هل يدعم الحزب الشيوعي الصيني التشيع؟

“في عام ٢٠٠٧ تلقيت منحة دراسية في جامعة طهران”، هكذا يكشف الأكاديمي الإيغوري، عبد الولي أيوب، محاولة استقطابه من جانب إيران عبر إغرائه بفرصة نيل الدراسات العليا هناك.

رغم رفضه لهذا العرض لكن أيوب لاحظ أن بعض الطلبة من مسلمي الإيغور تلقوا من السفارة الإيرانية في الصين منحًا للدراسة في مدينة قُم الدينية في إيران، ولما ذهبوا إلى هناك انقطعت أخبارهم عنه بعد ذلك، مما أثار الشكوك حول ظروف وجودهم هناك.

وبالرغم من أن مسلمي أقلية الإيغور في الصين كلهم من أهل السنة لكن النظام الإيراني مارس محاولات تبشيرية بينهم لتشييعهم، وزار كبار المسؤولين الإيرانيين مدينة كاشغر في تركستان الشرقية، معقل الإيغور، بشكل متكرر، بالتنسيق مع الحزب الشيوعي الحاكم في الصيني، بحسب ما أكد أيوب في تصريحاته لـ”أخبار الآن”.

ما علاقة إيران باضطهاد مسلمي الإيغور؟

ويؤكد الأكاديمي الإيغوري أن الصين استعانت بالإيرانيين من أجل السيطرة على مسلمي الإيغور والتأثير عليهم بشكل ربما لم يتم توثيقه حتى الآن.

ويضيف أن طهران أقامت مشروعات ثقافية تستهدف الإيغور ونشرت الكتب بينهم التي تروج للتشيع بهدف نشر مذهبها تحت ستار التعريف بالأدب الفارسي والثقافة الإيرانية والوعي الإسلامي، وجندت بعض الطلبة الإيغور تحت مسمى التبادل الثقافي مع الصين، وسمحت لهم حكومة الحزب الشيوعي بالدراسة في إيران.

بعد سنوات، وبالتحديد خلال أزمة فيروس كورونا عام 2020، أثار مولوي عبدالحميد زهي، زعيم أهل السنة في إيران، هذه القضية، كاشفًا عن أن مئات الطلبة المسلمين القادمين من الصين  أخبروه بإجبارهم على الدراسة في جامعة المصطفى في مدينة قُم رغمًا عنهم، وأن الجامعة ترفض إعطاءهم جوازات سفرهم لمنعهم من العودة لبلادهم.

ووجه زعيم أهل السنة اتهامات لجامعة المصطفى بمحاولة “غسل أدمغة الطلاب الأجانب” ونشر التشيع بينهم، وهو ما نفته الجامعة.

ومما سلط الضوء على هذه النشاطات أنه في بداية انتشار فيروس كورونا ارتبط في أذهان الناس بالصينيين، وحينها تذمر البعض من وجود طلبة من الصين في إيران، وكذلك استمرار رحلات شركة الطيران الإيرانية ماهان من وإلى الصين خلال فترة انتشار الوباء.

ما علاقة إيران باضطهاد مسلمي الإيغور؟

جامعة المصطفى

يشير الناشط الإيغوري والباحث في الفكر السياسي الإسلامي، الدكتور محمد أمين الإيغوري، إلى أن نصوصًا مسربة عام 2021 فضحت وجود تفاهمات بين بكين وطهران، تنص على تولى الأخيرة تأسيس مراكز ثقافية في تركستان الشرقية (شينجيانغ)، وأن تقدم جامعة المصطفى الإيرانية منحًا دراسية للطلاب الإيغور لنشر التشيع بينهم.

ويلفت الباحث الإيغوري في تصريحاته لـ”أخبار الآن” إلى أنه في ظل حكم نظام الحزب الشيوعي الذي يعادي وجود كل الأديان في الصين، ينتشر التبشير الشيعي بين الأقلية المسلمة بدعم إيراني صريح، وهو أمر من شأنه توفير غطاء لتحسين صورة الصين خارجيًّا والترويج لسردية أنها لا تضطهد المسلمين بل فقط المتطرفين.

ويضيف أن هدف إرسال شباب الإيغور لدراسة العلوم الشرعية في إيران هو ترويج رؤية دينية بديلة بينهم مرضي عنها من جانب الحزب الشيوعي ضمن مشروع الإبادة الثقافية، لأن سياسات القمع الصينية لم تفلح  في إبعاد كثير من الشباب السني المعتنق للمذهب الحنفي عن دينهم، فجاء دور طهران للتعامل مع هذه الفئة المتدينة.

ويوضح الباحث الإيغوري أن الإيرانيين استغلوا وجود بعض الممارسات الصوفية المتوارثة في تركستان الشرقية، فأئمة آل البيت محل تعظيم مشترك بين الشيعة والصوفية، كما أن الأضرحة لها مكانة روحية عند الطرفين، فروَّجوا لفكرة أن بعض أئمة آل البيت الاثني عشر مدفونون في منطقة خوتان، كالإمام زين العابدين وموسى الكاظم والجواد والحسن العسكري، وذلك بهدف اختراع روابط عقائدية مع المنطقة.

يذكر أن طهران اتبعت نفس السياسة في الدول المختلفة كسوريا والعراق وغيرها؛ إذ لجأت إلى اختراع قداسة لبعض الأماكن والقبور القديمة في دير الزور شرق سوريا على سبيل المثال، ففي بادية القورية تم فجأة اختراع قداسة لبعض القبور القديمة وتحولت إلى مزار شيعي بين عشية وضحاها وكذلك منطقة الجبل المطلة على مدينة دير الزور، وفي دمشق وداريا وغيرها تم الاستيلاء على قبور سنية وتغيير هويتها واعتبارها منطلقًا لنشر التشيع.

وفي العراق تنتشر المزارات الوهمية كالنار في الهشيم، كمشهد باسم عبد الرحمن بن علي بن الحسين، وهو شخصية وهمية لا وجود لها في التاريخ، وكذلك قبر السيدة زينب الموجود في منطقة سنجار التي لم تزرها مطلقًا، ولها قبور أخرى عديدة، وكذلك تعدد المقابر في العراق وسوريا لنفس الجنين الذي يقال إن أرملة الحسين أسقطته، ضمن مشروع طريق السبايا الذي يشرف عليه الحرس الثوري الإيراني، والذي يهدف لتغيير هوية السكان وتمكين نفوذ طهران.

ما علاقة إيران باضطهاد مسلمي الإيغور؟

سياسة ذات وجهين

اتبعت طهران تجاه هذه القضية سياسة ذات وجهين؛ فبينما تطلب من الصين في العلن حماية حقوق مسلمي الإيغور وتنتقد طريقة تعاملها معهم، وتتغنى بنصرة المستضعفين ضد المستكبرين، لكنها في الواقع تعاونت مع الحزب الشيوعي في إبادة المستضعفين الإيغور ثقافيًا، من خلال جامعة المصطفى وغيرها.

وكان بدر الدين غوشين ين، نائب رئيس الجمعية الإسلامية الصينية، في لقائه مع الملحق الثقافي الإيراني في بكين في الأول من ديسمبر  2014، قال إنه من الضروري إرسال طلاب صينيين إلى إيران من أجل تلقي الثقافة الدينية، فرد عليه المسؤول الإيراني محمد رسول الماسي، بأن “مركز المصطفى الديني جامعة كبيرة، ومركز بحوث في إيران، وهو مكرّس لطلاب الحوزات غير الإيرانيين القادمين من شتّى أنحاء العالم. نحن نتعاون مع الصين بما يخص هذه المسألة”.

جدير بالذكر أن جامعة المصطفى مؤسسة تبشيرية مقربة من الحرس الثوري هدفها تجنيد الأقليات وأبناء الشعوب والأقليات السنية حول العالم، وتستضيف أعدادا كبيرة من الطلبة الأجانب لهذا الغرض.

وسبق أن نشرت وكالة “إکنا” الإيرانية مقالا يكشف عن مساعي لتوقيع وثيقة تعاون بين طهران وبكين، ويقول “الطريقة الوحيدة الصحيحة والممكنة بالنسبة لنا هي النشاط الثقافي الناعم ذو النهج التاريخي والحضاري ودون خلق حساسية للحكومة المركزية في شينجيانغ والمناطق الإسلامية الأخرى”.

وسافر مئات الطلاب السنة من أنحاء الصين إلى الجامعات والمدارس الإيرانية مثل جامعة المصطفى وقُم والزهراء والمدرسة الحجتية في مدينة قُم وغيرها.

وفي أورومتشي عاصمة إقليم تركستان الشرقية (شينجيانغ) تم افتتاح فعاليات الأسبوع الإيراني منذ أغسطس 2016، وهذا هو نفس التوقيت الذي تولي فيه تشين كوانغو منصب الأمين العام للحزب الشيوعي في الإقليم، وبدأ حملة الاضطهاد القصوى ضد السكان السُّنَّة.

ما علاقة إيران باضطهاد مسلمي الإيغور؟

دعم إيران الإعلامي والدبلوماسي لقمع الإيغور

نشطت ماكينة الدعاية الإيرانية لتبرير عمليات الإبادة الجماعية لمسلمي الإيغور،  ففي يوليو 2020، رفضت وكالة “تسنيم” للأنباء المرتبطة بالحرس الثوري اتهام الصين بانتهاك حقوق المسلمين الإيغور، ودافعت عن “كفاح بكين ضد الإرهاب والراديكالية” وقالت إن الصين اتبعت “أفضل سياسة للدفاع عن حقوق الإنسان“.

بينما اعتبر المحرر الاقتصادي لصحيفة خراسان المتشددة، مهدي حسن زاده، أن “الحكومة الصينية لديها مشكلة فقط مع الوهابيين التكفيريين المدعومين من السعودية”، وبالتالي إذا لم تواجه الحكومة الصينية هذه الجماعات، فإن داعش سوف ينتشر، وعليه فإن “الصين تخدم الإسلام” بإجراءاتها ضد الإيغور.

وبحسب تقرير لوحدة البحث في الخدمات الخارجية للتلفزيون الإيراني في ديسمبر 2016، فإن “هناك مسلمون صالحون ومسلمون سيئون في الصين. مشاكل المسلمين في الصين لها جذور في السياسات الراديكالية الموالية للسعودية التي تتبع الفكر الوهابي والتكفيري المتطرف “.

وفي أغسطس 2020، انتقد البرلماني الإيراني السابق، علي مطهري Ali Motahari، سياسة حكومته تجاه قضية الإيغور، في تغريدات على موقع “x” (تويتر سابقا) أعرب فيها عن أسفه لأن بلاده لم يعد أمامها خيار سوى التزام الصمت حيال “القضاء التام على الثقافة الإسلامية” في شينجيانغ بسبب اعتمادها المالي على الصين.

وقال: “أفادني مسؤول كبير في وزارة الخارجية أن إيران تلتزم الصمت لأنها تعتمد اقتصاديا على الصين”.

ووجه مطهري حديثه للمسؤولين بسبب مزاعم دفاعهم عن مسلمي اليمن وفلسطين، قائلا: “لا يختلف المسلمون الصينيون عن المسلمين اليمنيين أو الفلسطينيين”.

وأغضب هذا الكلام رموز التيار المتشدد في إيران، فهاجم النائب المحافظ، محمود أحمدي بيغاش، مطهري، زاعمًا أن الحكومة الصينية ليس لديها مشكلة مع المسلمين.

 

ما علاقة إيران باضطهاد مسلمي الإيغور؟

يقول الدكتور محمد أمين الإيغوري إن طهران قدمت للصين دعمًا إعلاميا ودبلوماسيًا أكثر من أي دولة في العالم، فساندت سياستها القمعية في المنظمات الدولية كمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وغيره، وكذَّب مسئولوها وقوع عمليات الإبادة الجماعية التي أقرتها دول كثيرة، ودافعوا عن إجراءات الحزب الشيوعي الصيني ضد مسلمي الإقليم، وزعموا أنها تمنح السكان حياة أفضل.

ويبين أن الإعلام الإيراني انحاز للرواية الصينية وتناول القضية من الزاوية المذهبية، وليس كقضية إنسانية، بل زعم أن “الحزب الشيوعي يتصدى للفكر الوهابي السعودي”! ويقطع الطريق أمام تمدد تنظيم داعش، وبذلك فإن الصين تخدم الإسلام من وجهة نظرهم.

ويشير الإيغوري إلى أن كلتا الدولتين تعدان مشروع الإبادة الثقافية لمسلمي تركستان الشرقية مربحًا لهما، فطهران تكتسب قوة ناعمة في إقليم حجمه أكبر من مساحتها، وبكين تخشى من طموح السكان للاستقلال واستعادة دولتهم التي احتُلت عام 1949، والدعم الإيراني يقلل من احتمال مساءلة الدول العربية والإسلامية والضغوط المتوقعة بسبب جرائم الصين في الإقليم وحربها على الهوية الإسلامية.

ويرى الباحث أنه فيما ينشغل العالم العربي والإسلامي بأحداث الشرق الأوسط، تدغدغ الصين مشاعر العرب والمسلمين باللعب على قضية فلسطين خلال الأزمة الحالية في غزة، ولكن سوف يأتي يوم يراجعون فيه علاقاتهم مع الصين، لذلك تبادر من الآن بتقديم إيران على حساب الدول السنية والعربية.

واتهم الباحث الإيغوري طهران بأنها تنخرط في نسق تحالفات من أجل مصلحتها على حساب مسلمي الإيغور، فخذلتهم وتنازلت عن مبدأ الأخوة الإسلامية والوقوف مع المظلوم ضد الظالم كما تزعم.

ويعرب عن اعتقاده بأن الصين لن تتيح لطهران فرصة تشييع تركستان الشرقية، بل توظفها فقط لإبعاد الإيغور عن المعتقد السني، ورغم أن طهران ستكتسب بعض النفوذ في الإقليم، لكن بكين تعتبر أن الأمور ستظل تحت السيطرة ولن تتجاوز حدًا معينًا، واصفًا علاقة الدولتين بأنها “كالماء والنار”؛ فإيران دولة دينية، تزعم أنها حامية للإسلام والمسلمين، والصين دولة شيوعية ترفض القيم الدينية وتناهض الإسلام ليل نهار.

ما علاقة إيران باضطهاد مسلمي الإيغور؟

إبادة مسلمي الإيغور “ليست جريمة”!!

ضمن مخطط تزييف الواقع، اختار الحزب الشيوعي مجموعة منتقاة من الدول لتعاونه في التصدي للانتقادات الدولية لجرائمه، فنظم زيارات لدبلوماسيين مختارين لمحافظة شينجيانغ ( تركستان الشرقية) كي يصبحوا شهود نفي ويواجهوا الجهود الغربية لملاحقة مجرمي الإبادة الصينيين.

ومن ضمن هؤلاء كان سفير إيران في بكين، محمد كشوارز زاده، الذي زار الإقليم المسلم، وقال: “المجتمع الدولي يجب أن يعمل معًا لمكافحة ‘فيروسات’ الإرهاب والانفصالية والتطرف.. رأيت أن الناس من جميع المجموعات العرقية في شينجيانغ ينخرطون بحرية في الأنشطة الدينية، والتقارير عن الغرب المناهض – وسائل الإعلام الصينية بشأن شينجيانغ لا أساس لها من الصحة، مهم جدًا أن ترى كل هذا بأم عينيك.”

وأتت زيارة السفير الإيراني بالتزامن مع تقرير للأمم المتحدة وثّق اعتقال مليون شخص على الأقل من أقلية الإيغور والأقليات المسلمة الأخرى.

وخلال مقابلة بثتها إذاعة الصين الدولية في 4 أبريل 2021، زعم كشاورز زاده Mohammad Keshavarzzadeh أن أنشطة الحكومة الصينية في هذه المنطقة “ليست جريمة وعنفا وإبادة جماعية، لكنها محاولة لتخفيف الفقر”.

وفي نفس اليوم نشرت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “إرنا” تقريرا أكدت فيه أن وسائل الإعلام الصينية احتفت بتصريحات السفير وزيارته، وقالت: “نشكر أصدقاءنا الإيرانيين على إظهار حقائق شينجيانغ للعالم”.

وفي31 يوليو 2023، غطت وكالة أنباء الصين شينخوا، وشبكة CGTN الرسمية الصينية،  انطلاق زيارة مطولة لوفد ضم دبلوماسيين من إيران وميانمار وغيرها من حلفاء الصين،  شملت مدينة أورومتشي، عاصمة تركستان الشرقية، ومدن آكسو وكاشغر، ومواقع أخرى لمراقبة “التقدم الاقتصادي والاجتماعي” في المنطقة وتأكيد أن “السكان المحليين في تركستان الشرقية يعيشون حياة سعيدة”!

وهذه الزيارات المرتبة من الحكومة هي أسلوب ثابت يتبعه الحزب الشيوعي، بينما رُفضت طلبات أمريكية وحقوقية لفتح تركستان الشرقية أمام المحققين المستقلين.

وحين صادق الكونجرس الأمريكي، على مشروع قانون لتطبيق عقوبات ضد المسؤولين الصينيين بسبب قمع الأقلية المسلمة، انتقدته طهران، وقال عباس موسوي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية،  في 7 ديسمبر 2019: “لا يحق لواشنطن التدخل فيما يتعلق بمسلمي الإيغور، خصوصا وتاريخها مليء بالإبادات ضد السود والهنود الحمر”.

وفي محاولة لإحراج طهران وفضح موقفها، خاطب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، المرشد الإيراني، في تغريدة على تويتر في 2 سبتمبر 2020، قائلا: “إذا كنت تبحث عن شخص يخون الإسلام، فإن الصين تحاول تدمير الإيغور”، وإنه “ينتظر ردة فعل عامة” منه على هذه القضية.

ربط خراسان بتركستان

لم يكتف النظام الإيراني بكل ما سبق، بل أمعن في خطواته العملية الغامضة لدعم سياسة الحزب الشيوعي في تركستان الشرقية؛ ففي ٩ مارس 2024، أعلن معصومي فر، رئيس مكتب وزارة الخارجية الإيرانية في محافظة خراسان رضوي، أن الصين وافقت منذ نحو شهر على ربط المحافظة بشينجيانغ، قائلا إن الصينيين حساسون للغاية بشأن الدول الإسلامية التي لها علاقات مع هذا الإقليم مثل السعودية، لكن يبدو أن إيران هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي لا يشعر الصينيون بحساسية تجاهها في هذا الصدد.

وأضاف “معصومي فر” أن الجانبين يتابعان إطلاق رحلات جوية مباشرة بين مدينتيّ مشهد وأورومتشي، عاصمتي المنطقتين.

التعاون الأمني

وصل التعاون بين الدولة التي تسمي نفسها “الجمهورية الإسلامية” والحزب الشيوعي إلى درجة اختطاف مسلمي الإيغور وتسليمهم بشكل مباشر لمن يرسلونهم إلى معتقلات ضخمة دون ذنب أو جريمة.

فعلى سبيل المثال احتجز الأمن الإيراني، بموجب التعاون الأمني مع بكين، رجل الأعمال الإيغوري، أبو الهاشم تورسون، في مطار الخميني بطهران وتم استجوابه لمدة 20 يومًا، ثم تسليمه إلى الأمن الصيني، ليتم الحكم عليه بالاعتقال لمدة 15 عامًا، واتضح لاحقًا أن جريمته زيارة دولة الإمارات العربية المتحدة، بينما يقيد الحزب الشيوعي سفر الإيغور للخارج!

فنظرا إلى أن الإيغور أغلبيتهم الساحقة من أهل السنة، قررت طهران التعاون التام مع بكين ضدهم، رغم علمها بالتقارير التي تحدثت عن تخريب آلاف المساجد ومنع ممارسة الشعائر الدينية كالصيام، ولا يخفى دور التعصب الطائفي وراء هذا القرار الإيراني في التعاون الأمني المباشر مع الحزب الشيوعي الذي يحتكر لنفسه الحق في إعادة صياغة الدين الإسلامي لصبغه بصبغة توافق رغبات الرئيس، شي جين بينغ، الذي أمر بتقديم الولاء للحزب على كل الأديان وفرض الطابع الصيني على الإسلام!

اتفاق الربع قرن

يأتي هذا التورط الإيراني في ظل تصاعد التعاون الاقتصادي مع الصين، وتكلل هذا التعاون بتوقيع اتفاقية مدتها 25 عامًا، عام 2021، يحصل بموجبها العملاق الآسيوي على النفط الإيراني بسعر رخيص لمدة ربع قرن، بالإضافة إلى بنود تخص التعاون في مجالات البنوك والاتصالات والبنية التحتية والطاقة.

وتستفيد طهران ضمان وجود مشتري دائم لسلعتها الرئيسية، النفط، حتى في ظل العقوبات، فبحسب قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل إريك كوريلا، فإن “إيران تبيع 90% من نفطها، الخاضع للعقوبات الأمريكية، إلى الصين، وبالتالي، فإن بكين تمول سلوك طهران التخريبي والخبيث في المنطقة”.

وتستخدم الصين أدوات مختلفة للالتفاف على العقوبات مثل اليوان الرقمي وشبكات دفع ونقل لا يمكن للولايات المتحدة الوصول إليها، وتقترب طهران الآن من الاستحواذ على المرتبة الثالثة بين منتجي منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، فعند وصول شحنات النفط الإيراني لموانئ الصين، يتم تغيير بلد المنشأ على أنه نفط ماليزي أو عربي، ويتم ضخه في مصافي صغيرة بشكل غير رسمي وغير معلن.

ولا يتم استعمال الدولار في تلك المعاملات، ويتم التعامل عن طريق مؤسسات مالية صغيرة خاضعة للعقوبات الأمريكية مثل بنك كونلون.

النفط مقابل الإيغور

هكذا قايضت طهران أرواح الإيغور وقضيتهم بمبيعات النفط ومصالحها مع بكين، وارتضت المشاركة المباشرة في الإبادة الجماعية لشعب مسلم بتبريرات طائفية ضيقة تناقض شعارات المتاجرة بمشاعر وقضايا العالم الإسلامي، والتي ثبت عدم صدقها عند عرضها على ميزان الحقيقة.

فبينما تزعم الوصاية على العالم الإسلامي وتنافس على قيادته، تتعاون مع جلادي الحزب الشيوعي في إبادة المستضعفين الإيغور بكل الطرق؛ ثقافيًا وسياسيًا وإعلاميًا ودبلوماسيًا وأمنيًا، وتشيطن الضحايا وتصفهم بالإرهاب رغم  عدم تسجيل أي حادث موسوم بالإرهاب في هذا الإقليم منذ سنوات طويلة باعتراف الصينيين رسميًا، كي تبرر التعاون مع مجرمي الإبادة الجماعية، وتعامل هذه الحجة بطريقة معاكسة؛ فتجعل غياب الحوادث الإرهابية مؤشرًا على نجاح سياسة الصين بدلا من اعتبارها دليلا على غياب مبرر القمع.

شهادات مروعة بالصوت و الصورة توثّق لإنتهاكات الصين بحق الإيغور في سجن الصين العظيم