القاعدة في اليمن: الفساد المالي يهدد بانفجار الصراع بين القيادة الغنية والعناصر الفقيرة

إلى جانب الخلافات الشخصية والايدلوجية بين قيادات القاعدة في اليمن، يبدو أن التنظيم بات يعاني اليوم من صراع طبقي بين الصفوة المتنفذة والغنية من جهة وبين الغالبية الفقيرة من جهة أخرى، وهو الأمر الذي لم يكن جديدا البتة لكنه استفحل مؤخرا على نحو غير مسبوق.

لقد عادت قضايا الفساد المالي داخل تنظيم القاعدة الى الواجهة مجددا مع التقرير الأخير الذي نشر في مدونة أنباء جاسم، والذي تضمن عددا من الوثائق التي تدين بعض القيادات الجهادية المقربة من زعيم التنظيم خالد باطرفي بالاستيلاء على مبالغ مالية طائلة وتبديدها في خدمة مصالحهم الخاصة.

وفي حقيقة الأمر فإن هذه الخلافات بدأت تظهر على العلن منذ أكثر من عامين تقريباً، وذلك على اثر الخلاف الذي نشب بين بعض قيادات القاعدة وبين مجموعة “الحضارم” المقربة من باطرفي والمسؤولية على إدارة الشؤون المالية للتنظيم.

لكن هذه التسريبات لم تخلق ازمة تنظيمية قوية في حينها، فقد دافع غالبية عناصر وقادة التنظيم حينها عن مجموعة الحضارم، وخلقوا العديد من التبريرات لهم.

ويمكن تفسير حالة الإنكار التي ظهرت على قيادات التنظيم وعناصره بالعودة إلى سببين: أولا ان الضائقة المالية للتنظيم لم تبلغ ذروتها، ثانيا ان مصداقية باطرفي لم تكن قد ضربت حينها بالتالي قدم الكثيرون حسن الظن على التشكيك في زعيمهم الجديد.

ولقد اعتاد عناصر التنظيم على غياب أي نوع من المسألة داخل صفوفهم، وقد ظل الجهاز الايدلوجي للقاعدة يكرس في أعضائه نزاهة قيادتهم عن أي نواقص وذلك في إطار اسلوبهم التربوي القائم على “عبادة الزعيم”، وقد كان إبراهيم البنا أول من كرس هذه السياسة وقد اقتصرت على عدم الجواز لعناصر التنظيم بالاستفسار من القيادات حول أي مواضيع امنية او عسكرية تخص التنظيم، ومن خالف هذه السياسة عوقب بالسجن و تعرض أحيانا للتعذيب.

لكن قاسم الريمي طور هذه السياسية لتشمل أيضا المواضيع المالية والإدارية، وعندما تم اختياره زعيما للتنظيم، بدأ باستخدام أساليب القتل والتصفية، لمواجهة أي عنصر يبحث وراء حقوقه، أو يشكك بقرارات القيادة العامة او ينتقد الأخطاء التي ترتكبها، ويتحدث عن فساد قائد أو مجموعة في التنظيم.

تفرقة طبقية وفساد مالي.. باطرفي في مواجهة أعضاء القاعدة في اليمن

ولتكريس هذه السياسة أمر الريمي بتنظيم عدد من الدورات الخاصة لغسيل الدماغ تحت عنوان ” كيف يحافظ المجاهد على الجماعة” ، واستطاع قادة التنظيم من خلال تلك الدورات تسير العنصر وفق منهج جديد يمجد فيها العنصر القادة  لدرجة العبودية، وكل ذلك تم ربطه بالدين، حتى لا يتم التشكيك بالقادة وقراراتهم وايضا فسادهم.

كما خضع معظم عناصر التنظيم الى دورات امنية، أهمها عن ” كيفية معرفة الجواسيس ” وقد ركزت تلك الدورات على اظهار العنصر الذي يتحدث على فساد القادة آو قراراتهم الخاطئة بانه جاسوس، وهذا زرع خوف كبير لدى عناصر التنظيم.

ولقد عاش قادة التنظيم طيلة السنوات الماضية في فساد كبير وغير مسبوق، فيما لم يستطع العناصر والقادة الأقل شعبية ومكانة من التحدث أو التشكيك بهم، خوفاً من ربطهم بالجاسوسية، حتى وأن كانوا يشاهدون قادتهم يعيشون رفاهية عالية، في الوقت الذي لا يجدون فيه ما يأكلون أو مأوى يعيشون فيه.

ليس هذا فحسب، بل بهدف أظهر ولاءهم للتنظيم، كان العديد من العناصر يدافعون عن قادة التنظيم الذي يمارسون الفساد.

تداعيات التقرير على القاعدة في اليمن

يعيش تنظيم القاعدة في اليمن اليوم وضعاً مختلفاً للغاية، فقد انفجرت العديد من الأزمات الداخلية، ولم يعد يستطيع أمير التنظيم خالد باطرفي والمقربين منه من السيطرة على القادة والعناصر، وبات الكثير منهم ينتقد ويعارض سياسة باطرفي .

ومع ارتخاء القبضة الحديدية الأمنية لزعيم التنظيم، اضطر باطرفي إلى التحلي برحابة الصدر والاستماع الى كل القادة القادمين إليه للشكوى او النصح، لكن دون أن يتخذ أي إجراءات عملية للإصلاح والمحاسبة.

إضافة الى ذلك فان الضائقة المالية التي بات يعيشها التنظيم بلغت مستوى غير مسبوق في تاريخه، اضطر بعض قياداته الوسطية الى اللجوء لاعمال إجرامية مثل الاختطاف أو تنفيذ عمليات قتل مأجور.

ومع خروج معظم القيادات عن سياسة الصمت والثقة العمياء بالقيادة، وتعالي الأصوات المعترضة والغاضبة من تنامي الفساد، فمن المتوقع أن يكون هناك تداعيات سلبية كبيرة عقب التقرير الأخير الذي نشر على مدونة أنباء جاسم بعنوان  “المحسوبية الجهادية: الفساد المالي ينخر قاعدة باطرفي “، وعلى الأرجح فإن ذلك سوف يدفع إلى حدوث أمرين: اما تنامي موجات الانشقاق الداخلية أو اضطرار باطرفي الى تجاوز مرحلة الاستماع والتضحية ببعض قياداته الفاسدة ككبش فداء لامتصاص أي موجة غضب.

العولقي في صدارة المحتجين

لقد تولد لدى الكثير من قادة وعناصر التنظيم شعور عميق بغياب العدالة، وخلال العام الماضي أخذ القيادي اليمني سعد بن عاطف العولقي على عاتقه زمام المبادرة وقام بتحركات على الأرض بهدف إنصاف قادة وعناصر التنظيم الذين تم ايقاف معوناتهم المالية، في وقت يعيش فيه أمير التنظيم والمقربين منه حياة فارهة، و خلال تحركاته، التقى العولقي بامير التنظيم خالد باطرفي والقيادة العامة واعضاء مجلس شورى القاعدة مطالبهم، بتسليم العناصر والقادة الذين أوقفت معوناتهم.

تعنت أمير تنظيم القاعدة في اليمن خالد باطرفي في تنفيذ مطالب العولقي، خلق فجوة كبيرة بين الشخصيين ورغم محاولة باطرفي أظهر غير ذلك عبر الظهور بجور سعد العولقي في إصدار للتنظيم مطلع العام الجاري، الا ان قيادي جهادي حضرمي اكد لـ”أخبار الآن” ان العلاقة بينهما وصلت الى طريق مسدود.

تفرقة طبقية وفساد مالي.. باطرفي في مواجهة أعضاء القاعدة في اليمن

يتنبأ الكثير من قيادي تنظيم القاعدة في اليمن، أن تنطلق انتفاضة فقراء القاعدة بقيادة سعد بن عاطف العولقي ضد سلطة خالد باطرفي، من قبل كل الذين تركوا منازلهم وأهليهم من أجل الانضمام للتنظيم والقتال معه، لكنهم وجود الجوع والبؤس داخل التنظيم، جراء انعدام أدنى مقومات الحياة البسيطة، ايضا يسكنهم إحساس عميق بالظلم مرتبط بالفساد ونهب الأموال من قبل أمير التنظيم والمقربين منه الحضارم.

تفرقة طبقية وفساد مالي.. باطرفي في مواجهة أعضاء القاعدة في اليمن

كل طاغية متعجرف يجذب نهايته بيده

ما لم يُذكر في التقرير

لقد ركز التقرير الأخير على شخصيات محورية ضمن مجموعة “الحضارم” النافذة في إدارة باطرفي والتي تتولى الشؤون المالية للقاعدة، وهم : “عاشور عمر عاشور” المكنى أبو يونس الحضرمي، و “عبدالله شاكر بن هامل”  المكنى أبو ياسين الحضرمي، و”عبدالله بادرة” المكنى أبو احمد الحضرمي.

وقد تطرق التقرير الى تفاصيل مهمة عن طبيعة فسادهم المالي واملاكهم، إضافة الى تقديمه عددا من المستندات والصور التي توثق هذا الفساد.

لكن التقرير اغفل ذكر بعض التفاصيل المثيرة حول هذا الثلاثي وعن السبب الحقيقي وراء سفرهم والجهة التي ألقت القبض عليهم وأين هو مصيرهم منذ أكثر من عامين.

وقد توصلنا في  “أخبار الآن” الى معلومات حصرية بهذا الخصوص، وبحسب قيادات رفيقة في التنظيم فإن هذا الثلاثي الحضرمي وبقيادة “أبو يونس الحضرمي”، كلف في العام 2021  بمهمة خاصة من قبل خالد باطرفي، و هي تسليم سيف العدل مبلغ مالي قيمته 10 مليون ريال سعودي.

تفرقة طبقية وفساد مالي.. باطرفي في مواجهة أعضاء القاعدة في اليمن

وبعد أن حصلت هذه القيادات الجهادية على جوازات سفر مزورة وشهادات دراسية مزورة أصدرتها لهم سلطات الأمر الواقع التابعة للحوثي من العاصمة اليمنية صنعاء، توجهوا جميعا إلى الحدود العمانية على أن يستطيعوا من هناك العبور بشكل غير رسمي الى السواحل الإيرانية لملاقاة سيف العدل، ومن ثم الانتقال الى السودان.

حسب مصادر جهادية متطابقة، فبعد ان تراجع اداء الذراع الاعلامي للتنظيم في اليمن، خلال السنوات الماضية، قدم يونس الحضرمي ” عاشور ” وهو احد مسؤولي الاعلام، مقترح للسفر الى السودان برفقة اثنين من اعلامي التنظيم و الاستقرار هناك، بهدف إعادة نشاط الذراع الاعلامي، وتطويره، قبل باطرفي المقترح، وابلغهم بالسفر الى إيران للقاء سيف العدل، ومن ثم السفر الى السودان.

لكن السلطات العمانية تمكنت من إلقاء القبض عليهم، ومصادرة المبالغ المالية التي لديهم، وأحبطت مخططاتهم.