• القاعدة في ذكرى سبتمبر.. قيادة غائبة وتنظيم متآكل
  • بعد 20 عامًا من سبتمبر.. القاعدة تخشى انقلاب “طالبان”
  • القاعدة خسرت حلفائها القدامى وفشلت في كسب أنصار جدد

منتصف يوليو/ تموز الماضي، وبينما كانت القوات الأمريكية تنسحب بوتيرة أسرع من المتوقع من أفغانستان، بعد نحو عقدين من إسقاطها “إمارة طالبان” في عام 2001، بثت مؤسسة السحاب الإعلامية، الذراع الدعائية لتنظيم القاعدة، إصدارًا مرئيًا بعنوان: “جريمة لا تُغتفر” تضمن لقطات أرشيفية لعدد من قيادات التنظيم.

وعقب بث الإصدار، الذي لم يحظ باهتمام أو زخم كبيرين، سادت مشاعر الإحباط  لدى “أنصار القاعدة” الذين انتظروا لوقت طويل، ظهور زعيمه أيمن الظواهري، بعد انتشار شائعات حول وفاته منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، لكن دلالات الإصدار تخطت خيبة الأمل لدى أتباعه، وعكست حالة التآكل والتصفية الداخلية التي يعيشها منذ سنوات عديدة.

وفي حين ترقب أنصار القاعدة ذكرى سبتمبر العشرين وعلقوا أمالًا جديدة على ظهور زعيم القاعدة، اكتفت مؤسسة السحاب بنشر كتابٍ جديدٍ لأيمن الظواهري بعنوان: “الكتاب والسلطان.. اتفاق وافتراق: تأملات في الفساد السياسي وآثاره في تاريخ المسلمين”، تجاهل، بشكل لافت، أي إشارة للهجمات الإرهابية الأبرز في مسيرة القاعدة، طوال صفحاته الـ852، أو للتطورات الحاصلة داخل أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد.

وحاولت القاعدة عبر الكتاب الجديد التسويق لأن “الظواهري” ما زال حيًا، عبر الإشارة إلى أن مقدمة الكتاب كُتبت في أبريل/ نيسان 2021، أي بعد نحو 5 أشهر من تداول أنباء وفاته نتيجة أسباب طبيعية، كما تضمن تأبينًا لعدد من قادة تنظيم القاعدة الراحلين منهم أبو الفرج المصري القيادي السابق بالتنظيم في سوريا (1956: 2016)، وأبو مصعب عبد الودود، أمير فرع المغرب (1970: 2020)، وأبو القسام الأردني (1967: 2020)، إضافةً للضابط المصري السابق هشام عشماوي، قائد تنظيم المرابطين، (1979: 2020)، ورفيقيه عماد عبد الحميد، قائد مجموعة الواحات الإرهابية بمصر (1978: 2017)، وعمر رفاعي سرور (1976: 2018).

ومع أن التنظيم اعترف في الكتاب الجديد للظواهري بمقتل عدد كبير من قادته المخضرمين، إلا أن رسائله الدعائية في الإصدارات المرئية لا تزال تحاول العودة للحظة ماضوية كانت “القاعدة” تسعى فيها لزرع أيدولوجيا الصراع الكوني في أذهان المسلمين حول العالم، حتى تنجح في الوصول إلى لحظة “الفسططة”، أي انقسام العالم لمعسكرين أحدهما يضم التنظيم وحلفائه وأنصاره، والآخر يضم جميع الدول والأنظمة السياسية التي يصفها بــ”الكفر العالمي”، عبر إثارة العواطف وتجييش المشاعر بسردية الدفاع عن الإسلام والمسلمين، على حد تعبير زعيمه المؤسس أسامة بن لادن.

ومن الواضح، أن “القاعدة” الذي يحرص في تصوير نفسه كمنظمة ديناميكية قوية وقادرة، يعاني من ضعف حقيقي  على جميع المستويات، ويحاول في خضم هذا الضعف إعادة تهيئة ظروف وأحداث سياسية ودينية انقضت، لتحقيق أي انتصار ولو بصورة دعائية على أرض الواقع، مع الاستمرار في السعي لترويج صورة أقل تطرفًا للتنظيم تحت قيادة “الظواهري”.

غير أن محاولة التنظيم للعب، من جديد، على وتر العاطفة الدينية لدى المسلمين وإثارة حميتهم ضد الأنظمة الحاكمة في الغرب والشرق، لم تلق الصدى أو الاهتمام المطلوب، بل ظهرت وكأنها تكرار لرسائل ومحاولات قديمة تعود إلى أوائل الألفية الحالية، والتي ساهمت الأوضاع السياسية والصراعات الجيوسياسية خلالها، في بزوغ نجم القاعدة، وهو ما يثبت أن قيادة التنظيم أصبحت منفصلة عن الواقع وغير مدركة للتطورات التي تحدث من حولها بعد مرور كل هذه السنوات.

انفصال عن الواقع.. ومغازلة لطالبان

ففي أواخر أغسطس/ آب الماضي، أعلنت الولايات المتحدة إتمام عملية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وعندها سارعت العديد من المجموعات الجهادية (أبرزها هيئة تحرير الشام)، وأفرع القاعدة المحلية (في اليمن ومالي وسوريا.إلخ) لتهنئة “طالبان” بالسيطرة على أفغانستان، بينما ظلت القيادة المركزية/ العامة للقاعدة صامتةً لنحو أسبوعين.

وفي نفس السياق، برر أنصار التنظيم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حالة صمت القيادة القاعدية بأنه “تجهيز لإصدار إعلامي كبير”، عقب رحيل آخر جندي أمريكي عن أفغانستان، كما ذكرت قناة “وريث القسام” عبر تطبيق تليغرام للتواصل الاجتماعي (محسوبة على التنظيم)، لكن القيادة العامة خالفت توقعات أتباعها، واكتفت بنشر بيان عنونته بـ”تهنئة الأمة الإسلامية على نصر الله في أفغانستان الأبية”، باركت فيه لزعيم طالبان “هبة الله أخند زاده” الذي وصفته بأمير المؤمنين وشيخ الحديث، السيطرة على البلاد، ودعت الشعب الأفغاني للالتفاف حوله، وإمداد القيادة الجديدة بالخبرات والكفاءات اللازمة لحوكمة وإدارة البلاد في ظل نظام “طالبان”.

القاعدة تعاني في ذكرى 11 سبتمبر.. هل حانت النهاية الحتمية؟

بيان القيادة العامة لتنظيم القاعدة الإرهابي لتهنئة جماعة طالبان

بيد أن اللافت في بيان قيادة القاعدة المركزية/ العامة، كان صدوره دون توقيع أيمن الظواهري أو أي من قيادات التنظيم البارزين، فضلًا عن إشارته للملا محمد عمر (زعيم طالبان التاريخي)، والملا جلال الدين حقاني (مؤسس شبكة حقاني، إحدى مكونات طالبان الأكثر تشددًا والمسؤولة عن ملف العلاقات مع القاعدة)، وكأنها أرادت إرسال رسالة ضمنية لبقية مكونات الحركة الأفغانية أنها على علاقة وثيقة بالشبكة المتشددة، وبالتالي لا يمكن اجتثاثها بسهولة.

ولعل الرسائل الضمنية التي احتواها بيان القاعدة تكشف عن المخاوف القديمة- الجديدة، لدى قيادة التنظيم من انقلاب طالبان عليها، وسعي بعض مكونات الحركة لاجتثاث القاعدة أو عدم السماح لها بالتواجد في أفغانستان أو على الحدود الأفغانية الباكستانية، خاصةً بعد إعلان الحركة، في أكثر من مناسبة، أنها لن تسمح للقاعدة أو غيرها من التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية بالعمل على أراضيها.

وتوضح رسالة وجهها أسامة بن لادن، زعيم القاعدة الراحل، لنائبه أيمن الظواهري، في الـ7 من مايو/ آيار 2008، خشية وتوجس القيادة العليا للقاعدة من تراجع وتصفية التيار الأكثر تشددًا داخل حركة طالبان، والذي مثل الملا داد الله (أحد قيادات طالبان المتشددين سابقًا) أحد أهم رموزه، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى سعي مكونات طالبان المرتبطة بالاستخبارات العسكرية الباكستانية (أي. إس. أي) إلى اجتثاث القاعدة وقتل أعضائها.

القاعدة تعاني في ذكرى 11 سبتمبر.. هل حانت النهاية الحتمية؟

مقتطف من رسالة بن لادن للظواهري عن مخاوفه من انقلاب طالبان على القاعدة

واعتبر “بن لادن في رسالته أن هناك محاولات من قبل تيارات داخل طالبان لتحجيم القاعدة، مبينًا أن تلك الحملة بدأت في أفغانستان منذ وقت طويل، وأن من يتزعمونها لديهم “شطحات في تأويل سفك الدماء”، بدعوى مصلحة الحركة الأفغانية، وبالتالي فمن غير المستبعد أن يقوموا بتصفية القاعدة إذا تعارضت مع مصالحهم.

السير بالقصور الذاتي: تنظيم بلا إستراتيجية

وعلى الرغم من البيئة المضطربة والعدائية التي يوجد بها التنظيم، إلا أن استجابته القاصرة للأحداث والتطورات خصوصًا في أفغانستان، وغياب قيادته العليا عن الظهور لوقت طويل، بجانب مقتل عدد كبير من القادة الفاعلين فيه، تُثبت أن التنظيم يواصل العمل بلا إستراتيجية واضحة.

ففي الوقت الذي تركز فيه القيادة المركزية للتنظيم على تعزيز سردية الحرب العالمية ضد ما تسميه قوى “الكفر العالمي”، تعمل أفرع التنظيم المحلية في إفريقيا وآسيا على تحقيق أجندتها الذاتية وسط الانخراط في نزاعات محلية لا تخدم غاية القاعدة النهائية.

وفاقم مقتل قيادات القاعدة البارزين وعلى رأسهم (أبو محمد المصري، نائب الظواهري، وأبو محسن المصري حسام عبد الرؤوف، المسؤول عن الجناح الدعائي، وقاسم الريمي، عضو مجلس الشورى العالمي في التنظيم) من تعقيدات الوضع الداخلي، إذ سرع من عملية التحولات الحرجة التي تتم داخل التنظيم، وعزز عزلة القيادة العليا التي يشرف عليها أيمن الظواهري، وصار “القاعدة” عبارة عن مجموعات لا مركزية غير مرتبطة بشكل وثيق ولكل منها أهدافها الذاتية، لكنها أبقت على تسميتها كأفرع تابعة للقاعدة كنوع من الاستثمار لرمزية علامته الجهادية المعولمة.

القاعدة تعاني في ذكرى 11 سبتمبر.. هل حانت النهاية الحتمية؟

على أن التمسك بـ”علامة القاعدة الجهادية”، ألقى بتحديات إضافية على عاتق الحركات المحلية التابعة له خصوصًا في سوريا، ومنطقتي القرن الإفريقي (الصومال)، والساحل والصحراء (مالي وبوركينا فاسو، والنيجر..إلخ)، لا سيما وأنه حفز الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول المنخرطة في جهود مكافحة الإرهاب لاستهداف تلك المجموعات لتحجيم نشاطها الإرهابي، ومنعها من تنفيذ هجمات تخدم أجندة القاعدة.

وربما يدفع التحدي الذي تفرضه حملة مكافحة الإرهاب الدولية، بجانب نجاح حركة طالبان (ذات الطابع المحلي/ القومي) في السيطرة على أفغانستان بما يمثله من إلهام للمجموعات المحلية، مع ضعف الروابط التنظيمية بين القاعدة والتنظيمات المحسوبة عليها في إفريقيا وآسيا، مجموعات القاعدة المحلية وفي مقدمتها حركة الشباب الصومالية، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في الساحل والصحراء، لقطع صلاتها بالقيادة المركزية، والتركيز بدلًا من ذلك على إحراز أهدافها المحلية بدلًا من الانخراط في صراع معولم لا يعود عليها بالنفع.

التعلق بـ”قشة الغريق”

وعلى صعيد متصل، تبدو القيادة المركزية للتنظيم حائرة ومرتبكة، بدرجة كبيرة، فرغم الانتكاسات التي تعرضت لها، والتحديات والتحولات الحرجة التي تمر بها، إلا أنها لم تسع لنقد أفكارها وممارستها أو إعادة صياغة رؤية القاعدة للتكيف مع المتغيرات العملياتية والحركية التي مرت بها.

واكتفت قيادة التنظيم الهرمة/ الشائخة، بمحاولة استقطاب جيل جديد من الجهاديين الشبان للانضمام إلى التنظيم ليواصل نشاطه الإرهابي، في ظل ضغوط من الأفرع الخارجية وخاصةً في سوريا لنقل القيادة والسيطرة من قبضة الجيل القديم إلى الجيل الأحدث في التنظيم.

القاعدة تعاني في ذكرى 11 سبتمبر.. هل حانت النهاية الحتمية؟

أبو القسام الأردني

وحاول أيمن الظواهري استيعاب الأجيال الأحدث في التنظيم والتي تختلف معه، إلى حد كبير، فأعلن البدء في مراجعات داخلية لإستراتيجيات وتكتيكات القاعدة، (بصورة شكلية فقط) كما حاول تقديم وجوه شبابية جديدة لتكون واجهة للتنظيم، فقدم حمزة بن لادن، نجل زعيم القاعدة المؤسس (قبل مقتله في 2019)، لأنصار التنظيم باعتباره امتدادًا لمسيرة والده الراحل، كما أجرى تعديلات على مجلس القاعدة القيادي/مجلس الشورى العالمي وضم أعضاء جدد له أبرزهم أبو القسام الأردني، القيادي البارز بالفرع السوري وصهر أبومصعب الزرقاوي، والمعروف بقربه من الجيل الجديد من”مقاتلي القاعدة“.

كما حاول التنظيم تقديم نفسه في ثوب أقل تطرفًا، في مقابل توحش غريمه التقليدي (تنظيم داعش)، فتبرأ أيمن الظواهري من داعش، بعد سنوات من التأييد والدعم له، وحاول التقرب من شباب وأنصار جماعة الإخوان، بعد الإطاحة بها من الحكم في مصر، أملًا أن يساهم ذلك في جذب أفراد جدد لتنظيمه.

ودعا زعيم القاعدة الحالي، في ظهوره الصوتي الأخير ضمن إصدار “الروهينغا جُرح الأمة كلها” في مارس/ آذار 2021، إلى تشكيل تحالف قتالي يضم جميع “الإسلاميين”، وتنحية الخلافات الموجودة بينهم جانبًا، في الوقت الحالي، كما حاول التنظيم أن يخطو خطوة سريعة في هذا الاتجاه، فأصدرت قيادته العامة بيانًا لدعم الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي.. إلخ)، خلال المواجهات الأخيرة بينها وبين الجيش الإسرائيلي في مايو/ آيار 2021، ناقضةً بذلك مواقفها القديمة حول تكفير تلك الفصائل واعتبارها مجموعات خارجة عن الإسلام.

إثارة شقاق جهادي جديد

إلى ذلك، أكدت محاولات القاعدة المستميتة لتجميع الحلفاء المتناقضين، على حالة الضعف الداخلي والتآكل الذي تعرض له التنظيم ودفعه للانقلاب على مواقفه القديمة والتراجع عن اختياراته الأيدولوجية المتشددة.

لكن تلك المحاولات آتت نتائج عكسية، إذ منحت “خصوم القاعدة” ذخيرة كافية لانتقاده والنيل من قيادته، فعلى سبيل المثال اعتبر أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم داعش سابقًا، خلال كلمة صوتية له بعنوان: (ما كان هذا منهجنا ولن يكون)، عام 2014:

أن قيادة القاعدة انحرفت عن منهج الصواب ولم تعد قاعدة الجهاد.. بل حرفوا المنهج وشقوا الصف.. وأصبحت تجري خلف الأكثرية وتسترضى أمة الإخوان والسرورية

أبو محمد العدناني المتحدث باسم تنظيم داعش سابقًا

كما وصفت مجلة النبأ الأسبوعية، الناطقة بلسان داعش، نهج القاعدة الجديد بأنه “تراجع صامت” على غرار المراجعات الفكرية التي أجراها تنظيم الجهاد المصري، في 2007،- والتي انتقدها أيمن الظواهري في حينها-، مضيفةً أن “الظواهري” ورفاقه “قرروا إغفال العقيدة وإزالة البراء من واقعهم، فالتقوا مع كل منحرف وضال وصاروا يحكمون على كل شيء بكل شيء إلا ميزان الشريعة.. وأن التراجعات الصامتة التي أجرتها القاعدة سرًا لسنوات أخطر بكثير من التراجعات العلنية القديمة لتنظيم الجهاد”.

ومن جهته، اعتبر أبو محمد المقدسي، المنظر الجهادي الشهير، خلاله تعليقه على موقف القاعدة أثناء جولة المواجهات الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل،  أن قيادة القاعدة جعلت قضية غزة وفلسطين “معيارًا للكفر والإيمان”، مضيفًا أن هذا “جاهلية مقيتة، وضلالة يحاول البعض أن يُلبسها لباسًا إسلاميًا”.

 

القاعدة تعاني في ذكرى 11 سبتمبر.. هل حانت النهاية الحتمية؟

وتعكس حالة السجال والشقاق الجهادي بين القاعدة وخصومه، حجم التغيرات التي جرت على منهجه وأيدولوجيته منذ 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وهي في جوهرها تغيرات فرضتها الضرورة على التنظيم الذي فشل في التأقلم والتكييف مع الأوضاع التي مرت به، طوال عقدين، والتي أفضت لتحوله لـ”مجموعة متكلسة” وغير فاعلة.

التنظيم الغائب عن حدثه الأهم

وعلى نفس الصعيد، غاب التنظيم، رسميًا، عن التحضير للاحتفال بذكرى الهجمات الأبرز في تاريخه، فرغم إطلاق أنصار التنظيم حملة دعائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإحياء الذكرى العشرين لهجمات سبتمبر، بمشاركة مؤسسات دعائية مناصرة (غير رسمية) أبرزها: (جيش الملاحم الإلكتروني، ومجلة ذئاب منهاتن.. إلخ)، إلا أن قيادة التنظيم وجناحها الإعلامي الرسمي مؤسستي السحاب، والفتح (التي أعلن عنها رسميًا بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان) غابت بصورة لافتة عن الأحداث.

واكتفت مؤسسة الفتح، حتى الآن، بنشر فيديو متواضع للغاية لتعليم استخدام البندقية الروسية (الكلاشنكوف)، دون أن تُشير من قريب أو بعيد لـ11 سبتمبر، بينما غابت مؤسسة السحاب بشكل كامل عن المشهد.

وفيما يبدي أنصار القاعدة الافتراضيين، حماسًا زائدًا بمناسبة مرور عقدين من الزمان، على هجمات سبتمبر، يظل العقل الحركي لـ”قيادة القاعدة” متوقفًا عند مرحلة زمنية أقدم، وعاجزًا على مواكبة المتغيرات الجديدة، ولعل هذا يُفسر لجوء التنظيم إلى استحضار صراعات وأزمات ماضية، أملًا في أن تؤدي إلى منحه بضعة أنفاس أخرى، لتُطيل عمر الفصل الأخير من رحلته، وتحول دون “تصفية القاعدة” في هذا التوقيت.

الخلاصة:

  • مع حلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، تبدو رحلة “القاعدة” وكأنها وصلت إلى محطتها الأخيرة، بعد عقدين من نشر الرعب والإرهاب في أنحاء العالم.
  • قيادة تنظيم القاعدة متكلسة وبعيدة عن الواقع، ولا زالت حبيسة لحظة ماضوية، ومرتهنة بفكرة الصراع العالمي بين فسطاطي الإيمان والكفر، من منظورها الخاص.
  • يمر القاعدة بمرحلة تحولات داخلية حرجة تعزز من الانقسامات الداخلية، وتسحب ما تبقى من البساط من تحت أقدام أيمن الظواهري ومجموعته القيادية القديمة.
  • تحاول القيادة الحالية للقاعدة التشبث بـ”قشة الغريق” عبر الدعو لتشكيل تحالف “إسلاموي” جديد يضم كل الجماعات والتنظيمات المسلحة، لكن دعوتها لا تلقى صدى حتى الآن.
  • سعت قيادة القاعدة لإبراز نفسها كنقيض أيدولوجي لتنظيم داعش، وحاولت رسم صورة أقل تشددًا لنفسها لكنها فشلت وتسببت في إثارة شقاق جهادي جديد.
  • خيبت قيادة القاعدة أمل أنصار التنظيم الافتراضيين، في أكثر من مناسبة، فرغم أن هؤلاء الأنصار ينتظرون تفاعلًا يتلائم مع طبيعة الأحداث والمتغيرات، إلا أن القيادة تعيش في عالمها الخاص بعدية عن الواقع، فيما تستمر “تصفية القاعدة”.