رحلة سيف العدل من إبراهيم لـ حازم المدني

تحت اسم حركي هو “حازم المدني”، نشرت مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة رسالة وإصدارًا جديدًا لسيف العدل محمد صلاح الدين زيدان، الموصوف بأنه الأمير الفعلي لتنظيم القاعدة، وذلك بعد 6 أشهر من نشر نفس الرسالة على موقع مافا الإيراني التابع لصهره مصطفى حامد، أبو الوليد المصري، ليؤكد التنظيم من خلالها أن القيادي الأبرز فيه باقٍ في إيران، وأن متلازمة طهران تسري في دمائه.

ابن المدني.. الدور الخفي لـ"نجل سيف العدل" في اليمن

غير أن إعادة نشر الرسالة المعنونة بـ”الرمز بين الدين والإنسان” والتي نُشرت للمرة الأولى، في 21 أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، عبر موقع مافا الإيراني الذي يملكه ويديره مصطفى حامد، أبو الوليد المصري، حمل دلالات هامة لا ترتبط بسيف العدل فقط بل بنجله “خالد”، إذ عاد أمير القاعدة الفعلي لاستخدام لقبه القديم “المدني” إذ عُرف بـ”إبراهيم المدني” حينما انضم لتنظيم القاعدة أواخر عام 1989.

ففي الرسالة الجديدة تحول الاسم القديم لسيف العدل من “إبراهيم المدني” لـ”حازم المدني”، وهو تحول له معنى ودلالة جديرة بالملاحظة، فاستخدامه الاسم الحركي الجديد، رُبما يُوحي بوجود نوع من الخلافات الداخلية التي تتطلب حسمًا وحزمًا من أجل إتمام عملية التحول القيادي في تنظيم القاعدة، وهذا يُمكن استنباطه أيضًا من نص الرسالة التي يورد فيها سيف العدل عددًا من الجمل والنصوص التي تتحدث عن الخلافات بين الرموز الحقيقية والرموز المصطنعة، وفق قوله، والذين يقصد بهم قادة القاعدة المخالفين لنهجه ولتوليه الإمارة.

ابن المدني.. الدور الخفي لـ"نجل سيف العدل" في اليمن

مؤسسة السحاب الذراع الإعلامية للقاعدة اعادت نشر رسالة سيف العدل التي نشرت في موقع مافا الإيراني ولكن تحت الاسم الحركي الجديد لسيف العدل، حازم المدني.

وفي سياق متصل، يلفت إعادة استخدام لقب “المدني” إلى خالد بن سيف العدل، والذي كشفت “أخبار الآن” عن وصوله إلى اليمن وانضمامه لفرع التنظيم هناك تحت اسم حركي هو “ابن المدني”، منذ سنوات.

وظل سيف العدل يُعرف بلقب “المدني” طوال السنوات الأولى من تسعينيات القرن الماضي عندما كان مدربًا عسكريا في صفوف التنظيم، وللمفارقة فإن تلك السنوات شهدت سفره إلى اليمن، وهي الرحلة التي لم يتم تسليط الضوء عليها بصورة كافية، نظرًا لأن مهمة سيف العدل الأول في اليمن ورفاقه كانت فاشلة ولذا تجاهلها غالبية قادة التنظيم، ولم يتطرق لها سوى “فاضل هارون”، فضل عبد الله محمد، أمين سر القاعدة والشهير بـ”فازول” والذي كان الحارس الخاص لسيف العدل ومرافقه، في مذكراته التي وصفها بأنها رواية شبه رسمية لتاريخ القاعدة.

ابن المدني.. الدور الخفي لـ"نجل سيف العدل" في اليمن

خالد سيف العدل على طريق والده

ووفقًا لما أورده فاضل هارون في مذكراته فإن تنظيم القاعدة حاول تثبيت وجوده في اليمن، أواخر تسعينيات القرن الماضي، فسافر سيف العدل عام 1996 إلى اليمن، وكذلك كان خالد شيخ محمد، مسؤول اللجنة الإعلامية بتنظيم القاعدة ومسؤول تنسيق هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، متواجدًا في البلاد، وحاولا معًا إنشاء فرع قوي للتنظيم هناك، لكنهما فشل بل إن “شيخ محمد” أُلقي القبض عليه خلال التدريبات قبل أن يُفرج عنه في وقت لاحق.

وفشل تنظيم القاعدة، في نفس الفترة، في نقل شحنات أسلحة بين الصومال والمكلا اليمنية لكن المهمة لم تُنجز وقتها بسبب عدم جدية المقاتلين اليمنيين المحسوبين على القاعدة، حسبما أورد “فاضل هارون”، في مذكراته، وبعد هذا الفشل عاد سيف العدل إلى السودان، قبل أن ينتقل في أواخر عام 1996 إلى جلال آباد مركز ولاية ننجرهار الأفغانية مع أسامة بن لادن ومقاتلي القاعدة الآخرين، حيث نزلوا بعد بعد طردهم من السودان في ضيافة الملا يونس خالص، المنتمي للحزب الإسلامي الأفغاني وقتها.

وبعد مرور نحو 20 عامًا، اقتفى خالد سيف العدل طريق والده وانتقل إلى اليمن عن طريق ميناء المكلا، جنوب شرقي اليمن، مستخدمًا أسماءً حركية/ مستعارة أشهرها “ابن المدني”، ومحمد الحضرمي، بحسب مصادر قيادية في تنظيم القاعدة في اليمن.

وعمل “ابن المدني” كحلقة وصل بين الفرع اليمني للقاعدة والقيادة العامة/ المركزية للتنظيم “قاعدة خراسان”، وصار مقربًا من مجموعة الحضارم في تنظيم القاعدة (المحسوبة على خالد باطرفي) بما يعني أنه صار في قلب الصراع والتنافس على السلطة والنفوذ الذي يعيشه تنظيم القاعدة في اليمن.

“ابن المدني” في خدمة مصالح والده

ومن جهته، قال الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية صبرة القاسمي إن انتقال خالد نجل سيف العدل إلى اليمن هو أمر مؤكد من مصادر عدة على إطلاع وثيق على شؤون التنظيم، مضيفًا أنه انتقل إليها منذ قرابة 6 سنوات، لكن دون الإفصاح عن هويته الحقيقية أو قرابته من أمير القاعدة الفعلي.

وأضاف “القاسمي” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن انتقال خالد سيف العدل إلى اليمن، يأتي بالأساس ضمن محاولات والده لإحكام السيطرة على الفرع اليمني للقاعدة، مضيفًا أن الدور الرئيس لـ”ابن المدني” هو دعم والده خصوصًا أن القادة الكبار في تنظيم القاعدة لديهم أزمة أساسية تكمن في عدم وجود تواصل حقيقي مع جيل الشباب بالتنظيم مما يعني أن هناك فجوة بين الجيل الأكبر والأجيال الأصغر.

وأشار “القاسمي” إلى أن خالد سيف العدل منذ وصوله إلى اليمن قبل سنوات عمل على الترويج لوالده في أوساط شباب التنظيم، كما أنه برز رويدًا رويدًا في صفوف التنظيم نظرًا لأنه يمتلك خبرة عملياتية كبيرة اكتسبها من والده الذي دربه على صناعة المتفجرات والتكتيك العسكري بما يشمله من وضع الخطط العسكرية وتنفيذ أعمال حرب العصابات التقليدية وغير التقليدية.

وذكر الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية أن خطة سيف العدل تقوم على الاستفادة من عدم الكشف عن الهوية الحقيقية لـ”ابن المدني”، إذ يقوم نجله بالترويج له في صفوف التنظيم فيما يقوم الأمير الفعلي للقاعدة بتصعيد نجله في قيادة الفرع اليمني للقاعدة وذلك عن طريقة توصية قيادة القاعدة في اليمن بتوليته منصب قيادي مع الاحتجاج بكونه قيادي ذا خبرة عملياتية كبيرة، ومن ثم يتمكن سيف العدل من إحكام السيطرة على القيادة العامة للتنظيم، وعلى قاعدة اليمن في آن واحد.

وألمح صبرة القاسمي إلى أن تنظيم القاعدة يُحاكي ويتعلم من غريمه التقليدي تنظيم داعش، ولذا لجأ لتجهيل هوية قادته ففي الفترة الأخيرة لا يُعلن التنظيم عن زعيمه أو أميره، بصورة رسمية، وكذلك لا يعلن عن القادة المحليين أو غيرهم، متذرعًا بالضرورات الأمنية والتنظيمية، فيما يلجأ إلى الرسائل الضمنية التي يمكن إرسالها لقادة وأنصار القاعدة عبر وسائل عدة، منها على سبيل المثال رسالة سيف العدل: “الرمز بين الدين والإنسان” التي كانت عبارة عن توجيهات وخطاب لمعارضي التقارب مع إيران في تنظيم القاعدة، ومحاولة لاحتواء غضبهم بما يضمن تثبيت قدم سيف العدل في إمارة القاعدة.

 

متلازمة طهران التي لا تنتهي

ويتقاطع ما ذكره الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية، بصورة أو بأخرى، مع ما كتبه خالد سيف العدل في مقال بعنوان “إلى إخواني شباب مصر العظيمة تحية إكبار وإعزاز، والذي نُشر على موقع “مافا الإيراني” الذي يملكه ويديره مصطفى حامد، أبو الوليد المصري، في مارس/ آذار 2011، بعد تنحي الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك من الحكم إثر احتجاجات شعبية.

وتضمن المقال الوحيد المعروف لـ”خالد سيف العدل” إشارة إلى تلقيه تعليمًا وتدريبًا من والده سيف العدل، فضلًا عن أن المقال يعكس التماهي بل والتطابق في وجهات النظر بين سيف العدل ونجله خالد أو “ابن المدني”، إذ أن الأخير يحتفي بـ”الثورات والتظاهرات الشعبية” ويتحدث بنبرة متوددة لـ”المتظاهرين”، وهو نفس ما فعله والده في سلسلة كتبه “الصراع ورياح التغيير” التي بدأ نشرها منذ عام 2012، وحتى 2019 حينما نشر آخر كتبه المعنون بـ”كتاب الثورة” والذي انتهى من كتابته في أغسطس/ آب 2013، ونشرته مؤسسة السحاب قبل 4 سنوات.

ابن المدني.. الدور الخفي لـ"نجل سيف العدل" في اليمن

شجرة عائلة سيف العدل من زوجته أسماء ابنة مصطفى حامد

ومن الجدير بالذكر أيضًا أن مقال خالد سيف العدل نُشر عبر موقع “مافا الإيراني” المملوك لمصطفى حامد والد زوجة سيف العدل “أسماء”، وجد نجله “خالد”، والموصوف بأنه رجل إيران والمصاب الأول بمتلازمة طهران، وهو ما يعني أن “ابن المدني” يسير على نفس نهج جده أبو الوليد المصري، ووالده سيف العدل في ما يتعلق بالموقف من طهران.

ويبدو من مقال خالد سيف العدل أن نجل الأمير الفعلي للقاعدة يتمتع ببراجماتية كبيرة تمامًا مثل والده، ويعمل على تسويق نفسه للأجيال الجهادية الجديدة باعتباره وجهًا شبابيًا أقل تشددًا وأكثر حرصًا على “الحاضنة الشعبية” أو الجماهير التي يسعى التنظيم لكسب ثقتها ودعمها، كما يسعى للتأكيد على أنه متلاحم مع تيار الإسلام السياسي العام، حتى يضمن جذب أنصار جدد من أبناء هذا التيار، الذين يُعدون مخزنًا تقليديًا للاستقطاب والتجنيد من قبل التنظيمات الجهادية المحلية والمعولمة على حد سواء.

الحوزة الشيعية وخالد سيف العدل

وبدوره، قال الدكتور عمرو عبد المنعم، الباحث المتخصص في الجماعات الأصولية، إن اليمن ليست الدولة الأولى التي يحط فيها خالد سيف العدل رحاله بل سبق أن سافر بهويات وجوازات سفر مختلفة ومزورة إلى العراق وسوريا حيث عمل في الدعم اللوجيسيتي لخلايا تنظيم القاعدة، قبل أن يعود لإيران ويجتمع بوالده، سيف العدل، لفترة من الوقت ثم يُسافر بعدها إلى اليمن ويمكث هناك منذ سنوات.

وأضاف “عبد المنعم” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن خالد سيف العدل تلقى تدريبًا عسكريا في مرحلة المراهقة مع نجلي القيادي الجهادي مدحت مرسي، أبو خباب المصري، خبير المتفجرات والأسلحة الكيميائية البارز بتنظيم القاعدة والذي قُتل في عام 2008، وكذلك رافقهما في رحلة الخروج من أفغانستان في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2001، ثم استقر لاحقًا بإيران حيث تلقى تدريبًا في بعض المعسكرات هناك.

وكشف الباحث المتخصص في الجماعات الأصولية أن خالد سيف العدل تلقى تعليمًا في إحدى الحوزات التعليمية الشيعية في إيران، مما يعني أنه درس على الطريقة الشيعية وليس على الطريقة السنية التي تختلف في أصولها ومناهجها مع المذهب الشيعي، ولعل هذا يُفسر تأثره بالنهج الإيراني أو “متلازمة طهران”.

ابن المدني.. الدور الخفي لـ"نجل سيف العدل" في اليمن

وأردف الدكتور عمرو عبد المنعم أن خالد سيف العدل يخدم مصالح والده بوجوده في الفرع اليمني للقاعدة وخصوصًا في ظل الخلافات داخل فرع التنظيم هناك ووجود اتجاهين أحدهما اتجاه الجهاد المحلي/ القُطري الذي يؤيده سعد بن عاطف العولقي، عضو مجلس شورى التنظيم، واتجاه الجهاد العالمي/ الأممي الذي يُمثله خالد باطرفي أمير قاعدة اليمن.

وذكر “عبد المنعم” أن هناك خلاف داخل قيادة القاعدة في اليمن حول مسألة صحة إمارة سيف العدل لتنظيم القاعدة في ظل وجوده في إيران، وهذا الخلاف مشتعل بين اتجاهي الجهاد المحلي والجهاد العالمي، مضيفًا أن “ابن المدني”/ خالد سيف العدل كان له دور في تعميق هذا الخلاف، وهو في الحقيقة يسعى من أجلة خدمة مصالح والده، ويحاول أن يكون بديلًا لـ”أبو محمد المصري”، عبد الله أحمد عبد الله، الذي كان نائبًا لأمير القاعدة قبل مقتله في أغسطس/ آب 2020 بالعاصمة الإيرانية طهران، لأنه يُدرك أن كبار قادة التنظيم في اليمن لن يوافقوا على تولي سيف العدل إمارة القيادة العامة للتنظيم وهو موجود في إيران

ولفت الباحث المتخصص في الجماعات الأصولية إلى أن تنظيم القاعدة في اليمن هاجم، علانية، دول الخليج العربي وفي القلب منها المملكة العربية السعودية ودعا لتنفيذ هجمات في الدول الخليجية لخدمة المصالح الإيرانية معتبرًا أن طهران استخدمت التنظيم وأميره الفعلي “سيف العدل” لخدمة مصالحها السياسية.

ابن المدني.. الدور الخفي لـ"نجل سيف العدل" في اليمن

الخلاصة:

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن سيف العدل اعتمد على نجله “خالد” المعروف أيضًا بـ”ابن المدني” و”محمد الحضرمي” لاختراق تنظيم القاعدة في اليمن/ القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ودعم فصيل الجهاد العالمي المؤيد لنهج “سيف العدل” على حساب غريمه أو تيار الجهاد المحلي، بما يخدم مصالح الأمير الفعلي للقاعدة في نهاية المطاف.

ويعمل “ابن المدني”/ خالد سيف العدل على التغلغل في قلب تنظيم القاعدة باليمن واختراق مراكز القوى داخله وتوظيفها في مشروع والده، المتماهي مع الخط الإيراني، كما يظهر أن نجل سيف العدل تأثر هو الآخر بـ”متلازمة طهران”، مثل والده، وجده مصطفى حامد، وذلك يجعله يسير على الخط الموافق للتوجهات الإيرانية أو على الأقل الذي لا يتصادم معها، كما يفعل رواد اتجاه الجهاد العالمي في تنظيم القاعدة في اليمن وعلى رأسهم خالد باطرفي.

ابن المدني.. الدور الخفي لـ"نجل سيف العدل" في اليمن

وفي النهاية، يظهر خالد سيف العدل وكأنه نجح بعد سنوات من وجوده في اليمن في خلق تيار داعم لوالده وسياساته في إمارة تنظيم القاعدة، لكن هذا الدعم والتأييد يبقى خاضعًا للتقلبات والظروف التي يمر بها التنظيم، وهو ما يعني أنه قد ينقلب ضده في لحظة من اللحظات، ليُفشل مشروعه في اليمن كما سبق وفشل مشروع “سيف العدل” في البلاد في تسعينيات القرن الماضي.