرف ومخزي. أفهم أنه لا يمكن لأي شخص أن يصبح محاربًا، فأنت بحاجة إلى إرادة قوية، ويد قوية وعليك أن تكون مناسباً لذلك على المستوى المعنوي والبدني.

ولكن هناك أيضًا احتياجات أخرى في نظام الدفاع، مثل اللوجستيات والإمداد وما إلى ذلك، إذا هرب رجل من أي مسؤولية فأنا لا أعرف بماذا أصفه، إذا كنت لا تستطيع القتال ساعد بالطريقة التي تستطيع وإلا فهذا أمر فاضح. لست أنا من يهرب، ولن أخون الناس الذين يعتمدون على دعمي، لن أختبئ وراء النساء والأطفال كما يفعل المعتدون الروس، فنحن مختلفون تمامًا”.

وأضاف “إلى جانب ذلك، فإن ديني الإسلام يشجعني على اتباع تعليمات الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى يدعو في القرآن الكريم الرجال للتصرّف كمدافعين وأن يكونوا محاربين، وألا يخافوا الأعداء بل أن يخافوا الله وحده.

كل هذه أسباب كافية للإنضمام إلى قوات دفاع الإقليم للدفاع عن وطني فأنا لا أشعر بالخجل أمام الله تعالى وأمام أهلي وأولادي. إنها كرامتي الإنسانية وكرامتي الإسلامية. لم يكن لدي أي شك عندما سمعت لأول مرة نبأ حرب محتملة في ديسمبر من العام الماضي، فبدأت التدريب في إحدى كتائب الدفاع عن الأراضي لقد مارسنا أيضًا الطب التكتيكي”.

وعن توضيحه لمسألة وصفه السابق لبوتين بأنه مصاب بالإسلاموفوبيا قال: “أنا لا أقول إن بوتين مصاب بالإسلاموفوبيا أنا لا أعرف عنه، لكن المجتمع الروسي بالتأكيد إسلاموفوبي وقد ثبت ذلك من خلال البحث الإحصائي. يتجه المجتمع الروسي بشكل سلبي تجاه الإسلام والمسلمين، هناك قمع مستمر ضد المسلمين والكثير من الناس في السجون كما أن الأدب الإسلامي الديني ممنوع، لا يجوز للمسلمين بناء مساجد جديدة.

هناك أيضًا قمع ضد المسلمين في المناطق التي احتلتها روسيا مؤقتًا، مثل شبه جزيرة القرم المحتلة، لهذا السبب نتحدث عن الإسلاموفوبيا في روسيا. على العكس من ذلك هنا في أوكرانيا الأمور مختلفة تمامًا. لا توجد مواقف معادية للإسلام لا على مستوى المجتمع ولا على مستوى الدولة، لا يوجد اضطهاد على أساس الدين”.

أما إذا كان يعتقد أن الحرب في أوكرانيا قد تساهم في تحوّل روسيا نحو الحريّة قال: “أنا لا ألاحظ أن الروس يناضلون من أجل الحرية فهم يدعمون بوتين وحكمه إذ إن 71٪ من الروس يدعمون حرب بوتين ضد أوكرانيا بحسب بحث إحصائي، لست متأكدًا من أنهم يريدون المزيد من الحرية، إنهم سعداء تمامًا بظروفهم”.

ليست المرّة الأولى التي يؤكد فيها مسلمو أوكرانيا وقوفهم إلى جانب دولتهم وجيشهم، كما أنها ليست المرة الأولى التي يشجبون فيها موقف مسلمي روسيا، يحاربون في صفوف الجيش ويناضلون في صفوف المتطوّعين آملين بعودة الأمان إلى دولتهم، فهل يكون السلام قريباً؟.