عمار الصنعاني.. حلقة جديدة من فضح العلاقة بين الحوثي والقاعدة

أكد تنظيم القاعدة في اليمن مقتل المسؤول العسكري والقيادي البارز به إبراهيم بن علي السنفي الملقب بـ “عمار الصنعاني“، داخل مدينة مأرب اليمنية.

واكتفى التنظيم بالقول إنه قتل في مأرب اليمنية، دون الإعلان عن كواليس مقتله. فقط حاول تنظيم الإشارة إلى أن الغارة التي تسببت في مقتله جاءت بالتزامن مع هجوم مقاتلي الحوثي على مأرب، دون الكشف عن طبيعة الدور الذي كان يلعبه عمار الصنعاني في المدينة أو ما إذا كان تواجده فيها مرتبط بالتنسيق أو العلاقة مع هجوم جماعة الحوثي.

تتوالى خسارة تنظيم القاعدة في اليمن لكبار القادة العسكريين من حول باطرفي. هل السبب فشل باطرفي في قيادة التنظيم أم بسبب تواطؤه مع الحوثيين في صفقة لضمان أمنه؟ نعود للخلف قليلا لتسليط الضوء علي أحد أدلة التعاون والتخادم بين القاعدة والحوثي في اليمن

ماذا يحدث في سجون الحوثي

عُرفت السجون في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي بفظائع التعذيب النفسي والجسدي، خصوصا بحق السجناء المحسوبين على من تعتبرهم المليشيا خصوما سياسيين أو حزبيين أو مذهبيين.

إلى جانب أن عددا من السجناء قتلوا تحت التعذيب، أصيب آخرون بعاهات مرضية بعضها سيلازمهم طوال حياتهم، كالشلل وغيره، في حين فارق الحياة عدد من المفرج عنهم، متأثرين بما تعرضوا له داخل تلك السجون.

وكنموذج على المعاناة داخل تلك السجون، كتب أحد الصحافيين المختطفين إلى زملائه قبل أيام: قوموا بأي شيء لإنقاذنا فنحن، نموت مئة مرة في اليوم الواحد.

غير أن هذه الوحشية الحوثية في التعامل مع السجناء، لم تصل إلى المحسوبين على تنظيمي القاعدة وداعش، بل إن هؤلاء حظوا بمعاملة ممتازة، وفق مصادرنا الخاصة.

سجناء القاعدة في معتقلات الحوثيين

يوجد في السجون الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي عدد كبير من أعضاء وقيادات تنظيم القاعدة الذي اعتقلوا خلال الأعوام التي سبقت سيطرة المليشيا على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء أواخر العام 2014.

لكن العدد بدأ بالتناقص منذ العام 2016 بعدما أفرجت المليشيا عن المئات من أعضاء وقادة التنظيم بذريعة “تبادل أسرى بمعتقلين” مع مقاومة البيضاء.

والغريب في الأمر هو أن مليشيا الحوثي تزعم دوما أنها تقاتل تنظيمي القاعدة وداعش في محافظة البيضاء، لكن حين يتعلق الأمر بعلميات الإفراج عن عناصر القاعدة، تدعي المليشيا عبر وسائل إعلامها أن العمليات تمت مع المقاومة الشعبية.

وفي هذا السياق، نفت قيادات في مقاومة البيضاء أن تكون المقاومة قد أبرت أية صفقة تبادل معها، مؤكدة لـ”أخبار الآن”، أن من تم الإفراج عنهم خلال السنوات الماضية، هم من عناصر تنظيم القاعدة.

أما عن عدد المفرج عنهم من تلك السجون منذ العام 2016، فقد تجاوز الـ400، بينهم قيادات من مستويات مختلفة، وفق مصادرنا الخاصة.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن عدد سجناء القاعدة المفرج عنهم هو ضعف العدد الذي رفعته الحكومة اليمنية إلى مجلس الأمن الدولي عام 2021.

ويعتبر القيادي جمال البدوي، المتهم بالمشاركة في استهداف المدمرة الأمريكية كول في شواطئ عدن عام 2000، أبرز المفرج عنهم من السجون الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وقد لقي مصرعه بغارة أمريكية في مأرب عام 2018.

ومن القادة البارزين المفرج عنهم، خبير المتفجرات، القيادي محمد عائض الحرازي، الذي تم الإفراج عنه من سجن الأمن السياسي في صنعاء عام 2016، ولقي حتفه بعد ذلك بغارة أمريكية في محافظة البيضاء وسط اليمن.

معاملة خاصة

يؤكد أحد معتقلي القاعدة المفرج عنهم من سجون جماعة الحوثي، أن الانطباع السائد عن وحشية الحوثيين داخل السجون، جعله يشعل بالرعب في البداية، لكن الأمر تغير في وقت لاحق، حين وجد واقعا مختلفا، على حد تعبيره.

السجين الذي لا يدرك أن التعامل الحوثي معه كان استثناء، بسبب التفاهم والتخادم بين المليشيا وتنظيم القاعدة، يتحدث بإعجاب عن “المعاملة الحسنة” داخل السجن، تجاهه وتجاه السجناء الآخرين المحسوبين على التنظيم.

ويضيف، لـ”أخبار الآن”: وفروا لنا معظم الخدمات التي كان المعتقلون على ذمة قضايا الإرهاب يحلمون بها ويُحرمون منها في السابق، من أكل وشرب، وتجهيزات النوم، وأمور القراءة والكتابة، وحتى التواصل مع الأسرة باستخدام الهاتف، إضافة إلى التواصل المباشر بين كل معتقلي التنظيم داخل السجن.

ويتابع السجين السابق الذي قرر ترك التنظيم، لأسباب لم يفصح عنها، أن أنصار الله (هكذا يسميهم) لا يتعاملون مع سجناء القاعدة وداعش بناء على التعليمات والتوجيهات الأمريكية الخاصة بملف الحرب على الإرهاب، كما كان يتم سابقا، في إشارة إلى فترتي هادي وصالح.

ولا يستبعد هذا السجين، في ختام حديثه، أن تكون مليشيا الحوثي تعتبرهم الأقرب إلى توجهها، وإن أظهرت عكس ذلك، لاشتراك الطرفين في عداء أمريكا وإسرائيل، على حد وصفه.

بتوجيهات عليا

ما تحدث عنه السجين السابق، أكدته مصادر مطلعة على وضع المعتقلين داخل السجون الحوثية في العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرة المليشيا.

حيث أوضحت المصادر، في حديث إلى “أخبار الآن”، أن مليشيا الحوثي حرصت على تحسين ظروف المعتقلين المحسوبين على تنظيم القاعدة، خصوصا في جانب التغذية.

وبحسب المصادر، يحظى سجناء القاعدة داخل سجني الأمن القومي والأمن السياسي في العاصمة صنعاء برعاية غير مسبوقة، مشيرة إلى أن هذا الاهتمام لا يمكن أن يحدث دون توجيه من القيادات العليا للمليشيا.

ولم يتوقف الأمر عند تحسين ظروف معتقلي القاعدة، بحسب المصادر، بل تجاوزه إلى أطلاق سراح عدد كبير منهم، رغم أن معظم المفرج عنهم اعتقلوا قبل أعوام على ذمة قضايا منظورة أمام القضاء.

المصادر أوضحت أن المليشيا تجاوزت أحكام القضاء السابقة في حق بعض سجناء القاعدة، وأفرجت عنهم، كخبير المتفجرات الحرازي الذي صدر في حقه حكم بالسجن 10 سنوات عام 2012.

ووفق المصادر، تحاول المليشيا إخلاء ساحتها، وذلك من خلال أخذ التزام شكلي من المفرج عنهم بعدم العودة إلى صفوف تنظيم القاعدة.

مبالغ مالية

إلى جانب الرعاية الاستثنائية التي حظي بها معتقلو القاعدة في سجون مليشيا الحوثي، حصل هؤلاء المعتقلون أيضا على مبالغ مالية عند الإفراج عنهم.

ووفق مصادرنا الخاصة، فقد مُنح كل سجين مفرج عنه 300 ألف ريال يمني، أي ما يعادل 500 دولار أمريكي، وذلك بعد التوقيع على تعهد بعدم العودة إلى صفوف القاعدة، وهو تعهد شكلي تحسبا لأية مساءلة في المستقبل.

وتؤكد المصادر أن المعتقلين الآخرين لم يحصلوا على شيء عند الإفراج عنهم، رغم أن عددا غير قليل منهم قضوا سنوات داخل سجون المليشيا، وتعرضوا لصنوف من التعذيب الجسدي والنفسي.

يرددون الصرخة

تدعم الحادثة التالية ما يُردد دوما عن وجود انسجام كبير بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة في اليمن، وإن حاول الطرفان إخفاء هذا الانسجام خلف مواقف متشددة من بعضهما، وهي مواقف مصطنعة لها دوافعها الخاصة بالنسبة إلى كل طرف.

يقول أحد الصحفيين إنه كان مسجونا في مدينة إب، وكان في السجن مجموعة من أصحاب اللحى المحسوبين على تنظيم القاعدة، لكن حين وقع قصف جوي مباغت، صمت الكل ولم يصرخ بشعار الحوثي “الله أكبر.. الموت لأمريكا.. إلخ” إلا من كانوا يقولون إنهم قاعدة.

في هذا السياق، يؤكد خبير في شؤون التنظيمات المسلحة، أن الموقف الحقيقي لقاعدة اليمن من جماعة الحوثي لا يختلف عن موقف حركة حماس.

ويضيف، في تصريح إلى “أخبار الآن”، أن موقف التنظيمين مرتبط بشكل مباشر بإيران التي تقدم الدعم لحماس وتغض الطرف عن تحركات قيادة تنظيم القاعدة داخل أو عبر أراضيها.

وبحسب الخبير، فإن هذا الأمر يفسر عدم تنفيذ تنظيم القاعدة عمليات داخل إيران أو ضد مصالح إيرانية في بلدان أخرى، رغم أن شعاراته تضعها في خانة الأعداء والأهداف المشروعة.

طبيعي وغير مستغرب

بشأن الرعاية والاهتمام الحوثي بمعتقلي القاعدة، يرى الصحافي والباحث سمير اليوسفي أن هذا التعامل طبيعي وليس مستغربا، وهو نتاج طبيعي للتخادم بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي. مشيرا إلى أن الميليشيات الحوثية بعد سيطرتها على صنعاء والمدن الرئيسية عام 2014 أطلقت أكثر من 250 سجيناً ومحتجزاً دون أحكام من النيابة كانوا في سجون الأمن القومي والأمن السياسي والسجن المركزي على ذمة قضايا إرهابية، والمتبقون حالياً في السجون ويحضون بمعاملة كريمة هم من أعضاء القاعدة غير القياديين يحتفظ بهم الحوثيون رهائن لضمان بقاء التخادم بينهم.

سجناء القاعدة لدى الحوثي: رعاية وانسجام وتخادم متبادل

ويضيف اليوسفي، في حديث إلى “أخبار الآن” أن هذا التخادم هو محصلة تفاهمات وتوافقات رعتها إيران مع قيادات القاعدة التي تعيش في كنفها أسفرت عن تعاون صار يجمع بين فيلق القدس وحزب الله وجماعة الحوثي.. مضيفا أن هذا الأمر لا يقتصر على حسن المعاملة في السجون، فهو موجود أيضا في جبهات القتال، وما حدث ويحدث في محافظة البيضاء التي توجد بها تجمعات للقاعدة على بعد بضعة كيلومترات من مواقع يتمركز فيها الحوثيون دون أي مناوشات بينهما خير شاهد.

وبحسب اليوسفي فإن مليشيا الحوثي والقاعدة تشنان حرباً على الدولة اليمنية منذ بداية القرن الحالي، ولدى الطرفين علاقة وتواصل مع إيران، ويعملان على تنفيذ أجندتها في اليمن تحت لافتة العداء لأمريكا بتناغم وانسجام يضبط إيقاعه الحرس الثوري وحزب الله اللبناني.

ويتابع أن التخادم بين ايران والقاعدة كان واضحاً في كل دول المنطقة باستثناء اليمن والسعودية حيث ظل غامضاً لأسباب عدة.. وكان لافتاً في عام 2008 قيام صحيفة الدايلي تلجراف البريطانية بنشر إشادة لتنظيم القاعدة بدور إيران المساعد له في الهجوم على السفارة الامريكية في صنعاء في سبتمبر 2008 . ومنذ 2012 برزت نشاطات لتنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية شبيهة بما حصل في العراق وصلت الى حد استهداف وذبح مجندين من محافظات شمالية ينتمون للمذهب الزيدي، وأيضاً قيامهم بعمليات إرهابية مصورة وسط العاصمة صنعاء استند لها الحوثيون ضمن ذرائعهم لإسقاط عمران والعاصمة صنعاء.. مضيفا أنه وبعد ذلك ظنت إيران أن بمقدورها السيطرة على اليمن شمالاً وجنوباً، فأوعزت لتنظيم القاعدة بتفجير مسجدي بدر والحشوش في 20 مارس 2015 لتعطي للحوثي بذلك مبرراً لاجتياح الجنوب الذي كان يروج أنه صار معقلاً للقاعدة.

وختم حديثه بالقول: عقب إعلان عاصفة الحزم عام 2015 سمحت إيران للقيادي المصري البارز في التنظيم الدولي للقاعدة سيف العدل، بممارسة نشاطاته من أراضيها بعدما كان رهن احتجازها منذ عام 2003.. وكان عربون هذه الصفقة قيام القاعدة في اليمن بالإفراج عن الدبلوماسي الإيراني نور أحمد نيكبخت، الذي اختطفته من وسط العاصمة صنعاء عام 2013، ومن يومها تحوّل تخادمهما إلى تعاون في الجبهات.

الخلاصة:

ما تقدم ليس أكثر من نموذج إضافي على العلاقة المشبوهة بين قاعدة اليمن وجماعة الحوثي، وقد ظهرت هذه العلاقة بأكثر من صورة وشكل في مواطن عديدة، كجبهات القتال وغيرها. إلى جانب ذلك، هو تأكيد إضافي أيضا على وجود دور محوري لإيران في هذه العلاقة.