بدأت الديون المستحقة للصين تضغط على الإقتصاد الباكستاني المنهار أساساً، حيث ستصل مدفوعات الديون الخارجية إلى 14 مليار دولار نهاية السنة المالية الحالية مع مشروع الحزام والطريق (BRI). ومن المقرر أن تطالب البنوك التجارية في الصين بنحو نصف ذلك المبلغ.

  • مدفوعات الديون الخارجية المستحقة على باكستان ستصل إلى 14 مليار دولار مع نهاية السنة المالية الحالية
  • صندوق النقد الدولي عن قدرة باكستان على تحمّل الدين العام: التهديدات بحدوث انزلاق كبير تلوح بالأفق
  • معهد إصلاح السياسات: الإقتراض يخلق المزيد من الإقتراض ويترافق ذلك مع حصول أزمة حسابات خارجية
  • بكين تخفف وتيرة استثماراتها بباكستان نظراً للصعوبات المالية التي تواجهها شركاتها مع إسلام آباد
  • باكستان تغرق بالديون الكبيرة فيما الشركات الصينية لم تفي بالتزاماتها لناحية إنهاء العمل بالمشاريع

يعتقد الخبراء أنّ باكستان ستحتاج إلى التواصل مع السلطات الصينية قريباً لإعادة جدولة الديون، من أجل تخفيف الضغط على احتياطات النقد الأجنبي، البالغة 17 مليار دولار فقط، والتي يحتفظ بها بنك الدولة الباكستاني (SBP) اعتباراً من  شهر أكتوبر من العام الحاري.

يتحدث صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الإئتماني والباحثون المرقبون للوضع المالي والاقتصادي لباكستان، عن إشارات مقلقة حول مرور تلك الدولة بأزمة كبيرة في ما يخص سداد الديون وقضايا الإستدامة.

ويقول صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في أبريل الماضي، الذي يتناول قدرة باكستان على تحمّل الدين العام، إنّ التهديدات من حدوث انزلاق في السياسات والإلتزامات الطارئة تلوح في الأفق بشكل كبير. وقد وضعت وكالات التصنيف الإئتماني، S&P Global و Moody’s و Fitch Ratings، باكستان في أدنى مرتبة من تصنيف المضاربة.

من جهته، معهد إصلاح السياسات (IPR)، وهو مركز بحوث مقرّه في باكستان، حذّر في تقرير نشره في شهر أبريل الماضي، من أنّ سداد الديون الخارجية وخدمتها هي المشكلة الأكثر خطورة التي يواجهها الإقتصاد الباكستاني. ويضيف أنّه بدلاً من تحقيق النمو الإقتصادي، فإنّ الإقتراض يخلق المزيد من الإقتراض ويترافق ذلك مع توقع حصول أزمة حسابات خارجية.

“باكستان هي من البلدان التي تتجاوز فيها نسبة الدين الناتج المحلي الإجمالي بـ80 %، وتحتل المرتبة الثانية بعد سريلانكا من حيث نسبة الفائدة على الإيرادات

وقد أظهر تقرير البنك الدولي عن الديون لعام 2021، الذي يحلّل ديون بلدان جنوب آسيا، أنّ باكستان مختلفة عن الهند وبنغلاديش، ووضعها أقرب إلى سريلانكا. ويشير التقرير إلى أنّ باكستان هي من بين البلدان التي تتجاوز فيها نسبة الدين الناتج المحلي الإجمالي بـ80 %، وتحتل المرتبة الثانية بعد سريلانكا من حيث نسبة الفائدة على الإيرادات. غير أنّه إذا تمّ احتساب صافي إيرادات باكستان، باستثناء حصّة المقاطعات، فإنّها تحتل مرتبة أعلى من سريلانكا.

لقد أثار التشابه اللافت بين سريلانكا وملف ديون باكستان قلق المحلّلين، وقد أجرى البعض مقارنة بين اتفاقية ميناء غوادر الباكستانية وصفقة ميناء سريلانكا، التي وُقّعت في العام 2017 مع الشركة الصينية التي تديرها الدولة، من أجل عقد إيجار لمدّة 99 عاماً لسداد الديون الصينية.

قروض الصين بدأت توخز باكستان.. مخاوف من انزلاق كبير

فروخ سليم، عالم السياسة والاقتصاد والمحلل المالي الباكستاني

هل تتجه باكستان نحو التخلّف عن سداد دينها؟

ردّاً على السؤال أعلاه، سألت “أخبار الآن” فروخ سليم، وهو عالم السياسة والإقتصاد والمحلل المالي الباكستاني المقيم في إسلام أباد، عن رأيه في تلك الأزمة المالية الكبرى، فقال إنّ باكستان لم تتخلف يوماً عن سداد ديونها الدولية، مضيفاً: “يتمّ تصنيف الفئة المتخلّفة عن الدفع دائماً من قبل وكالات الإقراض، إذ يحق للمؤسسة التي تقرضك المال قانونياً أن تعلن تخلفك عن السداد. عادةً، لا تعلن الأطراف المتعددة أنّ الدولة متخلفة عن الدفع، لأنّها بذلك تخاطر بخسارة الأموال، وبدلاً من ذلك يفضلون دائماً إعادة التفاوض على شروط الإقراض لإعادة جدولة القروض أو إعادة هيكلتها على مدى فترة طويلة”.

تتعرض الإحتياطات الحكومية بالفعل لضغوط من أجل سداد القروض المتعدّدة الأطراف، والتي تبلغ 2.6 مليار دولار، وقروض الحكومة الصينية والبنوك التجارية البالغة 9.1 مليار دولار، واسترداد سندات اليوروبوند / سوكوك التي تبلغ 1 مليار دولار اميركي، وصندوق النقد الدولي البالغ مليار دولار، والتي تستحق نهاية شهر  يونيو من العام المقبل. كما تدين باكستان أيضاً بمبلغ 11.3 مليار دولار أمريكي لنادي باريس، و33.1 مليار دولار أمريكي لمانحين متعددي الأطراف، و 12 مليار دولار أمريكي لسندات دولية مثل سندات اليورو والسوكوك.

 وأبلغت وزارة المال الباكستانية مجلس الشيوخ مؤخراً، أنّه خلال السنوات الثلاثة الماضية، زادت ديون باكستان بمقدار 16 تريليون روبية (91 مليار دولار). وتكشف البيانات الصادرة عن وزارتي المال والتخطيط، أنّ إجمالي ديون الدولة في يونيو العام 2018 بلغت 25 تريليون روبية (142 مليار دولار)، والتي ارتفعت إلى 41 تريليون روبية (233 مليار دولار) بحلول أغسطس 2021.

 تبلغ مجلس الشيوخ الباكستاني يوم الجمعة الفائت أنّ الدين الداخلي ارتفع من 16 تريليون روبية (91 مليار دولار) إلى 26 تريليون (148 مليون دولار) خلال تلك الفترة. و على نحو مماثل، فقد ازدادت الديون الخارجية من 8.5 تريليون روبية (48.3 مليار دولار) إلى 14.5 تريليون روبية (83 مليار دولار) في نفس الفترة. وقالت الوزارة إن مجموع الفوائد التي دفعتها الحكومة  على هذه القروض بلغ 7.46 تريليون روبية (42.4 مليار دولار).

 إنّ الدين الخارجي يشكل  عنصراً من عناصر متطلبات النمو المالي الخارجي الإجمالي لأيّ بلد. في الوقت الحاضر، يبلغ معدل النمو المالي الخارجي الباكستاني نحو 29 مليار دولار بما في ذلك سداد الديون الخارجية البالغة 14 مليار دولار والعجز المتوقع في الحساب الجاري بقيمة 13 مليار دولار.

إن باكستان في وضع ينذر بالخطر. نحن في حالة ركود تضخمي مزمن، وقد لامس معدل نمو الإحتياجات الخارجية 29 مليار دولار، وقضية صندوق النقد الدولي لا تزال قائمة، والمنظمة التي تراقب عمليات غسيل الأموال عينها علينا، زد على ذلك أنّنا بصدد الإنفصال عن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي”، قال فروخ.

وبعدما شعرت بالذعر من ذلك الوضع، بدأت إسلام أباد تبحث عن قنوات مصرفية لمعالجة مخزون الإحتياطات الغارقة وتدهور وضع ميزان المدفوعات. وقد استطاعت الحكومة أن تجمع مبلغ 5 مليارات دولار من سندات اليورو وسوكوك خلال السنة المالية الحالية، وتواصلت مع الحكومة السعودية للتعهّد بدفع ما قيمته 4.5 مليار دولار من النقد والنفط على دفعات مؤجلة.

الإجراءات التي تتخذها باكستان لا يمكن أن تخفف الضغط على الوضع المالي، كما أنها لا يمكن أن توقف انخفاض قيمة العملة التي وصلت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار

 ومع ذلك، فإنّ تلك الإجراءات لا يمكن أن تخفف الضغط على وضع البلد المالي،  ولا يمكن أن توقف انخفاض قيمة العملة التي وصلت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار الأمريكي. وقد سجل الحساب الجاري الباكستاني الذي أظهر فجوة قدرها 2.5  مليار دولار في يونيو من هذا العام، عجزاً قدره 3.4 مليار دولار في الربع الأوّل من يوليو و سبتمبر.

 في غضون ذلك، تحرك بنك الإستثمار الإجتماعي لدعم احتياطات النقد الأجنبي وتعزيز الإقتصاد الذي يعاني من ضائقة مالية، من خلال تقديم تسهيلات مصرفية جديدة – حساب روشان الرقمي – للمساعدة في شراء العملات الأجنبية من الباكستانيين غير المقيمين. ويسمح التسهيل الجديد للباكستانيين في الخارج بالوصول إلى الخدمات المصرفية داخل باكستان من دون زيارة القنصلية أو السفارة أو الفرع المصرفي شخصياً.

 ولقد نجح بنك الإستثمار الاجتماعي في شراء حصة  تتجاوز 2.7 مليار دولار من خلال حسابات روشان الرقمية بتكلفة تقارب 7 % بشروط الصرف الأجنبي و11 % بشروط الروبية. “نسبة 7 % من العائد على الودائع بالعملات الأجنبية تعتبر نسبة كبيرة. وإذا أضفت ما يصل إلى 10 % من انخفاض قيمة العملة، فإنّها ستصل إلى 17 %، وهو أمر غير عملي  على الإطلاق لاقتصادنا  الوطني”.

منعت شركة التأمين الحكومية الصينية عدداً من مشاريع الطاقة والبنية التحتية في الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني بقيمة 13 مليار دولار لعدم دفع مستحقات القدرات الإنتاجية

وتنعكس مشكلة سداد الديون الباكستانية أيضاً على وتيرة العمل في الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني، حيث خففت بكين من وتيرة استثماراتها في باكستان نظراً للصعوبات التي تواجهها الشركات الصينية في التوصل إلى تسويات مالية مع إسلام أباد. ما يعني أنّ باكستان غرقت بالديون جراء تلك الإستثمارات فيما المشاريع لم تنتهِ.

وقد منعت شركة التأمين الحكومية الصينية، Sinosure عدداً من مشاريع الطاقة والبنية التحتية في الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني بقيمة 13 مليار دولار بسبب عدم دفع مستحقات القدرات الإنتاجية. 

وأدّى فتور شركة سينوسور في ضمان مشاريع الممر الإقتصادي الباكستاني إلى تأخير بناء مسار سكة الحديد، الذي يبلغ طوله 1733 كيلومتراً، والذي يربط ميناء باكستان البحري بالأجزاء الشمالية الغربية من البلاد، إضافةً إلى عدد من المشاريع المتعلّقة بالطاقة والتي كان من المفترض أن يبدأ توليدها نهاية شهر يونيو.

المساعد الخاص لرئيس الوزراء المعني بالممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني، خالد منصور، قال  للصحافيين مؤخرأً إنّه تمّ إطلاع السفير الصيني في إسلام أباد على قضية الضمانات. وقال إنّ الحكومة اتصلت بالسلطات الصينية لتتدخل. ويأمل منصور في إعطاء الأولوية للمشاريع المهمّة استراتيجياً مثل خط السكك الحديدية ML-1 وستة مشاريع للطاقة بما في ذلك مشاريع الطاقة غوادر وكاروت وكوهالا وآزاد باتان وتار وتال نوفا.

شاهدوا أيضاً: من أشدود إلى بيروت وحتى بنزرت.. لماذا تريد الصين السيطرة على موانىء المتوسط؟