كيف أصبحت المخدرات من أهم أسلحة الحوثيين والقاعدة؟

في مساء يوم الخميس 19 مايو/ أيلول 2022 بمديرية لودر بمحافظة أبين جنوب اليمن، أقدم الشاب (م.س) على قتل شقيقته ذات الأثنى عشر ربيعًا تحت تأثير المخدر، ليُفجع من هول ما اقترفه بعد أن استفاق من نشوته، الأمر ذاته تكرر في محافظة إب وسط اليمن بعد يوم واحد من الحادثة، عندما أطلق (ع.م) النار على والده ليسقط قتيلاً في لحظات، دون وعي منه كما يقول أقاربه، فقد كان حينها تحت تأثير مخدر الشبو.

فمنذ منتصف العام 2020 وبالتزامن مع تفشي فيروس كورونا عالميًا، استغلت مافيا المخدرات ضعف الرقابة في البلاد وانشغال الجميع بالجائحة، حيث بدأت أصنافٌ جديدة من المخدرات مثل (الشبو، الراتنج، والترامادول) تنتشر بشكل متسارع في أوساط الشباب في اليمن، ليسقط الآلاف من الأطفال والشباب في دوامة الإدمان، الذي بات كابوسًا يؤرق المجتمع اليمني، ولم يقتصر ذلك على الشباب والأطفال بل وصلت هذه الأنواع إلى النساء.

ترويج المخدرات.. صنارة الحوثيين والقاعدة لحصد التمويل والولاءات

ولكن مخدر الشبو كان الأكثر إنتشارًا، حيث بدأ الأمر من مدينة المكلا جنوب اليمن، وهي المنطقة التي تتواجد فيها خلايا من تنظيم القاعدة ثم أبين وعدن، وفي أواخر 2020 كانت الرقعة الجغرافية للإنتشار والتعاطي قد زادت توسعًا حتى وصل هذا المخدر إلى معظم المحافظات اليمنية.

ويعرف مخدر الشبو بأسماء أخرى كـ (الآيس والكريستال ميث أو المنشط النازي) وهو مخدر كيميائي يندرج ضمن (الأمفيتامينات) وتفوق خطورة (الشبو) جميع المواد المخدرة؛ لكونه يستهدف الخلايا العصبية، ويدخل فيها ويُدمرها تمامًا، حيث يمنح ‘الشبو’ متعاطيه النشاط والسلوك العدواني، وإدمانه “مكفول” من المرة الأولى، وتحت تأثيره تُرتكب أخطر الجرائم بحسب الخبراء، وتَكمن خطورة هذا النوع من المخدرات في سهولة تصنيعه بالإضافة إلى رخص ثمنه مقارنة بالأصناف الأخرى.

مدمنون بالصدفة

الجدير بالذكر أن معظم الشباب المُدمنين في اليمن، لا يعلمون كيف أصبحوا مدمنين خصوصًا في الآونة الأخيرة، حيث يقوم مروجي المخدرات وبائعوها بوضعها في مشروبات الطاقة والمُعسلات (الشيشة) والقات، يقول سامر (أسم مستعار) لـ “أخبار الآن” وهو يسرد قصته مع إدمان مخدر الشبو في محافظة تعز “لم أكن أتخيل أنني في يوم من الأيام سأصبح مدمن مخدرات، ولكن ما حدث أنني في يوم كنت مع أصدقائي في مقيل (جلسة قات)، وأحدهم أحضر لنا مُعسل (شيشة) ووضع فيها الشبو ولم نكن نعرف ما هو حينها”.

مُضيفًا: “بعد أن انتهت الجلسة كنت أشعر بدوار في رأسي، وأحس بأن جسمي بأكمله مُخدر، ولم أستطع القيام من مكاني، ومن يومها عرفت أنني أصبحت مُدمن، ولست أنا الوحيد، بل كل أصدقائي الستة الذين كانوا معنا أصبحوا كذلك”، موضحاً بأن تجار المخدرات يقوموا بإغراء المُدمنين بأعطائهم جرامات إضافية مجانًا إذا أحضروا لهم المزيد من الزبائن، “وهو ما قام به صديقنا معنا، وأصبحنا مُدمنين غصبًا عنا”.

مصيدة الإدمان لضمان الولاء

في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين الأمر أكثر إنتشارًا وسوءًا، حيث تقوم جماعة الحوثي بترويج المخدرات في أوساط الشباب وتجعلهم مدمنين، وذلك ليسهل عليهم استقطاب المزيد من الشباب لصفوف مقاتليها، والسيطرة عليهم، وهو ما حدث مع (هشام و مروان) الذي يقول والدهما لـ أخبار الآن: “كانوا أولادي في الصف الثالث الثانوي، في يوم 20 مارس 2021 تم إلزامهم من قبل ادارة المدرسة بحضور دورة ثقافية تبع الحوثيين، واخذوهم لمدة 15 يوم لم نعرف إلى أين، وبعد عودتهم بدأت ألاحظ أن تصرفاتهم أصبحت غريبة وأكثر عدوانية، بعدها عرفت أنهم يتعاطوا مسحوق الشمة أو البردقان (مسحوق من التبغ ومواد أخرى)، بينما لم يكونوا يتعاطون هذا من قبل وهو المسحوق الذي تروج له جماعة الحوثي، ويستخدمه معظم مقاتليها”.

ترويج المخدرات.. صنارة الحوثيين والقاعدة لحصد التمويل والولاءات

‎⁨مخدرات إيرانية تم تحريزها من مواقع عسكرية حوثية

ويردف قائلاً: “من يومها وأنا فقدت أبنائي، فقد كانوا يختلقون المشاكل في المنزل وقاموا بالإعتداء بالضرب على والدتهم وأخواتهم عندما لا يتعاطوا الشمة، حتى أن أحدهم قام بضرب أخته الصغرى حتى أدخلها المستشفى وهرب بعدها إلى الجوف لينظم إلى جماعة الحوثي، بينما الآخر عرفت منه مؤخرًا بأن الذي كانوا يتعاطونه ليست الشمة، وإنما نوع من المخدرات، والآن أصبح كالمجنون بعد ما امتنعت الجماعة واصدقائه إعطائه المسحوق ذلك إلا بمقابل مادي أو الإلتحاق بصوف مقاتليهم”.

الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في اليمن، تقول إن من يدير عملية تهريب وترويج المخدرات في اليمن هي جماعة الحوثي، وتنظيم القاعدة أصبح يعمل بالتواطؤ معها حيث فقد معظم مصادر تمويله مؤخرًا تؤكد كذلك بأن مقاتلي جماعة الحوثي خصوصًا من فئة الشباب، الذين تم اسرهم في جبهات القتال كان أغلبهم مدمنين.

ترويج المخدرات.. صنارة الحوثيين والقاعدة لحصد التمويل والولاءات

العميد خالد العامري – المتحدث الإعلامي باسم الإدارة يبين لـ “أخبار الآن” بأن قوات مكافحة المخدرات عثرت على أنواع جديدة من المخدرات الإيرانية في متارس مقاتلي جماعة الحوثي “عندما يتم أسر مقاتلين تابعين للحوثيين، كل اللي تم القبض عليهم في جبهات القتال كأسرى حرب وجدناهم مدمنين ومتعاطين للمخدرات يستخدموه كمحفز للقتال في عملياتهم، وتقريبا نجد في كل المتارس التابعة لهم، أنواع من المخدرات والأدوية المنشطة التي من خلالها تستطيع الجماعة السيطرة على مقاتليها، وتم تحريز قرابة طن من المخدرات والحشيش فقط الأماكن التي كانت تتمركز فيها قوات الحوثيين”.

ترويج المخدرات.. صنارة الحوثيين والقاعدة لحصد التمويل والولاءات

‎⁨مخدرات إيرانية تم تحريزها من مواقع عسكرية حوثية

مصادر للتمويل

نوري عامر – الباحث الجزائري في شؤون التنظيمات الإرهابية يفسر التخادم بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي فيما يخص تهريب وترويج المخدرات وإغراق اليمن بأصناف جديدة من المخدرات، ويقول: “تنظر الجماعات الإرهابية بشكل متزايد في الاتجار بالمخدرات كمصدر للإيرادات، لكن للاتجار في غالب الأحيان غرضاً ذا شقين بالنسبة للجماعات الإرهابية، فهي لا توفر الأموال فحسب، بل إنها تعزز الأهداف الاستراتيجية للإرهابيين، تعتقد بعض الجماعات الإرهابية أنها يمكن أن تضعف أعدائها عن طريق إغراق مجتمعاتها بالمخدرات والادوية التي تسبب الإدمان”.

من جهته يقول علي الذهب – الخبير الاستراتيجي والعسكري: “استغلت جماعة الحوثي وخلايا تنظيم القاعدة حالة التفكك التي تُعاني منها القوات الحكومية في المناطق المحررة، بزيادة عمليات الترويج والاتجار بالمخدرات في تلك المحافظات، وإغراقها بأصناف جديدة، بهدف تشتيت القوات الأمنية وإرباكها وإضعافها، وهي الاستراتيجية التي تعتمدها الجماعات المسلحة لتشغل أعدائها في مناطقهم، بدلاً من التركيز على مواجهتهم لها في الجبهات، وقد نجحت إلى حدٍ ما في ذلك”.

ترويج المخدرات.. صنارة الحوثيين والقاعدة لحصد التمويل والولاءات

يقول (م.ع) أحد الأفراد المنشقين عن تنظيم القاعدة في مأرب: “هناك أفراد وقيادات من التنظيم تختص بالعمل على تصنيع وتهريب أنواع من المخدرات، وذلك بهدف إيجاد مصادر جديدة لتمويل للتنظيم، مضيفًا أنه خلال عامي 2019-2020، كانت هناك كميات كبيرة تذهب إلى مناطق سيطرة الحوثيين من معامل التصنيع في حضرموت وأبين، وذلك من خلال محافظة مأرب وسط اليمن”.

نشاط متزايد

وتبين الإحصائيات أن خلال عام 2022 قامت القوات الحكومية في المناطق المحررة بالقبض على 400 شخص من مهربي ومروجي للمخدرات من ضمنهم 60 مهرب أجنبي، ومن خلال العمليات المكثفة لقوات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالتعاون مع قوات خفر السواحل، تم تحريز أكثر من 11465 كيلوغرام من الحشيش، بالإضافة إلى 1204 كيلو غرام من الهيروين، و390 كيلو غرام من الكوكايين، و212 كيلوغرام من مخدر الشبو، وكميات أخرى من الأدوية المخدرة والمنشطات.

ترويج المخدرات.. صنارة الحوثيين والقاعدة لحصد التمويل والولاءات

مخدرات إيرانية مُحرّزة

وتعتبر محافظتي المهرة وحضرموت من أكثر الأماكن التي تستخدمها مافيا الإتجار بالمخدرات من خلال التهريب البحري، وذلك بسبب طول الشريط الساحلي لهذه المحافظات والتي يصعب على قوات خفر السواحل مراقبتها، بسبب شح إمكانياتها بحسب وزارة الداخلية اليمنية.

ترويج المخدرات.. صنارة الحوثيين والقاعدة لحصد التمويل والولاءات

محمد عمر – الملازم في الجيش اليمني بمحافظة مأرب يكشف لـ “أخبار الآن” الطريق الذي كان يستخدمه تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي في عملية التهريب والاتجار بالمخدرات، ويقول: “كان مهربي المخدرات من تنظيم القاعدة والحوثيين يستخدموا جبل البلق الشرقي كطريق للتهريب، حيث ساعدتهم بذلك التضاريس والطبيعة الجغرافية في التخفي عن دوريات الجيش، وذلك من خلال ما تواجد عدد من المغارات في الجبل، التي كانت يستخدمها المهربين أماكن للإختباء والاستراحة والتسليم”، وهو الأمر الذي يؤكد صحة ما يقوله (م.ع) العضو المنشق من التنظيم.

الخلاصة

في الختام يرى علي الذهب أن التعاون بين القاعدة وميليشيا الحوثي في ​​تجارة المخدرات والاتجار بها في اليمن تطورًا مقلقًا في الصراع الدائر في البلاد “هذه الشراكة لا تغذي العنف المستمر فحسب، بل لها أيضًا تأثير سلبي على صحة المجتمع، من الضروري أن يتخذ المجتمع الدولي إجراءات لمعالجة هذه القضية والمساعدة إنفاذ القانون ويعتبر دور الحكومات والمنظمات غير الحكومية أمرًا حاسمًا في تعطيل هذه الشبكات الإجرامية وضمان مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا لشعب اليمن”.