طالبان منعت “مروة” من الدراسة فأصبحت تخاف الخروج للشارع

  • قررت الجماعة المتشددة منع التعليم الجامعي للفتيات
  • استولت طالبان على السلطة في أغسطس 2021

أمس الثلاثاء ما كان إلا نهار حزين جديد على فتيات أفغانستان، اللواتي ينتظرن منذ أكثر من عام قرارا من حكومة طالبان بالسماح لهن باستئناف التعليم الجامعي في أفغانستان، فإذا بوزارة التعليم العالي بحكومة طالبان، تعلن حظر التعليم الجامعي للنساء في أفغانستان إلى أجل غير مسمى، في رسالة وجهتها إلى جميع الجامعات الحكومية والخاصة.

وجاء في نص الرسالة المزيلة بتوقيع الوزير ندا محمد نديم: “أبلغكم جميعا بتنفيذ الأمر المذكور بوقف تعليم الإناث حتى إشعار آخر”.

مروة طالبة في جامعة كابول في كلية السياسة العامة والإدارة، هي إحدى ضحايا طالبان الكثر من طالبات الجامعة اللاتي تم منعهن من الدراسة بدون سبب مقنع للمجتمع الدولي سوى ما يردده المتحدثون باسم طالبان عن إيجاد بيئة مناسبة لخروج الفتيات للدراسة ووضع شروط شرعية لاستمرارهن في التعليم وذلك قبل القرار الرسمي بالأمس.

قابلنا مروة في كابول في أكتوبر 2021 عقب استيلاء طالبان على الحكم في أفغانستان مباشرة، وعقب إيقاف التعليم الجامعي هناك، وكانت مروة قد خرجت من المستشفى للتو إثر تعرضها لانهيار عصبي بسبب منعها من التعليم.

انهيار طالبة أفغانية.. من حلم السفيرة إلى المنع من التعليم

مروة فتاة طموحة، كان لديها أحلام كبيرة لمستقبلها المهني تم تدميرها على صخرة تعنت طالبان ضد تعليم الفتيات، فأصيبت بانهيار عصبي دخلت على إثره المستشفى، وعقب خروجها لاستكمال التعافي في منزل أسرتها بإحدى ضواحي كابول، التقتها “أخبار الآن”، كانت الفتاة ذات الوجه الملائكي مهزوزة مرتعشة اليدين، استقبلتنا بابتسامة ذابلة لتشرح لنا سبب انهيارها قائلة: “أنا طالبة في جامعة كابول في كلية السياسة العامة والإدارة وعمري 21 سنة ما جعلني أصاب بالانهيار العصبي، هو الوضع السيء المحيط بي فأنا غير قادرة على الخروج من المنزل أو الذهاب إلى جامعتي. ليس بوسعي متابعة تحقيق حلمي”.

تتابع مروة في حواره مع  “أخبار الآن”: “طالبان منعتنا من الذهاب للجامعة، فقد تم إغلاقها والجميع يعلم أن الذهاب إليها غير مسموح، عندما ذهبت إلى المستشفى كنت أعاني من مشكلة في صحتي النفسية والعصبية بسبب تأثير المجتمع الجديد علي، كنت أشعر أن كل شيء سيئ، كنت أفكر بأنه يجب أن أغادر هذا البلد غير القادر على تحقيق أي شيء لي”.

انهيار طالبة من أفغانستان.. من حلم السفيرة إلى المنع من التعليم والحياة

صورة لقرار منع الفتيات من التعليم الجامعي نشرها على تويتر ضياء الله الهاشمي المتحدث باسم وزارة التعليم العالي في أفغانستان

مروة: عندما أتت طالبان إلى كابول شعرت بالرعب

باقتضاب شديد تشرح مروة مشاعرها المتداخلة وسبب الهلع الشديد الذي تشعر به لوجود طالبان فتقول: “أنا خائفة لأن هذه الجماعة إرهابية وعندما جاءت إلى كابول شعرت بالرعب مما ستفعله هذه الجماعة في مستقبلنا”.

ربما تكون أحلام المرء هي ثروته الوحيدة وخبيئة أيامه التي يعيش من أجلها وحين يتم سرقة تلك الأحلام لا يجد أمامه إلا الانهيار هذا ما لخصته مروة حين قالت “عندما كنت في الجامعة كنت أحلم بأن أكون دبلوماسية، ثم ضاع حلمي”.

أنهت مروة حديثها سريعا بسبب حالتها الصحية والنفسية المتدهورة، رغم أنها استنجدت بنا لنخبر العالم عن ضياع حلمها وما يمثله لها إلا أنها أيضا واقعة تحت تأثير الخوف الشديد من حركة طالبان لو علموا أنها تعترض عليهم أو أنها مصابة بانهيار عصبي بسبب رفضها لحكمهم وتحكمهم في مستقبلها”.

والدة مروة كانت حاضرة في المقابلة وأكملت بدلا عن ابنتها شرح أسباب انهيار أعصاب فتاة جميلة في بداية حياتها فقالت الأم لـ”أخبار الآن” شعرت بالغضب الشديد عندما رأيت ابنتي تمر بحالة انهيار عصبي، فقد كانت مروة بصحة جيدة في السابق ولكنها اليوم تعاني من الأمراض في ظل عدم السماح لها بالخروج إلى الشارع”.

أخبر الأطباء والد ووالدة “مروة” بأن عليهما إسعادها، وأن سعادتها متمثلة في استكمال دراستها ولكن هذا العلاج ليس في يدهما، إذ قالت الأم التي طلبت إخفاء صورتها وصورة ابنتها خوفا على الأسرة من بطش طالبان “طلب منا الأطباء أن نسعد مروة وأن نصحبها لأماكن جديدة ونشجعها على الدراسة فهذا من شأنه إسعادها، ولكننا اليوم بهذه الحال لم يعد بوسعنا اصطحابها خارج المنزل، فقد كانت ابنتي تحارب لتحصل لنفسها على منزلة مرموقة وتجعل أهلها يفخرون بها، ولكنكم على دراية بالوضع الحالي والتحديات التي نعانيها لذا أصبحت مروة تخاف الخروج من المنزل”.

لمروة شقيقة أصغر عمرها 13 عاما، وهي أيضًا متوقفة عن الدراسة مثل باقي طالبات المرحلة الثانوية في أفغانستان، فقالت عنها الأم: “لدي ابنة أخرى عمرها 13 سنة وقد كانت في الصف السابع في المدرسة، تم إيقافها عن الدراسة مثل باقي فتيات المرحلة الثانوية، هي أيضًا حزينة من وضعها، فطلبت من والدها أن يصحبها إلى محافظة باذخشان حيث مقر عائلتنا على أمل أن يكون الوضع أفضل هناك، ولكنه عندما ذهب إلى الولاية وجد الصعوبات كثيرة حيث يمنع خروج الفتيات اللواتي في مثل سنها من دون برقع، لذلك فأنا أشعر بالغضب حيال ما جرى مع ابنتاي”.

وعن تطور حالة مروة المرضية أوضحت الأم “قبل مرض مروة كانت تتحدث معي حول مستقبلها وهدفها بأن تنهي دراستها في جامعة كابول، ثم تدرس الماجيستير في جامعة أوروبية وتصبح دبلوماسية تمثل أفغانستان في الخارج، ولكن عندما حرمتها طالبان من الجامعة، كانت تبكي كثيرًا وشعرت بالاكتئاب، ومرت 5 أيام وهي تعجز عن النوم. كانت متوترة للغاية ثم انهارت تماما بعد ذلك فنقلناها للمستشفى”.

انهيار طالبة أفغانية.. من حلم السفيرة إلى المنع من التعليم

 

محبوبة: طالبان لن يبيحوا التعليم في أفغانستان للفتيات.. حقا لن يسمحوا

 محبوبة سراج هي السيدة الأقوى في أفغانستان، والناشطة في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان، تقول محبوبة في حديثها لـ”أخبار الآن” “لم يقولوا أبدًا إنهم لا يسمحون للفتيات بالذهاب إلى المدارس أبدا، لكنهم لم يسمحوا للفتيات بالذهاب إلى المدرسة، بقدر ما يهمني هذا الأمر، لم نعد نثق.

نعتقد أنه بنفس الطريقة التي كذبوا بها آنذاك، سيفعلون الشيء نفسه الآن، هذا هو السبب، لأن الثقة انعدمت. عليهم أن يثبتوا لنا الآن أنهم يقصدون ذلك وأن هناك حقيقة لم يسمحوا لهن بالذهاب إلى المدرسة وفي الوقت نفسه، قالوا “نريد حقًا طبيبات نساء” حسناً، جيد ، تريدون طبيبات؟ لكن عليكم أن تبدأوا بالسماح للفتيات في هذا العمر بمواصلة التعليم ليصبحن طبيبات فيما بعد إن أردتم معلمات وطبيبات، فعليكم السماح لهن منذ الصغر بالذهاب إلى المدرسة والتعلم، إذا لم تسمح لهن في سن مبكر، فماذا سيتعلمن ليصبحن طبيبات؟

توقف حكومة طالبان تعليم الفتيات في أفغانستان اليوم من سن 13 عاما لحين وضع شروط حجابهن الذي يقصدون به النقاب أو تغطية الوجه بصفة عامة وخروجهن من المنازل بمحرم وكثير من الأمور الأخرى ، وعن ذلك الأمر تعلق محبوبة سراج قائلة “هؤلاء الفتيات في سن صغيرة، لا يحتجن إلى ارتداء الحجاب لكن عادة ما تكون الفتيات الصغيرات محجبات. يرتدين الزي الأسود للمدارس ولديهن وشاح أبيض جميل لتغطية رؤوسهن. فماذا يحتجن أيضاً؟

إنهن فتيات صغيرات، ثم بالنسبة لفتيات الجامعات، كلنا نرتدي الحجاب لسنا مضطرات لتغطية وجوهنا لأنه ليس في الإسلام، كما نعلم جميعًا، إن تفسيرهم للشريعة هو الذي يوضّح كل الاختلافات والصعوبات”.

الكثير من الأفغان الذين التقطهم “أخبار الآن” في أماكن متفرقة بأفغانستان يريدون الرحيل عن وطنهم اليوم ويبحثون طريقة للهرب واللجوء لأي مكان آمن، فهل حقا لا يوجد سبيل للتعايش بين طوائف الشعب الأفغاني، تشرح محبوبة سراج ذلك الوضع قائلة “هذا كل ما يحدث وهو ما لا ينبغي أن يحدث.

بمعنى آخر، يجب أن تكون هناك طريقة ما لنتمكن من العيش معًا. فكلنا أفغان، رجال، نساء، شباب، كبار، أطفال ، كلنا، وهذا بلدنا، ويجب أن نكون جزءًا منه، علينا أن نتحمل المسؤولية، ويجب أن نجعل حياتنا هنا بغض النظر عما يوجد في أفغانستان”.

محبوبة سراج: أعضاء طالبان يتحدثون عن التغيير لديهم ولكنهم في الحقيقة لم يتغيروا

تصريحات حركة طالبان تتحدث دائما عن تغيير في طريقة تفكير الحركة عن الماضي ، وعن حقيقة هذا التغيير من عدمه تقول محبوبة “أنا حقا آمل أن يفعلوا ذلك أتمنى ذلك حقيقة ولكني أعتقد أنهم لم يتغيروا، لأسباب كثيرة .

محبوبة سراج: طالبان وعدوا بالحفاظ على حق المرأة في التعليم والعمل مقابل المعونات ولم يوفوا بوعودهم.

محبوبة التي عادت إلى أفغانستان لتعُلي صوت المرأة تبدو يائسة من طالبان، ومن الأسباب التي تجعلها تعتقد بعدم تغييرهم لطريقة التفكير موقفهم من ملف المرأة وتعليمها ، لأنهم وعدوا بذلك في البداية قبل أن يعودوا إلى أفغانستان عندما كانوا يتحدثون في الدوحة وعندما كانت جميع الاتفاقات تجري معهم كان هذا أحد الأمور والوعود التي قدموها للعالم. قالوا للعالم إنهم سيسمحون لنساء أفغانستان بالعمل وسيسمحون للفتيات في أفغانستان بالدراسة ولأطفال أفغانستان بالذهاب إلى المدرسة”

انهيار طالبة أفغانية.. من حلم السفيرة إلى المنع من التعليم

وتضيف محبوبة “هذه كانت وعودهم العالم والمعونات تعتمد على ذلك، يضع الكثيرون ذلك شرطًا بشأن المساعدة التي يقدمونها أو يرسلونها إلى أفغانستان على سبيل المثال، يقولون إنهم إذا لم يفعلوا ذلك، فلن نمنحك المال مقابل الأمور التي تحتاجها وضع هؤلاء النساء في أفغانستان ليس جيدًا على الإطلاق على الاطلاق.وكل ما تراه حقيقة، لفتيات لا يذهبن إلى المدرسة، ووزارة المرأة مغلقة والنساء لسن جزءًا من الحكومة والفتيات لا يمكنهن الذهاب إلى الكليات والناس لا يستطيعون الذهاب إلى العمل وكل هذه الأمور. كل هذه الأمور موجهة ضدّ النساء.

وبنبرة حادة وغاضبة، تؤكد محبوبة سراج “إنه ليس سحر أو كلام غير ملموس هذا هو ما يحدث في الواقع، تشعر النساء الأفغانيات بالتهديد الحقيقي وبسبب الطريقة التي تم التعامل معهن بها فمن حقهن أن يشعرن بالتهديد إذا كانت طالبان تريد حقًا إحداث فرق فعليها إزالة هذا التهديد ضد نساء أفغانستان
والطريقة التي يمكنهم بها إزالة التهديد هي تغيير أساليبهم في التعامل مع النساء في أفغانستان.”

وتستطرد سراج حديثها عن قرار حكومة طالبان بغلق المدارس الثانوية في وجه الفتيات الأفغانيات فتقول “إن الحق في التعليم هو حق لكل امرأة ولكل رجل أيضا بل هو حق لكل إنسان على وجه الأرض وهناك الكثير من الصور الأرشيفية خلال ال20 عام الماضية تعبر عن الحرية والديمقراطية التي كان يعيشها الشعب الأفغاني والآن لم يعد ذلك موجودًا.”

محبوبة سراج: جزء من طالبان يطلق الوعود للفتيات وجزء آخر يمنع تعليمهن

وتصف محبوبة سراج، الحاصلة على لقب أقوى شخصية في أفغانستان مناصفة مع الملا عبدالغني برادر زعيم حركة طالبان، ما حدث للفتيات في واقعة منعهن من الدراسة بأنه شيء مؤلم للغاية للمرأة الأفغانية وتضيف” في الواقع لا نعرف من يقف وراء هذه القرارات ومن هو بالضبط من جماعة طالبان المسؤول عن ذلك حقا نحن نشعر بالقلق والمجتمع الأفغاني له ردة فعل قوية لهذا القرار فجميعهم ضده سواء نساء أو رجاء لأمهات هؤلاء الطالبات وآباؤهم
وفتيات أفغانستان أيضا ضده بشدة فقد كان هناك 5 ملايين ونصف مليون عليهم الانتقال من المرحلة الإعدادية إلى الثانوية لذا فعدد الفتيات اللاتي يصرخن من هذا القرار كبير جدا. وكذلك فهناك رد فعل قوي جدا في كل مكان بأفغانستان”.

وتوضح محبوبة أنه في بعض المقاطعات بشرق أفغانستان فإن المدارس مفتوحة وتعمل ولكن ذلك لم يحدث في كابول العاصمة كان يجب أن تفتح المدارس في كابول ولكن ذلك لم يحدث على عكس المتوقع.

سراج: القرار دمر كل شيء وأضر بالجميع. طالبان والشعب

ترى محبوبة سراج السيدة الستينية الناشطة منذ عقود في مجال حقوق المرأة الأفغانية “أن الحل الوحيد من وجهة نظرها هو فتح المدارس أمام الفتيات في أسرع وقت ممكن”

هذه الثقافة أتت من شخص ما فكما تعلمون عدد الأيادي التي تعبث في أفغانستان كثير ومن هي تلك الأيادي الأجنبية التي تتشبث بهذه الثقافة ومثل هذه القرارات ، الله وحده يعلم، فاستقرار أفغانستان ليس شيئا جيدا لكثير من البلدان وخاصة بعض جيراننا.

وأتى الإعلان عن سياسة التعليم العالي الجديدة بعد يوم واحد فقط من رفع علم طالبان على القصر الجمهوري، إيذانا ببداية حكم الإدارة الجديدة.

وتنطوي تلك السياسة التعليمية الجديدة على تغييرات كبيرة مقارنة بالممارسات المقبولة التي كانت سائدة في الجامعات في فترة ما قبل استيلاء طالبان على الحكم، إذ كان يسمح بالاختلاط في الجامعات، وكان النساء والرجال يدرسون جنبا إلى جنب، كما لم يكن هناك زي بعينه يفرض على النساء والفتيات في الجامعات.

خاصة بعد إعلان طالبان بالسماح بالتعليم للفتيات حتى المرحلة الإعدادية فقط. وعلى أي حال إذا لم يسمحوا لنا بالتعلم أو العمل سينتهي بنا الأمر إما بالخضوع لتلك الأوامر أو الفرار خارج البلاد ككثير من الشباب”.

واستبق البعض المستقبل المستشرف لتعليم المرأة في أفغانستان حين رجح البعض أن تلك القرارات الأولية  سوف تؤدي إلى حرمان المرأة في أفغانستان من التعليم الجامعي لأن الجامعات ليس لديها الموارد المالية اللازمة لإقامة قاعات محاضرات منفصلة للنساء.

كانت طالبان تضع العراقيل منذ البداية حتى تصل إلى قرار اليوم بمنع التعليم الجامعي للفتيات الأفغانيات، فيما يمثل كارثة إنسانية تستدعي تدخل منظمات المجتمع الدولي لمحاولة إنقاذ هؤلاء الفتيات من براثن التخلف والعودة بهن إلى عصور كاحلة الظلام.