كيف تعمل العدوى بفيروس كورونا؟

التساؤلات والتحقيقات لاتزال جارية، لا توجد معلومة واضحة بنسبة 100% حول كيفية انتشار فيروس كورونا ”كوفيد 19“، أو من أين جاء، ووسط ذلك وذاك تساءل البعض.. ما أهمية معرفة مصدر الوباء وما هي الحالة صفر؟ وكيف سيساعد ذلك في التعامل مع فيروس كورونا المستجد؟

إليكم الإجابة.. علم الأوبئة

علم الأوبئة هو دراسة لأصل وأسباب المرض في المجتمع، هي ذاتها الطريقة العلمية للتحقيق في حل المشاكل والتي يستخدمها محققو الأمراض وعلماء الأوبئة وعلماء المختبرات وعلماء الإحصاء والأطباء وغيرهم من مقدمي الرعاية الصحية وممتهني الصحة العامة للوصول إلى جذور المشاكل الصحية وتفشي الأمراض في المجتمع.

ما الهدف من تلك الدراسة؟ الإجابة المبسطة: السيطرة.

إجابة أكثر تعقيدا:

علماء الأوبئة يقومون باستخدام مجموعة من تصاميم الدراسة من الملاحظة إلى التجريب والتصنيف، وذلك من خلال تقييم وقت جمع المعلومات والمكان والأشخاص.

من هنا تظهر أهمية ضرورة معرفة مكان أو كيفية تفشي المرض، هذه الدراسة التحليلية تهدف إلى دراسة الروابط المعروفة أو المسببات الفرضية، والتجريب (تجارب سريرية مجتمعية للعلاجات واللقاحات).

علم الأوبئة يكون المتحكم خلال الدراسات التجريبية في جميع العوامل المتداخلة في دراسة حالة بعينها.

الدراسات الوبائية تهدف للكشف عن العلاقات غير المتحيزة بين حالات التعرض مثل الكحوليات أو التدخين أو العوامل البيولوجية أو الإجهاد أو المواد الكيميائية وبين الوفيات أو درجات المرض، ثم تحديد العلاقات السببية بين حالات التعرض والنتائج. وهو جانب هام للغاية في علم الأوبئة إذ يستخدم العلماء هذه المعلومات كأداة لما هو قادم لمواجهة المرض.

إليكم مثال جيد على تحقيقات حالات التفشي

خلال شهر فبراير عام 2009 حدثت حالتان مميتتان من التهاب السحايا في منطقة فورت ليونارد وود، وهو مركز تدريب للجيش الأمريكي، اتجه محققو الأمراض إلى الموقع، لتحديد سبب التفشي ما سيؤدي للتدخل للتحجيم من الحالة ومنع حدوث المزيد من حالات المرض.

وفقا لما أعلنه مركز السيطرة على الأمراض والوقاية في أمريكا، تم تشخيص اثنين من المتدربين والذين كانا في الماضي أصحاء بالتهاب السحايا بالمكورات العقدية ما أدى إلى وفاتهما، المتدربان ينتميان إلى شركة ألفا التي تتألف من 303 متدرب، وازداد عدد حالات الالتهاب الرئوي خلال هذه الفترة الزمنية (6-14 فبراير 2009).

أخصائيو الأوبئة احتاجوا إلى النظر في معلومات هامة عن الحالة، مثل عدد الأشخاص في معسكر التدريب في فورت ليونارد وود، والتطعيمات الروتينية التي يتلقاها المتدربون والموظفون عند وصولهم لمعسكر التدريب وقبل وصولهم، والإسكان والتدريب نفسه، وبالطبع معرفة المريض أو الحالة صفر.

ما هي الحالة صفر وما أهميتها؟

من المهم لعلماء الأوبئة أن يجدوا أول حالة رسمية أصيبت بالمرض لأنها تساعد على معرفة كيف تفشى المرض نفسه وتمنحهم فكرة عن طريقة منع المرض في المستقبل.

على سبيل المثال اعتقد العلماء في بداية تفشي وباء كوفيد 19 أن المرض تفشى في سوق للأسماك في مدينة ووهان بالصين في ديسمبر 2019، والآن هناك تكهنات حول أن الفيروس تم تصنيعه في المختبرات وهو ما دفع جو بايدن الرئيس الأمريكي لطلب تحقيق عاجل في الأمر.

في حالة معرفة الحالة صفر، سيتم تحديد طريقة ملائمة لمنع أي تفشي إضافي بالمستقبل.

بعد المريض صفر، تأتي المهمة الثانية وهي الحالة الأولى في كل تفشي معين، السلطات تقوم بتحديد كيف وأين ومتى أصبح هذا الشخص مصابا لكي يتمكنوا من تشديد الإجراءات للتأكد من أن هذا لن يحدث مرة أخرى.

التهاب في عضلة القلب لدى شباب تلقوا لقاح كورونا.. والسلطات الأمريكية تدقق

عامل طبي يقوم بإعطاء لقاح مضاد لفيروس كورونا في أمريكا. أ ف ب

فترة التحقيقات

خلال فترة التحقيق والتي استمرت من 1-21 فبراير 2009، أجرى علماء الأوبئة مسحا لجميع المتدربين وموظفي التدريب من الكتيبة 554، والمتدربين الذين جاؤوا إلى المخيم من منازلهم، تم جمع مسحات أنفية وحنجرية من بعض المتدربين والموظفين.

تم جمع معلومات شملت المعلومات الديموغرافية ومعلومات عن أعراض المرض واستخدام الرعاية الصحية وحالة لقاح الإنفلونزا والعلاج بالمضادات الحيوية خلال فترة الفحص.

بعد جمع البيانات أنشأ علماء الأوبئة قاعدة بيانات مع المعلومات، وتم تحليل البيانات التي يعتقد أنها مرتبطة بالعدوى لتحديد خصائص المتدرب وفريق التدريب.

ما النتيجة؟

علماء الأوبئة حددوا أن الحالتين اللتين توفيتا هما الوحيدتين المصابيتن بالتهاب السحايا، وتحديد 72 حالة من حالات الالتهاب الرئوي بين جميع المتدربين.

من خلال معرفة مكان التفشي وبداية المرض تمكنوا من استبعاد عوامل الخطر التالية باعتبارها غير مرتبطة بالمرض نفسه:

  • تناول مضادات حيوية
  • العيش في غرفة مزدحمة (4 متدربين يقيمون في غرفة واحدة)
  • التدخين
  • الإصابة بواحد أو أكثر من أعراض المرض
  • العيش في طابق معين من الثكنات

والفائدة؟

استخدم علماء الأوبئة ما تم رصده من معلومات وبيانات لمنع تفشي المرض في المستقبل وتمكنوا من وقف التفشي بدما تلقى المتدربون والموظفون والمدربون اللقاحات والمضادات الحيوية، وتم تعزيز ضرورة نظافة اليدين وآداب التعامل مع السعال.

المعلومات المكتسبة خلال ذلك التحقيق أدت إلى تحسين إمكانية الكشف عن التفشي والاستجابة في الوقت المناسب في منشآت التدريب العسكرية، ويمكن أن توفر اللقاحات الجديدة فرصا للحد من الالتهاب الرئوي بين المتدربين العسكريين في المستقبل.

الآن لنطبق هذا على فيروس كورونا

بعد شرح أهمية البحث عن مصدر تفشي الفيروس والحالة صفر، ننتقل إلى تطبيق ما حدث مع فيروس كورونا ”كوفيد 19“

في شهري مارس وفبراير 2020 انتشر خبر أن وو وينجون طبيب بمستشفى جينينتان في ووهان هو الحالة صفر، لكن بعد عام من نشر تلك المعلومات، طالبت منظمة الصحة العالمية في فبراير 2021 بالحصول على معلومات حول سوق لطعام الأسماك في مدينة ووهان، بعدما تم الإعلان عن حالة أخرى وصفت بـ“المريض صفر“.

السلطات الصينية قالت إن أحد المقيمين في ووهان شعر بالمرض في ديسمبر 2019 هو الحالة صفر ولا علاقة له بسوق الأسماك في هوانان.

منظمة الصحة العالمية أرسلت فريقا لمحاولة معرفة أصول تفشي وباء كورونا، والمعلومات التي نشرت وقتها ربما تسببت في تضليل الفريق، إذ أن الفريق اقترح أن الفيروس قد يكون انتقل من الحيوان إلى الإنسان في مكان آخر وانتشر في سوق الأسماك ووهان.

وفقا لأعضاء الفريق، فقد قابلوا خلال زيارتهم التي استمرت 4 أسابيع في الصين، المريض صفر المزعوم، والذي أخبرهم أن والديه زارا سوق محلي آخر للطعام، وذلك حسب صحيفة ”وول ستريت جورنال“ الأمريكية.

تصريحات الرجل، تسببت في تضليل الفريق الذي لم يتمكن من تحديد السوق أو الحصول على ملعومات إضافية.

لم يتم تحديد إذا ما كان والداه مصابين أم لا، ولم يُعرف إن كانا خضعا لمسحات طبية أم لا والتي تكشف الإصابات الحالية وليست الماضية، أو حتى اختبار الكشف عن الأجسام المضادة، هذه الفحوص لم تكن متاحة في 2019 حينها، لأن الفيروس لم يتم تحديده وقتها.

أعضاء الفريق أرادوا تحديد السوق لمعرفة إذا ما كان هناك أي حيوانات برية يتم بيعها ومعرفة إذا ما كانت هناك صلة بين الحالات التي أكدت في ديسمبر 2019 والتي بلغ عددها 174 حالة وبين الحيوانات أم لا.

كورونا تفتك بالهند بأرقام وفيات قياسية

متطوعون يستعدون لحرق جثة شخص مات بسبب مرض فيروس كورونا
(رويترز)

قلة التفاصيل حول الحالة الأولى المصابة بفيروس كورونا والذي تسبب في وفاة ملايين تظهر أن علماء الأوبئة لم يتمكنوا بعد من قطع أي شوط للسيطرة على المرض نفسه.

حتى أن بيتر بن امبارك عضو فريق منظمة الصحة العالمية صرح للصحيفة الأمريكية قائلا: ”نحن بحاجة للمزيد من الدراسات حول الحالات الأولى، هذه هي توصيتنا الأولى لأي عمل جديد سيحدث مستقبلا“.

ما يعني أن الفريق الذي أنهى مهمته في الصين بنهاية فبراير الماضي لم يتوصل لأي نتائج عكس ما تعلنه الصين، وحتى الآن لم يُعرف من هو المريض صفر.

ما يزيد الموقف تعقيدا هو الجدل العالمي حول أصول الوباء، والذي يتجدد كل شهر تقريبا، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية عبرت أكثر من مرة عن قلقها إزاء قلة شفافية الصين حول المعلومات المنتشرة عن الوباء، خاصة وأن الصين لم تشارك أي بيانات أولية عن الوباء.

رد بكين جاء كما كان متوقعا، بتوجيه اتهام إلى واشنطن بالتقليل من شأن عمل منظمة الصحة العالمية، وتكرار توضحيها بأن الفيروس قد يكون بدأ من دولة أخرى وانتشر في ووهان عبر الطعام المجمد.

علماء منظمة الصحة العالمية والخبراء الآخرين لطالما اعتقدوا لفترة طويلة أن الفيروس نشأ من خفاش وانتقل إلى البشر عبر حيوان آخر، ربما في حقل أو سوق.

محققو منظمة الصحة العالمية قالوا إنه خلال زيارتهم تمكنوا من تحديد نوعين من الحيوانات يمكنهم أن يحملوا فيروس كورونا ”كوفيد 19“ في سوق هوانان في ووهان، وهما حيوان الغرير والأرانب، رغم ذلك، لديهم مؤشرات على أن الفيروس بدأ بالفعل في الانتشار على نطاق واسع في جميع أنحاء المدينة في غضون أيام من ظهور أولى الحالات ”المعروفة“ في السوق، ما يشير إلى احتمال أن يكون الوباء قد بدأ في مكان آخر وانتشر في السوق بعد ذلك.

المريض صفر المزعوم كان في الأربعينات من عمره، يعمل في شركة خاصة ولم يمتلك سجل سفر قريب وكان في صحة جيدة ويعيش حياة عادية، لم يتجه للجبال أو مناطق تواجد تلك الحيوانات التي من المفترض أنها نقلت الوباء. وفقا لـ بن امبارك عضو منظمة الصحة العالمية.

ما يعني أنه حتى الآن لا يوجد مريض صفر وكذلك لا يوجد مجال لمعرفة بداية منطقة تفشي الفيروس ومن ثم السيطرة عليه تبدو بعيدة المنال مع تعنت الصين.

 

والنتيجة؟

جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أمر هيئات الاستخبارات بإعداد تقرير حول أصل فيروس كورونا، وسط وجود جدل متزايد حول بداية ظهوره وما إذا كان الفيروس قد سرب من أحد المعامل في الصين.

بايدن طالب بمضاعفة الجهود وتقديم تقرير في غضون 90 يوما.

حتى معرفة أصل الفيروس والتفاصيل حول بداية تفشي المرض فلن يتمكن علماء الأوبئة من فرض سيطرة فعلية عليه، وتلك هي أهمية معرفة مصدر الفيروس ومكان تفشيه والحالة صفر.