القاعدة والحوثي.. “عداء” إعلامي وتعاون على الأرض

أمام شعارات “العُقاب السوداء” المميزة  لتنظيم القاعدة، وقف مسلحو الحوثي يلتقطون صورًا تذكارية بعد السيطرة على مديرية الصومعة (محافظة البيضاء- جنوب شرق العاصمة صنعاء)، في سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي انسحب منها مقاتلو القاعدة دون قتال.

وعبر منصات الإعلام الحربي التابعة للحوثيين، صُورت عملية السيطرة على مديرية الصومعة وكأنها عملية مكافحة إرهاب نموذجية، لتدعيم روايات الجماعة حول دورها في مواجهة التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم أنصار الشريعة، الفرع المحلي للقاعدة، وغريمه التقليدي “ولاية اليمن”، فرع داعش المحلي، والتأكيد على أن نهاية تلك التنظيمات في اليمن أصبح مسألة وقت، لكن بعد نحو شهر من سقوط الصومعة في أيدي الحوثيين، ضربت سلسلة تفجيرات إرهابية العاصمة اليمنية المؤقتة “عدن”.

وأعادت التفجيرات التي استهدفت مطار عدن الدولي، وموكب محافظ المدينة والقيادي بالمجلس الانتقالي الجنوبي  أحمد لملس، ووزير الزارعة والثروة السمكية سالم السقطري، الحديث عن “خلايا الموت” الإرهابية إلى واجهة الأحداث في جنوب اليمن، بعد أن توارت تلك الخلايا عن الأنظار، منذ سنوات، بفعل الضربات الأمنية المركزة التي نفذتها قوات مكافحة الإرهاب اليمنية بالتنسيق مع التحالف العربي لدعم الشرعية، ونظيرتها التي شنتها مقاتلات تابعة للجيش الأمريكي.

وتزامنت عودة “خلايا الموت” إلى عدن، مع تطورين هامين في اليمن، أولهما احتدام المعارك على الجبهات ضد جماعة الحوثي وخصوصًا في مأرب (وسط اليمن- شمال شرق العاصمة صنعاء)، وأتت تلك العودة لتخلط الأوراق وتحاول إحداث فراغ أمني في جنوب اليمن بما يخدم مصالح جماعة الحوثي التي تسعى للسيطرة على مناطق إستراتيجية جديدة في البلاد، وثانيهما إطلاق حملة دعائية منسقة أطلقها الجناح الإعلامي لقاعدة اليمن، شملت بث لقاءات مرئية لقادته البارزين وفي مقدمتهم خالد باطرفي، أمير التنظيم الحالي، ومساعده خبيب السوداني المعروف أيضًا بإبراهيم القوصي، ونشر كتيبات ومقاطع فيديو تعريفية بالتنظيم، الذي حرص، على نفي أي ارتباط بجهات إقليمية أو دولية- فضلًا عن الفواعل من دون الدول كجماعة الحوثي التي ركز “التنظيم” على إنكار صلته بها في جل رسائله الإعلامية- فيما عدا التنظيم المركزي/ قاعدة خراسان.

ورغم محاولاته لإظهار نفسه كمنظمة قوية وفاعلة، اعترف “أنصار الشريعة” بأن حملة مكافحة الإرهاب التي شُنت ضده أدت لمقتل 1600 من قياداته وأفراده، كما ساهمت في تراجع قدراته المادية وبالتالي التأثير على فاعليته العملياتية، لكنه أكد أنه سيواصل “حرب العصابات” التي يخوضها من داخل اليمن، ولن يوقف القتال أو العمليات الإرهابية.

 

خلايا الموت.. تعاون المصالح بين القاعدة والحوثي على أرض اليمن

ذخائر تركها مقاتلو القاعدة لتسقط بأيدي الحوثيين في الصومعة – المصدر: الإعلام الحربي

التشتت وفقدان الملاذات الآمنة

واعترف الفرع المحلي لقاعدة اليمن، ضمنيًا في سياق حملته الدعائية، بحالة التشظي، التي ضربته خلال السنوات الأخيرة، وتحوله إلى مجموعات مشتتة بعد خسارة المعاقل الآمنة التي حظي بها في جنوب اليمن، وكذلك خسارة مناطق نفوذه في مديريات الصومعة، و الزاهر (وسط اليمن، جنوب شرق العاصمة صنعاء)، والتي كانت من أواخر المناطق التي ينشط فيها بشكل واضح.

وأدت حالة الضعف التي ضربت التنظيم إلى لجوء مجموعاته/ خلاياه المحلية إلى العمل بشكل مناطقي لا مركزي وإنهاء حالة التنسيق البيني مع بعضها البعض، في حالات عديدة، وهو ما سرع من عملية التحولات التنظيمية الكبيرة داخل “قاعدة اليمن”، إذ انكمش “التنظيم العقائدي” بصورته التقليدية، وبرزت تيارات محلية عديدة  تحت راية التنظيم، وسط حالة من الشلل وانعدام الفاعلية التنظيمية التي نجمت عن عمليات “قطع رأس القيادة“، وتحييد العناصر الفاعلة ضمن البناء الهيراركي للتنظيم، فضلًا عن تنامي ظاهرة الشك في صفوفه، وسط تبادل قيادته اتهامات العمالة لأجهزة الاستخبارات الخارجية، و احتدام التنافس القيادي بين “الأمراء” البارزين، كما حدث بين مجموعة خالد باطرفي ونائبه سعد العولقي، وبين أبو عمر النهدي وأبو الوليد الحضرمي، أميرا التنظيم في المكلا وحضرموت (سابقًا)، على الترتيب.

ومع أن “قاعدة اليمن” سعى لإظهار  أنه تمكن من القضاء على خلايا “الجواسيس” التي تسببت في سقوط العديد من قياداته وعناصره البارزين، إلا أن رسائله الدعائية ضمن الجزء الأخير من سلسلة “هدم الجاسوسية”، كشفت حجم المعضلة الأمنية والاختراقات الكبيرة التي يُعاني منها، والتي اضطر معها، في نهاية المطاف، إلى إعلان العفو العام” عن الجواسيس الذين لم يتم ضبطهم، مقابل تسليمهم أنفسهم إلى لجنته الأمنية وتعهدهم بعدم العمل مع الأجهزة الأمنية والاستخبارية.

ونتيجة تراجع العوامل والأسس الأيدولوجية، تحولت “شظايا القاعدة” المدفوعة بدافع الحاجة للبقاء، إلى مجموعات أكثر براجماتية، وفي كثير من الأحيان سمحت تلك المجموعات لأنفسها أن تخدم أجندة أطراف محلية وإقليمية في الصراع اليمني، المندلع منذ نحو 7 سنوات، موظفةً سلاحها في خدمة مصالحها تمامًا كما تفعل مجموعات “المرتزقة”، بينما جمد العشرات من مقاتلي التنظيم عضويتهم به، وانشق آخرون نتيجة عوامل الضعف والانكسار التي ألمت به، وفقد آخرون الإيمان بالأفكار المؤسسة التي قامت عليها “القاعدة”، والتي فقدت بريقها في ظل الفشل الحركي المستمر، واقتتال قيادات التنظيم على الزعامة.

خلايا الموت.. تعاون المصالح بين القاعدة والحوثي على أرض اليمن

المقدم محمد النقيب، المتحدث باسم المنطقة العسكرية الرابعة في الجيش اليمني

بين القاعدة والحوثي والإخوان

وفي سياق متصل، عززت “شظايا القاعدة” من تعاونها مع جماعة الحوثي/ التي استخدمت التنظيم لتحقيق أغراضها ، على الرغم من استمرار آلة التنظيم الدعائية في تقديم صورة له قائمة على فكرة العداء المطلق مع الحوثيين، متجاهلةً الاعترافات السابقة لقادة بارزين بالتنظيم منهم رئيس لجنته الأمنية “إبراهيم أبو صالح” بالتعاون مع الجماعة في أكثر من مناسبة. 

كما انخرط العديد من عناصر التنظيم في علاقات مع حزب التجمع اليمني للإصلاح، الفرع اليمني للإخوان، الذي استعان بهم في جبهات قتالية ووظفهم لتحقيق أجندته الخاصة في اليمن، مقابل  تقديم دعم مالي ولوجيستي لمجموعات القاعدة، التي قبلت بهذا الدور لتحظى بفرصة أخرى للقتال ضد القوات اليمنية الجنوبية (قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، والأحزمة الأمنية وقوات النخب الشبوانية والحضرمية.. إلخ).

واستفاد التنظيم من علاقاته البراجماتية مع جماعة الحوثي من طرف، ومع الإخوان من طرف آخر، في إعادة هيكلة وتموضع ما تبقى من خلاياه النشطة، معتمدًا نهج التفاوض والتواصل السري مع الجماعتين السابقتين، فعلى سبيل المثال، خرج مقاتلو التنظيم من معقلهم الرئيس في قيفة (محافظة البيضاء)، ضمن تفاهم مع قوات الحوثيين التي سيطرت على المنطقة بعد انسحاب القاعدة وداعش منهما.

غير أن المثير للاهتمام في عمليات انسحاب “القاعدة” وإعادة تموضعها، كان توجه خلايا ومجموعات التنظيم إلى مأرب وغيرها من المحافظات التي تتواجد فيها القوات الجنوبية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، والتحالف العربي، ومشاركة “فلول التنظيم” في الاشتباكات التي دارت بين مجموعات الجيش الوطني المحسوبة على “الإخوان”، وبين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، بحسب ما ذكره المقدم محمد النقيب، المتحدث باسم المنطقة العسكرية الرابعة في الجيش اليمني، خلال مقابلة مع “أخبار الآن”.

وأظهر تنظيم القاعدة ميلًا للانخراط في أي تحالف يُقاتل ضد القوات المدعومة إماراتيًا، لاسيما وأن تلك القوات كان لها دور بارز في طرده من معاقله الرئيسية بجنوب اليمن، فضلًا عن مشاركتها-في العمليات المتواصلة ضد فلوله، كجزء من  إستراتيجية “الإمارات” الشاملة لمكافحة الإرهاب  في اليمن، والتي ركزت على تجفيف “خزان التجنيد البشري” للتنظيم، الذي كان يعتمد بالأساس على استقطاب أبناء القبائل اليمنية الجنوبية  مستغلًا المظالم المحلية وحالة الفقر المنتشرة بين صفوفهم.

مسؤولين وخبراء يمنيين: هجوم مطار عدن يحمل بصمات القاعدة بتعاون حوثي

وفي هذا الإطار، أوضح المقدم محمد  النقيب أن العناصر الإرهابية المنتمية لتنظيمي القاعدة وداعش، حاولا الانتشار داخل عدن والمحافظات الجنوبية، عقب تحرير مدينة عدن، منتصف 2015، لكن القوات الجنوبية التي تلقت تدريبات نوعية على مكافحة الإرهاب بدعم من “الإمارات”، أطلقت سلسلة عمليات متتالية لطرد القاعدة من جنوب اليمن، استهلتها بتحرير مدينة المنصورة، معقل التنظيم بالعاصمة المؤقتة، تلتها عمليتين متوازيتين، إحدهما لتحرير مدينة المكلا التي استولى عليها القاعدة بتواطئ من قيادات محسوبة على الإخوان (100 عنصر من التنظيم، سيطروا على المدينة التي كان يوجد 6 ألوية عسكرية بجانب قوات أمنية خاصة)، والأخرى قامت بها قوات النخبة الشبوانية (تابعة للمجلس الانتقالي) للسيطرة على مدينة عتق، مركز محافظة شبوة (وسط البلاد)، بجانب إحكام الطوق الأمني على  المناطق الريفية و الحدودية التي كانت تمثل منافذ لتسرب عناصر القاعدة من البيضاء ومأرب تجاه مدن الجنوب.

ووفقًا للمتحدث باسم المنطقة العسكرية الرابعة في الجيش اليمني، فإن فلول القاعدة انضموا إلى القوات الإخوانية التي هاجمت قوات النخبة الشبوانية في عتق، لاحقًا، وعقب خروج الأخيرة من المحافظة، وجدت التنظيمات الإرهابية فرصة للعودة على المحافظة، كما انخرط بعضهم في وحدات عسكرية بدعم إخواني.

التقاط الأنفاس وهجمات عدن الإرهابية

ومنحت حالة الارتباك وتعدد الفواعل والمليشيات المسلحة على الأرض، تنظيم القاعدة فرصة لالتقاط الأنفاس، وسعى التنظيم، في هذه الأثناء، لإعادة بناء شبكاته في جنوب اليمن وخاصةً في العاصمة المؤقتة عدن، بالتزامن مع انسحابه من الصومعة في سبتمبر/ أيلول 2021.

وعمدت خلايا التنظيم داخل عدن، بالتنسيق مع أطراف في جماعة الحوثي، لشن هجمات إرهابية واستهداف قيادات محلية وأخرى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، تنفيذًا لتكليفات وجهت لها بهدف زعزعة استقرار العاصمة المؤقتة، كما يقول اللواء أحمد سعيد بن بريك، القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في مقابلة حصرية مع “أخبار الآن”.

وأضاف “بن بريك” أن ازدياد العمليات الإرهابية في عدن، يُعزى إلى تسرب عناصر القاعدة من محافظات البيضاء، وتعز، وشرق أبين، مشيرًا إلى أن الوحدات الأمنية المسؤولة عن مكافحة الإرهاب تمكنت من معرفة ورصد تسرب الإرهابيين عبر مصادرها الخاصة، وبدأت في تعقبهم بعد معرفتها أنهم مُنحوا الضوء الأخضر لشن هجمات إرهابية، وإرباك المشهد داخل عدن، بعدما تكررت زيارات وفود أممية من الهيئة العام للأمم المتحدة ومن منظماتها الأخرى إلى العاصمة المؤقتة.

خلايا الموت.. تعاون المصالح بين القاعدة والحوثي على أرض اليمن

اللواء أحمد سعيد بن بريك، القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي

وعلى ذات الصعيد، يُظهر تحليل الهجمات الإرهابية الأخيرة التي تمت داخل عدن، وجود تشابه كبير في أسلوب تنفيذ الهجمات، وبروز الاعتماد على السيارات المفخخة والعبوات الناسفة الموجهة عن بعد، بجانب استعمال العبوات اللاصقة في تنفيذ الاغتيالات.

وأوضح اللواء أحمد سعيد بن بريك أن المعلومات الموجودة لدى الجهات الأمنية تؤكد أن خصائص وطُرق تنفيذ هجوم المطار، ومحاولة اغتيال محافظ عدن ووزير الزراعة اليمني، تعود إلى “نفس الخلية” التي تدربت على أعمال التفخيخ والتفجير خارج العاصمة المؤقتة وتحديدًا في مدينة تعز (جنوب غرب البلاد)، مستدلًا بهجوم المطار الذي نُفذ عبر ركن سيارة معبأة بكمية من “الديناميت والسي فور”، شديد الانفجار، وتم تفجيرها عن بعد لحصد أكبر عدد ممكن من الضحايا في نطاق التفجير، مشبهًا هذه العمليات بالهجمات التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد، خلال السنوات الماضية، وتورطت فيها فصائل ولائية مرتبطة بإيران لإرباك الحكومة العراقية.

وتابع: المستفيد الأول من هذه الهجمات هي جماعة الحوثي وكذلك جماعة الإخوان، ويتم تنفيذ تلك الهجمات عن طريق أذرع إرهابية كالقاعدة، وذلك ضمن تنسيق بين تلك الأطراف ، وذلك وفقًا للمعلومات والاعترافات التي حصلت عليها أجهزة الأمن في عدن.

وألمح القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إلى أن سيطرة الإخوان على شبوة ساعدت تنظيم القاعدة على إعادة ترتيب خلاياه، وسمحت لهم بالتدرب داخل معسكرات الإخوان العسكرية في المحافظة، ومن ثم انطلقت تلك العناصر لاستهداف مواقع وقيادات معينة في شبوة وعدن، مضيفًا أن تلك العناصر مسؤولة بشكل مباشر عن محاولة اغتيال محافظ عدن.

وبدوره، قال العميد الركن علي ناجي عبيد، الخبير الإستراتيجي المقيم في عدن، في تصريح خاص لـ”أخبار الآن”، إن المعلومات الاستخبارية الحالية تُشير إلى وقوف خلايا مرتبطة بتنظيم القاعدة وراء الهجوم الذي استهدف محافظ عدن، في حين تقف خلايا إرهابية مرتبطة بجماعة الحوثي وراء الهجوم الذي استهداف المطار الدولي، مضيفًا أن القاعدة والحوثي والإخوان يعملون بتخادم واضح ويوجد تعاون مشترك في ما بينهم.

خلايا الموت.. تعاون المصالح بين القاعدة والحوثي على أرض اليمن

العميد ناجي العربي، الخبير العسكري اليمني

كما رجح العميد ناجي العربي، الخبير العسكري اليمني، وجود تيار في تنظيم القاعدة، يعمل بتنسيق وتعاون مع الحوثيين خاصةً أن فكرة استخدام العبوات اللاصقة في عمليات الاغتيالات مستوحاة من فكرة التنظيم الذي نفذ عدد من عمليات الاغتيال في اليمن، معتبرًا أن الهدف وراء هذا التعاون هو “هدف سياسي” غايته إظهار عدن كمحافظة غير آمنة لكي لا تأتي الوفود الأممية والأمريكية إليها للجلوس مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي نجح في فرض نفسه كلاعب فاعل على الأرض، وأسس علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية.

هجمات بلا إستراتيجية

ورغم أن التنظيم سعى عبر الهجمات الإرهابية الأخيرة، والتي تبنى عددًا منها فقط في بيانات إعلامية صدرت باسم “أنصار الشريعة”، إلى تغيير صورة التنظيم المتضررة للغاية، وتصويره كأنه تعافى من الضربات المؤثرة التي تلقها على مدار السنوات الست الماضية، إلا أن جهوده ظلت قاصرة، حتى مع النشاط الدعائي المكثف الأخير له.

ومن اللافت أن “قاعدة اليمن”، أعاد نشر صور ، ومقاطع مرئية لقادته المقتولين، ولاسيما اليمنيين منهم، كما حدث في أواخر نوفمبر/ كانون الثاني الماضي عندما بثت مؤسسة الملاحم إصدارًا مرئيًا بعنوان “من أرشيف المجاهدين“، والذي حاول التنظيم خلاله الاستفادة من اللقطات الأرشيفية وإسقاطها على الواقع الحالي، أملًا في غسل سمعته واستقطاب مقاتلين جدد من أبناء القبائل اليمنية، لتعويض نزيف الأفراد وحالات الانشقاق التي حدثت به، مؤخرا.

بيد أن التدقيق في المحاولات الدعائية المستمرة لتضخيم قوة التنظيم، يبين حالة اليأس والارتباك التي يعيشها، ففي الوقت الذي يؤكد أميره “خالد باطرفي” على أن التنظيم باقٍ على استراتيجيته القديمة والقائمة على فكرة قتال العدو البعيد (الولايات المتحدة)، يظل التنظيم منخرطًا وموظفًا من قبل أطراف عديدة في صراع محلي استنزاف قوته وأضعف قدراته العملياتية بما يحول دون التخطيط أو الإشراف على هجمات إرهابية كبرى خارج الأراضي اليمنية أو حتى في داخلها.

وفي حين يُجاهد التنظيم لنفي حالة الضعف التي يعيشها، وترسيخ صورته الذهنية كخصم أيدولوجي لجماعة الحوثي، بما يضمن له فرصة أخيرة لمغازلة أبناء القبائل اليمنية، تكشف التطورات الميدانية المتلاحقة، أن أسطورة الفرع اليمني للقاعدة والذي عُدّ ذات يوم أقوى أفرعه الخارجية، قد تبددت بفعل الضربات والانتكاسات القوية التي تلقاها، ولم تعد دعاياه الموجهة عن العداء مع الحوثيين تُؤتي أكلها، خاصةً مع الكشف المتواصل عن وجود تعاون وتنسيق بينهما، تجسد بوضوح في اختيار قيادات بارزة بالقاعدة (كأبي ليث الصنعاني) لشغل مناصب تنفيذية ضمن سلطة الحوثي،  كما تجسد سابقًا في الهجمات الإرهابية التي حملت بصمات التخادم “الحوثي- القاعدي” المشترك، والذي سيساهم في كتابة الفصل الأخير من قصة “قاعدة اليمن” المثيرة للجدل.

الخلاصة:

  • “قاعدة اليمن” في أضعف حالاته، على الإطلاق، منذ تأسيسه، بعد الضربات المكثفة التي تعرض لها طوال 6 سنوات.
  • أدت حالة الضعف التي يعيشها القاعدة إلى تسريع التحولات التنظيمية التي تتم في إطاره، وصارت العديد من خلاياه تعمل بشكل براجماتي وتُوجه بواسطة أطراف أخرى لخدمة مصالح بعينها.
  • التنظيم يتعاون مع الحوثي والإخوان على الأرض ويهاجمهم عبر منصاته الدعائية.
  • القاعدة انسحب من محافظة البيضاء أمام الحوثي، وأعاد تموضع خلاياه في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية لشن هجمات ضد قوات “الانتقالي الجنوبي”.
  • خلايا القاعدة في عدن تورطت في محاولة اغتيال محافظ المدينة ووزير الزراعة اليمني، ونسق مع الحوثيين لضرب أهداف في العاصمة المؤقتة.
  • رغم التخادم القاعدي- الحوثي ونشاط خلايا التنظيم، مؤخرًا، إلا أن القاعدة لا زال عالقًا وسط صراع قيادي وارتباك إستراتيجي، بينما تنكشف يومًا بعد يوم زيف الدعاية التي يبثها للترويج لنفسه وإظهار أنه “باقٍ ويتمدد” في اليمن.