بعد أن تعرفنا في الحلقة السابقة على تجمع الجمّالة في جمهورية موريتانيا الإسلامية ودورها الاجتماعي والانساني والأمني لإرساء الثقة بين المواطنين البدو والدولة، سنتعرف اليوم على دورها في جمع المعلومات الاستخباراتية للاستمرار في مكافحة الإرهاب محليًا وإقليميًا في إطار مجموعة دول الساحل الخمس التي تتضمن إضافة إلى موريتانيا، مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

إليكم هذا التقرير من قرية أشميم في ولاية الحوض الشرقي حيث قاعدة لعسكر الصحراء ومركز لتدريبهم.

  • هذه المنطقة تعتبر منطقة رخوة.. وهي التي تمكنت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أن تتواطأ خصوصا في الجارة مالي.
  • مركز تدريب الجمّالة لايقتصر دوره على تكوين أفراد.. وإنما يسعى إلى خلق إطار إقليمي أو دول.
  • بعد استحداث مقاطعات جديدة، تمكنت الدولة أن تحمي نفسها وتحمي مواطنيها من أن تدخل فيها العصابات الإرهابية، وأن تؤسس لها قاعدة على أرض الوطن.

من قاعدة أشميم في ولاية الحوض الشرقي، يتحضر عناصر تجمع الجمّالة للقيام بدوريتهم في تلك القرى الواقعة في أقاصي الصحراء. مهمة قد تطول أيامًا وليالٍ طويلة تصل حتى أربعة أسابيع.

إنهم مجهزون تجهيزًا كاملًا بالعتاد والمؤن الغذائية وغيرها من مستلزمات أعمالهم لتحمل مشقة الرحلة وطول فترتها. إذ يمكن لهذه الدورية أن تقطع مسافة 70 كيلومترًا في اليوم.

في تلك النواحي يلتقي الجمّالة بالسكان للتعرف على أحوالهم واحتياجاتهم المعيشية والصحية والتربوية ضمن مقاربة أمنية.

وإن كانت مهمة هذه الوحدات طابعها انساني واجتماعي لنشر الثقة بين المواطنين والإدارة الرسمية، لكنها تحمل في طياتها دورًا أساسيًا وهو الحفاظ على الأمن عبر جمع واستقصاء المعلومات للتعرف على احتمال وجود خطر يهدد أمن السكان والوطن.

الجمّالة

التعرف عن قرب على أحوال السكان

فذلك ما فسّره لنا المقدم أحمد العبد الله العلي، قائد تجمع الجمّالة التابع لقطاع الحرس الوطني في ولاية الحوض الشرقي. وقال “عندما نأتي إلى منطقة معينة تواجد بها سكانها الرُحّل، نقوم مثلا بإحصاء هذه الأفراد ومعرفة أصولها ومعرفة اتجاهاتها والانتجاعات التي تتجه إليها هذه الجماعات ونتأكد من أنها تملك أوراقًا مدنية، وهل تنقصها بعض الأشياء مثلا كالصحة أو كالتعليم؟ وهل تنقصها مثلا؟ نقاط مياه إلى غير ذلك… مما يمكنها من أن تعيش عيشة كباقي أفراد المجتمع المتواجدين في المدن”.

إن كان فض الخلافات البسيطة بين الأهالي هو من عمل الجمّالة المتخصصين في المجال القانوني لكن هناك مسائل أكثر تعقيدًا كما يقول المقدم العلي “نقوم أيضا فيما يخص بالمسائل القضائية بحل المشاكل الموجودة بين المواطنين إذا وجدت وإذا استعصت وكانت على جانب من الإجرام نقوم بتحويل الأفراد وإعطاء تحرير تقارير إلى الإدارة والسلطات القضائية لإيفاد وحدات من الدرك الوطني المتخصصة في المجال الريفي لحمل هؤلاء للقضاء وحل مشاكلهم في المقاطعات وفي الولاية بمدينة النعمة”.

أما المؤشرات التي تدل دوريات عسكر الصحراء على خطر وجود إرهابيين فهي غالبًا ما تكون موجودة في أسواق البلدات والقرى. هناك يمكن الكشف عن أي حركة مشكوك فيها كعملية شراء الأغذية بكميات كبيرة أو شرائح الاتصال الإلكترونية أو هواتف خليوية… فمن خلال الكشف عن عمليات شراء هذه المواد يبدأ العمل الاستقصائي والاستخباراتي لوحدات الجمّالة التي هي تابعة للقوات المسلحة.

الجمّالة

تبادل المعلومات مع القطاعات العسكرية الأخرى

كذلك شرح لنا المقدم العلي مؤكدًا أن وحدات الجمّالة تمكنت في السابق من القيام بدورها هذا ذات الطابع الأمني كأخذ المعلومات في مناطق لا يمكن أن تلجها السيارات، وذلك لأنها تقوم بدوريات على ظهور الإبل وتمشط المنطقة الحدودية الموجودة مع الجارة مالي واستخلاص المعلومات الأمنية الخاصة وتبادلها مع القطاعات العسكرية الأخرى المتواجدة في خط دفاع عن الحوزة الترابية.

موريتانيا تتقاسم شمالًا مع جارتها الجزائر، حدودًا صحراوية وعرة تصل إلى 463 كيلومترًا. أما شرقًا وجنوبًا فيصل طول حدودها مع جارتها مالي إلى 2.237 كيلومترًا. لذلك فإن هذه الدوريات لجمع المعلومات مستمرة للتأكد من عدم دخول المجموعات الإرهابية أراضي بلادها وخاصة من جهة الحدود المالية. فوحدات الجمّالة تقوم بمهام القوات في الجيش وفي القطاعات العسكرية الأخرى والدرك الوطني وفق ما أفادنا المقدم العلي الذي أضاف “بالنسبة للمنطقة الحدودية مع الجارة مالي، وقد شهدت هذه المنطقة تواجدًا لما بات يعرف بالحركات السلفية أو ما يعرف بالقاعدة في بلاد المغرب العربي (الإسلامي)… وقد ظلّت وحدة الجمّالة تقوم بالأدوار المنوطة بها في اتجاه استتباب الأمن والحفاظ على الحوزة الترابية وعدم السماح لهذه الجماعات بالدخول عبر الشريط المحاذي للحدود المالية فيما يعرف بقطاع مسؤوليتها “.

استحداث مقاطعات لمنع تغلل العصابات

تقع ولاية الحوض الشرقي عند الحدود مع مالي حيث تنشط عناصر القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وغيرها من التنظيمات التي تقوم بعملياتها الدامية على المواطنين. ولهذا السبب اعتبرت تلك المنطقة « منطقة رخوة » ما دفع بالسلطات الموريتانية لإعادة تقسيمها إداريًا. فاستحدثت بعض المقاطعات كي تتمكن من مراقبة أراضيها وضبط أمنها.

وقد عرّف لنا المقدم العلي معنى “منطقة رخوة” قائلًا إن “المنطقة الرخوة هي التي تمكنت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أن تتواطأ فيها وخصوصًا في الجارة مالي”.

وأضاف أن الحكومة انتبهت لهذا الأمر واعتمدت مقاربة أمنية تمنع المجموعات الارهابية من التوطن في موريتانيا. فكانت عملية استحداث مقاطعات مثل مقاطعة انبيكت الأحواش ومقاطعة أظهر ومقاطعة الشامي في الشمال. فقبل استحداث هذه المقاطعات كانت مناطق لا توجد إدارة فيها. وكانت قوة الجمّالة هي التي تقوم بالأدوار الإدارية والشرطة القضائية.

لكن، بعد استحداث هذه المناطق، كما يقول المقدم العلي “تمكنت الدولة في مقاربتها الأمنية المبنية على عدة مقاربات بما فيها المقاربة الاقتصادية وكذا، استطاعت الدولة الموريتانية والقوات المسلحة الموريتانية أن تحمي نفسها وتحمي مواطنيها من أن تدخل فيها هذه العناصر، وأن تؤسس لها قاعدة على أرض الوطن”.

الجمّالة

مركز تدريب الجمّالة لمجموعة دول الساحل الخمس

تتشارك موريتانيا وعدة دول منطقة صحراوية شاسعة تعرف بمنطقة الساحل. إنها تصل المحيط الأطلسي بالبحر الأحمر. وقد لجأت المجموعات الإرهابية المسلحة المختلفة الأسماء إلى تلك المنطقة التي تحولت مسرحًا آمنًا لها فأخذت تشن هجماتها الدامية على المواطنين الأبرياء، وتسرق خيرات تلك الدول.

ومن هذا المنطلق، هدفت الحكومة الموريتانية أن يصبح مركز تدريب وتأهيل الجمّالة في قرية أشميم مرجعًا إقليميًا لدول مجموعة الخمس لمنطقة الساحل وهي إضافة إلى موريتانيا، مالي، وتشاد، وبوركينا فاسو والنيجر.

فمن خلال هذا المركز يتم تدريب وحدات الجمّالة الموجودة في تلك المجموعة إضافة لتبادل الخبرات فيما بينها كما أكد لنا قائد تجمع الجمّالة في ولاية الحوض الشرقي “ما تصبو إليه قيادة أركان الحرس الوطني أن يكون هذا المركز لا يقتصر فقط دوره على تكوين أفراد الجمّالة، وإنما يسعى إلى خلق إطار إقليمي أو دولي. بالنسبة للدول التي تهتم أو لديها وحدات الجمّالة في دول الجوار مثلًا دول الساحل من بينها مالي وتشاد، ونصبوا أيضا إلى أن تكون باقي الدول الإفريقية كالسودان التي تمتلك وحدات الجمّالة، وما يعرف عندهم بالهجّانة أن يمكنهم من أن يكون هذا المركز مركز تكوين وتأهيل وتبادل الخبرات مع الدول الأخرى”.

تسعى الحكومة الموريتانية لنقل تجربتها هذه إلى شركائها في مجموعة الخمس في منطقة الساحل، والتي هي جزء منها. فمن أجل التنمية والاستقرار الأمني في المنطقة، وقعت هذه المجموعة المؤلفة من موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر على وثيقة إنشاء المجموعة في العام 2014، وتشدد هذه الوثيقة على أهمية تنسيق السياسات والاستراتيجيات فيما بين الدول الأعضاء.

الجمّالة

آراء المواطنين

أهمية هذه المقاربة الأمنية المبنية على عدة اعتبارات من بينها الصحية والاقتصادية ظهرت في لقاءاتنا مع بعض المواطنين في قرية أشميم الذين أشادوا بدور الثكنة العسكرية ومركز تجمع الجمّالة الموجودين فيها.

ويقول طالب مصطفى البنداري أن دور الجمّالة الأول هو الأمن فالبلدة نمت وكبرت “قد يدخلها قدر من المشاكل والنزاعات والاضطراب. وجود ثكنة عسكرية يعطي هيبة للمواطنين وتحل قدرًا من المشاكل”.

ويضيف المواطن سيدي محمد إن “قطاع الجمالة له دور كبير في إنماء البلدية وإحياء القرية. وذلك لناحية توفير الأمن وتخفيف النزاعات التي تخلق دائمًا في البلدات الخالية من الممثلين عنها ومن السلطات الأمنية”.

الجمّالة

العلاقات الإنسانية التي أقامتها وحدات الجمّالة مع الأهالي لاقت نجاحًا. لقد أصبحوا يعتمدون عليها في كل ما يحتاجون إليه وخاصة الأمن.

تجمع الجمّالة ليست المؤسسة العسكرية الوحيدة التي تعمل على حماية الأراضي الموريتانية من الهجمات الإرهابية وذلك من خلال توطيد العلاقة والتعاون مع المواطنين ومضاعفة العمل الاستخباراتي للكشف عن أي خطر محتمل يهدد أمنها. فهناك وحدة عسكرية أخرى أثبتت نجاعتها وهي قوات التدخل الخاص التي سنتعرف إليها في الحلقة الثالثة والأخيرة من برنامجنا المخصص لموريتانيا.